أمريكا و«موسيقى الجاز» في السياسة
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
أمريكا و«موسيقى الجاز» في السياسة
الحزب الديمقراطي في عهد بايدن نجح في «وأد نجاح» الجناح التقدمي للحزب «وتحويله إلى ديكور مفيد».
حين يكون الترشح لانتخابات الرئاسة لا يهدف للفوز بالمنصب بل لتحقيق أهداف عامة، تصبح الحملة الانتخابية هي الهدف لا الوسيلة، ويغدو المقصد نبيلاً.
أعلن كورنيل ويست، الأكاديمى البارز، أستاذ الفلسفة والأديان بجامعة برنستون، ومن أهم المفكرين الأمريكيين المعاصرين ترشحه للرئاسة 2024 عن حزب الخُضر.
بحسب كورنيل ويست «يستحيل مواجهة الفاشية عبر تبني النيوليبرالية» التي أضرت بالفئات الأقل حظاً فالنيوليبرالية عنده «قد تعطل الفاشية ولكنها لا تقضي عليها».
أولويات كورنيل ويست السياسية ثابتة باختلاف المراحل، إذ يولي مصالح الطبقة العاملة والفقراء من كل الأعراق والإثنيات اهتمامه الأول ويدعم حقوق الفلسطينيين.
القوانين الأمريكية منحازة للحزبين ضد الأحزاب الأصغر، لأن من يكتبها ويقرها أعضاء الكونغرس المنتمون للحزبين وهي تشريعات تحمي استمرار نظام الحزبين واحتكار السلطة.
وصف ويست نفسه بأنه «رجل موسيقى الجاز في السياسة»؛ نشأت موسيقى الجاز في أوساط سود أمريكا، وتقوم على الارتجال وهو يرى أن الارتجال تفرضه السياسة كما فرضته العنصرية على موسيقى السود.
* * *
حين يكون الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية لا يهدف للفوز بالمنصب وإنما لتحقيق أهداف عامة، تصبح الحملة الانتخابية في ذاتها هي الهدف لا الوسيلة، ويغدو المقصد نبيلاً وبعيداً عن المصلحة الشخصية.
وكثيراً ما يصدق ذلك على من يترشحون من خارج الحزبين الكبيرين، الديمقراطي والجمهوري، سواء كمستقلين أو تحت رايات أحزاب صغيرة ففوز هؤلاء المرشحين يقيناً في حكم المستحيل.
إذ إن القوانين الأمريكية منحازة للحزبين على حساب الأحزاب الأصغر، لسبب بسيط هو أن من يكتب تلك القوانين ويوافق عليها هم أعضاء الكونغرس المنتمون لهذين الحزبين، أي يكتبون تشريعات تحمي مصلحتهم في استمرار نظام الحزبين واحتكار السلطة.
ولعل هذا هو السبب وراء ترشح بعضهم من خارج الحزبين من أجل تقليل حجم الضرر الذي يلحق بالمواطن الأمريكي العادي من استمرار نظام الحزبين فبترشحهم يطرحون قضايا مهمة يتجاهلها الحزبان وهو ما يعني إجبار مرشحَيهما على تناول تلك القضايا.
فمثلا، حين ترشح روس بيرو في التسعينيات، وأصر على طرح قضية عجز الموازنة التي تجاهلها الحزبان وقتها، أجبر كل من بيل كلينتون وبوش الأب على طرح القضية ثم حين فاز كلينتون، اضطر لمعالجة العجز في فترة حكمه الأولى.
وفي عام انتخابات الرئاسة المقبل، ينتظر أن تشهد أمريكا حملة من هذا النوع ستكون في تقديري أكثر إحراجاً لمترشحَي الحزبين الكبيرين فقد أعلن كورنيل ويست، الأكاديمى البارز، ترشحه للرئاسة 2024 عن حزب الخُضر.
كورنيل ويست، أستاذ الفلسفة والأديان، من أهم المفكرين الأمريكيين المعاصرين فرغم انتمائه لواحدة من جامعات القمة، جامعة برنستون، رفض دوماً أن يحبس نفسه داخل أسوار الجامعة، وهو صاحب رؤية نقدية ثاقبة لقضايا بلاده فالأستاذ الجامعي، عنده، يستحيل أن يؤدي دوره لو ظل «حبيس جدران الجامعة».
يُدرّس كورنيل ويست الأديان، ويقوم بالوعظ أحياناً، وإن كان تأثر بالفلسفتين الماركسية والبراغماتية، وهو من الأكاديميين القلائل الذي تفاعلوا مع الثقافة الشعبية وخصوصاً ثقافة «هيب هوب»!
وهو المفكر الأسود الذي لا يتورع عن توجيه الانتقادات اللاذعة لرموز سوداء مهمة فهو وجه انتقادات لاذعة لوزيري الخارجية السابقين كولين باول وكوندوليزا رايس. ورغم أنه كان من أهم داعمي باراك أوباما في حملته الرئاسية الأولى في سنة 2008، فقد صار لاحقاً من أكثر ناقديه شراسة.
وحين ترشح بايدن ضد ترامب في سنة 2020، لم يتورع كورنيل ويست عن تأييد الأول رغم أن سياساته تماثل سياسات أوباما الذي انتقده في ما سبق، لكنه عدّ أن خطر ترامب يلزم معه دعم بايدن. وبعدما وقف خلف بايدن منذ أعوام، إذا به يتخذ قراراً بالترشح أمامه هذا العام.
ورغم أن مواقف ويست تلك قد تبدو متناقضة إلا أنها في الحقيقة تمثل مرونة تقتضيها تناقضات الحالة السياسية الأمريكية ذاتها وهو وصف نفسه ذات مرة بأنه «رجل موسيقى الجاز في السياسة» فموسيقى الجاز، التي نشأت في أوساط سود أمريكا، تقوم على الارتجال وهو يرى أن الارتجال تفرضه السياسة كما فرضته العنصرية على موسيقى السود.
ومن يبحث عن الاتساق في مواقف الرجل فما عليه إلا أن يتتبع أولوياته السياسية فيجدها ثابتة باختلاف المراحل السياسية، إذ يولي مصالح الطبقة العاملة والفقراء من كل الأعراق والإثنيات اهتمامه الأول.
لقد شرح، على سبيل المثال، قراره بالترشح العام الحالي، بأن وراءه قناعة بأن الحزب الديمقراطي في عهد بايدن نجح في «وأد نجاح» الجناح التقدمي للحزب «وتحويله إلى ديكور مفيد». ويوجه ويست كلماته لبايدن قائلاً: «يستحيل أن تواجه الفاشية عبر تبني النيوليبرالية» التي أضرت بالفئات الأقل حظاً فالنيوليبرالية عنده «قد تعطل الفاشية ولكنها لا تقضي عليها».
وفي السياسة الخارجية، يعارض ويست السياسات الإمبراطورية الأمريكية، فرغم رفضه غزو روسيا لأوكرانيا، فإنه لا يتجاهل سيادة روسيا ومصالحها ففي موقفه من تمدد حلف ناتو شرقاً، استخدم تشبيهاً صادماً للأمريكيين فقال «لو أن هناك صواريخ وضعتها روسيا في كندا على الحدود الأمريكية، لكانت أمريكا قد سوّت كندا بالأرض».
ودعم كورنيل ويست لحقوق الفلسطينيين من شأنه أن يضع القضية على أجندة الانتخابات ولكن الأمر لا يخلو من مفارقة فلأن الأصوات التي ستذهب لويست ستحسم من أصوات بايدن، فإن ترشحه قد يؤدي لعودة ترامب إلى البيت الأبيض!
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي
المصدر | البيانالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا موسيقى الجاز حقوق الفلسطينيين فی السیاسة
إقرأ أيضاً:
ترامب يطعن في توقيعات بايدن النعسان عبر القلم الآلي.. فما هو هذا الجهاز؟
القلم الآلي، أو Autopen، جهاز ميكانيكي قديم يعود تسجيل اختراعه إلى عام 1803 في الولايات المتحدة. ويعمل الجهاز على استنساخ توقيع شخص معين باستخدام حبر حقيقي، ما يسمح بتوقيع عدد كبير من الوثائق خلال وقت قصير.
صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجومه على سلفه الديموقراطي جو بايدن، معلنًا أمس الجمعة 28 تشرين الثاني/نوفمبر أن كل الوثائق التي وُقّعت بواسطة "القلم الآلي" خلال الولاية السابقة أصبحت ملغاة وغير سارية المفعول.
ويأتي هذا الإعلان وسط تصاعد انتقادات ترامب لبايدن، إذ يواصل التشكيك بقدراته الذهنية وبشرعية القرارات التي اتخذها أثناء توليه الرئاسة، معتبرًا أن استخدام القلم الآلي بهذا الحجم يطرح علامات استفهام حول من كان يدير شؤون البيت الأبيض في تلك الفترة.
ترامب يصف بايدن بـ"النعسان"قال ترامب في منشور على منصة تروث سوشال إن "كل وثيقة وقعها جو بايدن النعسان باستخدام قلم آلي، ونسبتها نحو 92 بالمئة، أصبحت بحكم الملغاة ولم تعد سارية".
وأضاف أنه "يلغي كل الأوامر التنفيذية وكل ما لم يوقعه بايدن بيده مباشرة"، مدعيًا أن الأشخاص الذين شغّلوا القلم الآلي خلال ولاية بايدن تصرفوا على نحو غير قانوني، وأن ذلك يُسقط شرعية الوثائق التي صدرت بهذا الأسلوب.
ما هو القلم الآلي؟القلم الآلي، أو Autopen، جهاز ميكانيكي قديم يعود تسجيل اختراعه إلى عام 1803 في الولايات المتحدة. ويعمل الجهاز على استنساخ توقيع شخص معين باستخدام حبر حقيقي، ما يسمح بتوقيع عدد كبير من الوثائق خلال وقت قصير.
وقد أصبح هذا الجهاز جزءًا من العمل الإداري الرئاسي في البيت الأبيض، إذ يُستخدم لتوقيع الرسائل الروتينية والمراسلات الرسمية والمستندات التي تتطلب توقيعًا متكررًا من دون الحاجة لتنفيذ الفعل يدويًا في كل مرة.
وفق توجيه رسمي صدر عن وزارة العدل الأميركية في عام 2005، لا يشترط الدستور أن يقوم الرئيس شخصيًا بوضع توقيعه على القوانين التي يوافق عليها. ويتيح التوجيه للرئيس أن يوقع مشروع قانون عبر أمر مباشر إلى أحد مرؤوسيه لكي يضع توقيعه باستخدام القلم الآلي، ما دام القرار صادرًا عن الرئيس نفسه. ويعني ذلك أن التوقيع بواسطة Autopen يُعد قانونيًا ما دام الرئيس هو من أعطى أمر التوقيع.
استخدامه عبر التاريخ الرئاسيشهدت إدارات رئاسية عديدة استخدام القلم الآلي على مر العقود. وتشير سجلات مؤسسات بحثية أميركية إلى أن توماس جيفرسون استخدم نسخة مبكرة منه، كما استخدمه رؤساء مثل هاري ترومان وجيرالد فورد وليندون جونسون، الذي سمح بتصوير الجهاز داخل البيت الأبيض.
وفي العصر الحديث، استخدم جون كينيدي الجهاز في مهامه، كما اعتمد باراك أوباما على القلم الآلي لتوقيع قوانين مهمة، بينها تمديد العمل بقانون باتريوت، بينما كان خارج الولايات المتحدة. حتى دونالد ترامب نفسه أقرّ بأنه استخدم القلم الآلي لتوقيع أوراق وصفها بأنها غير مهمة.
هجوم سياسي لا يستند إلى أدلةيعتمد ترامب في هجومه على مزاعم بأن استخدام بايدن للقلم الآلي يثبت أن الرئيس الديموقراطي كان فاقد الأهلية الذهنية وأن موظفين في البيت الأبيض كانوا يتخذون القرارات بدلاً منه. غير أن هذه الادعاءات لم تُدعّم بأي أدلة ملموسة.
فقد أصدرت لجنة رقابية يقودها الجمهوريون تقريرًا في تشرين الأول/أكتوبر تضمّن ادعاءات واسعة حول توقيعات بايدن، لكنه خلا من أي وثائق تثبت وجود تلاعب أو أن مساعدي بايدن نفّذوا سياسات دون علمه.
في المقابل، وصف أعضاء اللجنة من الحزب الديموقراطي التقرير بأنه "مهزلة". من جهته، دافع بايدن عن استخدام القلم الآلي، مؤكداً أنه اتخذ كل القرارات بنفسه، وأن اللجوء إلى الجهاز كان ضروريًا بسبب حجم الملفات، خصوصًا في قضايا العفو الرئاسي.
حدود ما يستطيع ترامب فعلهيمكن للرئيس الأميركي أن يلغى الأوامر التنفيذية التي أصدرها سلفه، سواء وُقعت يدويًا أو بواسطة القلم الآلي، وهو ما يتوافق مع الصلاحيات الدستورية المعروفة.
لكن خبراء قانونيين أوضحوا أن سلطة الرئيس لا تمتد إلى القوانين التي أقرّها الكونغرس أو قرارات العفو التي صدرت خلال ولاية بايدن، حتى لو وُقعت عبر القلم الآلي، ما دام بايدن هو من أصدر أمر التوقيع. و
أكد الخبير القانوني المحافظ إد ويلان أن للرئيس حرية كاملة في التعامل مع الأوامر التنفيذية، لكنه لا يمتلك الحرية نفسها تجاه المستندات الأخرى التي اكتسبت قوة قانونية بمجرد تمريرها أو صدورها وفق الأصول.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة