فرص وتحديات اقتصادات «بريكس»
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
اتجاهات مستقبلية
فرص وتحديات اقتصادات «بريكس»
طموحات وتطلعات مجموعة “بريكس” تتزايد مع انعقاد قمتها الأولى في قازان عاصمة جمهورية تترستان الروسية، بعد التوسع إلى 9 دول، وانضمام كل من دولة الإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا، وفي الوقت نفسه ماتزال دول عدة حول العالم تنتظر الموافقة على عضويتها في التحالف الاقتصادي الأكبر في العالم جغرافيًا وديمغرافيًا.
وضع تكتل “بريكس+” في قمته الـ16، أمام أعين العالم فكرة التحرر من القطبية الاقتصادية والسياسية، وركز على الجنوب العالمي، وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة، خاصة مع الوضع المتفاقم في الشرق الأوسط، ولذا دعا إلى وقف إطلاق النار في غزة، والحفاظ على سيادة لبنان، وحذر من اتساع الصراع في الشرق الأوسط.
وتطمح “بريكس” إلى الاستفادة من مقدراتها الهائلة التي تشكل نحو 45% من سكان العالم، وأكثر من 28% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ولم لا؟ والمجموعة صارت قوة اقتصادية متنامية ومحركة للنمو العالمي والتجارة والاستثمار، إذ تمثل دول المجموعة 20% من التجارة العالمية؛ ولذا طرحت قمة روسيا على الطاولة التحرر من النظام الاقتصادي الدولي الحالي، وذلك بالشروع في تأسيس نظام للمدفوعات الدولية تحت اسم “جسر بريكس”، يعتمد على شبكة البنوك لدول المجموعة، استنادًا إلى تقنيات بلوكتشين والعملات الرقمية، ليكون بديلًا للنظام الحالي المسيطر عليه غربيًا، بُغْيَة إنشاء منصة “بريكس كلير” لتسوية التجارة في الأوراق المالية، مع دراسة إمكانية تأسيس بورصة لتجارة المعادن الثمينة، وبورصة تجارية للحبوب في مجموعة “بريكس”، إذ إن دول المجموعة تستحوذ على النسبة الوازنة من إنتاج الحبوب عالميًا.
ومع تعرض النظام العالمي إلى هزات على المستوى الاقتصادي والسياسي في السنوات الأخيرة، تحملت دول الجنوب العالمي الجانب الأكبر من الأضرار، ويعمل “بريكس” على إحداث التوازن الدولي بالعدالة والإنصاف. وما يميز اقتصادات “بريكس” هو التكامل، حيث تتنوع الاقتصادات بين الطاقة والزراعة والصناعة والتعدين والتكنولوجيا والكفاءات البشرية والإمكانات العسكرية، ويحاول بريكس استغلال هذه الإمكانيات في تقليل الاعتماد على الدولار، واستخدام العملات الوطنية بشكل أكبر في التجارة الثنائية، والخروج من دوائر اقتصادية تتحكم في مقدرات الدول بفرض عقوبات إذا ما اختلفت المواقف في الشؤون الدولية، ونموذج الصين وروسيا أوضح دليل على إمكانية تبادل ما يقرب من 95% من التجارة بالروبل واليوان.
وبتفعيل بنك التنمية “إن بي دي”، وصندوق احتياطات الطوارئ “سي آر إيه”، لتوفير مساعدات وقروض للدول النامية حول العالم، سيعطي المجموعة قدرة على المنافسة مع المؤسسات المالية الغربية، خاصة بعد أن قام التكتل بتجديد دمائه عبر انضمام دول جديدة، وتعاظم الآمال في تحقيق نمو اقتصادي قائم على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، وتسهيل الاندماج الاقتصادي، وإنشاء سوق مشتركة للتجارة الحرة وعملة موحدة مستقبلًا، وتحقيق السلام والاستقرار السياسي والاقتصادي حول العالم.
وتمتلك “بريكس” عوامل قوة متعددة، غير أنها تواجه تحديات تتعلق بالقدرة على منافسة المنظومة الغربية النافذة منذ عقود، في ظل اختلاف شكل الأنظمة السياسية بين دول المجموعة، وعدم الاتفاق على تصورات تتعلق بالاقتصاد والتجارة والتمويل، والتنافس بين دول المجموعة، والخلافات السياسية والحدودية، وتعارض المصالح بين دول التكتل. كما أن الاتفاق بالإجماع بين دول المجموعة ليس سهلًا، والتخوف وارد من هيمنة الاقتصادات الكبرى في بريكس على دول التكتل، مع التباين في القوة الاقتصادية والتنموية.
إن إطلاق مبادرة تاريخية لإعادة تشكيل هيكل المدفوعات العالمية يُعَدُّ خطوة ثورية تحتاج إلى الكثير من العمل لإنجاحها، وربما يستغرق الأمر وقتًا كبيرًا سواء على المستوى التنسيقي والفني، في حين أن نحو 58% من عملات الاحتياطي الأجنبي في البنوك المركزية حول العالم مقومة بالدولار، مع الاتجاه إلى زيادة الاحتياطيات من الذهب.
كل الشواهد تتجه إلى اتساع الساحة الدولية لقوى متعددة، واستضافة روسيا للقمة الـ16 للبريكس هو دليل على أن العالم ذاهب إلى مجتمع دولي متعدد الأقطاب لا محالة. ومن المنتظر بالطبع أن توسيع العضوية في التكتل يتيح زيادة التجارة البينية، وحرية نقل التكنولوجيا والمعرفة بين دول المجموعة. كما أن توفير آليات للتمويل لا تضغط على الدول من شأنه أن يُسهم في تقليل دور أي منظمات مالية دولية منافسة. ومن البديهي أيضًا أن زيادة التوجه بين دول المجموعة إلى التبادل التجاري بالعملات المحلية سوف يزيد من الطلب على العملات المحلية، ويُسهم في خفض الطلب على الدولار الأمريكي، ما يساعد في كبح جماح التضخم، وأن تؤدي الاستثمارات المتبادلة بين دول بريكس إلى زيادة قوة دول مجموعة البريكس.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: بین دول المجموعة حول العالم
إقرأ أيضاً:
«الإياتا» تدق ناقوس التغيير: ضغوط تشغيلية وتحديات بيئية تعيد تشكيل مستقبل الطيران العالمى
استقرار ربحية شركات الطيران مع توقع تحقيق هامش ربح صافٍ بنسبة 3.9% فى عام 2026
"ولى والش" يحذر: الوقود المستدام لا يزال أقل من 1%.. والتكلفة تهدد الصناعة
تشهد اجتماعات الاتحاد الدولى للنقل الجوى (الإياتا) فى دورتها الحالية زخماً كبيراً، وسط حضور كثيف من قادة شركات الطيران وصنّاع القرار ومسؤولى هيئات السلامة. وتأتى هذه الدورة فى لحظة حساسة تمر بها صناعة الطيران، مع ارتفاع التكاليف التشغيلية، واضطراب سلاسل التوريد، والتحديات البيئية المتصاعدة، إلى جانب ضغوط المسافرين نحو خدمات أكثر مرونة وشفافية.
تكاليف تشغيل مرتفعة.. والأزمة تطال التوسع
تناقش اللجان الفنية والاقتصادية ارتفاع أسعار الوقود والضغوط الناتجة عن تباطؤ تسليمات الطائرات الجديدة. وتشير مداخلات مسؤولى الشركات إلى أن تأثير اضطرابات سلاسل التوريد أصبح واضحاً على خطط تحديث الأساطيل حول العالم، وهو ما دفع الإياتا إلى الدعوة لمراجعة السياسات الداعمة للصناعة خلال المرحلة المقبلة.
الوقود المستدام فى الصدارة.. ورسائل حاسمة من ولى والش
حازت الاستدامة والوقود المستدام للطيران (SAF) على النصيب الأكبر من النقاشات. وفى هذا السياق، صدرت تصريحات رسمية لاقت اهتماماً واسعاً. وقال ولى والش، المدير العام للإياتا، فى جلسة رئيسية: «من المشجع أن يرتفع إنتاج الوقود المستدام إلى نحو مليونى طن فى 2025، لكنه لا يغطى إلا 0.7% فقط من احتياجات الطيران عالمياً. وحتى هذا الحجم المحدود سيضيف نحو 4.4 مليار دولار إلى فاتورة الوقود. لذلك يجب أن تتسارع وتيرة الإنتاج وخفض التكلفة بصورة أكبر». وفى تصريح آخر انتقد فيه السياسات الأوروبية المنظمة لسوق SAF، قال: «تراجع نمو إنتاج الوقود المستدام عن التوقعات، بسبب سياسات إلزامية صيغت بشكل غير ملائم، فأعاقت زخم الصناعة بدلاً من دعمه». وترى الإياتا أن استمرار السياسات الحالية «يهدد استقرار الإمدادات المطلوبة لتحقيق هدف الوصول إلى صافى انبعاثات صفرية بحلول 2050»، مشددة على ضرورة تبنى تشريعات أكثر مرونة تشجع الاستثمار بدلاً من زيادة التكلفة على شركات الطيران.
شفافية الانبعاثات.. اتفاقية جديدة مع EASA
وفى خطوة مهمة نحو تعزيز الثقة ورفع مستوى الشفافية أمام المسافر، أعلنت الإياتا توقيع مذكرة تفاهم مع وكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA) لتطوير منهجية موحدة لقياس انبعاثات الكربون للرحلات الجوية. وجاء فى البيان الرسمى: «الهدف هو تطوير طريقة دولية موحدة وشفافة، تتيح للمسافر معرفة الأثر الكربونى لرحلته أثناء الحجز، باستخدام بيانات معتمدة وموحدة عالمياً». وأضاف البيان أن هذه الخطوة تأتى استجابة لانتقادات واسعة لتضارب أرقام الانبعاثات التى تظهر فى منصات الحجز المختلفة حول العالم.
السلامة الجوية: تحديثات جذرية فى معايير IOSA
لم تغب السلامة الجوية عن صدارة الملفات. فقد أعلنت الإياتا أن معايير تدقيق السلامة IOSA تشهد «تحديثات جوهرية لمواكبة التطورات المتسارعة فى الأنظمة الرقمية وأنظمة التنبؤ بالمخاطر»، مؤكدة أن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيزاً لبرامج تدريب الطيارين والكوادر الفنية بما يرفع القدرة على مواجهة سيناريوهات التشغيل شديدة التعقيد.
سلوك المسافر يتغير.. والشركات تعيد تشكيل خدماتها
استعرضت جلسات متخصصة اتجاهات السوق العالمية، التى تتجه إلى ارتفاع الطلب على الرحلات الطويلة المباشرة، وتوسع غير مسبوق فى الحلول الرقمية والخدمات غير التلامسية. وتؤكد الشركات أن «التجربة الرقمية» أصبحت اليوم معياراً تنافسياً لا يقل أهمية عن السعر أو مواعيد التشغيل.
مشاركة عربية قوية ورؤى إقليمية مستقبلية
سجّلت الوفود العربية حضوراً فاعلاً فى الاجتماعات، عبر عروض رسمية حول خطط تحديث الأساطيل وزيادة الربط الإقليمى، إلى جانب مناقشات حول التحول الرقمى داخل المطارات واعتماد حلول الذكاء الاصطناعى فى إدارة الحركة الجوية.
خلاصة المشهد
تعكس اجتماعات الإياتا الحالية حالة من الاستنفار الدولى داخل صناعة الطيران، إذ تقترب الشركات من منعطف حاسم يتطلب قرارات كبرى لضمان التوازن بين الاستدامة والتشغيل والربحية. ومع تصريحات رسمية تكشف ضغوطاً متزايدة، تبدو السنوات الثلاث المقبلة الأكثر تأثيراً فى تحديد مستقبل النقل الجوى عالمياً.. وأصدر الاتحاد الدولى للنقل الجوى (إياتا) أحدث توقعاته المالية لقطاع الطيران العالمى، والتى تظهر استقراراً فى الربحية رغم استمرار مشاكل سلاسل التوريد. ومن أبرز النقاط: من المتوقع أن تحقق شركات الطيران صافى ربح إجمالى قدره 41 مليار دولار أمريكى فى عام 2026 (مقارنةً بـ39.5 مليار دولار أمريكى فى عام 2025). ورغم أن هذا الرقم سيسجل رقماً قياسياً جديداً، فمن المتوقع أن يبقى هامش الربح الصافى ثابتاً عند 3.9% مقارنةً بعام 2025. كما يتوقع أن يبلغ صافى الربح لكل راكب 7.90 دولار أمريكى (أقل من أعلى مستوى له فى عام 2023 والبالغ 8.50 دولار أمريكى، وثابتاً مقارنةً بعام 2025). من المتوقع أن يبلغ الربح التشغيلى فى عام 2026 مبلغ 72.8 مليار دولار أمريكى (مقارنةً بـ67.0 مليار دولار أمريكى فى عام 2025)، بهامش ربح تشغيلى صافٍ قدره 6.9% (محسّناً عن النسبة المتوقعة لعام 2025 والبالغة 6.6%). ومن المتوقع أن يبلغ العائد على رأس المال المستثمر 6.8% (دون تغيير عن عام 2025). وعلى الرغم من خفض المديونية وتحسين الربحية التشغيلية، فمن المتوقع أن يبقى العائد على رأس المال المستثمر أقل من متوسط التكلفة المرجح لرأس المال، والمقدّر بنسبة 8.2% فى عام 2026. من المتوقع أن تصل إيرادات قطاع الطيران الإجمالية إلى 1.053 تريليون دولار أمريكى فى عام 2026 (بزيادة قدرها 4.5% عن الإيرادات المتوقعة فى عام 2025 والبالغة 1.008 تريليون دولار أمريكى). ومن المتوقع أن تستمر معدلات إشغال المقاعد فى تسجيل مستويات قياسية، حيث يتوقع أن تشغل شركات الطيران 83.8% من إجمالى المقاعد خلال عام 2026. ومن المتوقع أن يصل عدد المسافرين إلى 5.2 مليار مسافر فى عام 2026 (بزيادة قدرها 4.4% عن عام 2025).
الشحن الجوى
ومن المتوقع أن تصل أحجام الشحن الجوى إلى 71.6 مليون طن فى عام 2026 (بزيادة قدرها 2.4% عن عام 2025). «من المتوقع أن تحقق شركات الطيران هامش ربح صافٍ بنسبة 3.9% وأرباحاً بقيمة 41 مليار دولار أمريكى فى عام 2026. وهذا خبر سار للغاية بالنظر إلى التحديات التى تواجهها هذه الصناعة، ومنها ارتفاع التكاليف نتيجةً للاختناقات فى سلسلة توريد صناعة الطيران، والصراعات الجيوسياسية، وتباطؤ التجارة العالمية، وتزايد الأعباء التنظيمية. وقد نجحت شركات الطيران فى بناء آليات مرنة قادرة على استيعاب الصدمات فى أعمالها، مما يضمن لها ربحية مستقرة»، هذا ما صرح به ويلى والش، المدير العام للاتحاد الدولى للنقل الجوى (إياتا). فى حين أن الأداء القوى لشركات الطيران فى مواجهة بيئة تشغيلية متغيرة وصعبة أمر مثير للإعجاب، إلا أن حقيقة أن صناعة الطيران مجتمعة لا تحقق أرباحاً تغطى تكلفة رأس مالها لا تزال مشكلة تحتاج إلى حل. قال والش: «لا تزال هوامش الربح على مستوى الصناعة زهيدة بالنظر إلى القيمة التى تخلقها شركات الطيران من خلال ربط الناس والاقتصادات. فهى تشكل جوهر سلسلة القيمة التى تدعم ما يقرب من 4٪ من الاقتصاد العالمى وتدعم 87 مليون وظيفة. ومع ذلك، ستكسب شركة APPLE من بيع غطاء IPHONE أكثر مما ستكسبه شركات الطيران مقابل 7.90 دولار من نقل الراكب العادى. وحتى داخل سلسلة قيمة النقل الجوى، فإن هوامش أرباح شركات الطيران غير متوازنة تماماً، لا سيما عند مقارنتها بهوامش ربح مصنعى المحركات والإلكترونيات والعديد من موردى الخدمات لدينا. تخيل القوة الإضافية التى يمكن أن تضيفها شركات الطيران إلى الاقتصادات إذا تمكنا من إعادة توازن ربحية سلسلة القيمة، وتقليل الأعباء التنظيمية والضريبية، والتخفيف من عدم كفاءة البنية التحتية».
يعدّ أداء الشحن الجوى ذا أهمية خاصة، إذ تحدّى العديد من التوقعات القاتمة وحافظ على مكانته فى ظلّ ظروف تجارية متغيرة بسرعة. «لقد كانت مرونة الشحن الجوى مثيرة للإعجاب بشكل خاص. فمع تكيف التدفقات التجارية مع نظام التعريفات الجمركية الحمائية الأمريكية، برز الشحن الجوى كبطل للتجارة العالمية، مدعوماً جزئياً بقوة التجارة الإلكترونية وشحنات أشباه الموصلات لدعم طفرة الاستثمارات فى الذكاء الاصطناعى. والجدير بالذكر أن الشحن الجوى مكّن من الشحن المسبق لتسليم المنتجات قبل المواعيد النهائية للتعريفات الجمركية، كما استوعب بمرونة ارتفاعات الطلب حيث وجدت السلع الخاضعة للتعريفات، والتى كانت متجهة عادةً إلى الولايات المتحدة، أسواقاً جديدة. إن الدور الحاسم للشحن الجوى يبرز فى صميم الاقتصاد العالمى وهو يتكيف مع الواقع الجديد»، كما قال «والش».