شهداء مع كل شبر نذر يسقطون... ومنازل بُنيت بعرق السنين تتهاوى بثوانٍ
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
الشهداء الذين يسقطون في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت على ايدي الغدر والبربرية هم أغلى ما يمكن أن يقدّمه وطن على مذبح التضحية بأبعادها الروحية والوطنية. كان يُقال بأن الجمرة لا تحرق سوى المكان الذي تقع عليه، إلاّ أن هذه الجمرة الحارقة تكاد تمحو بنار حقدها ما تبقّى لنا من رائحة أحبّة ستبقى ذكراهم شواهد على أن الحقد مرّ بقرانا.
فلا أصعب من فقدان الضنى على قلب الأم سوى العيش من دون أن تشبع من ضمّه وشمّ رائحته. هذا الشعور بالألم خبرته أمهات كثيرات على مدى سنوات الحرب القذرة والعبثية، التي حصدت بهمجيتها خيرة الشباب من كل الطوائف والأحزاب في ساحات الوغى. فمن سقط لن يُعوض غيابه أي شيء آخر حتى ولو كان سقوطهم في كثير من الأحيان عبثيًا، وإن كان ايماننا المسيحي يقودنا إلى الاستنتاج بأن حبة الحنطة إن لم تمت وتدفن في الأرض لن تثمر بدلًا من الحبّة مئات من حبات القمح.
ومع كل شهيد يسقط يتهاوى منزل. ومع سقوط كل منزل تندثر ذكريات عمرها من عمر الطفولة. أوليس أجمل تعبير جبلي عمّا يجيش في القلوب من عاطفة تجاه الآخر عندما يُقال له "يا بيتي"، مع ما لهذا التعبير من رصف لحجارة مباركة مع عتباتها المشغولة بأزاميل لا تزال تحفر أصواتها في ذكريات لا تُطوى إلا عند آخر زفرة.
يوم كان والدي، رحمات الله عليه، يمسك بإزميله بيده السمراء ليقصّب الحجارة العرسالية البيضاء، كانت تتراقص في مخيلتي تلك المنازل المرصوفة كحجارة الداما على طرقات ضيعتنا، التي سبق أن جرفها الحقد الأعمى والجهل. فكم استلزم صقلها من وقت وتعب وعرق. وكم استغرق تشييدها حجرًا فوق حجر من صبر وعناية ومهارة. فمع كل حجر كان "يشقع" فوق حجر آخر كانت القلوب تزداد خفقًا إلى أن يكتمل عقد البيت، وإلى أن يصبح له سقف يأوي ساكنيه من حرّ الصيف ومن صقيع الشتاء. وفيه تتراكم الذكريات والخبريات وحكايا الكبار عن زمن العزّ والبطولة وما فيها من "تمليح" و"تبهير" أمام مواقد لا تنطفئ نارها ولا يخبو نور قنديلها.
صحيح أن قريتنا التي محيت عن "بكرة أبيها" قد أعيد بناؤها، ولكن ليس إلى الأجمل، مع أن العمارة الحديثة المعتمدة على هندسيات متطورة تقنيًا قد تبدو أجمل مما كانت عليه في السابق، ولكنها خالية، يا للأسف، من الذكريات، ومن أصوات الشغيلة تردّد مع وديع الصافي "عمّر يا معلم العمار وعمّر حارتنا"، أو على أصوات السيدة فيروز "عمّرها بايدين تعلي بسواعد، بالمجد والقصد المارد".
هل يعرف ذاك الذي يطلق صاروخه الأعمى على البيوت التي تتهاوى في الجنوب والبقاع والضاحية بثوانٍ كم استلزم بناؤها من جهد وتعب وعرق وتجميع القرش بالقجة والخير والبركة؟ وهل يعرف ذاك الذي يمسك بحبل المدفع كم "دعوة" تنزل على رأسه مع كل طلقة صاروخية؟
هم أولادنا أغلى ما في الوجود. هي منازلنا، هي ديارنا، هي قرانا، هي كل ما تبقّى لدينا من مقتنيات هذه الدنيا. هي تلك الأحضان الدافئة التي تستقبل من دون أن تطلب في المقابل أي شيء. هي تلك النخوة التي ستعيد بناء ما تهدّم، وتحفظ في القلوب ذكرى الذين غابوا. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
النائب أحمد بلال: الدولة كانت طرفا في الايجار القديم منذ 40 سنة
أعلن النائب أحمد بلال، نائب رئيس الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، رفضه لمشروع قانون الإيجار القديم المقدم من الحكومة.
وقال بلال في كلمته خلال الجلسة العامة لمجلس النواب : "اليوم يوافق 30 يونيو، وفي 30 يونيو 2013، خرج عشرات الملايين للإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، واليوم ملايين من هؤلاء أيضًا قاعدين في بيوتهم ينظروا لهذه الجلسة وخايفين يتم طردهم من منازلهم".
واستكمل بلال كلمته منفعلًا: "سيادة الرئيس: احنا نواب كل المصريين، ويجب أن يخدم القانون كل مواطن مصري، ويجب ألا نغفل أن الدولة كانت طرفًا في هذا القانون منذ 40 سنة، حيث كانت الحكومة من تحدد الأجرة في هذه العلاقة، وعندما تغيب الدولة 40 سنة وتعود لمناقشة القانون، لا يجب أن تعود منحازة لطرف من الطرفين، والحكومة في الحقيقة لا تنحاز لا للمالك ولا للمستأجر!، إنما منحازة للمُلاك الجدد، وشركات الاستثمار العقاري اللي أسمائها عبر كل شوارع عمارات وسط البلد، عشان تستورد مشروع تطوير من مدينة صحراوية تطبقه في القاهرة اللي عمرها 1000 سنة".
وقال: "وفي النهاية الحكومة هتسيب المواطن المالك والمواطن المستأجر يحلوا خلافاتهم مع بعض، وهتدخل لصالح الشركات الخاصة فقط". وبعد 40 سنة من المفترض أن ترجع الحكومة وعينها على تطبيق العدالة الاجتماعية.. مش عينها على الضرائب العقارية اللي محتاجاها عشان تسدد فوائد الديون اللي حذرنا منها".
واختتم نائب التجمع: هذه الحكومة تلعب بالنار، حكومة تتعالى بالصمت ولا تجيب على أحد، حتى واجب العزاء لا تتقدم به، وفي تحمل المسئولية تقول: "مش هنسيب الوزارة إلا لما نموت" وفي النهاية مشروع قانون بهذا الشكل الذي نرفضه!.