ألقى الشيخ الدكتور صالح بن حميد خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه، والمسارعة إلى ما يحبه ويرضاه.
وقال: إن الحياة الأسرية من أوثق العلاقات الإنسانية، وأرفعها شأنًا، ولها في الدين مقام كريم، وهي في شرع الله ميثاق غليظ لقوله تعالى ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَه وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾.

مضيفًا بأن العلاقات الإنسانية والعلاقات الأسرية لا تُقاس بمواقف اللحظات العابرة، ولا بالأحوال الطارئة، ولكنها تقاس بالتراكمات المتتابعة، والأحداث المتوالية، لكونها علاقات ممتدة، لا ينسيها حادث عابر، ولا ينسفها موقف طارئ، فيما أن الحياة بتقلباتها وأحوالها تحتاج إلى أن يسودَ فيها روح الفضل، وتُذكر فيها جوانب الخير والمعروف، فليس من العقل ولا من الحكمة ولا من المروءة أن تُهدَم سنوات مودة في ساعة غضب عابرة.
وأضاف: يقول الله عز وجل في محكم تنزيله: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾، وهذا توجيه كريم، وقاعدة عظيمة، وحكمة سامقة باسقة، تجري في مواطنَ أشمل وأعمَّ من السياق الذي نزلت فيه، وهو معالجة الحالات بعد الطلاق، كما أنه توجيه لمن جمعتهم هذه العلاقة العظيمة، وهذا الميثاقُ الغليظ، وتذكيرٌ لهم بأن لا ينسوا مع مرور الزمن، وتقدم العمر، وكثرة العيال، وتعاظم المسؤوليات، ولا ينسوا الفضل الذي بناه حسنُ العشرة، وجميلُ المودة، ورداءُ الرحمة، ولطيفُ المعاملة منذ الأيام الأولى، كما أن نسيان الفضل يعني التفكك، والتجافي، والشقاق، والتباعد عن الأخلاق الكريمة، والشيم النبيلة، وحفظُ الفضل هو الذي يحافظ على تماسك الأسرة، ويحفظها -بإذن الله- من المواقف الطارئة، واللحظات العصبية.
وأشار فضيلته إلى أن في ثورة الغضب يختلطُ الحابل بالنابل، والحقُّ بالباطل، وكأن الزوجين ما عاشا سنوات من المودة، وحسن العشرة، وكأنهما لا يجمعهما بيت واحد، وكل هذا يصبح بين عشية وضحاها سرابًا هباءً، فلا الزوج يذكر الحسنات، ولا الزوجة تذكر المعروف، ولذلك نسيان الفضل سلوك مشين، إن انتشر في المجتمع أفسده، وإن فشا في الناس فرقهم. ونسيان الفضل من ضعف الإيمان. مُحذرًا الأزواج والزوجات على الصعيد ذاته من الدعوات المغرضة التي تحرض الزوجين على التمرد والتنمر، التي تنفخ في النقائص والسلبيات التي هي من طبع البشر، التي لا يسلم منها أحد كائنًا من كان. كما أن العلاقة الزوجية لا تبنى على المشاحنة والمشاحة، والصِّدامِ والخصام، ورفعِ الصوت والتشكي، والتلاوم، ولكنها تُبنى على مكارم الأخلاق والتغافل، والصبر والتحمل، والتدقيق في تفاصيل الحياة الأسرية ينغص الحياة، ويكدر العشرة، ويجعل المجالس مُرَّة، والمعيشة نكدة.
واستطرد قائلاً: الزموا حفظ كرامة البيوت، وصون العلاقة الزوجية، والتلطف والتماس أسباب الرضا، واحذروا التجسس والتحسس، وتتبع الأخطاء، وتلمس المعايب، واعلموا أن الاعتراف بالفضل يجمع القلوب، والفجور في الخصومة يمزق العلاقات، وإذا بدرت بوادر الخلاف فتذكروا المحاسن، وتغافلوا عن النقائص، ولا تنسوا الفضل بينكم، وأقرب الزوجين للتقوى هو الذي يعفو ويسامح، ولا ينسى الفضل، ولا ينسى مودة أهله، وحسن عشرتهم، والتغافل يطفئ الشرور، فالزواج رابطة، وعقد، ومودة، ورحمة، وليس انفلاتًا وضياعًا، وحرية زائفة. وبناء العلاقة الزوجية على الفضل والإحسان، وليس على المحاسبة، والمشاحة والتقصي والاستقصاء، بل اجعلوا للفضل موضعًا، ويسروا ولا تعسروا، تسامحوا ولا تدققوا. والتغافل لا يحسنه إلا الراغبون في السعادة، وكثرة العتاب تفرق الأصحاب، فالعشرة بالمعروف هي النظرُ إلى المحاسن والاحتفاءُ بها، والتغاضي عن المساوئ وسترُها.
* وفي خطبة الجمعة بالمسجد النبوي الشريف أوصى الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي المسلمين بتقوى الله وعمارة السرائر، فإنها خيرُ ما تَتَحلَّى به البواطنُ والضمائر، وإن طِيبَ البواطنِ والجوانِحِ ليتضوَّع على الألسُن والجوارح، قال جل شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا}.
وقال فضيلته: إن سيرة نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ وشمائلَه الكريمة ليست مجردَ حديثٍ عابر، أو حَدَثٍ غابر، دون أن يكون لها أثرٌ في حياة المسلم؛ فقد جعل الله تعالى نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ موضع القدوة والائتساء، كما قال سبحانه: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، مبينًا أنه تعالى حين كمّل خصاله، وجمّل خِلاله، وهيّأه لأن يكون مثالَ السمو الإنساني والكمالِ البشري، أفاض عليه أنوار تلك الرسالة الربانية، والشريعة الإلهية، فأضاءت الدنيا بذلك.
وأضاف: إن دواوين السنة والتاريخ والسِّيَر تحدثنا أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان رحمة للعالمين تسري على قَدَم، وتتمثَّلُ في إِهاب بَشَر، وأنه كان نهرًا دفّاقًا من الرأفة والرحمة والعفو وحسنِ الخُلُقِ ولِينِ الجانب، فلم يكن ـ عليه الصلاة والسلام ـ بِالفَظِّ ولا الغليظ، ولم يكن عابسَ الوجه ولا متجهِّمَ الـمُحَيَّا أو خَشِنَ القولِ والطبع، لقد كانت أخلاقه السَّمِيَّة وشمائلُه السَّنِيَّة من أعظم دلائلِ نبوتِه وصدقِ دعوتِه، وكأنما اجتمع فيه من الشمائل والفضائلِ ما تفرَّق في غيره من بني الإنسان اجتماعَ مجاري الماءِ في قَرارة الوادي.
وأوضح الدكتور الحذيفي أن من أعظم مظاهرِ فضلِ الله على هذه الأمة أن امتنَّ عليها بذلك النبي الأكرمِ ـ عليه الصلاة والسلام ـ الذي قال فيه جل شأنه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، مبينًا أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يَعَزُّ عليه ما يشُقُّ على أمتِه ويُعنِتها، يُحِبُّ منها أولها وآخرَها، وسابقَها ولاحقَها، مستشهدًا بحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتى المقبرة فقال: “السلام عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. ودِدْتُ أنا قد رأينا إخوانَنا”. قالوا: “أولسْنا إخوانَك يا رسولَ الله؟”. قال: “أنتم أصحابي، وإخوانُنا الذين لم يأتوا بعدُ”.
إن ذلك النبي الكريمَ -صلوات الله وسلامه عليه- حقيقٌ بأن يمتلئَ القلبُ بحبِّه وتوقيرِه والشوقِ إليه، وأن يلهجَ اللسانُ بكثرة الصلاة عليه.
وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن الإسلام جعل حماية الأنفس وحفظ الأرواح من أعظم المقاصد والغايات، وشرع الأسباب المؤدية لتلك المسالك، موصيًا المسلمين باتخاذ الأسباب الشرعية والصحية للمحافظة عليها، ومنها المبادرة بأخذ التحصينات واللقاحات ضد الإنفلونزا الموسمية، ولاسيما في مواطن الزحام كالحرمين الشريفين ومواسم العمرة والزيارة. والله المسؤول أن يحفظنا وإياكم والمسلمين من كل سوء وبلاء.
واختتم فضيلته الخطبة مذكرًا بأن هذا اليوم من الأيام التي تُندب فيه كثرة الصلاة والسلام على خير الخلق وسيد الأنام؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: “إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي”.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية ـ علیه الصلاة والسلام ـ

إقرأ أيضاً:

عاش نجما ومات محاربا للسرطان.. محطات في حياة فاروق الفيشاوي الذي خلد اسمه بإرث لا ينسى

حلت أمس الخميس 25 يوليو الذكرى السادسة لوفاة الفنان فاروق الفيشاوي، أحد أهم نجوم الثمانينيات، الذي حفر اسمه بحروف من ذهب، وخلد اسمه في ذاكرة الفن المصري، بأعماله الرائعة سواء بالسينما أو التلفزيون.

ورغم مرور ست سنوات على رحيل فاروق الفيشاوي، إلا أنه ترك إرثًا فنيًا وإنسانيًا خالدًا حتى الآن سواء بين زملائه أو جمهوره الواسع، الذي تابع مسيرته بتقدير ومحبة.

بداية فاروق الفيشاوي

فاروق الفيشاوي من مواليد محافظة المنوفية عام 1952، فقد وجد في نفسه حب الفن مبكرًا، إلا أنه لم يسلك الطريق الأكاديمي التقليدي فقط، بل جمع بين دراسة الطب ثم الآداب، وفي النهاية اتجه إلى معهد الفنون المسرحية، وهناك بدأت قصته الحقيقية مع التمثيل.

وكانت انطلاقة فاروق الفيشاوي في بداية السبعينيات، حيث أثبت حضوره على الشاشة، من خلال منافسة نجوم جيله في السينما والتلفزيون، وبدأ يؤدي أدوارًا تجمع بين القوة والضعف، وبين الرومانسية والتحدي، وبين السهل الممتنع والمعقد المركب.

أحلام لم تتحقق

وخلال مشواره الفني الطويل قدم الفيشاوي أكثر من 150 عملًا فنيًا بين السينما والتلفزيون والمسرح، إلا أنه كان لديه أحلام لم تتحقق، كانت أهمها، كما صرّح أكثر من مرة، رغبته في تجسيد شخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، حلم لم يتحقق، رغم حماسه الشديد له، سواء على مستوى السينما أو المسرح أو الدراما التليفزيونية.

كما كان يتمنى أكثر من مرة بالتعاون مع سيدة الشاشة العربية، فاتن حمامة في عمل فني، إلا أن القدر لم يجمع بينهما في أي عمل فني، وعبّر عن ندمه على بعض الأعمال التي شارك فيها لمجرد “المجاملة”، دون أن يحددها.

فاروق الفيشاوي يتحدث عن حبه لمزلائه لجمهوره

وخلل أحد لقاءاته التليفزيونية، صرح فاروق الفيشاوي بحبه بزملائه وجمهوه، واصفًا إياهم أنهم وقفو بجانبه، وقال: «ويمكن لو ماكنتش حسيت بالحب ده كنت هضعف، لكن محبتهم رجعتني أقوى».

أعمال فاروق الفيشاوي خالدة في ذاكرة جمهوره

وخلد فاورق الفيشاوي اسمه بتقديمه أدوارًا لا تُنسى في أعمال سينمائية مثل «المشبوه، المرأة الحديدية، التحويلة، الجاسوسة حكمت فهمي»، وغيرها، كما قدم العديد من الأعمال الدرامية التي عاش عليها جيل كامل مثل «عصفور النار، المال والبنون، علي الزيبق، وزينب والعرش».

فاروق الفيشاوي يعبر عن مواقفه السياسية

عرف عن فاروق الفيشاوي جرأته الشديدة من خلال التعبير عن مواقفه السياسية أو رؤيته لبعض القضايا، حيث لم يكن يخشى النقد، بل كان يفتح قلبه في اللقاءات، ويتحدث عن أخطائه الشخصية والاختيارات التي ندم عليها.

وخلال أحد لقاءاته التليفزيونية، أكد أنه ضد فكرة استغلال مرضى السرطان إعلاميًا بطريقة مأساوية، مشيرًا أن الأمل هو الأهم، وأن عرض صور الشفاء أفضل من تصوير المأساة.

فاروق الفيشاوي يكشف عن مرضه

على عكس كثيرين، قرر فاروق الفيشاوي أن يواجه مرض السرطان علنًا، حيث أعلن إصابته من على خشبة المسرح خلال مشاركته في مهرجان الإسكندرية السينمائي عام 2018. كان صريحًا، واضحًا، وجريئًا كما عهدناه، حين قال: «أُصبت بالسرطان، لكني سأتعامل معه وكأنه صداع».

اقرأ أيضاًفي عيد ميلاده.. قصة زواج فاروق الفيشاوي وسمية الألفي

أبرزهم فاروق الفيشاوي ومحمود عبد العزيز.. فنانون رحلوا بسبب السرطان

سمية الألفي: ليلى علوي سبب طلاقي من فاروق الفيشاوي

مقالات مشابهة

  • ما مدى نجاسة بول القطط وحكم الصلاة في المكان الذي تلوث به؟.. الإفتاء توضح
  • كان الرسول اذا اشتد عليه أمر فعل هذا العمل.. اغتنمه
  • التقوى.. تعرف على معناها وثمراتها وكيف يكون المسلم من المتقين
  • عاش نجما ومات محاربا للسرطان.. محطات في حياة فاروق الفيشاوي الذي خلد اسمه بإرث لا ينسى
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: المؤمن يعتبر بسرعة انقضاء الأيام والشهور.. واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- سبيل السعادة والفلاح
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • ما هي أحب الأعمال وأفضلها في الأشهر الحرم؟.. أستاذ حديث يرد
  • سنن يوم الجمعة.. قراءة سورة الكهف والتبكير إلى الصلاة أبرزها
  • من صور التمكين في السيرة النبوية
  • الأوقاف: إدارة الوقت لبناء شخصية المسلم الناجح موضوع خطبة الجمعة