في خطوة أثارت جدلاً واسعاً بين الأوساط الثقافية والسياسية، عقب الحديث عن نقل رأس الملكة نفرتيتي، أحد أشهر الرموز التاريخية والفنية، من متحف برلين في ألمانيا إلى موطنها الأصلي مصر محاولة لاستعادة التراث الثقافي المنهوب، وتسليطاً للضوء على قضايا الاسترداد الثقافي التي أصبحت محور الحوار العالمي حول الممتلكات التاريخية.

نقل رأس نفرتيتي

ويُعتبر رأس نفرتيتي من أبرز الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين، إذ اكتشفه عالم الآثار الألماني لودفيغ بورشارد في 1912 خلال تنقيباته في مدينة أخيتاتون (حالياً تل العمارنة)، وأصبح التمثال رمزاً للجمال والسلطة في الأسرة الثامنة عشرة، حيث يمثل الملكة نفرتيتي، زوجة الملك إخناتون، ولكن استمر الجدل حول ملكية هذا التمثال الذي يعتبره المصريون جزءاً لا يتجزأ من تاريخهم.

من جانبه، أوضح الخبير الأثري الدكتور أحمد عامر أن رأس نفرتيتي، الذي يعود تاريخه إلى حوالي 3500 سنة، يبلغ ارتفاعه 47 سنتيمتراً ويزن نحو 20 كيلوجراماً، ويصوّر رأس الملكة مع جزء من الرقبة والكتفين، حيث صُنع من الحجر الجيري ويعود لعصر الملك إخناتون.

وأضاف عامر لـ"صدى البلد"، أن الدكتور زاهي حواس في السابق مطالباً بإعادة رأس نفرتيتي إلى مصر من متحف برلين، وأنشأ عريضة إلكترونية لجمع مليون توقيع بهدف إقناع الحكومة الألمانية بإعادته.

زاهي حواس: بنلم مليون توقيع لإعادة رأس نفرتيتي من متحف برلين زاهي حواس يطالب بزيادة التوقيع على وثيقة استرداد رأس نفرتيتي

ويُشكل مطلب استعادة رأس الملكة نفرتيتي قضية هامة على المستوى العربي والدولي، حيث يراها المصريون رمزاً لهويتهم الحضارية، وتكمن أهمية رأس نفرتيتي في كونها تحفة فنية فريدة تجسد جمال المرأة المصرية في عهد الفراعنة، كما أنها تُعد شاهداً على الحضارة المصرية القديمة، فضلاً عن قيمتها العلمية الكبيرة، إذ تساعد الباحثين في فهم الفن والحياة في مصر القديمة.

الملكة نفرتيتي 

وهناك عدة أسباب للمطالبة باستعادة رأس نفرتيتي، من بينها:

الانتماء التاريخي: إذ يُعتبر التمثال جزءاً من التراث المصري ومكانه الطبيعي هو متحف مصري.

القومية: يُشكل مطلب الاستعادة قضية قومية تبرز وحدة الشعب المصري حول تراثه وهويته.

ظروف الاكتشاف: يُزعم أن التمثال نُقل بطرق مشبوهة، ما قد يتضمن مخالفات قانونية.

السلامة: المصريون يخشون على سلامة التمثال في برلين ويعتقدون أنه يجب أن يكون تحت حماية مصرية.

أما ألمانيا فتتمسك بحقها في الاحتفاظ بالتمثال وتؤكد اكتشافه بشكل قانوني، مشيرةً إلى أن متحف برلين يوفّر له الرعاية اللازمة، وتؤكد ألمانيا على أهمية التعاون الدولي في حماية الآثار وأن متحف برلين يُعد من المتاحف الرائدة في العالم.

وتبقى قضية استعادة رأس نفرتيتي قانونية معقدة، إذ تتداخل فيها القوانين الدولية والقوانين المحلية، وتؤكد مصر أن التمثال تم تهريبه، بينما تدعي ألمانيا أنه تم اقتناؤه وفقاً للقوانين السارية آنذاك، وقد ازدادت الدعوات خلال السنوات الأخيرة لاستعادة الآثار المصرية في إطار وعي متزايد بحقوق الشعوب في استرداد تراثها، وبالتزامن مع جهود مصرية متزايدة لاستعادة الآثار المهربة.

إلى جانب الأبعاد السياسية، يمثل نقل الرأس فرصة لإبراز الفنون المصرية القديمة، إذ يعكس تمثال نفرتيتي براعة الحرفيين المصريين، ويأمل العديد من المثقفين أن يشجع وجود التمثال في مصر الزوار على زيارة المتاحف والمعالم الأثرية المصرية، ويظل نقل رأس نفرتيتي قضية جدلية، إذ يرى البعض أنها جزء من التراث العالمي وأن بقاءها في برلين يساهم في إثراء الحضارة الإنسانية.

زاهي حواس: مليون توقيع لاستعادة رأس نفرتيتي والقبة السماوية سياحة الشيوخ تناقش سرعة استعادة رأس نفرتيتي ونقش البروج السماوية من الخارج

ويأمل المصريون أن يمثل نقل رأس نفرتيتي إلى مصر حدثاً تاريخياً يعكس تحوّلاً في السياسات الثقافية العالمية، ويدعو للاعتراف بحق الشعوب في استعادة تراثها، ليكون فرصة لإعادة إحياء الهوية الثقافية المصرية وربط الماضي بالحاضر لبناء مستقبل مستدام.

أبرز المعلومات حول رأس نفرتيتي:

تعتبر رأس نفرتيتي من أبرز القطع الأثرية النادرة التي تطالب مصر بعودتها إلى موطنها الأصلي، وقد عُثر على هذه القطعة الأثرية الشهيرة من قبل بعثة أثرية ألمانية عام 1912 في تل العمارنة، وهو موقع تاريخي في محافظة المنيا، في العام التالي، تم شحن التمثال إلى برلين، حيث لا يزال محفوظًا هناك حتى الآن.

يُعتبر رأس نفرتيتي تمثالاً نصفيًا مصنوعًا من الحجر الجيري، ويُرجح أن عمره يتجاوز 3300 عام، نُحت هذا التمثال على يد النحات المصري تحتمس حوالي عام 1345 ق.م، تخليدًا لملكة مصر نفرتيتي، زوجة الفرعون إخناتون، ويتميز التمثال بطول يبلغ 47 سم ووزن يصل إلى 20 كيلوجرام، وهو مصنوع من الحجر الجيري الملوّن بطبقة من الجص.

يتصف تمثال نفرتيتي بتناسق وجهها، حيث جانبا الوجه متماثلان تمامًا، وهو في حالة سليمة تقريبًا، باستثناء العين اليسرى التي تفتقر إلى البطانة الموجودة في اليمنى، بؤبؤ العين اليمنى مصنوع من الكوارتز المطلي باللون الأسود ومثبت بشمع العسل، بينما خلفية العين من الحجر الجيري، وترتدي نفرتيتي تاجًا أزرق مميزًا مزينًا بإكليل ذهبي، مع وجود ثعبان كوبرا على جبينها (مكسور الآن)، بالإضافة إلى قلادة عريضة منقوشة بالزهور، وتعرضت الأذنان لبعض الأضرار.

تجعل هذه الميزات من تمثال نفرتيتي رمزًا للجمال الأنثوي، مما يجعله واحدًا من أشهر نساء العالم القديم، ومنذ عام 2009، استقر التمثال في متحف برلين الجديد، حيث يُعتبر من أهم المعروضات هناك.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: نفرتيتي رأس نفرتيتى تل العمارنة استعادة رأس نفرتیتی من الحجر الجیری الملکة نفرتیتی متحف برلین زاهی حواس نقل رأس ی عتبر

إقرأ أيضاً:

محمود الرمحي: «السعديات» ملتقى الفنون والثقافة والروحانيات

فاطمة عطفة

«هنا في السعديات يجتمع الفن والثقافة والعلوم والروحانيات، من أجل التعايش والتطور الإنساني الإدراكي والأخلاقي، إنها مكان لتربية الأسرة وتطوير الذوق العام والخاص، ورفع وتيرة العلم والمعرفة للمستقبل».
بهذه الكلمات يضيء الكاتب والمهندس الإماراتي محمود الرمحي على ما تمثله المنطقة الثقافية بالسعديات، باعتبارها «أحد أكبر تجمعات المؤسسات الثقافية في العالم، حيث يلتقي فيها معلمو الأمس بمبدعي اليوم ومبتكري المستقبل، احتفاءً بإنجازات دولة الإمارات العربية والمنطقة والعالم».
وفي روايته «قبل البدء» يشير الرمحي إلى ما تمتاز به أبوظبي من جمال عمراني، وذلك على لسان بطل الرواية «حوران»، الذي يطل على كورنيش أبوظبي فيشاهد جماليات العمارة وإبداعاتها، ويهمس بإعجاب كبير: «يا لها من مدينة عظيمة». 

أخبار ذات صلة «هاري بوتر».. سرد قصصي مشوّق وتكنولوجيا مبتكرة «هاري بوتر» في «منارة السعديات»

وفي حديثه لـ «الاتحاد»، يؤكد المهندس الرمحي على أهمية جزيرة السعديات بشكل عام، مشيراً إلى أنها هي في حد ذاتها مشروع ثقافي ضخم وسكني وعلمي وجامعي، ويضيف: «في السعديات واحدة من أرقى الجامعات العالمية هي جامعة «نيويورك أبوظبي» أيضاً، ومعالم السعديات مشروع استثماري لتطوير المفهوم الاجتماعي بالعلاقة الطبيعية بالبحر في تصاميم ومبانٍ معمارية استثنائية، وخاصة المتاحف في المنطقة الثقافية، وبيت العائلة الإبراهيمية، وما يجسده من أفكار تعايشية وتبادلية بالمفهوم الإنساني المعاصر، والتناغم بين الثقافات الروحانية والعلمية والمؤسسات في مفهوم حديث إنساني مستقبلي، حيث إن الفن والثقافة والعلوم الإنسانية والعلوم الروحانية تتعايش معاً في مضمون سقف تربوي أسري متطور يساعد المجتمع والفرد على رفع الذوق العام، ورفع إدراكه للتغيرات الاجتماعية الثقافية العلمية المتسارعة بهذا الزمن، لتتمكن من وضع رؤية مستقبلية لها علاقة بالبيئة والمجتمع والطبيعة والعلوم والثقافة الشرقية والغربية وثقافات الشعوب والحضارات للتعليم».

الوظيفة الدلالية 
حول علاقة الشكل المعماري بالمضمون من حيث الوظيفة الدلالية لبناء المتاحف، يقول المهندس الرمحي: «متحف اللوفر أبوظبي الذي تم افتتاحه عام 2017، وهو من تصميم المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل، كانت فكرة تصميمه المطروحة من قبل المصمم هي وضع تصور معماري يتماشى مع البيئة المحلية في أبوظبي وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، لوضع تناغم ما بين مفهوم البحر والظلال البحرية، ومفهوم الصحراء والبيئة، ومفهوم النجوم والطبيعة، حيث نجد في التصميم المعماري القبة التي تغطي المتحف وتأخذ تفاصيلها الهندسية بشكل مباشر وغير مباشر من التراث الشرقي، لكنها مركبة بثلاثة أبعاد تحمي المبنى من درجات الحرارة العالية، وتكون ظلالاً كاملة لمتحف اللوفر، بحيث تقلل من درجات الحرارة بين 3 إلى 6 درجات، لكنها في الوقت نفسه لا تغلق المساحات أمام الإنارة، بل تجعل ضوء الشمس يدخل إلى المسطحات تحت القبة بشكل غير مباشر، فلا يؤثر لا على نظر الإنسان ولا على حرارة الجسد».  
ويضيف المهندس الرمحي أن هذا له دلالة في جميع الثقافات الشرقية والعالمية، لكن الإضاءة بشكل ما لها علاقة مباشرة مع حركة الشمس ما بين الشروق والغروب؛ لأنها تصنع زاوية وظلالاً في مناطق متعددة، موضحاً أن هذه دلالة عميقة على فكر المعماري المصمم لموضوع المكان والزمن، أي القرن الواحد والعشرين، كما أنها تعمل على توازن بيئي لزوار المتحف، وتعطي حياة زمنية للمكان الواقع تحت القبة إلى حركة ودوران الشمس وأيضاً القمر في حالة البدر، وبهذه الحالة يتحول الفراغ والحيز تحت القبة بنوع من العمل الفني الذي لا يمكن أن يتم إلا في منطقة السعديات.

ما بعد الحداثة 
ينتقل د. الرمحي إلى الحديث عن بناء متحف «غوغنهايم» أبوظبي، يقول: «عندما ينتهي إنشاء المتحف سيكون أكبر متاحف غوغنهايم في العالم، مشيراً إلى أن متاحف «غوغنهايم متوزعة في العالم، أشهرها في نيويورك وإسبانيا، لكن متحف أبوظبي بالسعديات هو الأكبر بتصميم المعماري الأميركي «فرانك جيري»، وهو من أشهر المعماريين المعاصرين الذين يمثلون ما بعد الحداثة، وكتب عنه عدة كتب، وأول كتاب كتبه فليب جانسون، حيث يقول إن متحف «غوغنهايم» بالسعديات سيكون له دور كبير عند انتهاء إنشائه، وسوف يساهم في رقي الذوق والرأي العام والأفكار، على المستوى المحلي والعالمي من حيث نظرتهم للفن الحديث المعاصر، ووجه الفن في المرحة القادمة، ليأخذ دوره الثقافي والإعلامي والتعليمي بمفهوم الذوق العام للمجتمعات، حيث تناغم الأشكال والأفكار والكتل الخارجية وعلاقتها بالفراغ - السماء والتي تمتاز فيها أبوظبي بالشتاء والصيف، حيث تظهر خلفية زرقاء أقرب إلى البياض، والمبنى يعطي الفكرة الفلسفية لمتحف «غوغنهايم».

قصة ملحمية 
يؤكد المهندس محمود الرمحي أن متحف «زايد الوطني» هو قصة ملحمية للإمارات العربية المتحدة، وبالأخص لمدينة أبوظبي بكل ما تمتاز به من تاريخ غني بالقيم الراسخة التي تتمثل في شخصية الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه.
ويضيف الرمحي أن هذا المتحف يتحدث عن تاريخ الدولة والمنطقة من العصور الحجرية إلى العصر الحالي بشكل عام، وبتركيز خاص على دولة الإمارات، وعلى الثقافة ونشر المفاهيم والعادات والتقاليد والأخلاق السامية والمفاهيم الراقية بالتعايش مع الذات ومع الطبيعة، وتقديم نموذج إنساني معاصر للحركة الفنية والحركة الثقافية والاجتماعية المعاصرة لزوار متحف زايد الوطني، وهو من تصميم المهندس نورمان فوستر، وهو معماري من أصول بريطانية، ويعتبر واحداً من رموز مصممي العمارة الحديثة، وقدم للإنسانية مجموعة ضخمة من الأعمال الفنية في مدينة مصدر.

تاريخ قديم
يرى المهندس الرمحي أن السعديات ستكون، حاضراً ومستقبلاً، مركزاً محلياً عربياً إقليمياً وعالمياً، وهي جزيرة طبيعية مرتبطة بالتاريخ الإماراتي وتاريخ مدينة أبوظبي، وقد سكنها الإنسان من عصور قديمة، وأرضها مرتفعة وفيها مناطق طبيعية كأخوار تنبت فيها نباتات بحرية، وهي أيضاً مكان تاريخي لبعض السلاحف، وتم اختيارها لموقعها المهم وبيئتها الجميلة، وسهولة الوصول إليها من أماكن عدة، إضافة إلى شكلها المتميز ولأنها ستكون مركزاً ثقافياً وسكنياً وعلمياً بشكل عام، مؤكداً أن مدينة أبوظبي تشكل منارة ثقافة وعلم في الخليج العربي، ومركزاً مهماً في الشرق الأوسط والعالم، ولا يمكن أن ننسى «البيت الإبراهيمي»، وهو مكان للعالم أجمع وللثقافة والعبادة، ومكان خاص للتفاهم المتبادل والتعايش والتناغم والسلام بين الشعوب.

مقالات مشابهة

  • متحف ملوي ينظم ورشة حكي احتفالا بـ اليوم العالمي للصداقة
  • اعتقالات وعنف.. هكذا تعاملت الشرطة مع تظاهرة داعمة لغزة في برلين
  • مدير متحف يسرق آثاراً على مدار 17 عاماً
  • أسطرلاب «البطوطي».. مغامرات عبر الكون
  • محمود الرمحي: «السعديات» ملتقى الفنون والثقافة والروحانيات
  • برلين تطالب إسرائيل بضمان إيصال كامل للمساعدات إلى غزة
  • سرقة ديوان آل التل في إربد: اعتداء على ذاكرة وطنية
  • مديرية الحج والعمرة تعلن آلية استرداد أموال الحجاج السوريين غير المسافرين
  • وقفة تضامنية في برلين دعما لغزة وللمطالبة بإنهاء الحصار
  • وزير الري: استرداد 11.30 مليون متر مربع من أملاك الوزارة خلال موجات إزالة التعديات