طهران– أثارت المواجهة العسكرية التي اندلعت فجر 13 يونيو/حزيران بين إيران وإسرائيل، واستمرت 12 يوما، العديد من التساؤلات حول التداعيات الاقتصادية المحتملة على الداخل الإيراني، في ظل ظرف إقليمي معقد ووضع اقتصادي داخلي غير مستقر.

ورغم غياب بيانات رسمية دقيقة عن حجم الخسائر الاقتصادية التي تكبّدتها البلاد جراء هذه الحرب، فإن المؤشرات الأولية والتقديرات غير الرسمية تشير إلى أضرار واضحة بقطاعات أساسية.

شملت الأضرار المحتملة، وفق ما نقلته مصادر إيرانية، تضرر منشآت صناعية وبُنى تحتية في بعض المناطق، إلى جانب تأثيرات على قطاعي الطاقة والنقل، فضلا عن تقلبات في الأسواق المالية، وارتفاع مستويات التضخم، وتزايد المخاوف من تراجع حجم الاستثمار المحلي والخارجي.

وفي ظل غياب أرقام رسمية دقيقة، يركز هذا التقرير على تحليل أبرز التداعيات الاقتصادية التي قد تترتب على هذه الحرب، من خلال آراء 3 من أساتذة الاقتصاد الإيرانيين، الذين يقدمون قراءات حول كيفية تعامل الدولة مع الضغوط المالية، ومستقبل السياسة النقدية، وإمكانية ظهور أنماط اقتصادية طارئة في حال استمرار التوتر.

تضخم متصاعد

قال أستاذ الاقتصاد الإيراني بيمان مولوي إن العنصر الأهم في أي حرب وتأثيرها على الاقتصاد، سواء في إيران أو غيرها، يتمثل في مصادر الدخل من جهة، والنفقات العسكرية من جهة أخرى؛ فالحرب تتطلب إنفاقا كبيرا، وهذا الإنفاق يُقتطع من موارد أخرى، على حد قوله.

وأضاف مولوي في حديث لـ"الجزيرة نت" أن الاقتصاد الإيراني يشهد في الوقت الراهن نموا في السيولة النقدية يتراوح بين 28 إلى 30%، ما يرفع حجم المعروض النقدي بنفس النسبة تقريبا، محذرا من أن استمرار هذا الاتجاه مع تضرر البنى التحتية نتيجة تصعيد عسكري سيُجبر الحكومة على ضخ سيولة أكبر، وهو ما يفاقم التضخم ويقلّص النمو الاقتصادي.

إعلان

وأوضح أن معدّل التضخم في إيران قبيل هذه التطورات بلغ نحو 38%، لكن هذا الرقم قابل للارتفاع بشكل كبير إذا استمر الوضع على ما هو عليه، خاصة إذا ما تطور الصراع إلى استهداف البنى التحتية الحيوية كالكهرباء والمياه والمصافي.

وأضاف أن الحرب تفرض واقعا اقتصاديا جديدا يُعرف بـ"اقتصاد الحرب"، وتتجه الحكومات إلى تقنين توزيع السلع الأساسية وفرض نظام الحصص التموينية، محذرا من أنه "في حال تعثرت سلاسل التوريد أو تأثرت عائدات النفط، فإن البلاد قد تقترب من هذا السيناريو".

وأشار إلى أن "الحرب تعني بالضرورة إعادة توجيه الموارد من قطاعات إلى أخرى، وهو ما يؤدي إلى خلل اقتصادي مزمن، وتثبيت معدلات التضخم في بنية الاقتصاد الإيراني على المدى الطويل".

هروب رؤوس الأموال

قال أستاذ الاقتصاد الإيراني مرتضى أفقه إن "تأثيرات الحرب على الاقتصاد تكاد تكون متشابهة في مختلف دول العالم، لكن مدى عمق هذه التأثيرات يرتبط بقدرة كل اقتصاد على الصمود ومدى قوته البنيوية".

وأضاف أفقه في حديث لـ"الجزيرة نت" أن الاقتصاد الإيراني دخل المرحلة الحالية وهو في وضع هش أساسا نتيجة سنوات طويلة من العقوبات، قائلا: "نحو 7 إلى 8 سنوات من العقوبات المشددة أضعفت الاقتصاد الإيراني بشكل كبير؛ فالإيرادات بالعملة الصعبة تقلّصت أو توقفت، والاستثمار تراجع، ومعدلات التضخم بقيت مرتفعة لأكثر من 6 سنوات فوق عتبة 30%، من دون أي انخفاض يُذكر، في حين تراجعت القوة الشرائية للناس بشكل ملحوظ".

وأوضح أن إضافة عامل عسكري جديد، مثل التهديدات أو الهجمات أو حتى نزوح السكان من بعض المناطق، من الطبيعي أن تكون له آثار أعمق بكثير على الاقتصاد الإيراني مقارنة باقتصادات أكثر متانة.

وأشار أفقه إلى أن الأثر الأولي لأي تصعيد عسكري يتمثل في ارتفاع الطلب على بعض السلع بدافع القلق من المستقبل، إلى جانب تزايد رغبة الأفراد في سحب أموالهم من البنوك أو إخراج رؤوس أموالهم من البلاد، وهو ما يتوقف تأثيره الفعلي على مدى ثقة الناس بالحكومة وقدرتها على طمأنتهم.

وأضاف: "في ظل توقعات بارتفاع إضافي للتضخم، ستزداد معاناة الفئات الفقيرة، وستتراجع قدرتها الشرائية أكثر فأكثر"، مؤكدا أن الحكومات -حتى في الدول الرأسمالية- "تتدخل في أوقات الحرب والأزمات لتولي زمام السيطرة على الإنتاج والتوزيع بهدف ضمان الحد الأدنى من الحاجات الأساسية لكافة المواطنين".

عجز الموازنة

قال أستاذ الاقتصاد الإيراني إيزاك سعيديان إن حكومة الرئيس مسعود بزشكيان، ومنذ تسلمها السلطة، وضعت على رأس أولوياتها معالجة العجز الكبير في الموازنة، إلى جانب محاولة إصلاح الاختلالات المالية في قطاعات متعددة من الاقتصاد الإيراني.

وأوضح سعيديان في تعليق لـ"الجزيرة نت" أن العجز المزمن في الموازنة كان بمثابة عبء ثقيل يلاحق الحكومة منذ البداية، وقد حاولت إدارة بزشكيان تقليصه عبر إجراءات صعبة، من بينها رفع أسعار الخبز والديزل، غير أن الحكومة اضطرت مؤخرا إلى التراجع عن خطة الديزل المتعدد الأسعار، بسبب التطورات.

وأضاف أن اندلاع المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل عقّد الأمور أكثر، وجعل مهمة الحكومة أكثر صعوبة، خاصة مع اتساع رقعة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في عدة مناطق داخل البلاد، ما يتطلب تمويلا هائلا لإعادة الإعمار.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاقتصاد الإیرانی

إقرأ أيضاً:

تعويضات بالمليارات وهدم عشرات المباني.. إسرائيل تدفع ثمن حربها مع إيران

القدس المحتلة - الوكالات

بينما تتواصل تبعات حرب "الأسد الصاعد" التي أطلقتها إسرائيل ضد إيران، تكشفت أرقام صادمة بشأن الأضرار الاقتصادية الهائلة التي لحقت بالداخل الإسرائيلي، وسط موجة غير مسبوقة من مطالبات التعويض وتوسّع لافت في التغطية التأمينية الفردية للممتلكات.

فمنذ اندلاع الحرب، سجّلت مصلحة الضرائب الإسرائيلية نحو 40 ألف مطالبة تعويض خلال أسبوعين فقط، في وقت تقرر فيه هدم 25 مبنًى بسبب الأضرار الجسيمة الناتجة عن صواريخ إيرانية، مقارنة بمبنى واحد تضرر بهذا المستوى خلال حرب غزة.

وكشف أمير دهان، مدير قسم التعويضات في سلطة الضرائب، أن حجم التعويضات المدفوعة حتى الآن بلغ 4.5 مليارات شيكل، مرجّحًا أن تصل إلى 5 مليارات شيكل خلال فترة وجيزة، مؤكدًا أن "هذه أرقام لم تُسجل من قبل في حجم الأضرار المباشرة".

وتزامنًا مع ذلك، تم شراء أكثر من 53 ألف وثيقة تأمين جديدة لتغطية أضرار الحرب، تتعلق بالممتلكات الخاصة كالمجوهرات، والأثاث الفاخر، والتحف، بعد أن تبيّن أن تعويض الدولة يقتصر على الأضرار العقارية والمركبات فقط.

ويُضاف إلى الأعباء المدنية، الأثر الاقتصادي الواسع لإغلاق الاقتصاد الإسرائيلي جزئيًّا. فقد قدّر آدم بلومبيرغ، نائب مدير الاقتصاد في "الهستدروت"، أن تكلفة إغلاق الاقتصاد تصل إلى مليار ونصف شيكل يوميًّا، لافتًا إلى أن الإجراءات الحالية أشد من تلك التي فُرضت خلال جائحة كورونا.

خطة تعويضات قطاع الأعمال:

في ظل الضغط المتزايد من كبرى الشركات، بدأت وزارة المالية في إعداد خطة تعويض لقطاع الأعمال، تشمل تغطية 75% من أجور الموظفين المتغيبين عن العمل، وتعويض الشركات التي تراجعت أعمالها بنسبة 25% أو أكثر. وتطالب كبرى الشركات، غير المشمولة بالخطة، بإعادة تفعيل نظام الإجازات المدفوعة جزئيًّا للموظفين، بنسبة 70% من الراتب.

ميزانية الدفاع إلى ارتفاع غير مسبوق:

وفي تطور موازٍ، أقرّ الكنيست الإسرائيلي زيادة في ميزانية الدفاع لعام 2025 بنحو 3.6 مليارات شيكل، منها 2.9 مليار مخصصة لنفقات عملية "الأسد الصاعد" ضد إيران. ووفقًا لتقديرات حديثة، فقد وصلت ميزانية الدفاع إلى 113 مليار شيكل، وسط تحذيرات من أن التكلفة الحقيقية قد تتجاوز هذا الرقم بأشواط.

وكان تقرير لصحيفة "كالكاليست" الاقتصادية أشار إلى أن تكلفة الحرب حتى نهاية 2024 بلغت 142 مليار شيكل، وأسهمت في تفاقم عجز الميزانية إلى أكثر من 106 مليارات شيكل.

خسائر ضخمة في منشآت استراتيجية:

من بين أبرز الأضرار، ما لحق بـمعهد وايزمان للعلوم الذي قدّرت خسائره بملياري شيكل، إلى جانب مصفاة بازان لتكرير النفط في حيفا التي لم يتم تقدير أضرارها بدقة حتى الآن، في ظل استمرار التقييمات الفنية.

النزوح الداخلي:

بلغ عدد من تم إجلاؤهم من منازلهم بسبب الأضرار المباشرة حوالي 10,630 شخصًا، في واحدة من أكبر موجات النزوح الداخلي المرتبطة بالحروب منذ سنوات.

مقالات مشابهة

  • كيف أثقلت حرب إيران كاهل الاقتصاد الإسرائيلي؟
  • بين الركام والانهيار المالي.. كيف أثقلت الحرب ضد إيران كاهل الاقتصاد الإسرائيلي؟
  • نتنياهو: لو كانت لدينا تقديرات بإمكانية إسقاط النظام الإيراني لكنا واصلنا الحرب
  • يديعوت أحرونوت: خسائر الاقتصاد الإسرائيلي تتجاوز 22 مليار شيكل بسبب حرب إيران
  • ترامب: البرنامج النووي الإيراني انهار بالكامل وإعادة بنائه أمر صعب
  • ارتفاع أسعار الذهب مع تراجع الدولار الأمريكي… إليكم الأسعار الجديدة اليوم
  • تركة ثقيلة من الفساد والحرب.. هل تستطيع الحكومة السورية الجديدة النهوض بالاقتصاد؟
  • هل أثرت حرب إيران وإسرائيل على مصر؟ خبير اقتصادي يوضح
  • تعويضات بالمليارات وهدم عشرات المباني.. إسرائيل تدفع ثمن حربها مع إيران