هل سيكون إنشاء صوامع قمح أفقية بديلاً من أهراء المرفأ؟
تاريخ النشر: 17th, September 2024 GMT
كتبت" النهار": أين سيُخزَّن القمح؟ فيما لبنان لا يملك أهراءً بديلة، أو صوامع صالحة للتخزين الموقت، ريثما يعاد بناء الأهراء المركزية.
لم تعدم الدولة الحيلة، وتعاونت مع المطاحن الكبرى لتخزين القمح المستورد في مخازن الأخيرة دون كلفة. وفيما الحل الذي اعتُمد منذ نحو 5 سنوات، لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، يحتاج الواقع إلى مبادرة جدية، تعيد بناء أهراء مركزية جديدة في مرفأ بيروت في أسرع وقت، أو تفريع التخزين، كما اقترح البعض، إلى أهراء عدة، تُبنى بالقرب من مرافئ المدن الساحلية، تسهيلاً لرسوّ بواخر الشحن.
بيد أن ما سبق يحتاج إنجازه إلى سنوات وربما أكثر، في ظل تعاظم الأزمة الاقتصادية والسياسية، وغياب التمويل، في وقت تحتاج فيه البلاد بصورة طارئة إلى صوامع، يُخزن فيها نحو 100 ألف طن متري من القمح المنتج محلياً، من أصل 500 إلى 600 ألف طن متري، يحتاج إليها ويستوردها لبنان سنوياً.
وبناءً على ذلك، يحاول وزير الزراعة عباس الحاج حسن، الدفع باتجاه بناء صوامع تخزين مناطقية للقمح، تابعة لوزارة الزراعة، تكون مخصصة لتخزين الإنتاج المحلي فقط، قريبة من حقول الإنتاج، تتوافر فيها مسارات النقل والتفريغ، وتُبنى على مساحات عقارية تملكها الدولة، محاذية لمواقع أو ثكن الجيش اللبناني لضرورات الأمن والحماية.
هذه الخطوة الوليدة، التي نال الوزير موافقة مجلس الوزراء عليها، لا تزال بحاجة إلى المزيد من المتابعة، والبحث عن مصادر التمويل.
ومع وجود مساحات كافية لتخزين القمح، سيبادر المزارعون إلى زيادة إنتاجهم، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار القمح عالمياً، بالإضافة إلى وجود مساحات صالحة لزراعته موزعة بشكل أساسي في مناطق البقاعين الأوسط والشمالي وعكار والضنية. وتقدر المساحات المشار إليها بنحو 300 ألف دونم، قادرة على إنتاج 250 ألف طن سنوياً، بما يعادل نصف حاجة السوق المحلية سنوياً.
ولكن، هل إنشاء صوامع قمح أفقية سيكون بديلاً من أهراء المرفأ؟
الحاج حسن يؤكد لـ"النهار" أن هذه الصوامع ستكون تابعة لوزارة الزراعة وهي حتماً ليست بديلاً من أهراء المرفأ التي لا يمكن الاستغناء عنها للتخزين الاستراتيجي للقمح بنوعيه الطري والقاسي إضافة الى الشعير. وتنحصر وجهة الصوامع الأفقية بتخزين المحصول المحلي المكدس الذي ستتعاون الوزارة مع المزارعين على إنتاجه.
وفيما تبدي وزارة الزراعة استعدادها لبناء صوامع تخزين أفقية، في أراضٍ تابعة لها، دون تحميل الخزينة أي أعباء، والتوجه لتأمين التمويل من المنظمات أو الجهات الدولية المانحة، فإن السؤال: من سيموّل المشروع؟ وأين ستُبنى؟
يكشف الحاج حسن أن برنامج الأغذية العالمي (WFP) ساعد وزارة الزراعة في إعداد دراسة حول إنشاء "صوامع قمح أفقية" وهو على استعداد لتسويق المشروع عند الجهات المانحة وفي مقدمهم الأمم المتحدة، مشيراً الى أنه سيبدأ التواصل مع نائب المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران رضا للبحث في التمويل. ولم ينس الحاج حسن شركاء لبنان في زراعة القمح، وهم كثر مثل "الفاو" والـUNDP و"أكساد" والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، بالإضافة الى الجيش الذي تكفل بحماية الصوامع والقمح من أي اعتداءات أو سرقة.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الحاج حسن
إقرأ أيضاً:
الأمن الغذائي: ركيزة السيادة وقوة الصمود الوطني
محمد البادي
ليس في الأمر مبالغة حين نقول إن رغيف الخبز بات سلاحًا، وأن سنبلة القمح تساوي طلقة في معركة البقاء.
فمن يقرأ التاريخ بعين البصيرة، وينظر إلى الواقع بعدسة الحقيقة، يشيب رأسه لا من كِبر، بل من هول ما يرى من تفريط، وغياب، وانشغال عن أخطر القضايا: قضية الجوع والسيادة.
قد تسقط دولة بلا جيوش وتنهض من جديد، لكن إذا سقطت في هاوية الجوع، فلن تنهض إلا بعد أن تدفع الثمن باهظًا: كرامةً، وقرارًا، ومستقبل أجيال.
وفي زمن تُحاصر فيه الشعوب لا بالسلاح وحده، بل بـ"لقمة العيش"، صار لزامًا أن نعيد ترتيب الأولويات: فلا أمن بلا غذاء، ولا سيادة لمن لا يملك قوت يومه.
لقد أُنفقت في العالم العربي مئات المليارات على ناطحات السحاب، والمدن الذكية، والقصور الزجاجية، والسيارات التي تُقاس قيمتها بالأصفار.
لكن كم استُثمر من هذه الأموال في الزراعة؟ كم أرضًا عربية خُصصت لزراعة القمح؟
الأمن الغذائي لا تصنعه المظاهر ولا ترف العواصم. فناطحة السحاب لا تُشبع طفلًا جائعًا، والشارع الفاخر لا يُغني وطنًا عن استيراد خبزه من الخارج.
ومن الحكمة -بل من الواجب- إعادة توجيه جزء من هذه الثروات نحو الأرض، نحو سنابل القمح، نحو الاستثمار في رغيف الخبز قبل أن ينهار الزجاج تحت وطأة الجوع.
لا يقلّ الأمن الغذائي أهمية عن إعداد الجيوش أو بناء المدارس والمستشفيات، بل هو الأساس الذي تقوم عليه كرامة الأوطان واستقرارها.
فالوطن الذي لا يزرع لا يملك قراره، ولا يصمد طويلًا أمام الأزمات.
والقمح -بما يمثله من غذاء استراتيجي- هو حجر الزاوية في منظومة الصمود، وسلاح الشعوب في زمن الحروب والكوارث.
رغم كل الموارد، لم تحقق أي دولة عربية حتى اليوم الاكتفاء الذاتي من القمح، وهو مؤشر خطير على هشاشة الأمن الغذائي.
فكيف لأمة تتحدث عن السيادة، وهي عاجزة عن إنتاج خبزها؟!
الاكتفاء الذاتي ليس وهمًا، بل ممكن بوجود الإرادة واستغلال ما تيسر من الموارد المائية، ولو دون مكملات غذائية أخرى.
ففي زمن الحصار، يكفي ما يسد الرمق ويُبقي على الكرامة، أما من ينتظر المساعدات، فلن يملك يومًا قراره.
وقبل تجهيز الجيوش، يجب تجهيز لقمة العيش.
فهذا من الأولويات التي لا تحتمل التأجيل. الحرب لا تُعلن متى تبدأ، ولا تُمهل حتى تستعد، والعدو لا يرحم حين يُحاصر، ولا يكتفي بالسلاح إن كان الجوع أشد فتكًا.
لهذا، يجب أن نسير في خطين متوازيين: تأمين الغذاء، وتجهيز الجيوش.
فلا نصر في الميدان إن كانت البطون خاوية، ولا صمود في الحصار إن افتقد الشعب خبزه.
من يقرأ التاريخ بعقل مفتوح، يعلم أن الحصار كان قديمًا يُكسر بالحيلة والدهاء والطرق الوعرة.
أما اليوم، فأدوات الحصار تراقبك من الفضاء، وتغلق عليك الهواء والماء واليابسة.
لم يعد الهروب ممكنًا، ولم تعد الخيارات متاحة كما في السابق.
هذا الواقع يفرض علينا وعيًا أكبر، واستعدادًا أعمق، وإرادة صلبة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي.
ففي النهاية، الكرامة الوطنية تبدأ من رغيف الخبز.
إن الشعوب التي تُتقن صناعة السلاح، لكنها تُهمل تأمين الغذاء، تُقاتل بنصف قوتها، وتنهار عند أول حصار.
فالسلاح لا يكفي إن لم تُؤمَّن البطون والعقول، ولا نفع لجيوش تُقاتل خلفها شعوب جائعة.
ولهذا، فإن الأمن الغذائي يجب أن يُعامل بوصفه جزءًا لا يتجزأ من منظومة الدفاع الوطني.
فالنصر لا تصنعه البنادق وحدها، بل تسهم فيه الحقول والمزارع وأيدي الفلاحين كما تسهم فيه المصانع والثكنات.
وحين نُدرك أن رغيف الخبز هو خط الدفاع الأول، نكون قد بدأنا فعليًا مسيرة الكرامة والسيادة.