فورين بوليسي: 7 تغيرات إستر اتيجية للهجمات بين إيران وإسرائيل
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
قالت صحيفة "فورين بوليسي" إن الضربة الإيرانية الثانية على إسرائيل بوابل من الصواريخ كانت بمثابة تصعيد كبير في الصراع المستمر بين القوتين الإقليميتين، وسواء اندلعت حرب أوسع نطاقا بينهما أم لم تندلع فإن المنطقة لن تعود كما كانت مستقبلا.
وبغض النظر عن الحرب، فإن تبادل الهجمات بين إيران وإسرائيل أدى بالفعل إلى معادلة جديدة للقوة في المنطقة ستستمر إلى ما هو أبعد من هذه المواجهة المحددة، وقد خلف 7 نتائج إستراتيجية بعيدة المدى وواضحة المعالم للصراع الإيراني الإسرائيلي، حسب مقال بقلم أراش رايزينجاد من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
يتحول أساس الأمن القومي والإستراتيجية العسكرية الإيرانية تدريجيا من الاعتماد على الحلفاء العسكريين من غير الدول في المنطقة نحو شكل جديد من الردع، ويتضح ذلك في استبدال الجنرال قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي كان مسؤولا عن العمليات العسكرية خارج الحدود، بالجنرال أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية في الحرس الثوري، مما يشير إلى أن إستراتيجية المنطقة الرمادية التي تعطي الأولوية للصراع غير المباشر، باستخدام "الحلفاء غير الحكوميين" مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحزب الله، أصبحت الآن نهجا تكميليا.
منذ نهاية حربها الدموية مع العراق، تبنى القادة العسكريون الإيرانيون إستراتيجية سرية تقوم على امتصاص الألم الشديد والانتقام في الوقت الذي يختارونه، ومع ذلك، فإن عقودا من التخريب الإسرائيلي المستمر على الأراضي الإيرانية خفضت مستوى "الغموض الإستراتيجي" الإيراني إلى ما أصبح يعرف بالصبر الإستراتيجي السلبي، الذي يتسم بعدم وجود إجراءات انتقامية.
وعلى الرغم من ترددها الواضح في اتخاذ قرارات جريئة في السياسة الداخلية، فقد تخلت إيران الآن عن صبرها الإستراتيجي للمرة الثانية، وقد خلصت، بعد ضغوط مكثفة من المؤيدين المؤثرين والرأي العام الأوسع داخل البلاد، إلى أن الفشل في الانتقام من شأنه أن يمثل نقطة تحول إستراتيجية.
ثالثا: شكل جديد من الردعأنشأت إيران الآن سياسة واضحة المعالم بشأن الردع -حسب الكاتب- حيث أظهر انتقام الحرس الثوري العنيف إرادة إيران وقدرتها على تنفيذ هجوم مدمر على إسرائيل، وعلى النقيض من الضربة الأولى في أبريل/نيسان، حيث أسقِط معظم الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، أثبتت الضربة الصاروخية الثانية أنها أكثر نجاحا، واخترقت أنظمة الدفاع الإسرائيلية المتقدمة.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تتمتع بواحد من أحسن المجالات الجوية دفاعا في العالم، ومجهزة بأحدث التقنيات المضادة للصواريخ، فإن العديد من الصواريخ الإيرانية تمكنت من ضرب المطارات الرئيسية فيها، مما يسلط الضوء على مركزية القوة الصاروخية في إستراتيجية الأمن القومي الإيراني، ويعزز كون قدراتها الصاروخية ستظل غير قابلة للتفاوض في المحادثات المستقبلية مع الغرب.
رابعا: خط أحمر إيراني جديد
حددت إيران خطها الأحمر الجديد تجاه إسرائيل، فرغم أن تل أبيب شنت ضربات مدمرة على القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا لما يقرب من 15 عاما، واستهدفت بشكل مباشر كبار جنرالاتها، فإن قصفها للقنصلية الإيرانية في دمشق تجاوز العتبة الحرجة، مما دفع إيران إلى الرد بوابل من الصواريخ والمسيرات، معلنه بذلك انهيار الخطوط الحمراء التقليدية لإيران مع إسرائيل.
وردا على التصرفات الإسرائيلية المستمرة، مثل اغتيال قائد حماس في طهران واغتيال زعيم حزب الله في بيروت، كان الانتقام الإيراني يهدف إلى إعادة ترسيخ مستوى الردع، وبالتالي تجاوزت إيران خطين أحمرين مهمين، ضرب الأراضي الإسرائيلية من أراضيها واستهداف دولة مسلحة نوويا، خاصة أن طهران ضربت أراضي قوة نووية أخرى، باكستان، قبل أقل من 10 أشهر.
وكانت رسالة طهران واضحة، وهي أن حرمة أراضيها خط أحمر أساسي، ولو لم تتمكن من حماية قواعدها العسكرية بشكل كامل في بلاد الشام من الضربات الجوية الإسرائيلية، وسيظل من المرجح، مع عدم وجود خط أحمر راسخ، أن يسعى الجانبان إلى إعادة رسم الحدود من خلال مواصلة الضربات المتبادلة، في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية هذا العام.
خامسا: تزايد النفوذ الإيراني في الشارع العربييرى الكاتب أن نفوذ إيران في الشارع العربي قد تزايد، وأنه من المحتمل أن تؤدي مكاسب القوة الناعمة الناجمة عن الهجوم الأخير إلى استعادة شعبية إيران في العالم الإسلامي، بعد أن شوّهها دعم طهران الثابت لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، وبعد أن زاد دعمها لحماس في غزة مكانتها بين الفلسطينيين والمجتمعات العربية بشكل ملحوظ.
ولعل فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الماضية، إلى جانب الصوت القوي للتعاون الإقليمي بقيادة نائب الرئيس للشؤون الإستراتيجية محمد جواد ظريف ووزير الخارجية عباس عراقجي، قد يساعد في تقليل التوتر بين طهران والدول العربية في الخليج، إلا أن إيران لا تزال تفتقر إلى مبادرة إقليمية قوية، وقد تواجه تحديات في الاستفادة الكاملة من هذه الفرصة وترجمة هذا النفوذ إلى تحولات ملموسة.
سادسا: تحول محتمل في سياسة طهران النووية
ترى الصحيفة أن العملية الانتقامية الإسرائيلية ضد إيران يمكن أن تحدث تحولا جذريا في سياسة طهران النووية، لأن هناك أصواتا قوية في إيران تدعو إلى السعي للحصول على الطاقة النووية كوسيلة إستراتيجية لاستعادة قوة الردع الكاملة للبلاد، ويزعم هؤلاء أن تطوير الأسلحة النووية بشكل كامل هو الرادع الأكثر فعالية للعدوان الإسرائيلي.
ونتيجة لذلك، فإن حدوث أي ضربة عسكرية إسرائيلية قد يؤدي إلى تسريع سعي طهران للحصول على الطاقة النووية، كما أن هوس الغرب بنزع سلاح إيران الكامل، إلى جانب منحه إسرائيل شيكا على بياض، قد يؤدي إلى نتيجة غير مقصودة، وهي إيران مسلحة نوويا.
سابعا: القوة التكنولوجية مقابل القوة الجيوسياسيةيسلط هذا الصراع الضوء على الصدام بين القوة التكنولوجية والقوة الجيوسياسية، حيث تستفيد إيران من مزايا جيوسياسية كبيرة، في حين أن نقطة ضعف إسرائيل تكمن في ضعفها الجيوسياسي، حيث تنحصر في منطقة صغيرة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.
وقد شكل هذا الاختلاف إستراتيجيات البلدين، حيث فضلت إيران عملياتها في المنطقة الرمادية بدعم من حلفائها من غير الدول، في حين تعتمد إسرائيل على إستراتيجية الصدمة والضربة الوقائية المتجذرة في التفوق التكنولوجي، وبالتالي فإن العوامل الجيوسياسية تظل ضرورية في تشكيل مسار المنافسات الإقليمية، رغم ما للتكنولوجيا من دور متزايد الأهمية في الثورات العسكرية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات
إقرأ أيضاً:
من الرياض إلى الدوحة.. إيران تمهّد لطاولة مسقط
طهران- يبدأ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي -اليوم السبت- جولة تشمل الرياض والدوحة، وذلك قبل يوم واحد من انعقاد الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في مسقط.
ووفقا لما أعلنه عراقجي، تهدف الزيارة إلى تبادل وجهات النظر مع دول الجوار، وإطلاعها على آخر تطورات المفاوضات التي تترقبها المنطقة.
وتتزامن هذه التحركات مع استعداد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للقيام بجولة تشمل السعودية وقطر والإمارات بين 13 و16 مايو/أيار الجاري، وهو ما يضيف بُعدا دوليا جديدا للجهود الإقليمية الرامية إلى تهدئة التوترات.
وتجري الجولة الرابعة من المفاوضات على وقع خلاف حول التسمية الجغرافية للخليج، إذ أعلن ترامب عزمه اتخاذ قرار بشأن التسمية الرسمية التي ستعتمدها الولايات المتحدة، عقب تقارير إعلامية أفادت بنيته إطلاق اسم "الخليج العربي" أو "خليج العرب" على المسطح المائي الذي تصرّ إيران على تسميته "الخليج الفارسي"، مما أثار ردود فعل في طهران.
ويرى خبراء أن هذه القضية تعكس التوترات المتجددة، وتبرز الحاجة إلى مزيد من الحوار والتفاهم المشترك.
تقارب إقليمييقول خبير الشؤون الإقليمية محمد بيات إن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى قطر والسعودية تأتي في وقت حساس، وقبيل عقد الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، وتهدف إلى تبادل الآراء مع الدولتين العربيتين وإطلاعهما على آخر التطورات في المفاوضات، خاصة في ظل ما وصفه بالتقارب الحاصل بين مواقف إيران والدول الخليجية بشأن ضرورة تقليص التوترات في المنطقة.
إعلانورأى بيات -في حديث للجزيرة نت- أن هذا التطور يعكس تحولات جيوسياسية كبيرة في المنطقة، خاصة بعد "السابع من أكتوبر/تشرين الأول"، إذ بات من الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت أكثر تقبلا لفكرة الاتفاق بين طهران وواشنطن، على حد تعبيره.
وأضاف أن الدول الخليجية باتت تدرك ضرورة كبح التصعيد الإسرائيلي على حدود 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة)، والحد من التوترات في المنطقة، مما يسهم في تقوية العلاقات بين إيران ودول جنوب الخليج.
وفي ما يتعلق بالموقف الأميركي، يعتقد بيات أن الإدارة الأميركية الحالية تحت قيادة ترامب أكثر مرونة في التعامل مع إيران، مقارنة بمواقفها السابقة. ويلفت إلى وجود مؤشرات على إمكانية إعلان اتفاق نووي جديد مع طهران، بالإضافة إلى احتمال ظهور خطة أميركية جديدة بشأن الحرب في غزة، وهو ما يشير إلى تغير في لهجة السياسة الأميركية في المنطقة.
من جهتها، رأت خبيرة شؤون دول الخليج هدى يوسفي أن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الرياض والدوحة تأتي في توقيت بالغ الحساسية، وتعكس مساعي طهران لإعادة تموضعها إقليميا في ظل متغيرات جيوسياسية متسارعة.
وأوضحت يوسفي -في حديثها للجزيرة نت- أن الزيارة تحمل رسائل متعددة، أبرزها سعي إيران لتقليص فجوة الثقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتأكيد رغبتها في حل القضايا الإقليمية عبر الحوار، وليس عبر المواجهة أو التصعيد.
وتعوّل إيران -وفق الخبيرة- على دور قطر بوصفها وسيطا موثوقا، خاصة في ظل علاقة الدوحة المتوازنة مع كل من طهران وواشنطن، مضيفة أن قطر تمتلك موقعا إستراتيجيا يسمح لها بلعب دور إيجابي سواء في خفض التصعيد أو التمهيد لتفاهمات إقليمية، وهو ما يجعل زيارة عراقجي إلى الدوحة "أكثر من مجرد زيارة بروتوكولية".
إعلانكما اعتبرت أن السعودية أيضا، "رغم تحفظها التقليدي"، باتت أكثر انفتاحا على فكرة التفاهم الإقليمي، خصوصا في ظل سعيها لتنفيذ مشاريعها التنموية ضمن رؤية 2030، التي تتطلب استقرارا طويل الأمد في محيطها الإقليمي.
وأشارت الخبيرة إلى أن الزيارة تندرج كذلك ضمن محاولة إيران إضفاء بُعد إقليمي على مفاوضاتها مع الولايات المتحدة بشأن العقوبات، معتبرة أن أي اتفاق يفتح المجال أمام عودة إيران للأسواق العالمية، لا سيما في قطاع النفط، ستكون له تداعيات مباشرة على اقتصادات الخليج، وهو ما يدفع طهران لطمأنة جيرانها والتقليل من المخاوف المحتملة.
إلى جانب ذلك، تقول يوسفي إن إيران أصبحت تدرك أن النجاح في ملفها النووي لا يكتمل من دون غطاء إقليمي، "لذلك تبعث من خلال هذه الزيارة بإشارات تهدئة قد تُسهم في تخفيف منسوب التوتر المزمن في المنطقة".
وبينما تترقب المنطقة نتائج الجولة الرابعة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في مسقط غدا الأحد، تظل التساؤلات مفتوحة حول قدرة التحركات الدبلوماسية الأخيرة على تقليص التوترات الإقليمية وتحقيق تسوية مستدامة.