شدد مقال نشر في موقع "ذي إنترسبت"، على أن العدوان الإسرائيلي على لبنان جدد الدعوات لوقف الولايات المتحدة نقل الأسلحة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي مع فتحها جبهة جديدة في المنطقة، وسط مخاوف من انزلاق الوضع إلى حرب شاملة.

واستهل الصحفي جونا فالديز مقاله الذي ترجمته "عربي21"، بالإشارة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي شرع في حملة قصف ضخمة في لبنان.

في الأسبوع الماضي، بدأت بالتفجير عن بعد لآلاف الأجهزة الإلكترونية الشخصية. وفي يوم الجمعة، سوت ضربة إسرائيلية مبنى في ضواحي بيروت بالأرض. وفي يوم الأحد وحتى يوم الاثنين، امتد القصف إلى أكبر هجوم على لبنان منذ غزو إسرائيل عام 2006.

وقال إن "حصيلة القتلى هي الأعلى منذ حرب إسرائيل وحزب الله عام 2006، وبالتأكيد الأسوأ منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عندما بدأت إسرائيل وحزب الله، وهي جماعة شيعية لبنانية مدعومة من إيران، في تبادل الضربات".

وأضاف أن "الحكومة الإسرائيلية، واصلت هجماتها على مدار يوم الاثنين، حيث ضربت ضاحية بيروت بثلاثة صواريخ، مما أدى إلى إصابة ستة آخرين على الأقل. وبينما قالت إسرائيل إنها استهدفت إمدادات الأسلحة لحزب الله، قال وزير الصحة اللبناني أيضا إن الضربات أصابت المستشفيات والمراكز الطبية وسيارات الإسعاف". 


وأشار إلى أنه "مع هذه الحملة الجديدة من القصف، فتحت إسرائيل جبهة جديدة في حروبها على غزة والضفة الغربية - وجدد منتقدو السياسة الأمريكية دعواتهم للولايات المتحدة بوقف نقل الأسلحة إلى إسرائيل مع استمرار الصراع في النمو". 

وقالت النائبة الأمريكية رشيدة طليب، على موقع "إكس" (تويتر سابقا)، مع تعليق على تغريدة من السفارة الأمريكية في بيروت، تحث المواطنين الأمريكيين على مغادرة البلاد: "من الأسهل التوقف عن إرسال أسلحة للحكومة الإسرائيلية التي تستخدمها لشن حروب الإبادة الجماعية بدلا من إجلاء كل أمريكي في لبنان". 

وأفاد عباس علوية، أحد مؤسسي حركة "غير ملتزمين"، التي كانت تدفع الحزب الديمقراطي وحملة كامالا هاريس للالتزام بحظر الأسلحة على إسرائيل، صباح يوم الاثنين، أن قرية عائلته في لبنان تعرضت لقصف بالقنابل الإسرائيلية، ما أسفر عن مقتل "أم وبناتها ... في منزلهن"، بالإضافة إلى مدنيين آخرين في قرية أبناء عمومته. 

كتب علوية: "(الرئيس جو بايدن)، كلما أرسلت أسلحة أكثر، كلما قتل المزيد من المدنيين". 

في أيار/ مايو، وقبل غزو إسرائيل لمدينة رفح جنوب غزة حيث كان الآلاف من الفلسطينيين يحتمون من القتال، أوقفت إدارة بايدن نقل القنابل التي تزن 2000 رطل و500 رطل إلى إسرائيل. ومع ذلك، في تموز/ يوليو، وسط ضغوط من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، استأنفت الولايات المتحدة شحنات القنابل التي تزن 500 رطل، حسب التقرير.

وعندما سُئلت هاريس خلال حديث مع الجمعية الوطنية للصحفيين السود في فيلادلفيا عن التحول في السياسة بشأن حرب إسرائيل في غزة، وهو السؤال الذي تجنبته طوال الحملة الانتخابية، قالت هاريس إنها تدعم توقف بايدن عن إرسال القنابل التي تزن 2000 رطل. 

وأضافت: "لذا، هناك بعض النفوذ الذي كان لدينا واستخدمناه". 

ورغم أن مصدر القنابل والصواريخ المستخدمة في القصف الأخير في لبنان لم يتم تحديده بعد، إلا أن ستيفن سملر، المؤسس المشارك لمعهد إصلاح السياسة الأمنية، الذي يتتبع عمليات نقل الأسلحة العسكرية الأمريكية إلى إسرائيل، يعتقد أنه من المحتمل أن تكون الذخائر المصنوعة في أمريكا متورطة في الهجمات. 

قال سملر لـ"موقع  إنترسبت"، "مع استعادة المزيد من الأدلة الجنائية في لبنان، لا ينبغي لنا أن نتفاجأ برؤية بصمات الولايات المتحدة في كل مكان. وبالنظر إلى اعتماد إسرائيل على الذخائر الأمريكية، فإن عبء الإثبات قد انقلب فعليا، حيث سيكون من المثير للصدمة تقريبا رؤية سلاح غير مزود من الولايات المتحدة يستخدم في جنوب لبنان". 

قام سملر بتجميع قائمة بحالات استخدام الذخائر الأمريكية في انتهاكات محتملة للقانون الإنساني في وقت سابق من هذا العام، بما في ذلك ضربة في آذار/ مارس حيث قصفت إسرائيل قرية الهبارية في جنوب لبنان، وأصابت مبنى سكنيا يضم فيلق الطوارئ والإغاثة التابع لجمعية الإغاثة اللبنانية.

أسفرت الضربة الإسرائيلية، حسب المقال، عن مقتل متطوعين في حالات الطوارئ والإغاثة. في حين أن القنبلة التي يبلغ وزنها 500 رطل والتي استخدمت في الهجوم تم تصنيعها في إسرائيل، فإن مجموعة توجيه الذخيرة الهجومية المباشرة المشتركة - وهي قطعة من التكنولوجيا التي يتم تثبيتها لتوجيه القنابل نحو أهدافها - كانت من صنع أمريكي، وفقا لعمل سملر والبحث الذي أجرته هيومن رايتس ووتش. 

وفي السادس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، أطلقت "إسرائيل" قذائف مدفعية عيار 155 ملم مملوءة بالفوسفور الأبيض على قرية الدهيرة، وهي قرية أخرى في جنوب لبنان. وأسفر الهجوم عن مقتل تسعة مدنيين وإلحاق أضرار بممتلكات مدنية. ووفقا لمنظمة العفو الدولية وصحيفة واشنطن بوست فإن الأرقام التسلسلية للإنتاج على قذائف المدفعية أظهرت أنها صُنعت في الولايات المتحدة. 


وأشار المقال إلى أن "الجيش الإسرائيلي قال إن الضربات الأخيرة، التي وقعت في الغالب في جنوب لبنان، تهدف إلى تأمين منطقة الحدود حتى يتمكن عشرات الآلاف من النازحين الإسرائيليين الذين فروا من شمال إسرائيل على مدار العام الماضي من العودة بأمان إلى منازلهم".

كما اتهمت "إسرائيل" حزب الله باستخدام "دروع بشرية"، زاعمة أنه قام بتخزين الذخائر داخل منازل المدنيين، وهي ذريعة شائعة لشن ضربات مكلفة على المنازل والمستشفيات في غزة. 

ومع بدء الضربات، أصدر وزير شؤون الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي بيانا يدعو فيه الجيش الإسرائيلي إلى غزو أجزاء من جنوب لبنان والاستيلاء عليها بشكل دائم لأن  حزب الله يستخدمها لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، وفقا للمقال.

كتب شيكلي في سلسلة من المنشورات على منصة "إكس"، أن  " لبنان، على الرغم من أن لديه علما وعلى الرغم من أن لديه مؤسسات سياسية، إلا أنه لا يستوفي تعريف الدولة"، ملقيا باللوم على لبنان للسماح لحزب الله بالسيطرة على منطقته الجنوبية".

وأضاف أنه "بالإضافة إلى جناحه المسلح، يعمل حزب الله أيضا كحزب سياسي رسمي في لبنان وكان جزءا من الحكومة الوطنية لأكثر من ثلاثة عقود. وتضمنت التغريدات خريطة لمنطقة عازلة مقترحة، من شأنها أن تحرك الحدود الإسرائيلية اللبنانية إلى ما وراء "الخط الأزرق"، - الذي تم رسمه في صفقة بعد حرب 2006 - أميالا داخل الأراضي اللبنانية الحالية. 

أعادت تعليقات شيكيلي، حسب المقال، إحياء المخاوف بشأن الاحتمال الطويل الأمد لضم إسرائيل واحتلال جزء من جنوب لبنان.

وفي الأشهر الأخيرة، قالت منظمة استيطانية إسرائيلية إسمها أوري تسافون - يستحضر الاسم آية توراتية ويترجم إلى "استيقظ يا شمال" - إن استيطان لبنان ضروري "لمنح الأمن الحقيقي والمستقر لشمال إسرائيل" وتوسيع إسرائيل أقرب إلى حدودها التوراتية، وفقا لموقع جويش كرانتس. 

وقالت بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان التي تساعد في الحفاظ على الخط الأزرق يوم الاثنين، وسط الضربات الإسرائيلية المتجددة، إنها "قلقة للغاية بشأن سلامة المدنيين". 

وأضافت بعثة الأمم المتحدة: "من الضروري إعادة الالتزام الكامل بتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، والذي أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع وضمان الاستقرار الدائم". 

تأسس حزب الله في الثمانينيات، إلى حد كبير ردا على غزو إسرائيل للبنان في عام 1982، بدعم صريح من جمهورية إيران الإسلامية التي كانت قد قامت حديثا. خلال ذلك الصراع، قُتل أكثر من 17000 شخص، بما في ذلك أكثر من 1000 مدني - معظمهم فلسطينيون ولبنانيون - ذبحوا على يد ميليشيا مسيحية لبنانية مدعومة من إسرائيل في حي صبرا في بيروت ومخيم شاتيلا للاجئين. 

وقال سملر في حديثه للموقع، إن الأزمة الحالية تنبع من حرب إسرائيل المستمرة في غزة، والتي تقترب من عامها الأول. وتعهد حزب الله، إلى جانب مجموعة من الجماعات المتحالفة، بما في ذلك الحوثيون في اليمن، بمهاجمة إسرائيل طالما استمرت في حربها في غزة. 

استمرت محادثات وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب لعدة أشهر، مما دفع المنتقدين، بمن فيهم سملر، إلى اتهام الولايات المتحدة وإسرائيل بإقامة "مسرح سياسي"، بينما يعزز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبضته على السلطة في البلاد.

دعا عدد متزايد من القادة الديمقراطيين والأمريكيين إدارة بايدن إلى استخدام مساعداتها العسكرية كوسيلة ضغط لفرض اتفاق لوقف إطلاق النار. 

وقال سملر: "بشكل عام، لن يكون أي شيء تفعله إسرائيل الآن ممكنا بدون الولايات المتحدة". وافق الكونجرس على 18 مليار دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل هذا العام وحده. 
وزعم المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي الأدميرال دانيال هاغاري للصحفيين يوم الاثنين، أن الجيش "لا يبحث عن حروب" ولكنه "يتطلع إلى إسقاط التهديدات" و"سيفعل كل ما هو ضروري لتحقيق هذه المهمة". 


كما زعم هاغاري يوم الاثنين، أن حزب الله أطلق أكثر من 9000 صاروخ ومُسيّرة على إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بما في ذلك 700 في الأسبوع الماضي.

وقال سملر إن تحليله وجد أن إسرائيل أطلقت كمية أكبر - 11000 ذخيرة، باستثناء القنابل التي ألقيت في الغارات الجوية - على لبنان من 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى حزيران/ يونيو. دفعت ضربات نهاية هذا الأسبوع آلافا آخرين في جنوب لبنان إلى الفرار شمالا. 

وفي الوقت نفسه، خلال اجتماع في المكتب البيضاوي يوم الاثنين بين بايدن ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بهدف تعزيز الشراكة الاقتصادية الأمريكية مع الدولة الغنية بالنفط، قال الرئيس إن حكومته "تعمل على تهدئة" الصراع في لبنان.  

وقال سملر: "تخبرنا إدارة بايدن أنها تعمل على وقف إطلاق النار في غزة، لكنها تواصل إرسال الأسلحة. وهي نفس الصفقة بالنسبة للشرق الأوسط الأوسع، يقولون لنا 'لا نريد أن يمتد الأمر إلى صراع أوسع نطاقا' لكن في الوقت نفسه يواصلون إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، ما يسمح لهم بتوسيع الصراع". 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية لبنان الولايات المتحدة الاحتلال نتنياهو لبنان الولايات المتحدة نتنياهو الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی جنوب لبنان القنابل التی یوم الاثنین تشرین الأول إلى إسرائیل بما فی ذلک على لبنان حزب الله فی لبنان أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

بين واشنطن وطهران.. هل حولت الحرب إسرائيل إلى صانع المعادلات؟

تتشابك التوجهات الأميركية في إدارة المواجهة بين إسرائيل وإيران ضمن شبكة معقدة من الالتزامات الإستراتيجية، والمصالح الاقتصادية الحيوية، والضغوط السياسية الداخلية والدولية.

وتقوم إستراتيجية واشنطن على "ثنائية الدعم والتحفظ"، عبر محاولة تحقيق توازن دقيق بين هذه الأهداف المتعارضة أحيانا، في وقت تشتد فيه المخاطر وتتسارع التطورات الميدانية.

وتقف السياسة الأميركية في إدارة المواجهة الإسرائيلية الإيرانية على حبل مشدود بين هذه الثنائية المحورية التي تقوم على الالتزام التاريخي بدعم أمن إسرائيل كحجر زاوية في إستراتيجيتها الإقليمية، والتحفّظ الحادّ على الانزلاق إلى حرب شاملة تهدد استقرار الشرق الأوسط ومصالحها الحيوية.

هذه المعادلة المتوازنة -التي تجسدت في دعم "مشروط" لعمليات إسرائيل- تنبع من إدراك واشنطن أن تجاوز سقف التصعيد سيُفاقم مخاطر ثلاثية، وهي:

تعطيل استقرار الطاقة العالمي. تقويض تحالفاتها الخليجية. إجبارها على تدخل عسكري غير مرغوب.

ويعكس هذا الموقف الإدراك الأميركي العميق أن أي تصعيد مفتوح قد يهدد ليس فقط المصالح الأميركية في الخليج بل أيضا الاستقرار العالمي للطاقة.

فالتصريحات الأميركية المتكررة بأن الهجوم الإسرائيلي على إيران "يحظى بتفهم واشنطن" تعكس دعما ضمنيا، لكنه دعم مشروط بقدرة إسرائيل على إدارة التصعيد ضمن سقف محسوب.

إعلان

ويدرك البيت الأبيض أن تجاوز هذا السقف سيقود إلى تعقيد العلاقة مع حلفاء آخرين مثل دول الخليج، وقد يُدخل الولايات المتحدة في دوامة عسكرية لا ترغب بها، تحسبا لضبط المعادلات ومراعاة الاستحقاقات الأميركية الداخلية.

تأخر حسم الصراع يزيد من احتمالات الانزلاق إلى مواجهة إقليمية (رويترز) الخيارات الصعبة

تقف الولايات المتحدة اليوم أمام معضلة إستراتيجية، تتمثل في مدى الدعم الذي يمكن أن تقدمه لإسرائيل دون أن تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران وشركائها.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز فإن السيناريوهات المتداولة داخل المؤسسات الأميركية تشمل خيارات تقديم دعم استخباراتي ولوجستي موسّع، وصولا إلى ضربات محدودة ضد أهداف إيرانية في حال هددت الأخيرة المصالح الأميركية مباشرة، وبحسب الصحيفة فإن هذا الخيار محفوف بالمخاطر السياسية والعسكرية.

الخيار الآخر هو الحفاظ على الدعم السياسي والدبلوماسي مع استمرار الضغوط على إسرائيل لعدم توسيع العمليات أكثر.

لكن التحدي الأكبر أن الوقت ليس في صالح واشنطن، وكل يوم يمر دون حسم الصراع يزيد من احتمالات الانزلاق إلى مواجهة إقليمية يكون من الصعب احتواؤها.

فجوة المصالح بين واشنطن وتل أبيب

رغم العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن المواجهة الحالية كشفت تباينا واضحا في أولويات الطرفين، فإسرائيل ترى في هذه اللحظة فرصة تاريخية لتدمير المشروع النووي الإيراني بشكل تام، وفرض معادلات ردع جديدة في المنطقة.

في المقابل تخشى إدارة الرئيس دونالد ترامب -رغم دعمها العسكري والسياسي- من أن يؤدي التصعيد إلى حرب إقليمية واسعة تهدد المصالح الأميركية المباشرة.

وتعكس تصريحات مصادر البيت الأبيض نقلتها شبكة "سي إن إن" حول "موافقة ضمنية" هذا التباين، فهي تقدم دعما سياسيا من دون تفويض كامل للمغامرات الإسرائيلية.

هذا التفاوت يعيد طرح إشكالية السيطرة الأميركية على سلوك الحليف الإسرائيلي في أوقات الأزمات، خاصة مع وجود حكومة يمينية في تل أبيب تفضل الحلول العسكرية على المسارات السياسية، وهو ما يعقّد المشهد الإقليمي ويهدد المصالح الأميركية الأوسع.

إعلان التباين داخل الإدارة الأميركية

تواجه إدارة ترامب خلافا داخليا حول المدى الذي يجب أن تذهب إليه واشنطن في دعم إسرائيل، فوزارة الدفاع (البنتاغون) تميل إلى ضبط النفس، وتُفضل بقاء التدخل الأميركي في حدود الدعم الاستخباراتي واللوجستي، في المقابل، يدفع مستشارو الأمن القومي وبعض شخصيات الحزب الجمهوري باتجاه دعم إسرائيل بشكل أكثر وضوحا.

هذه التباينات ظهرت في تصريحات متعارضة لمسؤولين أميركيين خلال يومي 13 و14 يونيو 2025، حيث أبدى بعضهم تحفظا على فكرة "إطالة أمد الحرب"، بينما أشار آخرون إلى أن "إيران تستحق الردع القاسي".

ويفتح هذا الاختلاف الباب أمام ارتباك في السياسات، ويزيد من صعوبة بناء إستراتيجية متماسكة، خاصة مع تزايد الضغوط من الكونغرس والجماعات المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية، التي تطالب بموقف أكثر حسما تجاه إيران.

وتُشكّل الانقسامات الداخلية والاستحقاقات السياسية والتحديات الإستراتيجية محددا جوهريا لسياسة إدارة ترامب تجاه التصعيد.

وتوازن إدارة ترامب بين ضغوط متعارضة، وهي:

دعم اللوبي المؤيد لإسرائيل والجناح الجمهوري التقليدي الذي يطالب بموقف حازم. تحفّظ قاعدة الحزب الجمهوري المتزايدة تجاه "المغامرات العسكرية" في المنطقة. خوف التيارات التقدمية من التورط في حرب جديدة.

وتدفع هذه التناقضات تدفع إلى تبني "موقف مزدوج هش"، يتمثل بالتصريح بالدعم المطلق لأمن إسرائيل مع العمل الدبلوماسي الحثيث لاحتواء التصعيد، سعيا لتجنب انتقادات الداخل وارتباك المشهد قبيل الانتخابات.

وتعد معضلة الاعتبارات الداخلية لإدارة ترامب إحدى أهم الاعتبارات التي تحكم موقفها من التصعيد.

صواريخ قاسم سليماني الباليستية (وكالات) إسرائيل.. الحليف صانع المعادلات

تتجاوز إسرائيل في الأزمة الحالية دور الحليف التقليدي لواشنطن لتلعب دورا ثلاثيا متشابكا، فهي:

شريك إستراتيجي للولايات المتحدة. مصدر ضغط دائم على قرارات واشنطن. مهندس نشط لمعادلات الأمن الإقليمي. إعلان

وتتحرك تل أبيب في فضاء ضيق بين استغلال "الضمان الأميركي المطلق" واختبار حدوده، مستفيدة من هامش المناورة الذي توفره العلاقة الخاصة مع واشنطن ودعم الكونغرس.

وتسعى إسرائيل من خلال التصعيد إلى تحقيق أهداف متعددة المستويات:

إعادة رسم قواعد الاشتباك مع إيران ومحور المقاومة. ترسيخ نفسها كقطب أمني لا غنى عنه للخليج. تحويل الأزمات الداخلية إلى فرص للتماسك الوطني.

لكن هذه الإستراتيجية تنطوي على مخاطر جسيمة قد تُفجّر جبهات متعددة وتجر واشنطن إلى حرب لم تخطط لها.

وتمثل إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة أكثر من مجرد حليف؛ إنها شريك إستراتيجي، لكنها أيضا مصدر ضغط دائم على القرار الأميركي، خاصة في ملفات مثل إيران.

وفي هذا السياق، تدرك حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن واشنطن رغم تحفظاتها لا تستطيع فك ارتباطها الإستراتيجي بإسرائيل، لذلك تلعب تل أبيب على هذه الهوامش، فتسعى لجر الولايات المتحدة إلى مواقف أكثر تقدما عبر فرض وقائع ميدانية.

وتظهر المواجهة الحالية كيف تحاول إسرائيل اختبار حدود الدعم الأميركي دون تجاوز الخطوط الحمر، لكنها تدرك أن دعم الكونغرس -خاصة من الجمهوريين- سيشكل حماية سياسية لأي عملية عسكرية موسعة.

وهنا يظهر التحدي أمام إدارة بايدن في الحفاظ على الشراكة دون الانزلاق نحو التورط الكامل في صراع مفتوح.

إعادة صياغة البيئة الأمنية

تنظر إسرائيل إلى هذه المواجهة كفرصة إستراتيجية لإعادة رسم قواعد الاشتباك في المنطقة، وتؤكد تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين أن "إسرائيل ستفرض معادلات جديدة على إيران وشركائها".

وتتفهم واشنطن هذه الرؤية، لكنها تخشى أن يؤدي استمرار التصعيد إلى كسر قواعد الردع المتبادل، مما يفتح الباب أمام حروب استنزاف طويلة تُنهك إسرائيل وتضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط في مواجهات مباشرة في الشرق الأوسط.

من جهة أخرى، تحاول إسرائيل استثمار هذه المرحلة في تقوية علاقاتها مع دول في الإقليم، باعتبارها شريكا في مواجهة "التهديد الإيراني"، وهي خطوة قد تعيد ترتيب التحالفات الإقليمية بشكل جوهري، لكن هذه المرة عن طريق تصاعد التوتر الإقليمي.

إعلان مأزق الردع.. إسرائيل تخاطر باستفزاز محور المقاومة

تقوم إستراتيجية إسرائيل منذ سنوات على سياسة "المعركة بين الحروب"، لكنها في الضربة الأخيرة على إيران تجاوزت هذا المبدأ، لتدخل مرحلة "الحرب المفتوحة".

ويعرّف الجيش الإسرائيلي مصطلح "المعركة بين الحروب" بأنها هدف أساسي لمنع الوجود الإيراني في سوريا، ومنع وصول سلاح إلى حزب الله يخل بتوازن القوى.

هذا التطور يدفع الأطراف الحليفة لطهران -كحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق إضافة إلى الحوثيين في اليمن- إلى إعادة النظر في قواعد الاشتباك.

وحتى الآن، اقتصرت الردود على الحوثيين عبر بعض الضربات المعزولة، لكن مصادر أمنية غربية حذرت من أن استمرار العمليات سيدفع حزب الله إلى التدخل المباشر، وإن في مرحلة لاحقة.

وبالنسبة لواشنطن، فإن دخول حزب الله على خط المواجهة يعني تحول الحرب إلى صراع إقليمي متعدد الجبهات، قد يشمل قواعد أميركية أيضا.

وتدرك الإدارة الأميركية أن قدرتها على منع التوسع محدودة، مما يجعلها تعتمد بشكل متزايد على قنوات خلفية مع عواصم عربية وغربية لضبط إيقاع التصعيد؛ في ظل تآكل فعالية سياسة الردع التقليدية.

الحسابات الداخلية بإسرائيل

ويؤثر الوضع السياسي داخل إسرائيل بدوره على مسار التصعيد. فحكومة نتنياهو، التي تواجه انتقادات داخلية واسعة بعد حرب غزة الأخيرة، ترى في التصعيد مع إيران فرصة لتحويل الأنظار وتوحيد الجبهة الداخلية حول ما وصفته "الخطر الوجودي، والتهديد الأكبر للأمن القومي الإسرائيلي".

وتتابع الإدارة الأميركية هذه الحسابات بدقة، لأنها تدرك أن جزءا من دوافع التصعيد الإسرائيلي سياسي داخلي بقدر ما هو أمني.

ويعقد هذا التداخل مهمة واشنطن في ضبط الحليف الإسرائيلي، خاصة في ظل دعم الحزب الجمهوري لنهج الحكومة الإسرائيلية الحالي، بما له من توظيف ذلك في الرأي العام الأميركي.

احتمالات تدخل محور المقاومة تتزايد (الجزيرة) إيران ومحور المقاومة

تتبنى إيران إستراتيجية معقدة تقوم على "ردع هش" يجمع بين ضبط النفس لتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، وتصعيد محسوب يحافظ على ماء الوجه أمام الداخل وحلفاء "محور المقاومة".

إعلان

وتعمل طهران على حبل مشدود، فهي تظهر "الاستعداد الكامل لكل السيناريوهات" لترهيب خصومها، بينما تدرك أن أي خطأ في تقدير التصعيد قد يُفجر مواجهة كارثية.

ويعتمد نجاح هذه المعادلة على 3 أركان:

توظيف شركائها وأذرعها في المنطقة كعوامل وأدوات ضغط غير مباشر. المناورة بالملف النووي كورقة تفاوضية. استغلال التصدعات في الموقف الغربي، مع العلم أنها توازن فوق بركان قد ينفجر بأي لحظة.

ويمنح الموقف الإيراني المزدوج الولايات المتحدة فرصة إضافية للضغط على طهران من جهة، ومحاولة ضبط إيقاع التصعيد مع إسرائيل من جهة أخرى.

غير أن الخطر الأكبر يكمن في إمكانية حدوث خطأ في الحسابات يؤدي إلى تجاوز الخطوط الحمر ودخول واشنطن بشكل مباشر في المواجهة.

ورغم محدودية أو استبعاد المشاركة المباشرة لحزب الله أو الفصائل العراقية حتى الآن، فإن الولايات المتحدة تأخذ هذا السيناريو بجدية قصوى.

وتشير المعلومات الاستخباراتية الأميركية بحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن" عن مصادر استخباراتية إلى استعدادات حذرة من جانب حزب الله لإعادة فتح جبهة الشمال، ولو بشكل محدود.

وتدرك واشنطن أن توسيع رقعة الصراع لتشمل لبنان أو العراق سيضعها أمام اختبار صعب: إما تقديم دعم عسكري أكبر لإسرائيل أو الدخول في مواجهات متعددة الجبهات.

وتراهن الإدارة الأميركية حتى الآن على ضبط الساحات عبر التنسيق مع العواصم الإقليمية، لكنها تعلم أن السيطرة على جميع المتغيرات الإقليمية أمر بالغ التعقيد، خاصة في حال تصاعد الضغوط الإيرانية على وكلائها.

المواجهة تقوض المسار الدبلوماسي

ويهدد التصعيد العسكري ما تبقى من فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني، منذ انسحاب واشنطن منه في 2018. ظل استحقاق العودة إلى الاتفاق معلقا بين الضغوط السياسية الداخلية في أميركا، والتشدد الإيراني المدعوم من الحرس الثوري.

وأعادت الضربة الإسرائيلية الأخيرة ترتيب أولويات طهران، حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تعليق كل المحادثات الفنية المتعلقة بالضمانات النووية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

إعلان

من جانبها، تدرك الإدارة الأميركية أن استمرار هذا المسار سيعيد الملف النووي إلى نقطة الصفر، ويزيد من مخاطر اندفاع طهران نحو تطوير برنامج تسلح نووي.

ويضع هذا السيناريو واشنطن أمام معضلة استمرار دعم إسرائيل مما قد يجهض نهائيا أي حلول دبلوماسية مستقبلية مع إيران، ويفرض عليها إعادة حساب الأولويات في إدارة الأزمة الراهنة.

هواجس واشنطن الاعتبارات الاقتصادية والطاقة

من أبرز الاعتبارات التي تهيمن على التفكير الأميركي في التعامل مع التصعيد الإسرائيلي الإيراني هو تأثير المواجهة على إمدادات الطاقة العالمية، فمع التوترات المتزايدة في مضيق هرمز وباب المندب، تزداد المخاوف من ارتفاع أسعار النفط، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا للاقتصاد الأميركي والغربي.

وقد أعلنت وزارة الطاقة الأميركية، وفق تصريحات رسمية، استعدادها لاستخدام الاحتياطي الإستراتيجي للنفط "عند الحاجة"، في إشارة إلى جدية المخاوف.

كما تدرك الولايات المتحدة أن أي تصعيد قد يؤدي إلى عمليات إيرانية ضد ناقلات النفط، مما يهدد ليس فقط الأسواق العالمية، بل أيضا الأمن البحري الدولي.

ويجعل هذا العامل إدارة ترامب أكثر حرصا على ضبط وتيرة التصعيد وعدم السماح بانفلاته نحو حرب إقليمية شاملة، وهذه المعادلة تجعل من "سلاح الطاقة" إحدى أهم أدوات الضغط الإيرانية، وتُجبر واشنطن على السير على حافة شفرة.

في المقابل، تمثل المواقف الإقليمية والأوروبية والدولية الرافضة للتصعيد عامل ضغط إضافيا على واشنطن، مما يعرضها للحرج، خاصة في ظل محاولاتها الحفاظ على صورتها كقوة دولية مسؤولة تدفع نحو الاستقرار.

السيناريوهات المستقبلية

تقف الأزمة على مفترق 3 مسارات حاسمة تتراوح بين احتواء محدود وانفجار إقليمي:

ضربات متبادلة محسوبة وهو السيناريو الأمثل لواشنطن توسيع دائرة الحرب لضم حزب الله والجبهات المجاورة، وهو ما يمثل كابوسا لواشنطن. عمل إيراني نوعي (اغتيال مسؤول إسرائيلي رفيع أو استهداف قاعدة أميركية) يدفع الولايات المتحدة للتدخل المباشر، وهو ما يعتبر السيناريو الكارثي. إعلان

تعكس هذه السيناريوهات جوهر الرهان الأميركي على محاولة إدارة التصعيد عبر قنوات خلفية لاحتواء الأزمة ضمن السيناريو الأول، رغم إدراك واشنطن أن زمام المبادرة ليس كليا بيدها، وأن أي خطأ في الحسابات أو تصعيد غير محسوب قد يُفجّر المسارين الأخطر.

وتخفي تصريحات المسؤولين عن "عدم السماح بانفلات الصراع" تحديا عميقا في السيطرة على تداعيات لعبة إقليمية معقدة بقواعد متغيرة.

مقالات مشابهة

  • شهيد بغارة إسرائيلية على بلدة حولا جنوب لبنان
  • بين واشنطن وطهران.. هل حولت الحرب إسرائيل إلى صانع المعادلات؟
  • طائرة أمريكية محملة بالأسلحة وصلت إسرائيل خلال الـ48 ساعة الماضية
  • حزب الله العراق: سنعمل بشكل مباشر ضد القواعد الأميركية إذا دخلت واشنطن الحرب
  • قصف مفاجئ يهز بيت ليف الحدودية جنوب لبنان.. إليك التفاصيل
  • ما السيناريوهات المحتملة التي قد يتضمنها الرد الإيراني على إسرائيل؟
  • ما السيناريوهات المتحملة التي قد يتضمنها الرد الإيراني على إسرائيل؟
  • البرلمان الإيراني: ندعم قرار الخارجية بوقف المفاوضات النووية ردا على اعتداءات إسرائيل
  • إيران: الحوار مع واشنطن حول البرنامج النووي بات بلا معنى
  • روسيا تندد وأمريكا تؤيد.. مجلس الأمن ينقسم بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران (شاهد)