لجريدة عمان:
2025-07-01@15:21:31 GMT

طبقاتُ الحزن المُجمد!

تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT

لطالما تجنبتُ وجوه الأمهات اللواتي فقدن أحد أبنائهن، لاسيما فـي أيام العزاء الأولى، إلا أنّي تفرستُ هذه المرّة شحوب الأمّ التي فقدت طفلتها البالغة الثالثة من عمرها غرقا فـي حوض، بينما كانت تهتمُ برضيعها الجديد. بدت لي شديدة اليأس ولم ترفع رأسها عندما انحنيتُ لتقبيلها.

شاهدتُ امرأة أخرى فـي طفولتي، تصرخُ كحيوان جريح وهي تجثو على جثة ابنها الذي قضى نحبه فـي حادث دهس، ولم أستطع تجاوز نحيبها كلما رأيتها، وهي أيضا لم تفعل.

عندما أراها أشعر بأنّها عالقة ومشوشة فـي تلك اللحظة البعيدة.

يخبرنا إرفـين د. يالوم، فـي كتابه المهم «تعرية الحبّ»، ترجمة: جوهر عبدالمولى، والصادر عن منشورات حياة، عن رفض الناس التحدث عن موت أبنائهم، يصلُ الأمر بالبعض إلى العجز عن التذكر أو الذهاب إلى النوم، بينما يُساور البعض الآخر شعور يومي بالذنب.

تظهرُ عند البعض نبرة اتهام للذات ظاهرة أو خفـية، وشعور بالخزي، ويفعلُ بعضهم كما فعلت المرأة التي دُهس ابنها «يُجمدون الحزن»، فـيُكابدون ما يسميه يالوم «الفجيعة المُزمنة»، حيث يتعاظمُ إحساسهم بالخسارة، لأنّهم لم يعتقدوا للحظة واحدة أنّ الموت سينالُ من أعزّ أحبتهم!

أتذكرُ أمّ الغريقة -ودموعها تلتهبُ على خديها المُحمرين- وهي تتحدثُ بسرد موجع عن الفستان الأخير الذي ألبسته ابنتها، وكأنّها راغبة فـي التأكيد على شيء ما.. إلا أنّ النسوة قاطعنها وطلبن منها ألا تحكي وأن تستغفر وأن تحتسبها عند الله، وقلن لها شيئا عجيبا عن الدموع التي تؤذي الموتى!

وآنذاك فكرتُ بأنّ أسوأ ما قد يحدث هو ألا نقدر على مشاركة الآخرين تلك المشاعر الكئيبة التي تُمزق دواخلنا. إذ لا يعي الكثير من الناس أنّ لكل واحد منا طريقة ما لتجاوز الحزن، يستطيع بعضنا التخطي والقفز بينما بعض آخر يتأخرُ شعوره بالخلاص، فلا شيء يُغضب الآباء والأمهات أكثر من العجز عن مساعدة أبنائهم!

من وجهة نظر يالوم يعكس الأمر رغبتنا فـي السيطرة على ما لا نستطيع السيطرة عليه، إذ إنّ عقلنا يُحدثنا طوال الوقت: هنالك ما كان ينبغي فعله ولم نفعله، فنحنُ محاطون بوهم يجعلنا نعتقد بأنّ لدينا قوة ونموا غير محدودين، وأنّ الوجود عبارة عن مسار مُعبد بالإنجازات المتصاعدة إلى الأبد، بينما ينبغي أن نكون وجها لوجه مع قصّة زوالنا المؤكدة. فالمشاعر لا تتعلقُ دائما بذلك التفسير السطحي: قوة الإيمان أو ضعفه، فهي ليست زرا يُمرر أحدنا سبابته فـيشعلها أو يُطفئها!

يذهب يالوم إلى أنّ فقد أحد الوالدين يعني أن نفقد الماضي، أمّا فقدان الأبناء فـيعني أن نفقد المستقبل، فنحنُ ننظرُ للأبناء باعتبارهم مشروع الحياة الذي يُحقق لنا شيئا من الخلود.

عندما لا تُقدم المساعدة النفسية الملائمة، ولا يُفسح المجال لإظهار الهشاشة العميقة، فإنّ الثكالى يرزحون طويلا تحت عبء التورط بالإنكار المرير، «الاستعارة التي تنطبقُ على الحزن المزمن هي الجمود، حيث يصبح الجسم مُتخشبا والوجه مشدودا، وتُعيق الأفكار الباردة والمتكررة عمل الدماغ».

يهملُ مجتمعنا والأفراد فـيه أهمية العلاج النفسي، أو على الأقل مشاركة الشريكين فـي التحدث عن الحزن الذي ألمّ بهما، لاستيعاب الخسارة والتصالح مع حتمية الموت، كيلا يبقيا حبيسا تلك البرهة التي لا تمضي إلى الأبد، وللانغماس مُجددا مع الأحياء وكل الأشياء التي تجعل للحياة معنى.

يغدو التحدث إلى المصابين بالفجيعة، مُحفزا لكل طبقة من طبقات الحزن لأن تكشف عن الأخرى وصولا إلى الصميم المُعقد. «فالمرء إذا أراد أن يتعلم كيفـية التعايش مع ذهاب الموتى، يجب عليه أولا أن يتعلم كيفـية التعايش مع الأحياء».

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

و أمرت النيابة العامة بحبس مالك السيارة المتسببة في حادث الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية لتمكينه المتهم من قيادتها رغم علمه بعدم حيازته رخصة تجيز له قيادة تلك المركبة. جاء ذلك في إطار التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في الحادث المروري المروع الذي وقع

باشرت النيابة العامة استكمال إجراءات التحقيق بسماع أقوال شهود العيان في حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية، وذوي الضحايا الذين قام سبعة منهم، إلى جانب ممثل هيئة قضايا الدولة، بالادعاء مدنيًا قبل قائد السيارة ومالكها أثناء مباشرة التحقيقات.

و أمرت النيابة العامة بحبس مالك السيارة المتسببة في حادث الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية لتمكينه المتهم من قيادتها رغم علمه بعدم حيازته رخصة تجيز له قيادة تلك المركبة.

جاء ذلك في إطار التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في الحادث المروري المروع الذي وقع أعلى الطريق الإقليمي بدائرة مركز أشمون بمحافظة المنوفية، وأسفر عن وفاة تسعة عشر مواطنًا وإصابة ثلاثة آخرين أثناء توجههم إلى أعمالهم.

وقد أسفرت التحقيقات عن ثبوت قيام مالك السيارة بتمكين المتهم مرتكب الحادث من قيادتها، رغم علمه بعدم حيازته رخصة تجيز له ذلك، الأمر الذي يشكل مخالفة لأحكام المادة (٨١ مكرر/٣) من قانون المرور. وعلى ذلك أصدرت النيابة العامة قرارها بحبس مالك السيارة احتياطيًا على ذمة التحقيقات.

وتؤكد النيابة العامة أنها مستمرة في استكمال إجراءات التحقيق، وستعلن عن نتائجها فور الانتهاء منها.

مقالات مشابهة

  • المئات يشيّعون جثامين 3 مزارعين لقوا مصرعهم اختناقًا داخل غرفة صرف صحي في الفيوم
  • نائب: بعض المستأجرين يتمسك بالشقة مغلقة من أجل ذكريات الطفولة بينما الملاك يتسولون بالشارع
  • البحر صورة أخرى للمسافة
  • شاهد بالفيديو.. شاب سوداني يجهش بالبكاء أثناء سرده قصته مع “القطة” التي كان يطعمها كل يوم وعندما تعرض لضايقة مالية ردت له الجميل وجاءته بكيس فيه أموال والجمهور يصف الواقعة بالمعجزة الإلهية
  • و أمرت النيابة العامة بحبس مالك السيارة المتسببة في حادث الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية لتمكينه المتهم من قيادتها رغم علمه بعدم حيازته رخصة تجيز له قيادة تلك المركبة. جاء ذلك في إطار التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في الحادث المروري المروع الذي وقع
  • وسط حالة من الحزن.. موارة جثمان الصحفي السوداني يوسف هندوسة بالشارقة
  • "زهرات".. الحزن
  • ناقد رياضي عن اعتزال شيكابالا: الحزن مسيطر علينا
  • مأساة في بني سويف.. مصرع طفلتين شقيقتين غرقًا في ترعة أثناء اللعب
  • وداع مهيب لفؤاد الحميري في إسطنبول.. الأديب والشاعر الذي جمع بين الكلمة والموقف