مع سعي الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لمحاربة بعض مظاهر الفساد داخل القوات المسلحة، والتي ساعدت شبان على التهرب من أداء الخدمة العسكرية، أطلق أحد البرلمانيين مبادرة تهدف إلى "تجنيد المتحمسين" لقتال القوات الغازية، والحفاظ في الوقت نفسه على دوران العجلة الاقتصادية داخل البلاد، وفقا لما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" اللندنية.

وكان زيلينسكي قد أعلن، الجمعة، إقالة جميع رؤساء مراكز التجنيد العسكري في أوكرانيا من مناصبهم، على خلفية مخاوف تتعلق بالفساد.

وقال زيلينسكي إن "مراجعة لمراكز التجنيد العسكري في أوكرانيا كشفت عن علامات على مخالفات مهنية، تتراوح من الإثراء بطرق غير قانونية إلى نقل رجال مؤهلين للتجنيد عبر الحدود، رغم وجود حظر على ذلك في وقت الحروب".

وأضاف في بيان:  "هذا النظام يجب أن يديره أشخاص على دراية تامة بماهية الحرب، ولماذا يعد التهكم والرشاوى خلال الحرب خيانة"، وفقا لوكالة "رويترز".

"مبالغ باهظة مقابل الإعفاء الصحي"

وأوضح تقرير الصحيفة البريطانية، أنه "على الرغم من الحماسة الوطنية التي اجتاحت البلاد على مدار 18 شهرًا من الغزو الروسي الشامل، فإن بعض الرجال يائسون للهروب من الاستدعاء العسكري وهم على استعداد لدفع مبالغ باهظة للتملص منه".

وكان قد جرى منع الرجال الأوكرانيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 60 عامًا من مغادرة البلاد، منذ إصدار الأحكام العرفية في فبراير 2022،  ومع ذلك توجد بعض الاستثناءات للإعفاء من التجنيد.

ومن بين هذه الاستثناءات: الأوضاع الصحية غير الملائمة للخدمة العسكرية، وظروف الدراسة في الخارج، وإذا كان المطلوب للتجنيد ينتمي لفئة الآباء العزاب، أو لديه مسؤولية تجاه أكثر من 3 أطفال، أو يرعى شخصا معاقا.

وكشف تحقيق حكومي، جرى مؤخرا، عن وجود فساد بمراكز التنجيد في 11 منطقة مختلفة من البلاد، مشيرا إلى أن "قيمة الرشاوى تختلف من مكان إلى آخر"، بيد أن متوسط المبلغ الذي يتم دفعه عادة للتهرب من الخدمة، لاسيما عبر الحصول على شهادة طبية، يصل إلى نحو 6 آ لاف دولار.

وكان الدافع إلى التحقيق هو اتهامات بالفساد وجهت إلى رئيس مركز التوظيف الإقليمي في أوديسا في يوليو الماضي. واتُهم يفين بوريسوف، بأخذ أكثر من 5 ملايين دولار من الرشاوى مقابل منح العديد من الإعفاءات.

واعتمادًا على حصته من الرشاوى، التي تراوحت بين ألفي دولار و 10 آلاف دولار للفرد، ساعد بوريسوف المئات وربما الآلاف من الرجال في التهرب من التجنيد، وفق "فايننشال تايمز".

وقال المحققون إن معظم العائدات "استُخدمت لشراء فيلا بقيمة 4.2 مليون يورو في إسبانيا في ديسمبر،  والسفر بشكل غير قانوني إلى الخارج لقضاء عطلات ترفيهية، من بينها رحلة إلى جزر سيشل".

في المقابل، نفى بوريسوف الاتهامات، وقال محاموه إنه "لم يكن يعلم أن والدته اشترت عقارًا في إسبانيا"، مؤكدين أنه "بالإمكان التحقق من مصدر  أمواله، وعدم مخالفته للقوانين باقتناء بعض السيارات الحديثة التي كانت بحوزة أفراد من عائلته".

"الفرار عبر الحدود"

ومن لا يستيطع التهرب من الخدمة عبر الحصول على شهادة إعفاء طبي لكونها باهظة الثمن، فإنه يختار الفرار عبر الحدود الغربية المليئة بالثغرات.

وقال المتحدث باسم حرس الحدود الأوكراني، أنديري ديمشينكو، إنه جرى اعتقال 13600 رجل وهم يحاولون العبور إلى البلدان المجاورة، خارج نقاط التفتيش الرسمية.

ولفت إلى أنه "تم اعتقال 6100 آخرين حاولوا مغادرة البلاد باستخدام وثائق مزورة عند المعابر الحدودية العادية"، قائلا إن "الأرقام اليومية انخفضت في الأشهر الأخيرة إلى نحو ثلث ما كانت عليه في بداية الغزو".

ويمثل العدد الذي تم القبض عليه أثناء عبوره الحدود، أقلية من المجندين المحتملين في أوكرانيا، لكنه لا يزال يعادل حوالي 5 ألوية. يشار إلى أنه "من المستحيل" معرفة عدد الرجال الذين تمكنوا من الفرار دون أن يتم اكتشاف أمرهم.

وقال رجل يبلغ من العمر 40 عامًا، تمكن من العبور بشكل غير قانوني إلى رومانيا في أواخر يوليو الماضي، إن مغادرته البلاد عبر أحد المعابر "كان أمرا صعبا  وغير لائق"، دون أن يخوض في مزيد من التفاصيل.

وأوضح ذلك الرجل الذي أطلق على نفسه عبر وسائل التواصل الاجتماعي اسما مستعارا  هو "جورج إيفينسيا"، أنه "غير مستعد للقتال من أجل السلطات الأوكرانية الحالية".

ويزعم جورج أنه يتواجد حاليا في التشيك مع زوجته، وأنه يساعد الآخرين على الفرار من البلاد مقابل ألف دولار لكل شخص، مشيرا إلى أنه يتلقى حوالي 12 رسالة كل يوم من الرجال.

وزعم أيضا أنه يتلقى رسائل من نساء يكتبن نيابة عن أقاربهن وأصدقائهن من الذكور الراغبين في مغادرة البلاد.

وتعد مقاطع الفيديو التي تظهر تعاملا خشنا مع الشبان والرجال الذين لا يرغبون في تأدية الواجب العسكري، سمة منتظمة في وسائل الإعلام المحلية.

ولا يمكن تعبئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 25 عامًا، والذين لم يخدموا في الجيش من قبل، لكنهم ما زالوا ملزمين بالتسجيل في مراكز التجنيد والإخطار بأي تغيير في وضعهم.

"مبادرة للمتحمسين" 

وفي محاولة لتخفيف الاحتكاك بالناس والحد من الفساد، قدم النائب البرلماني، هيورهي مازوراشو، مبادرة من شأنها أن تسمح للرجال بـ"رفض التجنيد لأسباب شخصية أو دينية".

واعتبر النائب أن تلك المبادرة "ستجذب المواطنين المتحمسين للقتال دفاعا عن الوطن، وفي نفس الوقت تسمح لأولئك الذين لا يريدون أداء الخدمة العسكرية، بالبحث عن عمل والحفاظ على الاقتصاد قائما".

وقال مازوراشو: "يجب على السلطات أن تتوقف عن مطاردة أي شخص يحمل إخطارات التجنيد بشكل مخجل.. فهذا الأمر يقدم صورة سلبية للعدو لكي يستغلها ويكون لها تأثير سيئ على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، والحالة النفسية للشعب".

من جانبها، قالت القوات المسلحة الأوكرانية، إنها "لا تستطيع التعليق على أية مبادرة برلمانية".

"نظام قديم"

ويبدو أن جزءًا من المشكلة هو أن نظام التجنيد العسكري الأوكراني لم يتم تحديثه، حيث لا يزال بعض ضباط التجنيد يحاولون "ملء حصصهم من المجندين، من أجل الحصول على الترقيات".

وجرى تصوير ضابط تجنيد في منطقة فينيستيا وهو يتجادل مع والدة رجل معاق تم إعفاؤه من القتال من قبل لجنة طبية عسكرية، وذلك رغم أن هذا الشخص من أصحاب الاحتياجات الخاصة ولا يقدر على تناول الطعام دون مساعدة.

من جانبها، أعلنت القوات البرية الأوكرانية، أن هناك "أعدادا كافية من الرجال المسجلين لأغراض التعبئة الحالية والمستقبلية"، إذ أوضح المتحدث العسكري، فولوديمير فيتو،  أن "روسيا تعمد إلى نشر الخوف بين مواطني بلاده، وتشويه سمعة مكاتب التجنيد".

وأضاف فيتو، أن "الجيش يدين بشكل قاطع أي انتهاكات من قبل ضباط التجنيد، وأنه يتم التحقيق في جميع الادعاءات".

وتابع: "نحن مهتمون بأن يكون لدينا جنودا محترفين ومتحمسين"، لافتا إلى أن "تقليل عدد المتهربين من التجنيد يجب أن يتم من خلال المزيد من الاهتمام بتوعية المواطنين، وضرورة القيام بواجبهم في الدفاع عن البلاد كما ورد في الدستور".

وفي هذا السياق، قال ساشا، وهو رجل يبلغ من العمر 34 عامًا ويقيم في كييف ، إنه "سجل اسمه قبل شهر من الغزو"، مؤكدا أنه "كان مستعدًا للقتال إذا طُلب منه ذلك".

وقبل بضعة أشهر ، حصل على إعفاء لمدة 6 أشهر، دون رغبة منه لكونه "موظفا أساسيا"، واصفا نظام التوظيف بأنه "قديم ومليء بالوثائق المكتوبة بخط اليد، وغير متوافق مع احتياجات أوكرانيا الحالية".

وتابع: "إنهم بحاجة ماسة إلى التركيز على الأشخاص المتحمسين الذين يرغبون في تطوير حياتهم المهنية في القوات المسلحة".

وضرب مثلا بصديق له، وهو جراح من منطقة زابورجيا أمضى 3 أو 4 أشهر في ثكنات بناء الجيش، "على الرغم من أنه يمكن استخدام مهاراته بشكل أفضل في مكان آخر".

وختم ساشا بالقول: "لكن لا يمكننا رفض فكرة التعبئة العامة لأنه لن يكون لدينا عدد كاف من الناس.. نحن نقاتل جارًا ضخمًا مع عدد أكبر من السكان".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: إلى أن

إقرأ أيضاً:

السودان.. الجيش يكشف مقابر جماعية ويطلق سراح مئات المعتقلين

أعلنت القوات المسلحة السودانية، اليوم الخميس، إطلاق سراح 183 مواطنًا ومتقاعدًا من أفراد القوات النظامية، كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع في منطقة الصالحة جنوب أم درمان، في حين كشفت عن وجود مقابر جماعية تضم مئات الجثامين تعود لمعتقلين قضوا بسبب الإهمال وسوء المعاملة.

وفي بيان رسمي، أكدت القوات المسلحة أنها عثرت خلال عمليات التمشيط على مقابر جماعية تحتوي بعضها على أكثر من 27 جثة، مشيرة إلى أن عدد المعتقلين بلغ 648 شخصًا، توفي منهم 465 نتيجة نقص الغذاء والدواء والرعاية الصحية، وهو ما وصفه البيان بـ”جريمة إنسانية مكتملة الأركان”.

ويأتي هذا التطور بعد أيام من تقارير محلية أفادت بأن قوات الدعم السريع نفذت عمليات تهجير قسري ونهب وسلب واسعة، شملت عدة قرى شرق مدينة النهود في ولاية غرب كردفان، ما دفع سكانًا إلى النزوح الجماعي وسط تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية.

من جهتها، أكدت مصادر لموقع سودان تربيون، أن قوات الدعم السريع وسّعت انتشارها شرق النهود عقب استعادة الجيش السوداني، مدعومًا بالقوة المشتركة، السيطرة على مدينة الخوي، في وقت تتواصل فيه المعارك في مناطق متفرقة من البلاد.

وفي تطور بارز، أعلن الجيش السوداني قبل أيام اكتمال تطهير ولاية الخرطوم من عناصر قوات الدعم السريع، مؤكدًا أنه “طرد جميع عناصر المليشيا المتمردة من العاصمة”، وتعهد بمواصلة العمليات العسكرية حتى “تطهير آخر شبر من السودان من الخونة والعملاء”، بحسب وصف البيان العسكري.

وتشهد البلاد منذ 15 أبريل 2023 حربًا مدمرة بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أسفرت عن مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وسط عجز دولي وإقليمي عن فرض هدنة دائمة رغم محاولات الوساطة المتعددة من أطراف عربية وأفريقية ودولية.

وفي ظل هذه التطورات، تتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، بينما تتزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب بحق المدنيين.

آخر تحديث: 22 مايو 2025 - 17:11

مقالات مشابهة

  • ألمانيا لا تستبعد عودة التجنيد الإجباري
  • تقرير الطب الشرعى يكشف مفاجأة فى واقعة تعدى جد على حفيده بشبرا الخيمة
  • أفغانستان تجري محادثات مع روسيا والصين بشأن معاملات تجارية بالعملات المحلية
  • طالبان تجري محادثات مع روسيا والصين بشأن معاملات تجارية
  • من يقود العراق؟ تقرير عالمي يكشف انهيار النخبة في العراق
  • ماكرون غاضب من وزرائه بعد تقرير بشأن تأثير الإخوان في فرنسا
  • ألمانيا تعتقل شاب يمني بتهمة القتال مع الحوثيين في بمأرب
  • السودان.. الجيش يكشف مقابر جماعية ويطلق سراح مئات المعتقلين
  • تقرير يكشف المفارقة الصادمة في هجوم واشنطن ومقتل موظفي سفارة إسرائيل بواشنطن
  • كريم محمود عبدالعزيز يكشف عن بداية مشواره الفني.. تفاصيل