د. محمد بشاري يكتب: كيف يمكن لحكمة الشيخ زايد أن تكون بوصلة لحل أزماتنا اليوم؟
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
في الثاني من نوفمبر 2004، ودعت الأمة العربية والإسلامية قائدًا استثنائيًا وشخصية ذات حكمة وبعد نظر، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة.
كان الشيخ زايد قد رسخ من خلال قيادته نموذجًا فريدًا للتنمية والوحدة، حيث نجح في توحيد الإمارات السبع في كيان اتحادي قوي أرسى قواعد التقدم والازدهار.
واستطاع بحكمته وحنكته السياسية أن يبني نهضة شاملة شملت التعليم، الصحة، والبنية التحتية، مما جعل من الإمارات مثالًا يُحتذى به في العالم العربي والإسلامي.
تُبرز الحاجة اليوم إلى حكمة الشيخ زايد وقيادته الرشيدة في مواجهة التحديات الراهنة، فالأزمات المتشابكة والمستمرة في المنطقة تتطلب قيادة قادرة على تعزيز التضامن العربي وحل النزاعات.
وكان الشيخ زايد يؤمن بأن الوحدة والتعاون هما السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار والازدهار.
واليوم، يستمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، على نهج والده، مستلهمًا قيم التسامح والتعايش السلمي، ومرسخًا قواعد الحوار والتفاهم بين مختلف الثقافات والأديان، ومبادرًا لحلحلة الأزمات ودعم الحلول السلمية.
إحدى القضايا الملحة التي تتطلب الحكمة والرؤية البعيدة اليوم هي القضية الفلسطينية، والتي كانت محور اهتمام الشيخ زايد.
فقد كان مؤمنًا بحقوق الشعب الفلسطيني وضرورة تحقيق حل عادل وشامل للقضية. وفي هذا الإطار، يواصل الشيخ محمد بن زايد جهوده الدبلوماسية والسياسية لدعم حقوق الفلسطينيين، حيث يدعو إلى حل الدولتين كمسار لتحقيق السلام الدائم، مؤكدًا على أن الحوار هو السبيل لتحقيق العدالة وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
من جانب آخر، يواجه العالم العربي والإسلامي تحديات إنسانية جسيمة نتيجة الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة المتكررة. وكان الشيخ زايد من أوائل القادة الذين قدموا الدعم السخي للمتضررين في أنحاء العالم.
ولا يزال الشيخ محمد بن زايد يتابع نهج والده في هذا الصدد، حيث تنخرط الإمارات بشكل مستمر في تقديم الدعم الإنساني وتوفير المساعدات للمتضررين من الحروب والكوارث الطبيعية، سواء في فلسطين أو غيرها من البلدان التي تعاني من النزاعات.
ولعل الإمارات كانت دائمًا في مقدمة الدول التي بادرت بدعم المتضررين من الحروب والأزمات الإنسانية في غزة، حيث تُقدّم العون للشعب الفلسطيني لمواجهة التحديات الإنسانية المتفاقمة.
وفي مجال تعزيز التعايش والتسامح بين الأديان، أسس الشيخ زايد أسسًا راسخة على هذه المبادئ، مقتنعًا بأن السلام لا يتحقق إلا بتعزيز الحوار بين الثقافات.
وعلى خطاه، يواصل الشيخ محمد بن زايد ترسيخ هذه القيم، حيث استضافت الإمارات في عام 2019 اللقاء التاريخي بين قداسة البابا فرنسيس وفضيلة شيخ الأزهر، مما يعكس التزام الإمارات بدعم التعايش والتفاهم بين مختلف الأديان والطوائف.
في خضم التحديات الراهنة، تجلّت حكمة الشيخ زايد من جديد كقوة ملهمة لجهود الشيخ محمد بن زايد، حيث استمر على خطى والده في السعي لإيجاد حلول للقضايا المستعصية في المنطقة، وعلى رأسها ملف غزة. يقود الشيخ محمد بن زايد اليوم جهودًا دبلوماسية تهدف إلى تهدئة الأوضاع في غزة والعمل على تخفيف المعاناة الإنسانية هناك، مع تعزيز الموقف الداعم لحل الدولتين باعتباره الخيار الأمثل لتحقيق السلام الشامل.
كما يحرص الشيخ محمد بن زايد على تعزيز اللحمة العربية والإيحاء بروح الوحدة العربية، سعيًا لتحقيق التضامن العربي في مواجهة التحديات المشتركة، مؤكدًا أن الوحدة قوة.
في الختام، يظل الشيخ زايد حاضرًا في وجدان الأمة بحكمته ورؤيته التي أرسى بها دعائم الاستقرار والرخاء.
وعلى خطاه، يمضي الشيخ محمد بن زايد في مسيرة دعم السلام وتعزيز التضامن العربي، ملتزمًا بنهج والده في العمل الإنساني وتعزيز التسامح بين الأديان والدعم المستمر للقضية الفلسطينية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الشیخ محمد بن زاید الشیخ زاید
إقرأ أيضاً:
توحيدة بن الشيخ.. رائدة الطب والإنسانية في تونس والعالم العربي
برز اسم توحيدة بن الشيخ حضورا لافتا في تاريخ تونس والعالم العربي، بوصفها أول طبيبة تونسية ومغاربية، ومسيرة جمعت بين العمل الطبي والنشاط الاجتماعي، وأسهمت في تعزيز حضور المرأة في المجال الصحي، وارتبطت جهودها بقضايا الصحة العامة والتنظيم العائلي ودعم النساء والفئات الهشة.
اختيرت الطبيبة التونسية توحيدة بن الشيخ بوصفها شخصية رئيسية على الورقة النقدية الجديدة من فئة عشرة دنانير تونسية، التي أصدرها البنك المركزي التونسي في 27 آذار/مارس 2020، تكريما لإسهاماتها البارزة في الطب والصحة العامة.
ويعكس وضع صورتها على العملة تقديرا لدورها الريادي في طب النساء والتوليد والتنظيم العائلي. ولم تكن أول امرأة تظهر على عملة تونسية، إذ سبقتها الفنانة أنيسة لطفي في سبعينيات القرن الماضي.
احتفاء غوغل بإرثها
احتفل غوغل بتوحيدة بن الشيخ عبر رسم خاص “دوودل” في 27 آذار/مارس 2021، تزامنا مع الذكرى السنوية الأولى لإصدار الورقة النقدية التي تحمل صورتها، مشيدا بمسيرتها بوصفها طبيبة وناشطة نسوية تركت أثرا عميقا في المجتمع.
توثيق سينمائي لمسيرتها
شهدت دار الثقافة ابن رشيق في قلب العاصمة التونسية، يوم 5 كانون الأول/ديسمبر 2013، العرض الأول للفيلم الوثائقي “نضال حكيمة”، الذي يروي قصة حياة ونضال توحيدة بن الشيخ، تكريما لمكانتها واعترافا بإسهامها في النهوض بالمرأة التونسية والعربية.
النشأة والتعليم
ولدت توحيدة بن الشيخ في 2 كانون الثاني/يناير 1909 بمنطقة رأس الجبل التابعة لمحافظة بنزرت شمال العاصمة. نشأت في كنف عائلة ميسورة الحال، فوالدتها من عائلة بن عمار، إحدى العائلات التونسية الثرية والمناضلة، وكان خالها الطاهر بن عمار من أبرز الشخصيات في مسيرة استقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي، ووقع قرار الاستقلال مع فرنسا في 20 مارس 1920.
بعد وفاة والدها، تكفلت والدتها بتربيتها مع شقيقيها، وحرصت على تعليمهم دون تمييز، وحصلت توحيدة على الشهادة الابتدائية عام 1922، ثم تابعت دراستها الثانوية في معهد “أرمان فاليار” بتونس العاصمة، لتنال شهادة الثانوية العامة عام 1928، وتكون بذلك أول تلميذة تونسية مسلمة تحصل عليها.
الدراسة الجامعية وبداية المسار الطبي
توجهت بعدها إلى فرنسا لمواصلة تعليمها الجامعي في الطب، وبعد ثلاث سنوات من الإقامة بالحي الدولي للطالبات، انتقلت للعيش مع عائلة الطبيب والباحث الفرنسي بورني بمعهد باستور بتونس، ما أتاح لها التعرف على الأوساط الثقافية والعلمية الفرنسية.
تخرجت عام 1936 من كلية الطب في باريس، وناقشت في السنة الموالية رسالة الدكتوراه، ثم عادت إلى تونس حاملة شهادتها، لتصبح أول طبيبة تونسية وأول طبيبة في العالم العربي، وافتتحت عيادتها الخاصة، التي تحولت في تلك الفترة إلى مقصد لضعاف الحال، حيث كانت تكشف عليهم مجانا.
الريادة في طب النساء والتنظيم العائلي
واختصت توحيدة بن الشيخ في طب النساء والتوليد، وكانت من أوائل المساهمات في إطلاق تجربة التنظيم العائلي في تونس، وتولت عديد المناصب الإدارية، فأنشأت عام 1963 قسما مختصا في إجراءات التنظيم العائلي بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة.
كما أدارت قسم التوليد وطب الرضيع بالمستشفى نفسه بين عامي 1955 و1964، ثم تولت رئاسة قسم التوليد وطب الرضيع بمستشفى عزيزة عثمانة، وفي عام 1970 أصبحت مديرة الديوان الوطني للتنظيم العائلي.
النشاط الاجتماعي والإنساني
تقاعدت توحيدة بن الشيخ عام 1977 بسبب تقدمها في السن، لكنها واصلت نشاطها الإنساني والاجتماعي، وشاركت في عدد من الجمعيات في تونس وفرنسا، من بينها جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين بفرنسا، ودعيت لإلقاء كلمة في مؤتمر اتحاد النساء الفرنسيات تناولت فيها أوضاع المرأة المسلمة في المستعمرات الفرنسية.
وفي تونس، نشطت في الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي، وأسست جمعية الإسعاف الاجتماعي وتولت رئاستها خلال الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939 و1945، وكانت هذه الجمعية وراء مشروع إقامة دار الأيتام ودار المرأة عام 1950.
مبادرات رائدة في رعاية الطفولة
أسست عام 1950 جمعية القماطة التونسية للعناية برضع العائلات المعوزة، وتهدف إلى توعية الأمهات وتثقيفهن صحيا، كما شغلت منصب نائب رئيس الهلال الأحمر التونسي، وساهمت في تأسيس لجنة الإسعاف الوطني التونسية، وأصبحت عام 1958 عضوا في عمادة الأطباء التونسيين.
حضور إعلامي وصحفي
إلى جانب عملها الطبي، شاركت توحيدة بن الشيخ في العمل الصحفي، إذ كتبت في مجلة “ليلى” الأسبوعية، أول مجلة نسائية تونسية باللغة الفرنسية، وتولت إدارتها عام 1937، وبرزت كقلم مؤثر من خلال مقالات جذبت العديد من النساء المتعلمات آنذاك، قبل أن تتحول المجلة إلى جريدة.
طبيبة الفقراء
في زمن كان التألق في الميدان الطبي والعمل الجمعياتي صعبا حتى على الرجال، عرفت توحيدة بن الشيخ بعلمها الغزير وإنسانيتها الواسعة، وكانت تعالج الصغار والكبار مجانا في مناطق باب الجديد وباب منارة بالعاصمة، حتى عرفت في الذاكرة الشعبية التونسية بلقب "الطبيبة إلّي داوي بلاش فلوس".
الدفاع عن الحقوق ومقاومة الانتهاكات
انخرطت في لجنة الدفاع عن الحقوق في تونس إلى جانب عدد من المناضلين السياسيين، وناهضت قضايا اجتماعية عدة، من بينها التنظيم العائلي والزواج المبكر.
كما تركت بصمتها في جمعية الإغاثة بعد الحرب العالمية الثانية، وشاركت في مقاومة عملية التمشيط التي نفذها الجنرال “غرباي” في الوطن القبلي خلال خمسينيات القرن الماضي، والتي تعرضت خلالها فتيات لعمليات اغتصاب.
الرحيل والإرث
توفيت توحيدة بن الشيخ في 6 كانون الأول/ديسمبر 2010 عن عمر ناهز 101 سنة، وبرحيلها كانت قد فتحت الطريق أمام المرأة التونسية والعربية لإثبات كفاءتها في مجال الطب والتعليم والعمل الإنساني، ورسخت نموذجا يؤكد قدرة المرأة على الدفاع عن حقوقها وحقوق مجتمعها في بيئات اجتماعية صعبة.