أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم إجراء عملية تجميل لإرجاع الأنف لشكله الأول قبل تعرضه لحادث؟ فقد أُصبتُ بحادث أدى لبعض التشوهات في وجهي، وقمت بعمليات جراحية وتعافيت بحمد الله، لكن أثرت العمليات على وجهي وبرزت الأنف بشكل مختلف أثر على جمالي، ونصحني الطبيب بإجراء عملية تجميلية لإرجاع الأنف لشكله الأول قبل الحادث، وأريد ذلك بشدة ليعود جمال وجهي، لكن أخبرني زوجي أن هذا تغييرٌ لخلق الله وهو حرام، فهل يجوز لي عمل العملية؟ وهل يكون ذلك تغييرًا لخلق الله؟ أفيدوني أفادكم الله.

وردت  دار الإفتاء بأنه لا مانع شرعًا من إجراء جراحة تجميلية لإرجاع الأنف لشكله الأول قبل تعرضه لحادث وما تدعو إليه الحاجة من جراحات أخرى إذا نصح الطبيب المختصُّ بها، وذلك بشرط أن تقتصر على إعادة الأنف إلى ما كان عليه دون زيادة على ذلك، ولا يدخل هذا في تغيير خلق الله، بل يدخل في باب الطبِّ والعلاجِ لـما أصابها بسبب الحادث الذي وقع لها.

مراعاة الشرع الشريف لفطرة المرأة وحبها للزينة

بيَّن الشرعُ الشريفُ أنَّ المرأة خُلِقَت مُحِبَّةً للزينة، مُنَشَّأَةً في الحلية، ولذلك لم تأتِ الأحكام الشرعيَّة بكبت فطرتها، أو مخالفة جِبِلَّتها، أو تجاهل أنوثتها، أو تناسي طبيعتها، بل كان الأصل فيها إباحة كل ما من شأنه زينة المرأة وحليتها.

قال الإمام ابن بطال في "شرح البخاري" (9/ 163، ط. مكتبة الرشد): [جميع أنواع الزينة بالحلي والطيب ونحوه جائزٌ لهن، ما لم يُغَيِّرنَ شيئًا من خَلْقِهِن] اهـ.

وإنما جاء النهي الشرعي عن الزينة المفضية إلى الافتتان بسوء الاستغلال، أو قبح الاستعمال، أو خُبث القصد الـمُفضي إلى سوء المآل، إذ هي منوطةٌ بعدمِ حصولِ الفتنة أو المضرَّة، وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين، ما تقولين في الخضاب والصباغ والقرطين والخلخال وخاتم الذهب ورِقاق الثياب؟ فقالت: "يا معشر النساء، قصتكن قصة امرأة واحدة، أحل اللهُ لَكُنَّ الزينة غير متبرجات لِمَنْ لا يحل لَكُنَّ أنْ يروا منكن محرمًا" ذكره الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 310، ط. دار الكتب المصرية).

حكم الجراحات التجميلية
المراد بجراحة التجميل: ما يُجرى من الجراحات لتحسين منظرِ جزءٍ مِن أجزاء الجسم، سواء كان في أصل الخِلْقة؛ كالتصاق أصابع اليدين، أو كان لتشوُّهٍ طارئ -كما في الحالة المسؤول عنها-، أو لمزيد تجمُّل وتزيُّن.

وهذه الجراحات بأنواعها الثلاثة ليست تداويًا، بل هي في النوعين الأولين مرحلة لاحقة للتداوي، ومن ثمَّ فهي من الأمور الحاجيَّة لا الضرورية، وفي النوع الثالث تعد من الأمور التحسينيَّة.

وقد تقرر أنَّ الحاجة تتنزل منزلة الضرورة، عامَّة كانت أو خاصَّة، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 88، ط. دار الكتب العلمية)، فتتنزل العمليات التجميليَّة هنا منزلة التداوي، فتجوز للحاجة، قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (10/ 179، ط. المكتب الإسلامي): [السِّلعة بكسر السين: وهي غُدَّة تخرج بين اللحم والجلدة نحو الحمصة إلى الجَوزة فما فوقها، وقد يُخَاف منها، وقد لا يُخَاف، لكن تشين، فإن لم يكن في قطعها خطر، وأراد المُستقلُّ قطعها لإزالة الشَّيْن، فله قطعها بنفسه، ولغيره بإذنه] اهـ.

و نصَّ العلماء على جوازها حتى وإن تعلَّقت بأمرٍ من الأمور المنهي عنها، كالوصل أو التنمُّص، ويُستدل على ذلك بما رواه أبو داود بإسناد حسن، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «لُعِنَتِ الْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ، وَالنَّامِصَةُ وَالْمُتَنَمِّصَةُ، وَالْوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ، مِنْ غَيْرِ دَاءٍ»، ومفهومه: أنه لو كان لداءٍ فلا يُمنع، ولا يستوجب اللعن.

قال الإمام شهاب الدين النَّفَرَاوِي في "الفواكه الدواني" (2/ 314، ط. دار الفكر): [قال بعضٌ: وينبغي أن محل حرمة الوشم حيث لا يتعين طريقًا لمرض، وإلا جاز؛ لأن الضرورات قد تُبيح المحظورات في زمن الاختيار، فكيف بالمختلف فيه] اهـ.

وهذه الأمور وردَ فيها الإذن الشرعي المطلق في رفع الضرر ودفع الأذى.

قال الإمام الشاطبي في "الموافقات" (2/ 260، ط. دار ابن عفَّان): [المؤذيات والمؤلمات خلقها الله تعالى ابتلاءً للعباد وتمحيصًا... وفُهِمَ من مجموع الشريعة: الإذنُ في دفعها على الإطلاق؛ رفعًا للمشقة اللاحقة، وحفظًا على الحظوظ التي أذِنَ لهم فيها، بل أذن في التحرز منها عند تَوَقُّعِها وإن لم تَقَعْ] اهـ.

أما الجراحات التجميلية التحسينية التي يُراد منها مجرَّدُ التجمل، فمنها ما نصَّ الشرعُ على حرمته، كالوشم، وما به تتغير الخلقة، إلَّا إذا كان ذلك لسبب علاجي، أو إزالة ما يحصل به الضرر والأذى.

ومنها ما هو مباحٌ في أصل فعله، وهذا النوع يدخل تحته جملة من الجراحات، كاتخاذ الأنف من ذهب لمن قطع أنفه، وثقب الأذنين، ونحو ذلك، فقد أخرج الإمام أبو داود في "سننه" عن عَرْفَجَةَ بن أسعد "أنه قُطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفًا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفًا من ذهب". قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (4/ 215، ط. المطبعة العلمية): [فيه إباحة استعمال اليسير من الذهب للرجال عند الضرورة كربط الأسنان به وما جرى مجراه مما لا يجري غيره فيه مجراه] اهـ.

وقال الإمام الزيلعي في "تبيين الحقائق" (6/ 227، ط. الأميرية): [يجوز ثقب أذن البنات الأطفال؛ لأنَّ فيه منفعة الزينة، وكان يُفعل ذلك في زمنه عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا من غير نكير] اهـ.

وقال الإمام الخرشي في "شرح مختصر خليل" (4/ 148، ط. دار الفكر): [وأُخذ من هذا جواز ثقب أذن المرأة للبس القرط] اهـ.

وقال العلامة الرملي في "حاشيته على أسنى المطالب" (4/ 165، ط. دار الكتاب الإسلامي): [تثقيب أذن الصبية لتعليق الحلق جائز على الراجح خلافًا للغزالي] اهـ.

حكم إجراء عمليه تجميلية للأنف بعد التعرض لحادث
الحالة المسؤول عنها وإن كان ظاهرها أنها من التحسينات، إلَّا أنها تُعدُّ من الأمور الحاجيَّة، حيث إنها تتضمن أغراضًا علاجية تسبب أذًى نفسيًّا، إذ إنَّ الباعث لإجراء هذه العملية يدور حول إعادة المظهر الذي كانَ عليه وجه المرأة من أصل الِخلْقة الإنسانية التي خلقها الله تعالى عليها؛ لأنه وإن تسببت العملية في تغير حجم الأنف، إلَّا أنَّ هذا التغير يناسب التعويض الناقص من الوجه في الجزء الذي حول الأنف، والذي يُعد استكمالًا لعملية ترميم التشوهات وتجميلها.

وليس هذا الفعل داخلًا في عموم النهي عن تغيير خلق الله الوارد في قوله تعالى: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: 119].

ونصَّ عليه العلماء من أنَّ الأمور الظاهرة لا تُعدُّ تغييرًا إلَّا إذا تغير وجهها وصورتها، أو صفتها، قال الإمام البيضاوي في "أسرار التنزيل" (2/ 98، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ عن وجهه وصورته أو صفته] اهـ.

وإجراء عملية الأنف هذه وإن ورد عليها نوع تغير في الحجم، إلَّا أنها لا تتسبَّبُ في تغير الصورة أو الصفة، بل هو نفس الوجه والصورة، خاصَّة بعد إجراء جملة العمليات الجراحية التي تسبَّبت في تغير شكل الوجه بعض الشيء؛ فغاية الأمر هو إعادة الوجه للأمر الذي كان عليه مِن صورته التي هو عليها دون تغيير أو تبديل لصورته الأولى، فتغيير صورة الشيء إنما يكون بإزالته أو تبديله، لا بترميمه وتجميله!

يدل على ذلك أنَّ هذه المرأة لم تنوِ إجراء هذه العملية قبل تعرضها للحادث، فهي من جملة تَبِعاته، واتباع علاجه ومداواته ولا يصح أن تقاس هذه العملية في هذه الحالة على الوشم أو النمص أو التفليج؛ إذ علة النهي عن تلك الأمور أنَّها من باب التدليس أو لأنه يتوصل بها إلى الفاحشة، كما في "مفاتيح الغيب" للإمام الرازي (11/ 223، ط. دار إحياء التراث العربي).

ويضاف إلى ذلك أن المحققين من العلماء قد أجازوا للمرأة أن تغير من خِلْقتها -استثناءً من الأصل- ما يحصل لها به الضرر وتتأذى منه، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 377-378، ط. دار المعرفة): [قال الطبري: (لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادةٍ أو نقصٍ... ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذيَّة... فيجوز ذلك)] اهـ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إجراء عملیة قال الإمام من الأمور

إقرأ أيضاً:

حكم إخفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا بقول صاحبه: ما حكم إخفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح؟ حيث يقوم بعض الأصدقاء أحيانًا بإخفاء أغراض زملائهم بغرض المزاح وعمل ما يُسمَّى بـ (المقالب). فما حكم ذلك شرعًا؟

وأجابت الإفتاء عبر موقعها الرسمي عن السؤال قائلة: يحرم المزاح المشتمل على ترويع الآخرين وإخافتهم وأخذ أموالهم وأمتعتهم وإخفائها على جهة المزاح؛ جاء في "مسند الإمام أحمد" عن عبد الله بن السائب بن يزيد، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم، أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا».

 

هل تصح الصلاة مع وجود طلاء الأظافر؟.. الإفتاء تجيبحكم إخراج الزكاة لمؤسسة رعاية مرضى أمراض معينة.. الإفتاء تجيبهل المتوفى بسبب السرطان يُعتبر من الشهداء؟.. الإفتاء تجيبهل يجوز إهداء ثواب قراءة القرآن للحي والميت؟.. الإفتاء توضح


المزاح من وسائل الترويح عن النفس
وأشارت الى أن المزاح من وسائل الترويح عن النفس التي يتناولها النَّاس في حياتهم من أجل تناسي الهموم، وتخفيف الضغوطات اليومية، والتسلية، والـتخلص من الملل، وإدخال السعادة والسرور على الآخرين.

ولأن المزاح مما ينشر السرور واللطف ويشيع البهجة في حياة الناس كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمزح مع أهله وأصحابه والأطفال الصغار؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ». قال أبو أسامة: يعني: يُمَازِحُهُ. رواه أبو داود والترمذي في "سننيهما" وأحمد في "مسنده".

قال الإمام شهاب الدين الرملي في "شرح سنن أبي داود" (19/ 160، ط. دار الفلاح): [قيل: إنَّ هذا من جملة مزحه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولطيف أخلاقه؛ لأنَّ كل أَحد له أذنان تثنية أذن.. وعلى القول الأول أنّه من جملة مزحه، فيُحمل على أنَّه قاله لأنس في صغره قبل البلوغ؛ فإنَّه كان أكثر مزحه مع النساء والصبيان؛ تلطفًا بهم دون أكابر الصحابة رضي اللَّه عنهم] اهـ.

حكم إخفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح
وأوضحت أنه يحرم المزاح المشتمل على ترويع الآخرين وإخافتهم وأخذ أموالهم وأمتعتهم وإخفائها على جهة المزاح؛ جاء في "مسند الإمام أحمد" عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرٍ، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نَبْلٍ معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم، فقال: «مَا يُضْحِكُكُمْ؟»، فقالوا: لا، إلا أنا أخذنا نَبْلَ هذا ففزع، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا»، وعن عبد الله بن السائب بن يزيد، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم، أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا».

قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (10/ 287، ط. المكتبة التجارية): [إن ما يفعله الناس من أخذ المتاع على سبيل المزاح حرام؛ وقد جاء في الحديث: «لَا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ صَاحِبِهِ لَاعِبًا جَادًّا» جعله لاعبًا من جهة أنه أخذه بنية رده، وجعله جادًّا؛ لأنه روع أخاه المسلم بفقد متاعه] اهـ.

وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 379، ط. دار الحديث): [قوله: (لَاعِبًا) فيه دليلٌ على عدم جواز أخذ متاع الإنسان على جهة المزح والهزل.. وقوله: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) فيه دليلٌ على أنه لا يجوز ترويع المسلم ولو بما صورته صورة المزح] اهـ.

وقال الإمام المناوي في "فيض القدير" (6/ 447، ط. المكتبة التجارية): [(لا يحل لمسلم أن يروع) بالتشديد أي: يفزع (مسلمًا) وإن كان هازلًا؛ كإشارته بسيف أو حديدة أو أفعى أو أخذ متاعه فيفزع لفقده؛ لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده] اهـ.

طباعة شارك المزاح حكم إخفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح خفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح المقالب المزاح من وسائل الترويح عن النفس الترويح عن النفس

مقالات مشابهة

  • ما حكم إجراء عملية حقن مجهري لتحديد نوع الجنين؟.. الإفتاء تجيب
  • جاب شومة | أول تعليق من محمود عامر بعد تعرضه لحادث سير
  • إجراء أول عملية تكميم معدة بالمنظار بمستشفى ديرب نجم المركزي لمريض وزنه 140 كجم
  • هل صلاة الرجل مع زوجته في البيت تعتبر جماعة؟.. دار الإفتاء تجيب
  • وفاة شاب في شبوة جراء خطأ طبي خلال عملية جراحية بسيطة
  • يوم في حب مصر..53 عملية جراحية ناجحة بمستشفى الشهداء المركزي بالمنوفية
  • صعدة تحيي ذكرى قدوم الإمام الهادي إلى اليمن
  • حكم إخفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح.. الإفتاء تجيب
  • دهسته سيارة مسرعة.. تحقيقات موسعة في مصرع شخص في حادث مروع بـ إمبابة
  • إجراء 13 ألف عملية عيون للمرضى الأولى بالرعاية بالفيوم