نورهان تكشف سر اعتزالها الفن.. واختيارها العمل بالتدريس (تفاصيل)
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
استحوذت الفنانة نورهان، خلال الساعات القليلة الماضية، على اهتمام قطاع كبير من الجمهور عقب الظهور الأول لها بعدما غابت عن شاشات القنوات الفضائية لفترة طويلة.
وكشفت نورهان، خلال لقائها بـ برنامج «مع خيري»، الذي يذاع عبر شاشة التلفزيون المصري، سبب ابتعادها عن الأضواء واعتزالها الفن، قائلةً: «ابتعدت عن الأضواء لكي أعيش حياتي الخاصة، وذلك بعد أن لمست أن حياة الفنان الشخصية متاحة للجميع، وقد عشت مشاعر الأمومة مع ابني، وأشعر أن غيابي عن الأضواء كان قرارًا صحيحًا»، مؤكدةً أنها غير نادمة على اتخاذ هذا القرار.
وعن اتجاهها للعمل في التدريس، قالت نورهان، عملت كمدرسة للغة الإنجليزية 6 سنوات، متابعة: إن الفنان يصاب بأمراض نفسية نتيجة ضغط الشغل، وقد اعتذرت عن كثير من الأدوار لأنها لم تكن تناسبني، والعمل هو الحل الأفضل لكل المشاكل، مؤكدة أن عدم نجاحها في حياتها الزوجية كان لأسباب لا تخصها.
وأضافت: «تزوجت عن حب، وأنجبت ابني بعد زواجي مباشرة، والحمد الله كنت عايشة حياة سعيدة جدًا، وكنت حابة أعيش اللحظة مع ابني وأستغرق فيها حتى النهاية، والحمد لله أنا عمري ما ندمت على قراري في تكوين أسرة».
اقرأ أيضاًنورهان: فخورة بتقديم حفل افتتاح مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي
«كان بشوش برغم معاناته».. نورهان تنعي السيناريست شريف بدر الدين
«يا رب الطيابة».. هاني محروس يطرح أغنية لـ نورهان المرشدي (فيديو)
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: نورهان الفنانة نورهان آخر أعمال نورهان أعمال نورهان اعتزال نورهان من هي نورهان
إقرأ أيضاً:
يونس عتبان.. الاستعانة بالتخيل المستقبلي علاج وتمرين صحي للفنان والجمهور
ينتقد الفنان المغربي يونس عتبان، الهيمنة الثقافية وسوق الفن العالمي ويشكك في ديناميكيته ومستقبله. وعبر أعماله الفنية وعروضه الأدائية الحية التي تجمع بين الرقص والتركيب والتصوير الفوتوغرافي والرسم والفيديو والخطاب النقدي، يسعى الفنان المتعدد الوسائط إلى الدفاع عن الفن وحمايته من آلية الربح في سوق الفن العالمي وسردياته الموحشة، ويدعو إلى التحرر من كل القوالب الجاهزة أو التنميطات والتوجيهات المهيمنة التي تقتل الفن وتدخله في خانة التغريب أو "المغربة" بالنسبة للفانين المغاربة.
وفي عمله الفني الأدائي "الفنان المقاوم للماء" الذي افتتحت به فعاليات "اللقاء المسرحي العربي في هانوفر" بألمانيا في الفترة من 9 إلى 13 أبريل/نيسان الماضي تحت شعار "ماغما"، والمستلهم من إقامة فنية له في بينالي البندقية قبل جائحة كورونا، حيث كانت المدينة غارقة في المياه الملوثة، ومن تجربته في الاشتغال على المتاحف، يقف الفنان يونس عتبان، المقيم بين ألمانيا والمغرب، على مفارقات سوق الفن العالمي والهيمنة الثقافية من جهة، وخطابات ما بعد الاستعمار من جهة ثانية، ويقدم مقاربة ساخرة للهيمنة الثقافية وتغولها وابتعادها عن القيم الفنية والإنسانية.
كما يطرح في عرضه الفني الشاعري الذكي والمليء بالسخرية والتأمل المستقبلي؛ الكثير من الإشكالات المرتبطة بالفن، التي هي خلاصة بحث مشترك بينه وبين أخيه زهير عتبان وماريون سليطين، وهو العمل الذي استفاد من دعم الصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق"، و"موسم" من بلجيكا، و"الملتقى الدولي للفنون العربية المعاصرة" (Arab arts focus).
وعبر اعتماد قصة مستقبلية تخيّلية لبينالي البندقية 72 في عام 2048، وهو تاريخ مقصود يؤرخ لمئوية النكبة الفلسطينية اعتمده الكثير من الكتاب كعنوان لأعمالهم، يستحضر الفنان المتعدد الوسائط والتخصصات يونس عتبان في هذا العمل، كما يقول في حواره مع الجزيرة نت، مدينة البندقية الغارقة في المياه الملوثة وكل المشاكل المرتبطة بالمجال الفني، كما يستحضر القضية الفلسطينية من خلال تاريخ مهم هو العام 2084 الذي تناولته الرواية الفلسطينية بالتحديد، على اعتبار أن هذا الموعد مُهم لفصل هذه القضية: مئوية النكبة، ومئوية تأسيس إسرائيل كدولة.
ولهذا اعتمد عليه في عمله الأدائي هذا الذي يطرح أسئلة الفن من الداخل وأسئلة حول القضية الفلسطينية، وكيف يمكن خلق سلام جديد أساسه الصلح بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مثلما حدث في بينالي البندقية عام 2011، حيث كانت هناك مقاومة شديدة من الفنانين من مختلف البلدان ومن ضمنهم إسرائيليون الذين دافعوا عن وجود رواق فلسطيني في البينالي مخالفين بذلك الحكومة الإسرائيلية العنصرية.
إعلانفما بين الرواق العائم وسفينة نوح وقضايا الفن وأسئلة الهيمنة والتبعية وفكر ما بعد الاستعمار، التي يتمحور حولها العرض الأدائي للفنان المغربي يونس عتبان، يعطي هذا الأخير الفرصة للجمهور لتأمل أعقد المسائل والتفكير في المستقبل الذي يرعب الكثيرين، ولكنه لدى عتبان وسيلة تمنحه حرية أكبر وتسهل عليه تناول المواضيع التي يرغب فيها عبر قراءات أدائية فنية، كما أن استحضاره فنيا يمكن أن يساعد على تبديد الكثير من المخاوف من المجهول، حيث يقول عتبان: "إن التخيل المستقبلي تمرين يفتح نقاشات مثمرة ويجعلني أهرب من كل الرقابات والمثبطات، وأبدد الخوف الذي يسكننا جميعا من المستقبل، حيث يمكن اعتبار هذه الاستعانة بالتخيل المستقبلي بمثابة علاج وتمرين صحي للفنان والجمهور".
لم تكن بدايات الفنان يونس عتبان، ابن مدينة آسفي الشاطئية المولود عام 1982، والذي تفتق وعيه على صناعة الخزف وصنع جميع الأشياء بيديه؛ سهلة ولا ميسرة، فقد كان دائما يصنف في "المابيْن": ما بين الفن التشكيلي البصري، والفن التعبيري الجسدي عبر الرقص، فالتشكيليون يعتبرونه فنانا أدائيا أو فنانا راقصا، والمسرحيون يعتبرونه فنانا تشكيليا، ولكنه تمكن بعد تقديم مجموعة من الأعمال الفنية التي يمزج فيها بأسلوبه الخاص بين مختلف الفنون والتعابير؛ من فرض نفسه، حيث صار يقدم أعماله في الخارج أكثر من المغرب، ويحظى بالاهتمام والاعتراف.
بعد دراسته للرقص والفنون الأدائية بالمغرب، ومشاركته في برنامج الماجستير في الأداء الفني الحي بالمركز الوطني للرقص في مدينة مونبولييه الفرنسية عام 2008، وحصوله على الماجستير في الآداب وعلم المتاحف من جامعة نيس الفرنسية عام 2010، قدم يونس عتبان مجموعة من الأعمال الفنية المشتركة مع بعض الفنانين المغاربة، قبل أن يقدم على عرض مجموعة من تراكيبه الفنية وعروضه الأدائية في متاحف وأروقة مغربية بمراكش والدار البيضاء والرباط، وفي متحف الفن المعاصر بروما، والمشروع الموازي في بينالي البندقية، ومعهد العالم العربي في باريس، ومتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر في مدينة الرباط، وبينالي أوسترال في مدينة دريسدن الألمانية، ومركز هيدلاند للفنون في سان فرانسيسكو، ومتحف ماسموكا بالولايات المتحدة، والمتحف البريطاني، ومتحف موسيم في مارسيليا، ومؤتمر l’IPSA في نيويورك، وغوتفابريك في زيوريخ، ومركز الفنون بهونغ كونغ، وغيرها من المعارض والمتاحف عبر العالم، التي منحه بعضها جوائز تقديرية كجائزة الاعتراف التي منحها له عام 2018 (ZURKHER KANTONAL BANK).
وهو حاليا يعيش ويعمل بين الدار البيضاء وبرلين، وتركز أعماله على العلاقة الشائكة بين الفن والفاعلين فيه والتأثيرات الجيوسياسية المتعلقة به. وتتمحور ممارسات عتبان الفنية حول ثلاث مساحات متصلة بعضها ببعض، وهي العروض الحية باعتبارها مساحة للتفكير والتساؤل، والتركيبات الفنية لكونها نتيجة للفعل الفني الأدائي، والتصوير والرسم باعتبارهما نوعا من التوثيق والأرشفة.
إعلانأول عمل للفنان عتبان كان في عام 2008 تحت عنوان "أحب هذا العنوان"، تناول فيه وضعية الجسد في المغرب والسحر، وثاني عمل له هو "العمل الدائم في قيد التطور" الذي عرضه أول مرة في الرباط عام 2012 وبعدها في مراكش والدار البيضاء، وهو العمل الذي بصم انطلاقته الحقيقية، حيت تم تقبل أسلوبه الفني وتم الحديث عنه بشكل كبير، وهو عمل أدائي راقص تناول فيه قصة فنان في وضع هش.
وبعد ذلك، قدم "نسخة ثانية 2045" عام 2014، وهو الذي حقق له الانتشار في أفريقيا وأوروبا وآسيا، ثم "المخططون" مع يونس أبو العقول عام 2016، وفيه تقييم ونقد للمتاحف في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وفي عام 2018 قدم عملا حمل عنوان "بلاعنوان.. 14 كلم"، و"أشياء خالدة لفنان ميت" عام 2020، ولكنه لم يشاهد بشكل كبير بسبب جائحة كورونا، ليأتي بعده "الفنان المقاوم للماء"، محور هذا اللقاء.
أما العمل الجديد الذي يشتغل عليه الفنان يونس عتبان، وهو امتداد للعمل السابق، فيحمل عنوان "المتحف الذهبي للأزمات"، وفيه يقول عتبان: "السلام عليكم ومرحبا بكم لأنكم أتيتم إلى المتحف الذهبي للأزمات في تاريخ الإنسانية.. لحظات الأزمات كانت دائما مفترقا في التاريخ، ومواجهة الأزمات كان دائما أحد أساليبها هو القرابين.. في هذا الباب قررنا أن نضحي اليوم بأحد الفنانين في هذا المشروع كشكر لكم على الحضور ولكي نتجاوز هذه الأزمات المستقبلية".
إلى الحوار:
في افتتاح اللقاء المسرحي العربي الخامس بهانوفر، قدمت عرضا أدائيا بعنوان "الفنان المقاوم للماء"، تنتقد فيه الهيمنة الثقافية وسوق الفن العالمي وتشكك في ديناميكيته ومستقبله، فما دوافع هذا النقد الفني من داخل الفن؟انتقادي للمجال الفني في أعمالي جاء بدافع الغيرة على الفن والدعوة إلى التحرر من كل القوالب أو التوجيهات التنميطية، خاصة بالنسبة إلينا نحن فناني الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط. إن انتقادي للفن من داخل مساحة العرض والأداء نابع من تجربتي واشتغالي في هذا المجال المتشعب، ومن معرفتي عن قرب لسوق الفن التي تطغى عليها الكثير من الحسابات السياسية والاقتصادية، وتغيب عنها الحسابات الفنية.
فما عشته داخل هذا المجال وما زلت، يدفعني إلى جعل أعمالي محطات للتساؤل عن الهوية واللغة الفنية والأدوات الموظفة فيها، والغاية من الفن بالأساس ودوره في مقاومة الهيمنة والتغريب وحتى "المَغربة" بالنسبة إلينا نحن المغاربة. ومن هنا فإن فضاء العرض هو أفضل مكان بالنسبة إليّ لتقديم تصوراتي وانتقاداتي بأسلوب فني أمزج فيه بين الأداء الحي والرقص والتركيب والتصوير الفوتوغرافي والرسم والفيديو.
في ممارستي الفنية كنت دائما أتواجد في مجالين: الفنون التشكيلية البصرية والفنون الأدائية، وكانت لدي قبعتان، ولهذا سعيت إلى المزج بينهما، وهذا الاختيار خلق لي نوعا من المشاكل والإرباك في البداية، فالفنانون التشكيليون يعتبرونني فنان أداء أو فنانا راقصا، والمسرحيون يعتبرونني فنانا تشكيليا، هذا على الرغم من أنني أوظف كل هذه الفنون في أعمالي بسلاسة كبيرة وبناء على بحث ومعرفة.
بالفعل أنا فنان متعدد الوسائط، وهذا ما خلق لي مشكلات في البداية، حيث كنت أبحث عن كيفية المزج بين هذه الفنون.. كنت أشتغل على فكرة معينة بالاستعانة بالأداء في البداية، وهذا الأداء يتحول إلى ورشة للفنون البصرية التي تتحول إلى أعمال فنية مستقلة يمكن عرضها فيما بعد في رواق فني أو متحف.
هذا الوضع جعلني أبحث عميقا في الشكل الذي يمكن أن أقدم به الأفكار التي أشتغل عليها، وقد ساعدتني كثيرا الدراسات التي قمت بها عام 2011 حول السياسات الثقافية والمتحفية، حيث انغمست في العمل المؤسساتي وفي السياسات الثقافية والعمل الفني في شمال أفريقيا، والأسباب التي تجعلنا نتبع اتجاها فنيا معينا أو تيارات الاستعمار أو ما بعد الاستعمار، وهي أشياء ثقيلة ولها تأثير كبير على حياتنا اليومية.
إعلان أكيد أن دراستك لأكثر من 5 سنوات للمجال المتحفي والسياسات الثقافية، جعلتك تقف على أمور كثيرة أثارت انتباهك وجعلتك تنتقد هذا المجال من الداخل، فما هي أشكال الهيمنة التي وقفت عليها؟في مجال الفنون التشكيلية بمنطقة شمال أفريقيا، كان يجب دائما أن تُنجِز أعمالا معينة تحت الطلب ولا تقدم أفكارا، لأن المطلوب منك هو التنفيذ.. هذا لمسته أولا في بلدي، لأن المشكل في سياسات ما بعد الاستعمار وفي المُسيّرين للشأن الفني الذين يؤمنون بفكرة الاستعمار والتبعية للآخر.
فالمشكل لدينا يكمن في الأشخاص الذين تلقوا تكويناتهم بالخارج وظلوا أوفياء لتوجهات تلك البلدان الاستعمارية، سواء في إسبانيا أو فرنسا أو غيرهما، ولم يستطيعوا خلق تعاقد فني جديد مع الهوية المغربية، ولم يكتشفوا مغربيتهم إلا بشكل متأخر. والمجال الذي يمكن أن يحل هذا المشكل الإنساني ويخلق مصالحة مع الذات هو برأيي الفن والرياضة.
كنت دائما أسمع أننا كفنانين -مشارقة ومغاربة- لدينا تخيل استشراقي، ولهذا يجب أن نقدم أشياء لها ارتباط بالصناعة التقليدية، أي أن نضع أنفسنا في قوقعة معينة يطلبها الآخر، كأن نضع الطربوش مثلا أو ما يدل على هويتنا، وهو ما كنت أستهجنه.
فقد عايشت فنانين من عام 2000 إلى 2015 وتعلمت منهم الشيء الكثير، وكانوا بمثابة مؤسسات فنية لأنهم تمكنوا من خلق تظاهرات فنية متميزة ومستقلة، مثل فضاء الفن والتبادل الثقافي "نبع الأسد" (La source du lion) للفنان التشكيلي حسن ضرسي عام 1995 بالدار البيضاء، والتجربة الفنية بالعاصمة الرباط "دبا تياتر مواطن" (Daba Theatre Citoyen) التي أسسها المخرج المسرحي جواد السنني إبان "الربيع العربي"، والتي تم إجهاضها، ونقلَها صاحبها سنواتٍ بعد ذلك إلى مدينة طنجة لتحمل اسم "دبا تيك".
فهذه التجارب والفضاءات تمكنت من خلق ديناميكية مهمة في المجال الفني بالمغرب، وظهرت العديد من التجارب الفنية المهمة، ولكن بعد عام 2015 بدأ الاهتمام بسوق الفن يتزايد بسبب أزمة بيع وشراء الأعمال، حيث تم الاهتمام بالفنون المعاصرة والسعي إلى خلق ديناميكية سوقية لها، ولكن في الوقت نفسه ظهرت مجموعة من القيود والشروط التي تحدّ من إبداعية الفنانين.
وحينها، شعرت أن هناك أشياء تقيدني وتدخلني في بوتقة وتوجهات أرفضها بالمطلق، وهذا برأيي أبشع أشكال الهيمنة التي عانى منها الفنانون وما زالوا، حيث يضطرون إلى العمل وفق تلك التوجهات بسبب نقص الإمكانيات.
بالفعل، الجانب المادي كان دائما وما زال عائقا كبيرا، لأن حمل الأفكار مرتبط باستقلالية الفنان. وإذا لم تكن الجهة الداعمة تؤمن بأفكار هذا الفنان، فإنها لن تدعم عمله، وحتى لو قبلت ذلك فإنها ستتدخل في عمله، وهو ما سيضطره إلى تغيير أسلوبه الفني وحتى أفكاره، لأن سوق الفن بحاجة إلى خلق أنواع أو تركيبات معينة من الأعمال.
ولأنني عشت هذه الأشياء وعاينتها عن قرب، فقد شعرت بنوع من الخيانة، لأنني رأيت مجموعة من الفنانين الذين كان لهم الفضل في وضع الأسس الفنية المعاصرة، قد تم تهميشهم وأصبح تاريخهم الفني يُمحى بجرة قلم في كتب فنية ومؤلفات يسمح فيها أصحابها لأنفسهم بالتأريخ للفن المعاصر في المغرب، وتقديم معلومات مغلوطة، كأن يتم الحديث مثلا أن بداية الفن المعاصر في المملكة كانت عام 2007 مع الفنانين محمد الباز وحسن ضرسي، مع العلم أن هذين الفنانين اشتغلا قبل ذلك بنحو 20 عاما، ما يعني أن الفن المعاصر في المغرب انطلق قبل ذلك التاريخ.
وهذا التصرف غير مقبول، لأنه كانت هناك محاولات لطمس تجارب فنية قيمة من التاريخ، فمن ينتج مشروعا فنيا أو يفتتح متحفا، يعطي لنفسه الأحقية في القول بأنه السبّاق في العديد من الأمور، حتى يحقق مصالحه الخاصة ويخلق لنفسه احتراما معينا في سوق الفن.
وفي المقابل، نجد أن هناك فنانين كبارا تعلمنا على أيديهم، قد طواهم النسيان بسبب عدم الاهتمام بهم، فنانين أعطوا كل شيء للفن وخلقوا لنا أحلاما من خلال أفكارهم، ولكن سوق الفن سلبت منهم كل شيء، وصارت تقدم معلومات مغلوطة وغريبة عن الفن المغربي، وتقدم صورة نمطية عنه وعن الفنانين المغاربة الذين يحملون هويتهم بداخلهم، ولا داعي لتقديمها بذلك الشكل المركز على مغربيتنا وغير المجدي فنيا ولا حتى كونيا.
إعلانومن هنا بدأت أتساءل: لماذا يجب أن أقدم نفسي بذلك الشكل الذي يرغبون فيه، بينما الفنان في ألمانيا أو إسبانيا مثلا ليس مطالبا بذلك، بحيث يمكنه الحديث عن الإنسانية بشكل عام؟ في المسرح، هذا الإشكال غير مطروح، لأنه ليست لديه سوق. أما في الفن التشكيلي فالأمر معقد، وحتى الفنانون الجدد أصبحوا يرضخون لهذه النمطية، حيث يقدمون أعمالا مثل المصور حسن حجاج عبر وضع الطربوش أو غيره، في تقليد ونمطية تدخلنا في دائرة مغلقة من الاستنساخ، وهذا ما أضر وما زال يضر بالفن المغربي.
هذا الأسلوب أسميه قراءة أدائية، وقد بدأته عام 2013 في عرض "العمل دائما في طور التطور"، حيث تحدثت عن فنان لديه ثلاثة أحلام: حلم أن يصبح مطربا مشهورا وهو راقص، وحلم أن يقدم فيديو كليب، والحلم الثالث أن يضحي بنفسه من أجل الفن، حيث سيتحول هو نفسه إلى عمل فني لسوق الفن.
هذه التجربة المفاجئة والناجحة التي عرضتها في البداية في مدينتي مراكش والدار البيضاء، والتي ابتعدت فيها عن قدسية الصورة والحركة أنا الفنان القادم من الفنون التجريبية والرقص وليس المسرح، حيث لأول مرة استعملت النص الذي لم تكن لي أي تجربة في تقديمه.
وبعد ذلك قدمت عملا ثانيا وهو "النسخة الثانية 2045" الذي اشتغلت فيه على التصورات المستقبلية للفن. وفي هذا العمل تحدثت عن الفن المعاصر بالمغرب في الحقبة الممتدة من عام 2000 إلى عام 2015، كيف كان هذا الفن وماذا حدث له حتى أصبح يؤرخ بميلاد المتحف الوطني للفن المعاصر في الرباط، وهو ما ليس صحيحا، حيث أحسست بمسؤولية كبيرة في الحديث تاريخيا عن تلك المرحلة، وذلك في تصور مستقبلي.
أول إقامة فنية لهذا العمل كانت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما يعني أن همّ القضية الفلسطينية كان حاضرا في عملي حتى قبل طوفان الأقصى. اهتمامي بعام 2048 جاء من الرواية الفلسطينية بالتحديد، على اعتبار أن هذا الموعد مُهم لفصل هذه القضية: مئوية النكبة، ومئوية تأسيس إسرائيل كدولة. ومن جهة أخرى، اكتشفت أنه في الرواية المستقبلية، الفلسطينيون والإسرائيليون يعطون مكانا لبعضهم البعض، ولاحظت عند قراءتي لهذه الأعمال أن هناك خروجا نوعا ما من الحساسية ومن الموقف السياسي الصدامي.
التصور المستقبلي يقدم لك العديد من السيناريوهات لما يمكن أن يكون في المستقبل. وبغض النظر عن طبيعة الحل المطروح، ففكرة ممارسة نوع من النقد الذاتي كانت ضمن صلب اهتماماتي. وفي عام 2011 لما شاركت في بينالي البندقية، كان هناك مشروع رواق فلسطيني، وكانت هناك مشاكل وضغوط كثيرة حتى لا يفتتح ذلك الرواق، ولكنه في النهاية افتُتح. وحتى الرواق الإسرائيلي والمشاركون فيه من فنانين حبذوا فكرة وجود رواق فلسطيني خلافا لما أرادته الحكومة الإسرائيلية العنصرية.
وفي تلك اللحظة وأنا في البندقية والمدينة غارقة في المياه الملوثة التي ستخلق جمالية عملي هذا، لم أكن أعلم أنني سأشتغل عليه أو سيكون حاضرا في عملي الفني المقبل، الذي يهتم بسؤال أزمة القيم في سوق الفن، فاستحضرت كل ذلك، وخلقت عملا فنيا ينطلق من مهرجان البندقية في وضع سلام جديد أساسه الصلح بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخلقت دولة جديدة هي فلسطين الجديدة في جزيرة عائمة على بعد 10 كلم من البلدة القديمة، دولة تقوم على السلام وبناؤها سيخلق ضغطا على البحر الأبيض المتوسط، وستحدث كارثة إنسانية، لهذا ستصبح تلك البلدة من جديد ذات قدسية، بلدة نبعت من كارثة ولكنها استطاعت أن تحافظ على هالتها القدسية.
الرواق العائم في البندقية هو لبلدان الجنوب التي تمثل نفسها، وبسبب جو السلام، سيتلاشى أو يضمحل فكر ما بعد الاستعمار، وستظهر فكرة جديدة هي فكرة ما بعد إزالة الاستعمار، وهي فكرة أكاديمية جديدة متفائلة، ولكن في لحظة افتتاح البينالي ستغمره المياه، وسيلجأ الكل إلى ذلك الرواق الفلسطيني لأن فيه الأمان، وهناك تبدأ الرحلة كما لو أنه سفينة نوح. وداخل هذا الرواق سيسود نقاش حول التبعية والهيمنة وفكر ما بعد الاستعمار.. هي رحلة أزمة، وهذا العرض هو الجزء الأول من العمل.
أما الجزء الثاني من العرض فيتحدث عن أن هذا الرواق سيرسو في أرض فلسطين الجديدة، وهنا تبدأ قصة جديدة سميتها "المتحف الذهبي للأزمات". كل هذه الأشياء التي عشتها كان لها تأثير كبير علي، فقد استلهمتها ووضعتها في هذا العمل الفني، بهذه القراءة المستقبلية أو التخيلية المرفقة بنوع من السخرية، حتى أسهل على الجمهور تقبل محتوى العرض، الذي لم يجد قبولا لدى البعض في البداية، لأنهم اعتقدوا أنني مع فكرة تهجير الفلسطينيين عن أرضهم، ولكنّ صلب عملي كان البحث عن الأمان والسلم وعن العيش المشترك، ووضع الجمهور في مساحة أنه يمكن أن يكون هناك حل لهذه القضية في المستقبل مع مسألة تقبل الآخر.
هل استدعاؤك للتخيل المستقبلي فنيا والذي أصبح سمة غالبة على أعمالك؛ هروب من الواقع والحاضر والأزمات التي نعيشها؟هو هروب نوعا ما، ولكن فيه انتقال من وضع إلى آخر ومن زمن إلى آخر، والمستقبليات تسهل هذه الأمور، وتمنحني حرية أكبر في تناول المواضيع التي أرغب فيها، وحتى الجمهور يجد راحته في استقبالها وتقبّلها والمساهمة في إعطاء بعد جمالي وفكري للتخيل المستقبلي.
هذا التمرين يفتح نقاشات مثمرة ويجعلني أهرب من كل الرقابات والمثبطات، وأبدد الخوف الذي يسكننا جميعا من المستقبل، حيث يمكن اعتبار هذه الاستعانة بالتخيل المستقبلي بمثابة علاج وتمرين صحي للفنان والجمهور.
كما أن استحضار الماضي بنوع من السريالية والحنين، كما لو أنه من أحسن المراحل، مع العلم أنه في الحقيقة أبعد من ذلك، ولكنه يمثل مراحل أو تجارب مرت نستخلص منها العبر. وبشكل عام يظل التصور المستقبلي مرعبا لدى كثيرين، ولكن استحضاره فنيا يمكن أن يساعد على تبديد مخاوف كثيرة من المجهول.
بالفعل، الفن له دور كبير في استشراف المستقبل والتفكير فيه، وخير مثال على ذلك هو رحلة أبولو 11 ونزول أول إنسان على سطح القمر، فقبل أن تبرمج تلك الرحلة، تم استدعاء العديد من الفنانين التشكيليين وطُلب منهم رسم هذا القمر الصناعي الذي سيذهب إلى القمر، وخصصت لهم إقامة فنية لأجل ذلك.
وفعلا قدم الكثير من الفنانين مجموعة من الرسومات، اعتمدت عليها وكالة "ناسا" الأميركية في تصميم المركبة الفضائية. كما أن تيار "الأفرو مستقبلي" الذي ظهر في تسعينيات القرن الماضي، هو أسلوب للأفارقة في أميركا للاحتجاج عبر الفن من أجل الخروج من شرنقة الماضي والعنصرية والاضطهاد، عبر تخيل مستقبل إيجابي لدولة في أفريقيا غير موجودة في الأصل هي "واكاندا فوريفر"، التي أصبحت فكرة عن دولة متقدمة، وأصبحت اليوم سلسلة من أفلام "الفهد الأسود" (بلاك بانتر).. أرض متخيلة متقدمة بالعنصر الأفريقي، وهذا ما يمنح أملا للأفارقة بالتغيير.
هل تحظى العروض الفنية مثل التي تقدم والتي تمزج بين الرقص والتركيبات والأداء والتصوير والرسم والسرد؛ بإقبال الجمهور؟ وما أوجه الاختلاف بين تلقيها من طرف الجمهور الغربي والعربي؟هذه النوعية من العروض الفنية قليلة جدا، ونحن ثلاثة من يمارسون هذا النوع من العروض في المغرب. لكن من خلال تجربتي، فجمهور مثل هذه العروض نوعا ما من النخبة وممن لديهم دراية بهذا النوع من الممارسة الفنية.
أنا لا أقدم عروضا كثيرة في المغرب، هذا العرض قدمته في مراكش والدار البيضاء 5 مرات، ولكن خارج المغرب قدمت الكثير من العروض في أوروبا والولايات المتحدة واليابان ومصر ولبنان وتونس والجزائر. وغالبا ما أحضر في مهرجانات الفنون المعاصرة أو في التظاهرات المسرحية.
التفاعل مع عروضي في مصر مثلا كان كبيرا، وتناولها أحسن النقاد هناك.. التجاوب كان جيدا مع أعمالي. ومن القاهرة وجدت نفسي في هونغ كونغ. هذه السنة وجدت نفسي في افتتاح اللقاء المسرحي العربي في هانوفر، ولأن الجمهور ألماني قدمت العرض بالإنجليزية.
الجيل الصاعد ومحبو الفن هم جمهوري بشكل كبير، وأول شيء يجب توفره لتقريب هذا الفن من الجمهور هو السياسة الثقافية الغائبة للأسف في بلدنا. أنا لا أبحث عن الجمهور، والمساحات التي تُعطى لي غالبا ما تكون صغيرة في مهرجانات وتظاهرات فنية، على اعتبار أنني شخص واحد، على عكس الولايات المتحدة التي قدمتُ فيها عرضا في مركز نيويورك أمام 1200 شخص من مديري المهرجانات هناك.
في ممارستي للرقص المعاصر، الجمهور كان دائما إشكالا.. والجمهور ذكي بشكل كبير، ويتجاوب مع العروض الفنية التي تخاطب ذكاءه ولا تحاول أن تصدمه بالجسد الراقص. وإضافة إلى الرقص، استعنت في عروضي الفنية الأخيرة بالنص، ليس مثل النص المسرحي، وذلك للتقرب أكثر من الجمهور وتقريبه من الأعمال التي أقدّمها ومغزاها.
في ممارستي الفنية كنت أومن بقدسية الصورة والحركة في البداية، ولكن فيما بعد تراجعت عن هذه القناعة، وتكسرت تلك القدسية، ولم أعد مجبرا على الوفاء لفن معين أو لطريقة واحدة، فأصبحت وفيا للأفكار. ولكن وفائي للفكرة طرح لي مشكلة الوسيط، وهنا بدأ يتكون أسلوبي الخاص، حيث أقوم بالأداء وأقدم فيه أشياء معينة وأعطيها حمولة في علاقتها بالجسد والأشياء، فيصبح الأداء ورشة عمل بالنسبة لي، وهذا الشيء يأخذ استقلالية في معرض فني.
أنا أشتغل على الأفكار وأحفر فيها عميقا عبر مختلف الوسائط، عن طريق التصوير والكتابة والرسم والفيديو والنحت والتركيب، حيث أحمّل تلك الوسائط قيما أو أفكارا لا يمكن تحملها، وكل ذلك انطلاقا من ورشة الأداء التي هي منطلق عملي الفني.
أي فنان يبحث عن النضج لا عن الشمولية، وأنا لا أومن بالفن الشامل، أومن بأنني أعرف العمل الذي أشتغل عليه عبر تعدد الوسائط، لأنني أكتشف أشياء كثيرة. وما يهمني في عملي هو النضج في التعامل مع الأفكار، وسأعود إلى شرح هذا عبر كتب في المستقبل.
في تجربتي الدولية كنت دائما أبتعد عن التنميط في أعمالي، وأحاول أن أعطي نموذجا للفنانين الجدد، لأنني أيضا استفدت من فنانين سبقوني. والآن هناك نمطية أخرى هي فكر ما بعد الاستعمار، وفيها توجه آخر، لأننا ما زلنا نعاني من تبعات الاستعمار. ولهذا على الفنانين أن يساهموا في تغيير الأشياء إلى ما هو أحسن، وتقديم الجديد وليس تقليد ما هو موجود.
أول شيء واجهته هو سؤال الاعتراف: هل أنت فنان أم لا؟ وهذا واجهته في بداياتي بشكل كبير، إضافة إلى المشاكل المادية وغياب الدعم الحقيقي للفن المختلف نوعا ما، لأنني كنت دائما أصنف في "الما بين": ما بين الفن التشكيلي البصري، والفن التعبيري الجسدي عبر الرقص. ولكن التحدي الكبير والأصعب الذي واجهته هو في إيجاد أسلوبي الخاص.
وحينما عثرت عليه لم تعد هناك عراقيل كبيرة أمامي، وصار من كان يشكك في عملي وفنيتي يطلب أعمالي، لأنه رأى أن هناك من يطلبها ويسعى لرؤيتها. ولكن مسألة العيش من الفن ما زالت مشكلة حقيقية، فأنا الآن أبلغ من العمر 42 عاما ولديّ ابن، وما زلت أعيش بصعوبة كبيرة من الفن. هناك اعتراف دولي، وحصلت على جوائز، ولكن هذه الأمور كلها لا تساعدك على العيش دائما بشكل مريح، ومع ذلك من يتنفس فنًّا لا يمكن له إلا العيش داخل الفن، رغم كل التحديات.
حاولت القيام بذلك في المغرب وفي الخارج، ولكنني حاليا متفرغ لعملي الفني، وأشتغل ما بين المغرب وألمانيا، وبين الفينة والأخرى أقوم بأعمال أخرى. ولكن عملي الفني يأخذ مني وقتا كبيرا في البحث والاشتغال.
أنا أشتغل مع مجموعة، ومع أناس قريبين مني، وحاليا أنا بصدد إعداد عرض جديد حول "المتحف الذهبي للأزمات"، وهو عمل كبير فيه نص ورقص ومشخصون، وسأشرع فيه خلال شهر يوليو/تموز هذا العام، ولحد الساعة ليس هناك أي تمويل لهذا العمل، وما زلت أبحث عن الدعم الذي يستحقه.
رغم ما نعيشه والنظرة غير الصحية للفن، فإن هذا الأخير يمكنه تغيير أشياء كثيرة في المجتمعات، وخاصة المجتمعات العربية. فما يلزم هو أن يؤسس هؤلاء الفنانون موقعا لأنفسهم، ويشدّوا انتباه الجمهور بأعمال تخاطب وعيه وذكاءه، لأن الفن يمكن أن يصنع المعجزات، وأن يساهم في طرح الأسئلة وتقديم بعض المفاتيح الأساسية لتيسير العيش وتقبل هشاشة الروح، لأن لدينا مشكلة حقيقية في مجتمعاتنا مع الجانب العاطفي والنفسي ومع التعبير عن المشاعر والحب.
ما يثير في أعمالك أيضا هو عناوينها الغريبة والمركبة نوعا ما، وحتى الصور المختارة لملصقاتها، وهي عناوين تقول إنها مؤقتة ولكنها تستمر، فكيف تختار عناوينك؟ أو ما هي علاقتك بها؟بالفعل، أنا دائما أضع عناوين مؤقتة ولكنها تظل مرافقة للعمل، مثل العمل الأخير "الفنان المقاوم للماء" الذي كان يجب أن يكون "فنان ما بعد الاستعمار مقاوم للماء".. العنوان مأخوذ من منظور فلسفي لأن الماء نستمد منه الحياة، وبسببه تحدث الكوارث والموت مع انجراف التربة أو الفيضانات أو غيرهما. والشيء نفسه يمكن قوله عن أعمالي السابقة التي وضعت لها عناوين مؤقتة وظلت مستمرة، من مثل: "نسخة ثانية 2045″، و"المخططون"، و"14 كلم بدون عنوان"، و"أشياء خالدة لفنان ميت".