لجريدة عمان:
2025-06-10@18:35:15 GMT

السمّ في العسل

تاريخ النشر: 24th, September 2024 GMT

لم أكن وأنا أكتب مقالة الأسبوع الماضي حول موضوع ثقافة الأصداء، وهيمنة مواقع التواصل الاجتماعي، وحلول النصّ الإلكتروني بدل النصّ الورقيّ وسيادة ثقافة العبور البصريّ وتعميم المعلومات في بحر النت دون حسيب أو رقيب على وعي بأنّ الأجهزة الحاملة لهذه المعرفة يُمكن أن تتحوّل إلى أسلحة تدمير للبشريّة، واقعة لبنان وما فعله الكيان الإسرائيليّ بعناصر حزب اللّه إذ حوّل آلاف البشر في لحظة إلى مشاريع متفجِّرة بسبب ما يحملونه في جنباتهم من أجهزة تواصل "ذكيّة"واقعةٌ مفزعةٌ، مُرعبةٌ، دافعةٌ البشريّة إلى ما نادى به الرومانسيّون والطبيعيّون من ضرورة العودة إلى حياة البدايات الأولى، إلى حياة الانفصال عن مدنيَّة تتوجّه إلى قتل البشر، أكثر من توجّهها إلى تيسير حياة النّاس.

واقعةُ لبنان في تفجير أجهزة "البيجر" في وجوه مستعمليها، والقضاء على عدد منهم وإصابة الشقّ الأكبر بالعمى أو بإصابات مؤذيَة هي واقعةٌ تحملنا على التدبُّر والتفكير، بصرْف النظر عن طبيعة الصراع بين المتحاربين، وبصرْف النظر بين أحقيّة فعل ذلك من عدمه، فهذه الواقعة لها دلالة سيميائيّة عميقة، ولها أبعاد تدفعنا إلى التفكير في هذه الأجهزة الذكيّة التي صارت تُلازمنا وتحتوي حياتنا، ولا نقدر أن نعيش بدونها، في هذا الجهاز المحمول الذي أكتب عليه نصوصي، وفي أجهزة الاتّصالات التي تغمر بيوتنا، وفي طبيعة علاقتنا الوجوديّة بها. تذكّرتُ صديقًا أضاع يومًا هاتفه المحمول في المطار، فدخل في حالة هستيريّة رهيبة، وعلّة ذلك أنّ هاتفه المحمول فيه كلّ حياته، فيه تاريخ صور أبنائه، فيه بطاقاته البنكيّة، فيه رسائله الإلكترونية، يقول إنّه أصبح معزولا عن العالم، وأصبح غير قادر على التعامل مع النّاس، وعلى دفع مشترياته، ويحتاج وقتًا حتى بستعيد حياته، في هاتف جديد، السؤال الذي نكَّد على النّاس خلال هذا الأسبوع، هل أنّ هواتفنا الذكيّة ولوحاتنا الفطنة، وحواسيبنا العمليّة هي أجهزةٌ يُمكن أن تُستَعمل قنابل متفجّرة ضدّنا في كلّ لحظة؟ الإحساسُ بعدم الأمان هيمن على المفكِّرين والمثقّفين خلال هذا الأسبوع، وانتقلنا من مرحلة أن هذه الأجهزة غير آمنة في المحافظة على سريّة المعلومات، إلى مرحلة أنّ هذه الأجهزة غير آمنة في المحافظة على الحياة نفسها! هل نحمل في جيوبنا وبين أيدينا قنابل قابلة بضغط زرّ أن تنفجر في بيوتنا وفي وجوهنا؟ عبّر المفكّرون عن رعبهم من خطر التكنولوجيا الرقميّة، ومن شدّة أذيّتها، ومن قدرتها على التحوّل إلى أجهزة تدمير شامل، حيرةٌ كبرى على المستوى الفكري والتنظيريّ في التفاعل مع موضوع الساعة، وفي إبداء الرأي في علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، وبأجهزة التواصل الرقميّة والذكيّة. لقد توجّه الذكاء البشريّ عبر التاريخ إلى تدمير الإنسانيّة أكثر من توجّهه إلى تجويد حياة الإنسان، وإن قارنّا بين تطوّر علوم مقاومة الأمراض والأوبئة وتطوّر أدوات الحرب والقتل في العالم لوجدنا بونا شاسعا. لقد اعتبر خبراء أمميّون أنَّ ما فعلته إسرائيل من تفجير لأجهزة التواصل في وجوه آلاف النّاس جريمة حرب، وقلّة أدب، غير أنّ ما يعنينا نحن البشر لا الخبراء أنّنا أمام خيالٍ علميٍّ صار واقعا، كنّا نشاهد أفلام الخيال العلمي التي تصوّر أشخاصا وُضعت شرائح في أجسامهم وهم قابلون للتفجير دوما وللتخلّص منهم بالضغط على زرّ، صرنا هذا الأسبوع نحيا هذا الخيال، وفي اعتقادي فإنّ الفكر البشريّ سيعيد التفكير في علاقته بالتكنولوجيا الرقميّة، ففي حين كانت تُطرَح مسألة اغتراب الإنسان، وفقدانه لهويّته وتحوّله إلى الرقمنة، دور التقنية في الدفع إلى فقدان الإنسان لكينونته (هايدجر)، وبيان الدور الإيديولوجي للرقميّات والتقنيات (هابرماز)، سيطرَح مستقبلا أمن الإنسان في استعماله للتكنولوجيا. تجاوزنا إشكاليّة "هيمنة العلم والتكنولوجيا" على العقل البشريّ، وتحوّلها إلى يقين صارم، وإلى سلطةٍ فاعلة، إلى إشكاليّة "العلوم القاتلة"، تجاوزنا الصراع بين العقل المفكِّر المحلِّل والعقل العلميّ، ورصد الانتقال من عالم "يحكمه الفلاسفة" (أفلاطون) إلى عالم يحكمه "المهندسون". لقد تركّز الفكر الفلسفيّ في مباشرته لصلة الإنسان بالتكنولوجيا على بيان "فقدان الجوهر الإنسانيّ"، وعلى بيان تألية الإنسان، وتكريس الفكر العلمي الدوغمائي، في عالم يسيطر فيه العلم، ويدَّعي أنّه الأقدر على فهم العالم وتقديم أجوبة على كلّ أسئلته، يتحوّل العلم إلى عقيدة صارمة، وهو ما تلفظه الفلسفة وترفضه، بقول سالم يفوت "تعتبر الوضعانية، في نظر هابرماس، تعبيرا عن ذلك الجنوح إلى تحنيط العلم لدرجة يتحوّل معها إلى إيمان جديد واثق من قدرته الهائلـة على تقديم أجوبة لكل الأسئلة المطروحة واقتراح حلول ناجعة لكل القضايـا"، العلم والتكنولوجيا يجتهدان في السيطرة على الطبيعة، وعلى فرض معقوليّة علميّة، عقديّة، إيمانيّة، و"معقولية من هذا القبيل، لن تخدم سوى علاقات التسيير والتحكم التقني؛ إنها تفترض نوعا من السيطرة على الطبيعة أو على المجتمع". والحال أنَّ حادث الوضع في صلة الإنسان بعوالم الرقمنة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعيّ، تثير مسألة القدرة على قتل الإنسان، ونحن في عالم شرسٍ، لا عقل فيه، لا قِيَم تحكمه، سوى قيم القويّ المسيطر، والقويّ يدسّ السمّ في العسل، ونحن نأكل العسَل ونستلذّ سمّه!.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بوتين: منتدى بطرسبورغ الاقتصادي منصة لصناعة المستقبل في عالم مضطرب

في رسالة ترحيبية حافلة بالرسائل السياسية والاقتصادية، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهمية منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي بوصفه منصة عالمية فريدة تتيح الحوار والتعاون بين السياسيين وصنّاع القرار وممثلي قطاع الأعمال والعلماء من مختلف أنحاء العالم، مشددًا على أن المنتدى يشكل ركيزة أساسية في “صناعة مستقبل العالم”، في وقت يواجه فيه الاقتصاد الدولي تحديات غير مسبوقة.

وأوضح بوتين أن التكنولوجيا والتحول الرقمي يمثلان محورين رئيسيين في أعمال المنتدى هذا العام، نظرًا لما يشكلانه من أدوات حاسمة للريادة الاقتصادية والتنمية المستدامة في القرن الحادي والعشرين، مشيرًا إلى أن الحضور سيناقشون كذلك قضايا ديموغرافية، وتحسين إنتاجية العمل، والابتكار العلمي، والتعليم، والرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية.

وقال الرئيس الروسي في كلمته: “روسيا، بالتعاون مع شركائها في مجموعة بريكس، تواصل العمل على بناء نظام عالمي أكثر عدلاً، يقوم على أسس التعاون المتكافئ، وخالٍ من التمييز وفرض الإملاءات”.

مشاركة عالمية واسعة رغم التحديات

هذا وُعقد نسخة عام 2025 من منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في الفترة من 18 إلى 21 يونيو الجاري، وسط حضور لافت يتجاوز 92 دولة ومنطقة حول العالم، ما يعكس استمرار الثقل الجيوسياسي والاقتصادي للمنتدى رغم الضغوط الغربية والعقوبات المفروضة على موسكو منذ اندلاع النزاع في أوكرانيا.

ويأتي انعقاد المنتدى في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي اضطرابات متعددة الأوجه، من تسارع التحولات الرقمية، وتحديات سلاسل الإمداد، إلى تداعيات التضخم وارتفاع تكاليف الطاقة، فضلًا عن المخاطر المناخية المتزايدة.

وأُطلق منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي (SPIEF) في عام 1997، وأصبح منذ عام 2006 يعقد برعاية مباشرة من الرئيس الروسيـ وتحول المنتدى على مدى العقدين الماضيين إلى أحد أبرز المنصات الاقتصادية العالمية، ويمثل بالنسبة لموسكو الواجهة الأساسية لعرض مشاريعها الاستثمارية ورؤيتها الاقتصادية والسياسية للعالم.

ويستقطب المنتدى سنويًا آلاف الشخصيات من كبار المسؤولين ورؤساء الشركات العالمية والخبراء الاقتصاديين والمستثمرين من جميع القارات، ويعد مناسبة لإبرام مذكرات التفاهم، وعقد صفقات تجارية ضخمة، ومناقشة الاتجاهات الكبرى للاقتصاد العالمي، فضلًا عن كونه فرصة لروسيا لتعزيز علاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف في ظل نظام عالمي يتجه نحو التعددية القطبية.

في سياق متصل، صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مشاركته في افتتاح منتدى “المستقبل 2050” في موسكو، أن روسيا “ستبذل أقصى ما بوسعها” لحماية أراضيها ومواطنيها من التهديدات الإرهابية المتزايدة من الجانب الأوكراني.

وأكد لافروف على أهمية إيجاد “توازن عادل” في العلاقات الدولية، مشيرًا إلى أن لدى روسيا قضايا خلافية مع دول مثل الصين والهند ودول رابطة الدول المستقلة، لكنها تسعى إلى تسويتها بالحوار بعيدًا عن لغة التهديدات والإنذارات.

ويُعقد منتدى “المستقبل 2050” في مجمع لومونوسوف التعليمي التابع لجامعة موسكو الحكومية، ويخصص لمناقشة مستقبل روسيا خلال السنوات الـ25 المقبلة من منظور اقتصادي وتقني وديموغرافي.

وفي المشهد الأوسع، يبدو أن روسيا تستخدم منصاتها الاقتصادية والفكرية الكبرى، وعلى رأسها منتدى بطرسبورغ، لإعادة ترسيخ دورها كفاعل مركزي في النظام العالمي الجديد، على أسس من الشراكات المتعددة والرؤية الاستراتيجية الطويلة الأمد.

مقالات مشابهة

  • تناول ملعقتين من “العسل المجنون” في ريزه… ونُقل إلى المستشفى فاقدًا للوعي
  • مواطنة تتغلب على خوفها وتنطلق في عالم الطيران .. فيديو
  • الشثري يوضح حكم الحلف بالطلاق.. فيديو
  • بعد توقيعه حتى 2031.. مستقبل مبهر ينتظر نجم برشلونة الشاب
  • آبل تُشغّل الذكاء الاصطناعي بدون إنترنت.. نقلة تاريخية في عالم التطبيقات
  • عالم يوضح كيف يخلق الدماغ وهم الأحلام التنبؤية
  • ملعقة واحدة تسبب شللاً.. طبيب أعصاب أمريكي يُحذر من خطورة العسل على الرضع
  • بوتين: منتدى بطرسبورغ الاقتصادي منصة لصناعة المستقبل في عالم مضطرب
  • «سباق الفورمولا للجري» يعود إلى «عالم فيراري»
  • العسل الاسود اللبناني مفقود