حتى يستطيع العالم العربي أن ينتصر
تاريخ النشر: 19th, October 2024 GMT
أتصور أن فرحة إسرائيل بما أحدثته من شرخ خطير فـي الوعي العربي (وعي فئة ليست قليلة) أكبر بكثير من فرحتها بالقضاء على زعيم حركة حماس الشهيد يحيى السنوار، فهي تعلم أن السنوار سيلقى ذات يوم مصير كل المقاومين فـي تاريخ نضال الشعوب ضد الاستعمار والطغيان ما دامت المعركة مستمرة، لكنها لم تكن تتصور أن يفرح مسلمون عرب بموته ويصفونه بـ «الإرهابي» علنا وعلى الملأ.
لا شك أن حماس قبل مقتل السنوار بشهور أو بعده ليست هي حماس فـي السابع من أكتوبر 2023، وهذا طبيعي جدا ومفهوم فـي السياق العسكري؛ فصمود حماس وصمود سكان غزة لمدة عام كامل من الحصار والتجويع وآلاف المجازر والمذابح التي قضت على الصغار والكبار واستخدام سياسة «الأرض المحروقة» هو «معجزة» فـي حد ذاته وليس مفهوما إلا ضمن فهم أعمق لنزعة السعي «للشهادة» فـي سياق الوعي الإسلامي خلال الدفاع عن الأرض والعرض.
قرأت خلال اليومين الماضيين مجموعة من المقالات التي نشرتها صحف غربية كانت تحتفـي «بقتل» السنوار، ورغم أنها تتجاهل تماما حق الفلسطينيين، ومن بينهم السنوار نفسه، فـي النضال من أجل التحرر الوطني وأن تكون لهم دولة ووطن كما فـي المواثيق الدولية، ويتجاهل الكثير منها الإبادة الجماعية الوحشية التي ارتكبها نتنياهو وجيشه، لكن فرحتها تبقى مفهومة فـي ظل الصدمة التي أحدثها طوفان الأقصى للغرب.. لأوروبا ولأمريكا قبل إسرائيل نفسها. وسمعت سياسيا أمريكيا يقول إن طوفان الأقصى أعاد إلى الوعي الغربي ذكرى حصار المسلمين لفـيينا فـي القرن السابع عشر، فـي إشارة إلى أن المشهد بالنسبة لهم أقرب إلى صراع حضاري، الحضارة الإسلامية فـي مواجهة الحضارة الغربية المسيحية وليس مجرد القضاء على «إسرائيل». وكان نتنياهو يكرر هذه العبارة طوال شهور الحرب: «إننا نخوض حربا حضارية ضد قوى الظلام» وأتصور أن كلامه كان موجها للغرب المسيحي أكثر من غيره فـي محاولة لإيقاظ الماضي. لكن الحقيقة التي نراها من الضفة الأخرى أن نتنياهو والغرب كانوا يخوضون حرب الظلم والظلام ضد شعب لا يريد إلا أبسط حقوقه الإنسانية: حفظ كرامته على أرضه ووطنه.. ولم يتجاوز نضاله حدود أرضه التاريخية التي تعترف باحتلالها كل المنظمات الأممية.
إن فريق المتفائلين فـي العالم العربي يرى أن الفلسطينيين على بعد خطوات قليلة من تحقيق حلمهم، معتدين بالدماء الطاهرة الزكية التي سالت على أرض غزة من أجل لحظة النصر، وبالمأزق الوجودي الذي تعيشه إسرائيل، وبتشظي وتهشم السردية الإسرائيلية فـي وجدان الجماهير العالمية التي تنبئ أن أجيالا كبيرة قادمة لن تقف فـي صف إسرائيل وسيكون من بينها صناع قرار ومؤثرون فـي توجيه المشهد العالمي.
وهذا التفاؤل مهم جدا ولكن لا ينبغي أن تبنى عليه، وحده، مصائر أمم وشعوب. فإذا كانت الجماهير العالمية تدعم، الآن، القضية الفلسطينية كما لم تدعمها من قبل فإن بعض الجماهير العربية، مع الأسف الشديد، تعمل ضد القضية فـي السر والعلن، وتكشف عن تناقضات كبيرة فـي الوعي العربي هي أحق بدراسة التحول الذي حدث لها، وأسباب تناقضاتها مع فكرة النضال الفلسطيني من أجل القضية.
لكن هذا ليس كل شيء يجعل فرص نجاح النضال العربي من أجل تحرير فلسطين صعبا فـي ظل هذه التحولات العالمية إذا ما أردنا أن نكون أقرب إلى الواقع، مع أن الأحلام مهمة وضرورية ولكن دون الاستغراق فـيها الركون إليها.
فإضافة إلى التناقضات فـي الوعي الديني والسياسي تجاه القضية، هناك حاجة ماسة إلى بناء الوعي العام فـي العالم العربي وتحريره من الكثير من الأوهام والعوالق التي ما زال غارقا فـيها وبناء وعي جديد يبنى على أرضية العلم والمعرفة وإعطاء المكانة الحقيقية للعقل النقدي.. وهذا يتعلق فـي الأساس ببناء منظومة تعليمية متطورة فـي العالم العربي، أعني منظومة تعليمية قادرة على بناء وإنتاج علماء فـي مختلف المجالات: علماء تكنولوجيا وعلماء فـيزياء وكيمياء وأطباء وعلماء نفس واجتماع ومفكرين حضاريين قادرين فـي إحداث تغيير جوهري فـي المجتمعات العربية، وقادرين على بناء نهضة اقتصادية وصناعية وليس مجرد حسابات بنكية فـي بنوك غربية تحوي أرقاما مليارية. ويتعلق الأمر أيضا، ببناء مجتمعات تؤمن بقيمها ومبادئها ومستعدة للعمل من أجلها والدفاع عنها إنْ لزم الأمر.
إن العالم العربي، رغم حقه الأصيل فـي القضايا التي يناضل من أجلها، إلا أنه يفتقد إلى لحظة الصدق مع نفسه، وليس فـي هذا جلد للذات؛ فالمواقف تكشف حجم الانحياز ضد القضية العربية المركزية لصالح العدو، وحجم الخلاف العربي العربي الذي خرج من السر للعلن إلى حد لا يستقيم معه الحديث فـي لحظة ما عن «مشروع عربي» أو «قضية عربية واحدة». والتغيير المطلوب فـي المشهد العربي يبدأ من لحظة الصدق والأمانة لدى الفرد العربي قبل أن تتبلور إلى وعي جماعي وحركة تغيير حضارية.
قد يبدو الأمر، فـي نظر البعض، فـي غاية الصعوبة ولكن هناك أمم كثيرة استطاعت أن تنتشل نفسها وتحدث التغيير فـي سنوات قليلة وهي فـي حالة أسوأ من الحال العربي، ونستطيع أن نتذكر هنا اليابان، والصين ودولا أخرى فـي شرق آسيا، وألمانيا فـي أوروبا فـي العصر الحديث. وهذا الأمر من شأنه أن يصنع قوة الأمة ومنعتها وينتشلها من الاستضعاف الذي تعيشه منذ سنوات طويلة على هامش التاريخ.
لا يمكن تصور تحقق الحلم العربي فـي ظل التناقضات العميقة التي تعيشها الأمة والخذلان الذي تشعر به وهذا التسطيح للوعي إلى درجة مشاركة العدو فرحته فـي «تصفـية» مناضل عربي مسلم يناضل من أجل أن يستعيد أرضه ويدافع عن عرضه.. كما لا يمكن تصور تحققه فـي ظل الهشاشة العامة وعلى كل المستويات فـي أغلب أقطار العالم العربي.. لكن وإلى أن يحين ذلك الوقت لا يعني أن يترك الفلسطينيون، خاصة، النضال من أجل قضيتهم، مع أهمية أن يكونوا هم فـي قلب التغيير المطلوب وجوهره فـي العالم العربي.
عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة «عمان»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فـی العالم العربی فـی الوعی من أجل فـی ظل
إقرأ أيضاً:
سوريا تشارك بالاجتماع الـ 44 للجنة الاتحاد الجمركي العربي بالقاهرة
القاهرة-سانا
شارك وفد من الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية برئاسة مدير العلاقات المحلية والدولية بالهيئة مازن علوش، في الاجتماع الرابع والأربعين للجنة الاتحاد الجمركي العربي الذي عقد اليوم بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة.
وناقش المجتمعون من وفود جمركية من مختلف الدول الأعضاء، جملة من القضايا المتعلقة بتعزيز التعاون الجمركي العربي، وآليات توحيد الإجراءات والمعايير الفنية، وتسهيل حركة التبادل التجاري بين الدول العربية، بما يسهم في تحقيق أهداف منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.
وخلص الاجتماع وفق ما نشرته الهيئة على قناتها على تلغرام إلى عدد من التوصيات التي ركزت على تسريع خطوات التفاوض بشأن جدول الرسوم الجمركية الموحدة بين الدول العربية.
وفيما يتعلق بالسلع الممنوعة والمقيدة، أوصت اللجنة بتقديم مقترحات تقنية حول إدارة ومتابعة هذا النوع من السلع من خلال منصة إلكترونية موحدة، بالتنسيق مع الجهات المختصة في جامعة الدول العربية.
وتأتي مشاركة الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في هذا الاجتماع تأكيداً على التزام سوريا بتعزيز العمل العربي المشترك في المجال الجمركي، ومواكبة التطورات التشريعية والإجرائية التي من شأنها تسهيل حركة التجارة، ودعم مسارات التكامل الاقتصادي بين الدول العربية.
الاتحاد الجمركي العربي 2025-07-02sebaسابق السورية للحبوب: استلام أكثر من 291 ألف طن قمح من موسم 2025 حتى اليومآخر الأخبار 2025-07-02سوريا تشارك بالاجتماع الـ 44 للجنة الاتحاد الجمركي العربي بالقاهرة 2025-07-02السورية للحبوب: استلام أكثر من 291 ألف طن قمح من موسم 2025 حتى اليوم 2025-07-02اليابان: صوتنا لصالح مشروع كهربائي يدعم سوريا 2025-07-02انخفاض أسعار الذهب محلياً 15 ألف ليرة سورية 2025-07-02لقاءات من العيار الثقيل بربع نهائي كأس العالم للأندية 2025-07-02فرع الهجرة والجوازات بحماة يفتتح كوة دفع مالي خاصة بمعاملات المصرف المركزي 2025-07-02سلام: أطلقنا تعاوناً مباشراً مع سوريا بمسألتي عودة اللاجئين والحدود 2025-07-02ارتفاع طفيف بأسعار النفط عالمياً 2025-07-02افتتاح عيادة سنيّة في مشفى نوى الوطني بريف درعا 2025-07-02الأمن الداخلي في درعا: استمرار تأهيل الكوادر واتخاذ إجراءات صارمة بحق المتجاوزين
صور من سورية منوعات ما هي الكوارث التي ينذر بها التغير المناخي العالم؟ 2025-07-02 إطلاق أول نموذج ذكاء اصطناعي لتوليد الطاقة في العالم 2025-07-02
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |