الخليج الجديد:
2025-05-11@13:55:44 GMT

أمريكا و«موسيقى الجاز» في السياسة

تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT

أمريكا و«موسيقى الجاز» في السياسة

أمريكا و«موسيقى الجاز» في السياسة

الحزب الديمقراطي في عهد بايدن نجح في «وأد نجاح» الجناح التقدمي للحزب «وتحويله إلى ديكور مفيد».

حين يكون الترشح لانتخابات الرئاسة لا يهدف للفوز بالمنصب بل لتحقيق أهداف عامة، تصبح الحملة الانتخابية هي الهدف لا الوسيلة، ويغدو المقصد نبيلاً.

أعلن كورنيل ويست، الأكاديمى البارز، أستاذ الفلسفة والأديان بجامعة برنستون، ومن أهم المفكرين الأمريكيين المعاصرين ترشحه للرئاسة 2024 عن حزب الخُضر.

بحسب كورنيل ويست «يستحيل مواجهة الفاشية عبر تبني النيوليبرالية» التي أضرت بالفئات الأقل حظاً فالنيوليبرالية عنده «قد تعطل الفاشية ولكنها لا تقضي عليها».

أولويات كورنيل ويست السياسية ثابتة باختلاف المراحل، إذ يولي مصالح الطبقة العاملة والفقراء من كل الأعراق والإثنيات اهتمامه الأول ويدعم حقوق الفلسطينيين.

القوانين الأمريكية منحازة للحزبين ضد الأحزاب الأصغر، لأن من يكتبها ويقرها أعضاء الكونغرس المنتمون للحزبين وهي تشريعات تحمي استمرار نظام الحزبين واحتكار السلطة.

وصف ويست نفسه بأنه «رجل موسيقى الجاز في السياسة»؛ نشأت موسيقى الجاز في أوساط سود أمريكا، وتقوم على الارتجال وهو يرى أن الارتجال تفرضه السياسة كما فرضته العنصرية على موسيقى السود.

* * *

حين يكون الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية لا يهدف للفوز بالمنصب وإنما لتحقيق أهداف عامة، تصبح الحملة الانتخابية في ذاتها هي الهدف لا الوسيلة، ويغدو المقصد نبيلاً وبعيداً عن المصلحة الشخصية.

وكثيراً ما يصدق ذلك على من يترشحون من خارج الحزبين الكبيرين، الديمقراطي والجمهوري، سواء كمستقلين أو تحت رايات أحزاب صغيرة ففوز هؤلاء المرشحين يقيناً في حكم المستحيل.

إذ إن القوانين الأمريكية منحازة للحزبين على حساب الأحزاب الأصغر، لسبب بسيط هو أن من يكتب تلك القوانين ويوافق عليها هم أعضاء الكونغرس المنتمون لهذين الحزبين، أي يكتبون تشريعات تحمي مصلحتهم في استمرار نظام الحزبين واحتكار السلطة.

ولعل هذا هو السبب وراء ترشح بعضهم من خارج الحزبين من أجل تقليل حجم الضرر الذي يلحق بالمواطن الأمريكي العادي من استمرار نظام الحزبين فبترشحهم يطرحون قضايا مهمة يتجاهلها الحزبان وهو ما يعني إجبار مرشحَيهما على تناول تلك القضايا.

فمثلا، حين ترشح روس بيرو في التسعينيات، وأصر على طرح قضية عجز الموازنة التي تجاهلها الحزبان وقتها، أجبر كل من بيل كلينتون وبوش الأب على طرح القضية ثم حين فاز كلينتون، اضطر لمعالجة العجز في فترة حكمه الأولى.

وفي عام انتخابات الرئاسة المقبل، ينتظر أن تشهد أمريكا حملة من هذا النوع ستكون في تقديري أكثر إحراجاً لمترشحَي الحزبين الكبيرين فقد أعلن كورنيل ويست، الأكاديمى البارز، ترشحه للرئاسة 2024 عن حزب الخُضر.

كورنيل ويست، أستاذ الفلسفة والأديان، من أهم المفكرين الأمريكيين المعاصرين فرغم انتمائه لواحدة من جامعات القمة، جامعة برنستون، رفض دوماً أن يحبس نفسه داخل أسوار الجامعة، وهو صاحب رؤية نقدية ثاقبة لقضايا بلاده فالأستاذ الجامعي، عنده، يستحيل أن يؤدي دوره لو ظل «حبيس جدران الجامعة».

يُدرّس كورنيل ويست الأديان، ويقوم بالوعظ أحياناً، وإن كان تأثر بالفلسفتين الماركسية والبراغماتية، وهو من الأكاديميين القلائل الذي تفاعلوا مع الثقافة الشعبية وخصوصاً ثقافة «هيب هوب»!

وهو المفكر الأسود الذي لا يتورع عن توجيه الانتقادات اللاذعة لرموز سوداء مهمة فهو وجه انتقادات لاذعة لوزيري الخارجية السابقين كولين باول وكوندوليزا رايس. ورغم أنه كان من أهم داعمي باراك أوباما في حملته الرئاسية الأولى في سنة 2008، فقد صار لاحقاً من أكثر ناقديه شراسة.

وحين ترشح بايدن ضد ترامب في سنة 2020، لم يتورع كورنيل ويست عن تأييد الأول رغم أن سياساته تماثل سياسات أوباما الذي انتقده في ما سبق، لكنه عدّ أن خطر ترامب يلزم معه دعم بايدن. وبعدما وقف خلف بايدن منذ أعوام، إذا به يتخذ قراراً بالترشح أمامه هذا العام.

ورغم أن مواقف ويست تلك قد تبدو متناقضة إلا أنها في الحقيقة تمثل مرونة تقتضيها تناقضات الحالة السياسية الأمريكية ذاتها وهو وصف نفسه ذات مرة بأنه «رجل موسيقى الجاز في السياسة» فموسيقى الجاز، التي نشأت في أوساط سود أمريكا، تقوم على الارتجال وهو يرى أن الارتجال تفرضه السياسة كما فرضته العنصرية على موسيقى السود.

ومن يبحث عن الاتساق في مواقف الرجل فما عليه إلا أن يتتبع أولوياته السياسية فيجدها ثابتة باختلاف المراحل السياسية، إذ يولي مصالح الطبقة العاملة والفقراء من كل الأعراق والإثنيات اهتمامه الأول.

لقد شرح، على سبيل المثال، قراره بالترشح العام الحالي، بأن وراءه قناعة بأن الحزب الديمقراطي في عهد بايدن نجح في «وأد نجاح» الجناح التقدمي للحزب «وتحويله إلى ديكور مفيد». ويوجه ويست كلماته لبايدن قائلاً: «يستحيل أن تواجه الفاشية عبر تبني النيوليبرالية» التي أضرت بالفئات الأقل حظاً فالنيوليبرالية عنده «قد تعطل الفاشية ولكنها لا تقضي عليها».

وفي السياسة الخارجية، يعارض ويست السياسات الإمبراطورية الأمريكية، فرغم رفضه غزو روسيا لأوكرانيا، فإنه لا يتجاهل سيادة روسيا ومصالحها ففي موقفه من تمدد حلف ناتو شرقاً، استخدم تشبيهاً صادماً للأمريكيين فقال «لو أن هناك صواريخ وضعتها روسيا في كندا على الحدود الأمريكية، لكانت أمريكا قد سوّت كندا بالأرض».

ودعم كورنيل ويست لحقوق الفلسطينيين من شأنه أن يضع القضية على أجندة الانتخابات ولكن الأمر لا يخلو من مفارقة فلأن الأصوات التي ستذهب لويست ستحسم من أصوات بايدن، فإن ترشحه قد يؤدي لعودة ترامب إلى البيت الأبيض!

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي

المصدر | البيان

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا موسيقى الجاز حقوق الفلسطينيين فی السیاسة

إقرأ أيضاً:

السياسة والحكم في النُّظم التسلطية لسفوليك.. مقاربة لفهم آليات البقاء والصراع

يعد كتاب "السياسة والحكم في النُّظم التسلطية" لميلان دبليو سفوليك من الأعمال الأكاديمية البارزة التي أسهمت في تطوير حقل دراسات السلطوية، وذلك من خلال تقديمه إطارا نظريا تحليليا شاملا لفهم طبيعة الحكم السلطوي وآليات عمله الداخلية والخارجية، وقد صدر الكتاب عام 2012 باللغة الإنجليزية، ونقلته إلى العربية الأستاذة عومرية سلطاني بترجمة علمية دقيقة صدرت حديثا عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

يرتكز سفوليك في أطروحته الأساسية على أن السياسة في الأنظمة السلطوية تدور حول صراعين متوازيين: أولهما بين الحاكم والمحكومين، وهو ما يسميه بـ"مشكلة السيطرة التسلطية"، وثانيهما بين الحاكم والنخب التي تشاركه السلطة، وسماها بـ"مشكلة التقاسم التسلطي للسلطة". ويرى المؤلف أن هذين الصراعين يشكلان جوهر السياسة السلطوية، وأن فهم آليات حلهما يفضي إلى تفسير بنية النظام واستقراره وتحولاته.

وصدرت عن "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" ترجمة كتاب "السياسة والحكم في النظم التسلّطية" لميلان دبليو سفوليك، في 320 صفحة، وقامت بالترجمة الأستاذة عومرية سلطاني. وصارت متوفرة في مكتبتي الشبكة العربية في بيروت واسطنبول. pic.twitter.com/UNNvmp2mYN

— الشبكة العربية (@NetworkArab) April 27, 2025

صراعات الأنظمة السلطوية

وتتعلق "مشكلة السيطرة التسلطية" بطريقة فرض النظام لسلطته على المجتمع وضبط الجماهير، في حين تتعلق مشكلة "التقاسم التسلطي للسلطات" بتوازن القوى داخل النخبة الحاكمة، وطريقة إدارة الصراعات الكامنة فيما بينها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مؤتمر الدوحة يسأل: هل الاستشراق الجديد امتداد أم قطيعة؟list 2 of 2"مؤسسة التصوف".. كتاب جديد يضيء الوجه الاجتماعي والاقتصادي للمتصوفين الإسلاميينend of list إعلان

وفيما يخص مشكلة السيطرة التسلطية يرى سفوليك أن الحاكم المتسلط يلجأ إلى أداتين أساسيتين لمواجهة التهديدات المنبعثة من القاعدة الشعبية، وهما: القمع والاستمالة، حيث يمثل القمع الاستخدام المباشر للعنف، أو التهديد به، لإسكات المعارضة وتحييد التهديدات المجتمعية، ويشمل هذا القمع طيفا واسعا من الممارسات، تبدأ بالرقابة وتنتهي بالتصفيات الجسدية، في حين تقوم الاستمالة على إدماج النخب والشرائح الاجتماعية في بنية النظام، سواء أكان ذلك من خلال الامتيازات المادية أو المناصب السياسية أو خلق مؤسسات تمثيلية شكلية، وتُستخدم هذه الأداة لتفكيك الحركات المعارضة واستباق اندلاع التوترات، غير أن كلفتها الاقتصادية والسياسية قد تكون باهظة، كما أنها قد تفضي إلى إضعاف قبضة النظام على المدى البعيد.

وفيما يتعلق بالمشكلة الثانية "مشكلة التقاسم التسلطي السلطة"، يركز سفوليك على أن النُّظم التسلطية لا تواجه فقط تهديدات من المجتمع، بل من داخلها أيضا، خاصة من النخب التي يتقاسم معها الحاكم السلطة، وفي ظل غياب سلطة محايدة تضمن الالتزام بالاتفاقات الداخلية، تصبح الانقلابات والعنف وسيلتين حاكمتين لحل النزاعات داخل النخبة. وللتحكم في هذه المعضلة، تتبع الأنظمة التسلطية 3 إستراتيجيات رئيسة:

أولا: مراكمة السلطة الشخصية، وهي محاولة الزعيم المركزي تقليص نفوذ شركائه تدريجيا، واحتكار أدوات القمع والقرار السياسي، وتعزز هذه الصيغة استقرار النظام على المدى القصير، غير أنها تجعله هشا ومفرط الاعتماد على شخصية الحاكم، ومن أبرز الأمثلة على هذه الإستراتيجية: حافظ الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق. ثانيا: إرساء مؤسسات حاكمة شكلية أو جزئية تسمح بدرجات من التمثيل المؤسسي للنخبة دون تهديد لهيمنة الحاكم، وهي إستراتيجية تتيح توزيعا محدودا للسلطة يقي من تفجر الصراعات، كما في تجربة الحزب الشيوعي الصيني أو الحزب الثوري المؤسساتي في المكسيك. ثالثا: إدارة العلاقة مع النخب من خلال التهديد المتبادل، أي عن طريق التوازن الدقيق بين قدرة الزعيم على قمع النخب، وقدرة النخب على الإطاحة به، وهذا ما يفرض حالة من الردع المتبادل تحفظ استقرار النظام. إعلان

ما يميز رؤية الكاتب للنظم التسلطية رفضه للتصنيفات السائدة التي تعتمد على نماذج مثالية للنظم التسلطية، من مثل النظام العسكري، أو نظام الحزب الواحد، أو النظام الشخصاني، حيث يرى سفوليك أن مثل هذه التصنيفات البسيطة تتجاهل الطبيعة المتداخلة المعقدة للأنظمة السلطوية، إذ قد يجمع النظام الواحد في الغالب بين سمات متعددة، فمثلا، النظام السوري في عهد حافظ الأسد وابنه بشار، هو نظام عسكري، ونظام حزب واحد، ونظام شخصاني في آن معا.

ما بواعث السياسة في الدكتاتوريات؟ يحاج ميلان دبليو سفوليك بأن جل النظم التسلطية عليها أن تحلّ صراعين أساسيين
أولهما أنّ الدكتاتوريين يواجهون تهديدات من الجماهير التي يحكمون وتلك مشكلة السيطرة التسلطية. وثانيهما منفصل عن الأول وينشأ من النخب التي يحكم معها الدكتاتوريون#صدر_حديثا pic.twitter.com/luh3PlF5vt

— الشبكة العربية (@NetworkArab) May 5, 2025

مقاربة تحليلية

وسعيا من سفوليك للتغلب على محدودية النماذج النمطية، يقترح مقاربة تحليلية تعتمد على 4 معايير يمكن قياسها كميا:

درجة تدخل الجيش في السياسة. طبيعة القيود المفروضة على الأحزاب السياسية. طريقة اختيار السلطة التشريعية. طريقة اختيار السلطة التنفيذية.

ومن القضايا اللافتة التي ناقشها سفوليك في هذا السياق العلاقة بين السلطوية والديمقراطية، حيث يرفض النظر إليهما على أنهما طرفا نقيض على سلسلة أو طيف واحد، فهو يؤكد أن الفرق بين النظامين ليس فرق درجة، بل فرقا نوعيا، يتمثل أساسا في غياب سلطة محايدة تفرض احترام القواعد المتفق عليها، وتكريس مبدأ العنف بوصفه أداة سياسية مشروعة في السلطوية.

ويرى سفوليك أنه يمكن -من خلال هذه المعايير الأربعة- تصنيف النُّظم السلطوية بدقة أكبر، حيث يتم وضع كل نظام على سلسلة متصلة أو طيف تحليلي يتراوح بين درجة أدنى وأعلى في كل معيار من هذه المعايير. ويستند هذا التحليل إلى قاعدة بيانات واسعة شملت كل نظام سلطوي استمر ليوم واحد على الأقل بين عامي 1946 و2008.

إعلان

ويبين سفوليك من خلال استخدامه نظرية الألعاب أو نظرية اللعبة -وهي فرع في التحليل الرياضي، له تطبيقات في العلوم الاجتماعية وعلم السياسة والاقتصاد، يدرس طريقة اتخاذ القرارات في المواقف التي يكون فيها عدد من الأطراف يتفاعلون معا ويحاول كل منهم تعظيم مكاسبه مع توقع تصرفات الآخرين، كيف يتخذ الفاعلون السياسيون في النظم السلطوية قراراتهم بناء على توقعاتهم لسلوك الآخرين، في ظل غياب سلطة محايدة تضمن تنفيذ الاتفاقات، ويصبح العنف في هذه الحالة الحكم النهائي والمرجع لحسم النزاعات، الأمر الذي يضفي على السياسة السلطوية طابعا هشا وعنيفا.

يعتمد سفوليك في تحليله على أدوات نظرية الألعاب لفهم الخيارات الإستراتيجية للحاكم والنخبة والمعارضة في بيئة لا يحكمها قانون مستقل أو قواعد مؤسسية راسخة، بل تهديد دائم باستخدام العنف، وتظهر تحليلاته أن الطريقة التي يعالج بها النظام هاتين المعضلتين، السيطرة والتقاسم، تحدد شكل الحكم السلطوي، ودرجة استقراره، وإمكانية تحوله أو انهياره.

في ضوء الثورات التي اجتاحت العالم العربي يعتبر المؤلف أن سقوط رأس النظام لا يعني بالضرورة انهيار النظام السلطوي بأكمله (رويترز) النُّظم السلطوية ومآلاتها

ويستعرض سفوليك عدة سيناريوهات لتفاعل هذه التوترات:

في حين ينجح الزعيم في مراكمة سلطاته إلى الحد الذي لا تملك فيه النخب القدرة على مقاومته، يتحول النظام إلى أوتوقراطية شخصوية، كما حدث في حالة صدام حسين بالعراق، أو حافظ الأسد في سوريا.

وفي حال الوصول إلى تسوية مؤسسية بين الزعيم والنخب، فإن النظام يصبح أكثر استقرارا، كما في الصين المعاصرة أو المكسيك في عهد الحزب الثوري المؤسسي.

وقد أسهم هذا الإطار النظري في تفسير تنوع النُّظم السلطوية ومآلاتها، كما وفر أدوات تحليلية لفهم طرائق انهيار بعضها وأسباب ذلك، وطرائق وأسباب بقاء بعضها الآخر، ويؤكد سفوليك أن بناء مؤسسات داخل النظام السلطوي لا يعكس بالضرورة نية للتحول الديمقراطي، بل قد يكون آلية لإدارة الصراعات الداخلية وتحقيق الاستقرار دون التنازل عن احتكار السلطة.

إعلان

وفي ضوء الثورات التي اجتاحت العالم العربي عام 2011، يسلط المؤلف الضوء على مسألة في غاية من الأهمية، ينبغي التنبه لها وهي تأثير الماضي السلطوي الطويل على فرص التحول الديمقراطي، ويوضح أن مؤسسات الحكم السلطوي تخلف إرثا ثقيلا من الممارسات والقيود والهياكل التي لا تزول بزوال الحاكم فقط، لذا فإن سقوط رأس النظام لا يعني بالضرورة انهيار النظام السلطوي بأكمله، وهو ما تجسد في تجارب مثل مصر وتونس بعد الربيع العربي، حيث أعاقت القوى المتجذرة في الدولة إمكانية الانتقال السلس إلى الديمقراطية.

ويرى سفوليك أن ثورات الربيع العربي لا يمكن فهمها فقط بوصفها تعبيرا عن إرادة شعبية تسعى للتغيير، بل ينبغي تحليلها أيضا بعدّها اختبارا حاسما لبنية الأنظمة الداخلية السلطوية ذاتها، فكل نظام سلطوي واجه هذه الانتفاضات كشف عن مدى قدرته المؤسسية على مقاومة الصدمات السياسية، وعلى هذا يعلل سفوليك تباين نتائج الثورات بين الدول -من انهيار سريع للأنظمة كما في تونس، إلى صمود دام طويلا كما في سوريا– بناء على مدى تماسك المؤسسات السلطوية داخل كل نظام، وليس فقط بمدى حدة المعارضة أو مطالب الجماهير، فالتحول أو الثبات، في هذا المنظور، يعتمد على الترتيبات الداخلية للنظام أكثر من أنه نتيجة مباشرة لغضب شعبي.

وعلى إحكام البنية النظرية التي يقدمها سفوليك في أطروحته، فإن بعض الباحثين في مجال السياسة يشيرون إلى محدودية الكتاب لقصوره عن التفاعل مع العوامل الاقتصادية والاجتماعية، من مثل دور الطبقات، والدين، والاقتصاد السياسي، والحركات الاجتماعية، فضلا عن أن التركيز على النخب ودوائر السلطة قد يغفل ديناميات المقاومة المجتمعية من أسفل.

لكن تبقى مساهمة سفوليك بالغة الأهمية، إذ إنها قدمت نموذجا علميا دقيقا لتحليل السلطوية، مدعوما ببيانات تجريبية وشواهد تاريخية، الأمر الذي يجعل هذا العمل مرجعا لا غنى عنه للباحثين في العلوم السياسية والدراسات المقارنة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • هل ستملي دول الخليج على ترامب شكل السياسة الخارجية؟
  • ترامب يزور الشرق الأوسط وعينه على بعض من السياسة وكثير من المصالح
  • نائبة رئيس وزراء كوسوفو: دور كبير للمملكة في السياسة الدولية
  • خالد حماد يحصد جائزة أحسن موسيقى تصويريةعن فيلم الفستان الأبيض
  • مصر أكتوبر: الرئيس السيسي يرسخ مكانة مصر في السياسة الدولية
  • برلمانية: السياسة المصرية الخارجية متوازنة مع كل القوى العالمية
  • القبض على مدرس موسيقى تحرش بطالباته
  • السياسة والحكم في النُّظم التسلطية لسفوليك.. مقاربة لفهم آليات البقاء والصراع
  • أخبار العالم | بايدن: أتحمل مسؤولية فوز ترامب بالرئاسة.. الرئيس الأمريكي يدرس خفض التعريفات الجمركية على الصين.. وهجمات جوية متبادلة بين الهند وباكستان
  • بايدن: أتحمل مسؤولية فوز ترامب برئاسة أمريكا