عام مضى على حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، من دون أن يحرك العالم ساكنا تجاه إسرائيل التي تعتبر نفسها فوق كل القوانين، مما رسخ حقائق لن تغيب، مفادها أن للشعب الفلسطيني الحق بالمقاومة ضد إسرائيل التي تواصل ارتكاب الجرائم، وفق ما تقوله شهد الحموري أستاذة القانون الدولي في جامعة "كنت" بالمملكة المتحدة.

وشددت الحموري على أن ما لم يغب عن الجميع هو الاعتراف القانوني الصريح بغياب أي شرعية للاحتلال في فلسطين على حدود عام 1967، بإشارة إلى تأكيد محكمة العدل الدولية في 19 يوليو/تموز أن إسرائيل تنتهج سياسة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، ويجب أن تنهي وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 خلال سنة.

وأضافت "كنا نعلم هذا الشيء منذ أكثر من 75 عاما، لكن القانون الدولي أخذ كل هذه المدة للوصول إلى هذه النتيجة".

وأشارت الحموري إلى أنه بالرغم من الاعتراف بعدم قانونية الاستعمار كمبدأ أساسي يحكم العلاقات ما بين الدول في سبعينيات القرن الماضي، فإنه لم تكن هناك النية السياسية للاعتراف بتجلي الاستعمار كشكل من أشكال الاضطهاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وقالت "بالتالي نحن أمام مهمة لكي نفتح أعين المجتمع الدولي بغية إطلاق المسميات الصحيحة على الواقع الذي نراه".

أمام العدل الدولية

وفي حديثها عن قرار محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل متهمة إياها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، قالت الحموري "عشنا لحظة قوية حين واجهنا إسرائيل لكي نتهمها بأخطر الجرائم، لنذكرها أمام العالم أنها دولة مبنية على الإبادة والاستعمار الاستيطاني".

وأكدت أن العالم لن ينسى إنكار المجتمع الدولي للجرائم الإسرائيلية المرتكبة في غزة والضفة الغربية، ولن ينسى أيضا إنكاره للقانون الدولي.

ولفتت إلى أن المجتمع الدولي قبل السرديات المبنية على فرضية "براءة الإسرائيلي وإجرام الفلسطيني"، وأغفل العنصرية التي ترتكبها إسرائيل.

حق المقاومة

واستهجنت أستاذة القانون الدولي اعتبار الدول الغربية الحق في المقاومة في غزة بأنه "أعمال إرهابية"، مؤكدة أن من حق الشعوب المقاومة لتقرير مصيرها، خاصة عندما لا يفعل المجتمع الدولي أي شيء، بإشارة إلى الإبادة المستمرة في غزة جراء الصمت الدولي.

وأفادت بأن المقاومة هي عقيدة لا تغيب عن قلب أي إنسان يقع تحت الهيمنة،

كما استهجنت اعتبار المجتمع الدولي أن لإسرائيل الحق بالدفاع عن النفس قائلة إن هذا "تفسير واهٍ للقانون الدولي"، لأنه لا يوجد أسس لإسرائيل أن تدعي حقها بالدفاع عن نفسها على أرض هي تستعمرها وتحتلها.

وأكدت أن التساؤلات الأساسية ليست عن "ماذا فعل القانون الدولي لفلسطين؟" لكن ماذا فعلت فلسطين بالقانون الدولي؟ وكيف وصلت فلسطين بالقانون الدولي إلى مرحلة نرى فيها تخافت الاحتفاء بالعدالة الدولية من قبل الدول التي استقبلت برحابة الإبادة ودولة فصل عنصري، وفق وصفها.

وشددت الحموري على أنه بالرغم من وقوف كافة مبادئ القانون الدولي إلى جانب فلسطين، فما زالت معظم الدول الغربية مصرة على طغيانها وعلى تفاسيرها "اللا منطقية للقانون الدولي على حساب الشعوب المقهورة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجامعات القانون الدولی المجتمع الدولی فی غزة

إقرأ أيضاً:

اللغة التي تفشل

تكتمل الكارثة بالعجز اللغوي عن وصفها. لم نعد قادرين على القول؛ لأن القول لم يعد قادرًا على ممارسة أفعاله، ولأن القول العاري من الإرادة موعود بخيانة نفسه. سولماز شريف، الشاعرة الأمريكية الإيرانية الأصل كانت قد كتبت ذات مرة:

«كل قصيدة فعل.

كل فعل عمل سياسي.

ولذا فكل القصائد سياسية». (اقرأ مقالتها «الخصائص شبه المشتركة بين السياسي والشعري: المحو» بترجمة مزنة الرحبية، على مجلة الفلق الإلكترونية).

تذكرنا شريف، فيما ننسى، بأن تسييس القصيدة ليس مسألة اختيار، بل هو شرط شعري مسبوق بشرط أول: أن تكون القصيدة فعلاً. فعل القصيدة شرط شعري لا حياد عنه. على القصيدة أن تفعل فعلها السياسي، «أن تدقَّ جدار الخزان» بتعبير غسان كنفاني كي تتحقق شعريًا. وبهذا المعنى تضع سولماز شريف شعرنا المكتوب في خضم الكارثة أمام تحدٍ وجودي يعيدنا للبحث في أزمة سابقة تتعلق بالدولة والحرية، وبالفضاء السياسي للغة عمومًا: كيف نكتب شعرًا «فاعلًا» بلغة معقَّمة معطَّلة سياسيًا من الأساس؟ فإذا كانت الخطب المنبرية الصريحة تفشل فشلها الذريع في الفعل، فكيف لإيماء الشعر أن يفعل بهذه اللغة المقهورة سياسيًا؟! يدهشني أن أقرأ عن غزيين يحاولون تعلم اللغة الإنجليزية كلغة طوارئ يترجمون بها معاناتهم للعالم. ولعل هذا الشاهد هو الأبلغ على فشل هذه اللغة، العربية، وعلى عطالتها السياسية، اللغة التي لم تعد تسعف، ولم تعد تلبي مهمة التواصل والوصول.

«قهر اللغة» هو الفصلُ الأقسى من فصول هذه الإبادة المفتوحة، حين تنتحر الكلمات على حدود السياج الخفي، الفاصل الواصل بين اللفظ ودقة المعنى. اللغة المقهورة التي ظلت عاجزة عن الفعل السياسي نكتشف اليوم، في امتحانها الأصعب، أنها مصابة بالعجز حتى أن الإيفاء بوظيفتها الأخيرة «التعبير». ولكن من منَّا الآن على استعداد ليقرَّ بعجز لغته عن التعبير، فضلاً عن الإتيان بجديد في هذا المناخ من الاستعصاء المرير، استعصاء ما بعد الصدمة؟!

سؤال الإبداع في الإبادة هو أيضًا سؤال إشكالي من ناحية أخلاقية وفلسفية في الآن نفسه: كيف لنا، قبل أي شيء، أن نبحث في الإبادة عن معنى؟ معنى جديد؟ كيف نطالب بإبداع من وحي الإبادة دون أن نجد في هذا المطلب تناقضًا فلسفيًا من قبل أن يكون أخلاقًيا؟ أوليس في هذا التسول البائس تواطؤًا يجعل من الكتابة «الجمالية» عن الإبادة تطبيعًا لها، أو توكيدًا ضمنيًا لما تسعى لاستنكاره؟ ربما تصبح مقولة أدورنو الشهيرة عن استحالة كتابة الشعر بعد «أوشفيتز» ضرورية في هذا السياق، حتى وإن بدت لنا مكابرة الكتابة في هذا الظرف، رغم قهر اللغة، مكابرةً أخلاقيةً مشروعة، بذريعة أن بديلها المطروح ليس سوى الصمت، الصمت عن الجريمة.

ما الذي يمكن فعله بهذه اللغة التي تفشل؟ على مدى عامين تقريبًا وأنا أراقب لغتي بخوف وحذر. الإبادة المستمرة هناك تمتحن لغتي هنا كما لم أعرف من قبل امتحانًا في اللغة. كيف يكتب اليوم من لم يهيئ نفسه وأدواته من قبل لاستقبال العالم بهذه الصورة؟ ثمة وحشية فاجرة، أكبر من طاقة اللغة على الاستيعاب. عنف يحشرني في زاوية ضيقة من المعجم، وهو ما يجبرني على تعلم أساليب جديدة في المراوغة والتملص للنجاة من هذا الحصار، حصار السكوت الذي لا يقترح إلا الكلام الجاهز.

أستطيع أن أحدد يوم السابع من أكتوبر 2023 تاريخًا لبداية مرحلة جديدة من لغتي. صرتُ كثير التَّفكر في اللغة باعتبارها موضوعًا موازيًا للعالم. بات عليَّ أن أُعقلن لغتي أكثر، أن أرشِّدها، وأن أتحداها في الوقت نفسه. يظهر هذا في تلعثمي وتعثري بالألفاظ كلما حاولتُ الكتابة أو الحديث عن الإبادة التي لم أعد أستطيع التعبير عنها بأي شكل من الأشكال دون الدخول في صراع مع اللغة وإمكانياتها. حتى وأنا أكتب كلمة «إبادة» الآن أصطدم بفراغ عدمي بعد الكلمة، وأدخل في متاه مفتوح لا يؤدي إلى أي شيء، عدم يحيل هذه الكلمة إلى مجرد لفظة إجرائية فقدت حوافها وحدودها من فرط الاستهلاك اليومي.

تختبر الحرب قدرة الشعر والفكر على امتصاص الصدمة واستقبال الفجيعة. حدث هذا جليًا في عقب الصدمة التي ولَّدتها النكسة سنة 1967، سنة الانقلابات الشخصية والتحولات الكبرى في صفوف الشعراء والمثقفين العرب. وهو ما يحدث اليوم وعلى مدى أشهر في صورة أكثر بطئًا وتماديًا. والحرب تأتي لتفحص جهوزية اللغة ولتعيد تشكيلها في نهاية المطاف. إنها تعبثُ بالعلاقة بين الدال والمدلول، وتبعثر الاستعارات القديمة لتأتي باستعاراتها الجديدة، وتفرض مع الوقت معجمها الموحَّد الذي توزعه على الجميع. كما تفتحُ الحرب الباب للشعراء الهواة لتقديم استقالاتهم والانصراف البيوت (لا شاعر للمهمات الصعبة اليوم)، وإن كانت في الوقت نفسه توفر مناخًا انتهازيًا لهذه الفئة من الشعراء المتسلقين على المراثي وأحصنة الحماسة.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • استراليا:إسرائيل تنتهك القانون الدولي “بكل وضوح” في غزة
  • أستراليا: إسرائيل تنتهك القانون الدولي في غزة
  • رئيس وزراء أستراليا: إسرائيل تنتهك القانون الدولي "بكل وضوح"
  • بالقانون.. حالات استحقاق التعويض عن الحبس الاحتياطي
  • اللغة التي تفشل
  • في حالتين .. طرد مواطني الإيجار القديم قبل انتهاء المدة بالقانون
  • موقع إسرائيلي: ما الذي يمكن أن يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل ووقف الإبادة بغزة؟
  • نائب بولندي ينتقد موقف بلاده من جريمة الابادة التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة
  • جوتيريش ينتقد انعدام تعاطف المجتمع الدولى مع الفلسطينيين فى غزة
  • رئيس الوزراء الكندي يتهم “إسرائيل”بانتهاك القانون الدولي بمنعها وصول المساعدات لغزة