يعد استخدام الشاي الأخضر كوسيلة لتخفيف الوزن أمر تم تداوله لقرون. ففي الصين القديمة منذ 2000 عام، روج الناس للمشروب لهذا الغرض. وفي العصر الحديث، كان المشروب عنصرا أساسيا في كتب الحمية وخطط الوجبات، حسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

وأشار التقرير الذي أعدته مراسلة الصحيفة للشؤون الصحية داني بلوم، وترجمته "عربي21"، إلى أن الشاي الأخضر، الآن، اتبع المسار الحتمي لأي وسيلة لفقدان الوزن.



وأضاف أنه يحظى بشعبية كبيرة على "تيك توك" حيث تزعم مقاطع الفيديو سريعة الانتشار أن المشروب يساعد في التخلص من الوزن الزائد، حتى أنه يطلق عليه "أوزمبيك الطبيعة"، في إشارة إلى عقار أوزمبيك لعلاج السكري من النوع الثاني، الذي سبق أن روج له على أنه يساعد على خسارة الوزن.

وتقترح بعض المنشورات على "تيك توك" شرب ما يصل إلى خمسة أكواب يوميا من الشاي الأخضر، حسب التقرير. 


في حين أن هناك بعض الأبحاث حول الشاي الأخضر والوزن، فإن الأدلة على ما إذا كان كوب (أو عدة أكواب) يمكن أن يذيب الوزن غير واضحة، كما نقلت الصحيفة عن الدكتورة جيوتسنا غوش، طبيبة طب السمنة في جامعة جونز هوبكنز.

تزعم العديد من مقاطع فيديو "تيك توك"، أن الشاي الأخضر يعزز إنتاج GLP-1، وهو هرمون الأمعاء الذي يدفع البنكرياس إلى إفراز الأنسولين بعد تناول الطعام. هذا الأنسولين، بدوره، يخفض نسبة السكر في الدم. كما يبطئ GLP-1 معدل خروج الطعام من المعدة، ويؤثر على مناطق الدماغ التي تنظم الجوع. 

يوفر أوزمبيك والأدوية المماثلة له مركبا يحاكي GLP-1، ما يجعل الناس يشعرون بالشبع بشكل أسرع. يتوقف الكثيرون عن الشعور بالرغبة الشديدة في الطعام. 

افترض بعض الباحثين أن الشاي الأخضر قد يحفز GLP-1، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الدراسات وجدت أن مستخلص الشاي الأخضر يمكن أن يخفض نسبة السكر في الدم لدى الفئران المصابة بمرض السكري. ولكن لم تكن هناك سوى دراسات صغيرة قليلة على البشر، والنتائج غير حاسمة. أشارت إحدى التجارب السريرية القليلة حول هذا الموضوع، والتي أجريت على 92 شخصا مصابا بداء السكري من النوع 2، إلى عدم وجود فرق ملحوظ في إنتاج GLP-1 بين الأشخاص الذين تناولوا مستخلص الشاي الأخضر وأولئك الذين تناولوا حبة دواء وهمي. 

وقال الخبراء، حسب التقرير، إن أي تأثير قد يحدثه الشاي الأخضر على GLP-1 من المرجح أن يكون صغيرا. وقالت الدكتورة غوش إن أي طعام أو مشروب يمكن أن يزيد مستويات GLP-1 قليلا. لكن مستويات GLP-1 في مجرى الدم تنخفض بعد دقائق من تناول أي شيء أو شراب. وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا نشعر بالجوع مرة أخرى، وسبب عدم ضمان أن يؤدي تعزيز الهرمون مؤقتا إلى فقدان الوزن. 

وعلى النقيض من ذلك، تبقى أدوية أوزيمبيك والأدوية المماثلة في الجسم لأيام، وهي أقوى بكثير من الهرمون الطبيعي، مما يجعلها جيدة بشكل فريد في قمع الشهية. 

تذكر العديد من الادعاءات حول الشاي الأخضر وفقدان الوزن مكونين من المشروب: الكافيين ومضادات الأكسدة. 

قد يعمل الكافيين، من الناحية النظرية، على تسريع عملية التمثيل الغذائي قليلا لدى الشخص. ولكن من غير المرجح أن يترجم هذا التأثير مباشرة إلى فقدان كبير للوزن، كما قالت الدكتورة غوش. 

يحتوي الشاي الأخضر أيضا على مركبات تسمى البوليفينول، وهي مضادات الأكسدة التي يمكن أن تساعد في حماية الخلايا من التلف وتقليل الالتهاب. وقد أشارت الدراسات التي أجريت على الحيوانات وفي الخلايا البشرية إلى أن هذه المركبات يمكن أن تعمل على تحسين التمثيل الغذائي وتقليل امتصاص الدهون من الأمعاء. ولكن التجارب التي أجريت على البشر كانت نتائجها مختلطة. 


كما أجريت العديد من الدراسات الصغيرة التي تبحث بشكل مباشر في ما إذا كان الشاي الأخضر مرتبطا بفقدان الوزن. ووجدت إحدى أوراق المراجعة، التي نظرت في أكثر من اثنتي عشرة تجربة عشوائية محكومة، أن الأشخاص الذين يتناولون مستخلص الشاي الأخضر غالبا ما يفقدون كمية ضئيلة من الوزن "من غير المرجح أن تكون مهمة سريريا". كما وجدت دراسات أخرى أن الأشخاص الذين تناولوا الشاي الأخضر يميلون إلى فقدان كمية صغيرة من الوزن، عادة أقل من أربعة أرطال. 

قال روب فان دام، أستاذ علوم التمارين والتغذية في كلية الصحة العامة بمعهد ميلكن في جامعة جورج واشنطن، إن الأشخاص الذين يلجأون إلى الشاي الأخضر لفقدان الوزن "لا يمكنهم توقع تأثير كبير، وبالتأكيد ليس قريبا من الأدوية مثل أوزيمبيك". 

وأضافت جوليا زومبانو، أخصائية التغذية المسجلة في عيادة كليفلاند في أوهايو، أن التركيز على طعام أو مشروب واحد يتجاهل العديد من العوامل الأخرى التي تلعب دورا في فقدان الوزن. وتشمل هذه العوامل النظام الغذائي الأوسع للشخص، وعادات ممارسة الرياضة، والجينات، والإجهاد، والصحة الأيضية، وحتى جودة النوم الذي يحصل عليه الفرد. 

وقالت: "انظر كيف يمكنك تحسين نمط حياتك، إذا كان فقدان الوزن هو هدفك. ليس فقط طعاما أو دواء أو مكملا معينا، أو أيا كان". 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحة طب وصحة طب وصحة الشاي الأخضر خسارة الوزن الصحة صحة الشاي الأخضر خسارة الوزن المزيد في صحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة طب وصحة صحة صحة صحة سياسة سياسة صحة صحة صحة صحة صحة صحة صحة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأشخاص الذین الشای الأخضر فقدان الوزن العدید من یمکن أن

إقرأ أيضاً:

علم الحشرات الجنائي.. كيف يساعد الذباب في كشف أسرار الجرائم المعقدة؟

في صباح باكر على ضفاف نهر هادئ، عُثر على جثة غريبة في ظروف غامضة، لم تكن هناك آثار دماء، ولم يترك القاتل وراءه سلاحا أو بصمات، بدا المشهد صامتا، وكأن الأدلة قد تبخرت.

لكن في الحقيقة، كان هناك شهود لم يلتفت إليهم أحد للوهلة الأولى: أسراب صغيرة من الذباب، تحوم وتستقر على الجسد، تمارس طقوسها الطبيعية في صمت، لكنها تخفي في دورة حياتها أدق الأسرار.

هنا يبدأ علم الحشرات الجنائي، وهو فرع دقيق من علوم الطب الشرعي، يعتمد على دراسة سلوك وتطور الحشرات التي تستوطن الجثث المكتشفة لتحديد زمن الوفاة والظروف المحيطة بها.

يساهم هذا العلم في التعرف على الجناة (رويترز)أول الشهود على الجريمة

عندما يموت إنسان أو أي حيوان فقاري، تبدأ عملية التحلل التي تمر بعدة مراحل أساسية متعاقبة: المرحلة الطازجة (التحلل الذاتي)، ثم مرحلة الانتفاخ بفعل الغازات البكتيرية، يليها التحلل النشط حيث تتساقط الأنسجة، فالتحلل المتقدم حيث تقل المواد العضوية، وأخيرا مرحلة الهيكل العظمي حيث لا يتبقى سوى العظام.

وتقول عالمة الأحياء بجامعة كوماهو الوطنية في الأرجنيتن والباحثة في المجلس الوطني للبحوث العلمية والتقنية الأرجنتيني، آنا بيريرا "في كل مرحلة من هذه المراحل تنطلق مركبات كيميائية مختلفة تجذب أنواعا محددة من الحشرات الناهبة للجيف، وفقًا لميولها الغذائية وحساسيتها لهذه الروائح".

وهكذا، كما تضيف في حديثها للجزيرة نت، "يتحول الجسد إلى بيئة مؤقتة وغنية، تجذب على التوالي مجموعات متنوعة من الحشرات فيما يُعرف بـ"التعاقب الحشري على الجثث".

من بين هذه المجموعات، يبرز دور عائلة الذباب المعدني، وتُسمى أيضًا باسم ذباب اللحم أو ذباب الجيف أو ذباب النفخ، باعتبارها الأكثر أهمية في التحقيقات الجنائية.

هذا الذباب الذي تلمع أجساده عادة باللون الأخضر أو الأزرق أو النحاسي المعدني، يشكل دورا هاما في التحلل واستهلاك الجيف والنفايات، ويتميّز بقدرته الفائقة على رصد الروائح الصادرة عن الأجساد المتحللة من مسافات بعيدة، ويستطيع اكتشاف بداية الموت قبل أن يلاحظه البشر.

إعلان

هذه الأنواع التي عادة ما تكون أكبر من الذبابة المنزلية، وتمتلك شعيرات دقيقة تعمل كمستقبلات كيميائية بالغة الحساسية تمكّنها من رصد رائحة تحلل الجثة على بعد كيلومترات.

ومنذ لحظة الوفاة، أي منذ توقف نشاط الخلايا في الجسد، يبدأ هذا الذباب -معتمدا على سرعته في الطيران- بالوصول إلى موقع الجثة، خلال دقائق، بل وأحيانا قبلها بقليل، ليصبح بحقّ "الشاهد الأول على الجريمة".

بمجرد وصولها، تهرع الذبابة نحو الجسد، وتضع الإناث مئات البيوض في أكثر فتحات الجسم دفئًا ورطوبة، مثل الأنف والفم والجروح المفتوحة، ما يطلق سلسلة من المراحل الحياتية التي تشكّل "ساعة طبيعية" يستعين بها العلماء لتقدير زمن الوفاة.

ويختار الذباب آكل الجيف بعناية البيئة المناسبة التي توفر أفضل حماية لنسله، حيث يقوم باللمس والفحص قبل وضع البيوض بشكل متتابع، ثم تطير بهدوء، تاركة نسلها المكان المثالي لازدهاره.

تهرع الذبابة نحو الجسد، وتضع الإناث مئات البيوض في أكثر فتحات الجسم دفئًا ورطوبة (شترستوك)مراحل حياة تكشف الأسرار

تفقس البيوض خلال ساعات من وضعها، وتخرج يرقات صغيرة جائعة تبدأ في التغذي على الأنسجة بشراهة، ويزداد حجمها عبر مرورها بـ3 أطوار نمو متتابعة.

تقول بيريرا "بحسب مرحلة التطور -سواء كانت في طورها الأول الصغير أو في الطور الثالث الأكثر شراهة- تزداد هذه اليرقات في الحجم، وتظهر لها خصائص مورفولوجية مميزة يمكن استخدامها لتقدير عمرها بدقة قد تصل إلى ساعات أو أيام".

وتضيف "من خلال تحديد عمر هذه اليرقات، يستطيع العلماء حساب الفترة الزمنية المنقضية منذ وضع البيض، وبالتالي تقدير الفترة الزمنية بعد الوفاة، وهي ما يُعرف بالفاصل الزمني بعد الوفاة".

مع نمو اليرقات، يزداد استهلاكها للغذاء حتى تصل لمرحلة اكتمال التغذية، وعندها تبدأ في الهجرة بعيدا عن الجثة لتبحث عن مكان آمن تتحول فيه إلى طور العذراء داخل غلاف يُعرف بالـ"شرنقة".

بعد أسابيع أو شهور -بحسب الظروف- تكمل تحولها إلى شكلها الشبيه بفراشات مشوهة، لتتحول إلى ذباب بالغ مزود بالأجنحة والأرجل والقرون الاستشعارية، يبحث عن جثة جديدة لتكرار الدورة، في مشهد قد يبدو مروعا، لكنه في نظر علماء الطب الشرعي مفتاح مهم للعدالة.

من خلال دراسة دورة الحياة الكاملة لهذه الحشرات، وبمقارنة مرحلة تطور النسل على الجثة مع البيانات المخبرية المعروفة حول نموها في ظروف بيئية مماثلة، يمكن حساب الفترة التي انقضت منذ الوفاة بدقة نسبية مدهشة.

وتوضح بيريرا أن "جمع هذه الحشرات من مسرح الجريمة ودراستها بدقة لا يتيح فقط تحديد وقت الوفاة، بل يمد المحققين بأداة بيولوجية موثوقة تفتح نافذة جديدة لفهم ظروف الوفاة، وتعزز من قدرة أنظمة العدالة على كشف الحقائق، خاصة عند العثور على جثة مجهولة الظروف".

جمع هذه الحشرات من مسرح الجريمة ودراستها بدقة يتيح تحديد وقت الوفاة (شترستوك)ما هو أبعد من تأريخ الموت

لا يقتصر دور الحشرات في علم الحشرات الجنائي على تقدير الفترة الزمنية بعد الوفاة، بل يمكن أن توفر أيضا معلومات إضافية ذات قيمة عالية، شرط أن تُجمع العينات بطريقة صحيحة تراعي التنوع والعدد، فوجود الحشرات على الجثة، أو طريقة توزعها، أو حتى غيابها، قد يكشف الكثير عن ظروف الوفاة وما جرى للجثمان لاحقًا.

إعلان

على سبيل المثال، قد يشير انقطاع عملية استعمار الجثة أو وجود أنواع لا تتوافق مع بيئة العثور عليها إلى احتمال نقلها أو إخفائها.

ومن أبرز الدلالات التي توفرها الحشرات كما تسردها بيريرا:

نقل الجثة: إذا وُجدت أنواع من الحشرات في جثة مدفونة لا تستطيع عادة اختراق طبقات التربة، فهذا يشير إلى أن عملية الاستعمار وقعت في مكان آخر قبل أن تُنقل الجثة وتُدفن. الإخفاء أو التلاعب: توقف أو عدم اكتمال عملية الاستعمار قد يدل على أن الجثة كانت مخفية في ظروف تمنع وصول الحشرات، وحتى غياب الحشرات تمامًا يعد دليلا مهما، لأن بيئات قليلة جدا فقط يمكنها أن تمنع وصول الذباب إلى الجثة. الكشف عن السموم أو المخدرات: اليرقات التي تتغذى على الجثة تختزن المواد الكيميائية في أنسجتها، وفحصها يتيح كشف آثار المخدرات أو السموم أو الأدوية التي وُجدت في الجسم. تحديد الإصابات: تبدأ الحشرات عادة باستعمار التجاويف الطبيعية للجسم والجروح النازفة، لذا فإن وجود بيض أو يرقات في إصابة معينة يمكن أن يشير إلى أنها كانت حيوية (حدثت في أثناء حياة الضحية). يساعد وجود الحشرات في تشريح مسرح الجريمة (الفرنسية)قضايا كشفها الذباب

هذه الدلالات لم تعد نظرية وحسب، بل أثبتت قيمتها في قضايا جنائية حقيقية معقدة حول العالم، خصوصا حين واجه الطب الشرعي التقليدي صعوبات في تحديد وقت الوفاة أو ظروفها.

ومن واقع خبرات بيريرا العملية في باتاغونيا بالأرجنتين، هناك حالات أوضحت الدور المحوري لهذا العلم، ففي حادثة موثقة عام 2020، ساعد علم الحشرات الجنائي في حل لغز وفاة سائحة عُثر على جثتها في نهر ضحل في مقاطعة قرطبة بالأرجنتين.

لم يكن من السهل تحديد متى ماتت، خاصة أن الماء يغير من سرعة التحلل ويطمس الأدلة التقليدية، لكن الذباب كان قد سبق الجميع.

كشفت نتائج تحليل اليرقات التي وُجدت على جسدها، والتي نُشرت في "جورنال أوف فورينسك آند ليجال ميدسن"، أنها أصيبت بالذباب قبل أن تفارق الحياة، ما ساعد على رسم تسلسل دقيق للحظات الأخيرة من حياتها.

في هذه الحالة، ساعد علم الحشرات الجنائي على حل مشكلتين غيرتا مسار التحقيق بأكمله: أولا، تحديد الفترة التي بقيت فيها على قيد الحياة بالاعتماد على نشاط الحشرات، وثانيا، تحديد توقيت الوفاة بدقة أكبر بدراسة سلوك الذباب آكل الجيف (التكاثر والبقاء بعد الغمر بالماء) ما أعطى المحققين خطًا زمنيا أكثر وضوحا.

الأمر لا يتوقف عند الجثث فقط، فبعض أنواع الذباب لا تنتظر موت الكائن الحي لتبدأ عملها، يكفي وجود قطعة صغيرة من نسيج ميت في جرح ما، لتستغلها هذه الحشرات، وتبدأ في استعمار الأنسجة الحية المصابة.

هذا ما حدث في حالة السائحة الغارقة بقرطبة، حيث لم تستطع -لسبب غامض- أن تتخلص من الذباب الذي عزا جروحها بينما كانت ما تزال على قيد الحياة، قبل أن تفارقها.

ومن أبرز الأمثلة ذبابة اللولب التي تستغل الجروح المفتوحة في الحيوانات أو البشر الأحياء لتضع مئات البيوض في أنسجة لا تزال تنبض، لتفقس سريعًا خلال 24 ساعة.

تخرج اليرقات جائعة، وتستمر في التغذية أسبوعا كاملا، وتكوِّن أنفاقا صغيرة تزيد من تدهور الجروح، وتجذب مزيدا من الطفيليات، هذه العملية مؤلمة للغاية، ولذلك يُعتبر وجود هذه الذبابة في الإنسان مؤشرا على حالة ضعف أو عجز شديد.

يُعرف هذا المرض باسم الذُّبابية، وهو أكثر شيوعا في الحيوانات المهملة أو المصابة، لكن في الطب الشرعي، يقدم وجود هذا النوع من الإصابات أدلة إضافية على حالات إهمال سبقت الوفاة، وهي معلومة قد تكون بالغة الأهمية في التحقيقات الجنائية.

هذه الدلالات لم تعد نظرية وحسب، بل أثبتت قيمتها في قضايا جنائية حقيقية معقدة حول العالم (شترستوك)الحشرات كدلائل موسمية

لا تقتصر أهمية الحشرات على تحديد الزمن المطلق للوفاة، بل يمكنها أيضًا الإشارة إلى الفصل أو الموسم الذي حدثت فيه، فبعض الأنواع ترتبط بالمناخات الباردة، وأخرى بالمناخات الدافئة، وجودها يمكن أن يساعد في تحديد الفصل الذي وقعت فيه الوفاة، وهو أمر بالغ الأهمية في حال العثور على جثث بعد سنوات طويلة.

إعلان

كما تؤثر درجة الحرارة والرطوبة بشكل مباشر على سرعة تطور البيوض واليرقات، لذا، يجب أن يأخذ العلماء دائما في الاعتبار السياق المناخي والبيئي المحيط بمسرح الجريمة".

في قضية أخرى أكثر غرابة، عثرت الشرطة على مركبة تجارية مدفونة بالكامل تحت الأرض، وبداخلها جثة رجل مفقود منذ أكثر من 3 أشهر ملفوفة في غطاء بلاستيكي.

لم تكن المؤشرات الطبية التقليدية كافية لتقدير وقت الوفاة بسبب الحالة المتقدمة من تحلل الجسد وظروف الدفن، لكن دراسة أنواع الذباب والخنافس التي تسللت إلى الجثة ساعدت على استنتاج الزمن والفصل من السنة الذي وقعت فيه الوفاة، وكانت المفتاح في تحديد فترة الربيع البارد كبداية للوفاة.

تقول بيريرا "خلال الفحص، جُمعت يرقات وعذارى وحشرات بالغة من عدة أنواع، أظهر الفحص المخبري وجود خنافس مثل خنفساء لحم الخنزير حمراء الأرجل (نيكروبيا روفيبيبس) والخنفساء الرمية أو خنفساء الجلود، التي لا تظهر عادة إلا في المراحل المتقدمة من التحلل، ما أشار إلى أن الجثة كانت مكشوفة على الأقل 70 يومًا قبل العثور عليها".

وتضيف "كما عُثر على بقايا من ذبابة "كاليفورا فيسينا"، المعروفة باسم "ذبابة النفخ الأزرق"، التي تُعد من أوائل الأنواع التي تستعمر الأجساد في الأجواء الباردة، وهو ما دل على أن الجثة كانت مكشوفة لفترة وجيزة بعد الوفاة قبل أن تُدفن".

وكشف قلة العذارى وكونها ميتة داخل الشرانق نتيجة نقص الأكسجين بعد الدفن أن الجثة دُفنت بعد أن وضع الذباب بيوضه، مما أدَّى إلى اختناقها. لاحقًا، مع ثقل التربة، انفتح شق في الزجاج الأمامي للسيارة، ما سمح بدخول نوع آخر من الذباب ليكمل دورة حياته، ثم تبعته الخنافس.

هذا التتابع مكَّن الباحثين من تحديد الفترة الزمنية بين الدفن ودخول الحشرات الأخرى، وكذلك تقدير الفصل من السنة بالاعتماد على خصائص الذباب، وسمح لهم بإعادة بناء خط زمني واضح للوفاة وظروفها البيئية.

علم لا يخلو من تحديات

رغم هذه الإنجازات، يواجه علم الحشرات الجنائي عدة تحديات، ففي كثير من الحالات، لا يتم -أو على الأقل يتأخر- استدعاء علماء الحشرات الجنائيين إلى موقع اكتشاف الجثة إلا بعد نقلها إلى المشرحة، ما يؤدي لفقدان مراحل مبكرة من دورة حياة الحشرات.

فإذا كان هناك جيل أول من اليرقات قد نما على الجثة وهاجر بالفعل، فلن يتمكن خبراء الحشرات من رؤيته، بل يضطرون للتعامل فقط مع ما تبقى على السطح، وهذا يعني ضياع أدلة مهمة كانت موجودة في مسرح الوفاة نفسه.

التحدي الثاني يتمثل -كما تشرح بيريرا- في اختلاف معدلات نمو الحشرات باختلاف المناطق الجغرافية والظروف المناخية والبيئية المحيطة بالجثة، فعلى الرغم من انتماء الأفراد إلى النوع نفسه، قد تختلف سرعة نموها تبعا لعوامل مثل الرطوبة، والارتفاع عن سطح البحر، ونوعية الغذاء المتاح، وحتى الخصائص الجينية الخاصة بكل جماعة محلية.

على سبيل المثال، قد تُظهر إحدى الأنواع زمنا للتطور في أوروبا يختلف عن الزمن الذي تسجله الجماعة نفسها في الأرجنتين، ولهذا، يصبح من الضروري بناء قواعد بيانات محلية محدثة لكل منطقة جغرافية، من خلال تجارب مضبوطة بدقة توثق زمن كل مرحلة من مراحل دورة الحياة تحت ظروف بيئية محددة للمنطقة.

أمَّا التحدي الثالث فيتعلق بصعوبة تأريخ مرحلة العذراء، التي تقع بين اليرقة والحشرة البالغة، وتمثل قرابة نصف دورة حياة الذباب، ورغم أهميتها، فإنها تبدو من الخارج مجرد كبسولة بنية ساكنة لا تكشف شيئا عن التغيرات الداخلية العميقة التي تحدث خلالها.

وخلال هذه المرحلة، يمر الذباب بتحولات عميقة، لكنه يظل من الخارج بلا ملامح مميزة، ما يجعل من الصعب معرفة في أي لحظة من تطوره يوجد، وهذا يحدّ من دقة تقدير زمن الوفاة، خاصة عندما تكون الجثة في مرحلة متقدمة من التحلل، وتكون العذارى هي الدليل الرئيسي المتاح.

ويرتبط التحدي الـ4 بكون التحليل المورفولوجي التقليدي يعتمد بشكل كبير على خبرة الباحث، إذ يستند العلماء عادة إلى دراسة شكل الحشرات تحت المجهر ومقارنة تفاصيلها بمفاتيح تصنيفية متخصصة لتحديد النوع والمرحلة، ورغم أن هذه الطريقة أساسية، فإنها عرضة للاختلافات بين الخبراء، خصوصًا إذا كانت العينات تالفة أو محفوظة بشكل سيئ أو صغيرة جدًا.

فرص واعدة

في مواجهة هذه التحديات، تأتي الحاجة إلى ضرورة تعزيز التعاون متعدد التخصصات بين الجهات القضائية والمجتمع العلمي باعتبار أن هذه الكائنات الصغيرة ليست مجرد كائنات مزعجة، بل أدوات دقيقة قد تكشف خبايا الجرائم الغامضة.

إعلان

تقول بيريرا "هناك أيضا فرصة لتطوير تقنيات حديثة مثل تحليل الحمض النووي، الذي يتيح تحديد الأنواع بدقة حتى في الحالات المبكرة أو المجزأة أو المتدهورة، ما يضمن دقة أكبر حينما تفشل الطرق المورفولوجية، وهي مجموعة من أساليب الدراسة التي تركز على دراسة شكل وتكوين الهياكل أو الكائنات الحية".

وتضيف أن تحليل التعبير الجيني التفاضلي وسيلة مبتكرة لتأريخ العذارى، ففي مختبرهم، تمت دراسة جينات متعددة أظهرت النتائج فاعليتها، ونُشرت هذه النتائج في مجلة "إنترناششونال جورنال أوف ليجال ميديسن"، عام 2025.

مقالات مشابهة

  • علم الحشرات الجنائي.. كيف يساعد الذباب في كشف أسرار الجرائم المعقدة؟
  • سرايا القدس في مرور عامين على معركة طوفان الأقصى: نتوجه بالتحية إلى يمن النخوة والعزة الذين لا زالوا على العهد
  • دراسة تثبت.. الشاي يقلل خطر سرطان الكبد
  • جيروزاليم بوست: الأسرى الـ4 الذين تصر حماس على الإفراج عنهم
  • CREATE AUT: منصة للابتكار وريادة الأعمال تجمع الطلاب مع الخبراء الدوليين
  • علاجات إنقاص الوزن مونجارو وويغوفي يجب أن تكون العلاج الأول للسمنة
  • الإفراط في الاستحمام.. نصائح الخبراء لحماية بشرتك
  • سيدات العراق يتلقين أول خسارة في بطولة غرب آسيا للكرة الطائرة
  • الابتزاز لن يساعد أوكرانيا
  • دراسة تثبت.. الشاي يقلل خطر سرطان الكبد إلى النصف تقريبا