قال صندوق النقد الدولي إن توترات البحر الأحمر أفقدت مصر 70% من إيرادات قناة السويس التي تعد مصدرا رئيسًا للعملة الأجنبية للبلاد.

جاء ذلك في بيان صادر عن الصندوق، مساء الأربعاء، عقب اختتام وفده زيارة لمصر استمرت منذ 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري حتى 20 من الشهر نفسه، لإجراء المراجعة الرابعة لبرنامج إصلاحات اقتصادية يرافقه قرض بـ8 مليارات دولار.

وذكر الصندوق أنه مع استمرار التوترات الجيوسياسية المتعددة في المنطقة "تظل التوقعات الاقتصادية للمنطقة، بما في ذلك مصر، صعبة".

وأضاف أن "الآثار المترتبة على الصراعات في غزة وإسرائيل وانقطاعات التجارة في البحر الأحمر ما زالت تؤثر سلبا على المعنويات، وتتسبب في انخفاضات كبيرة تصل إلى 70% في عائدات قناة السويس التي تشكل مصدرا كبيرا للعملة الأجنبية لمصر".

وتضامنا مع غزة التي تتعرض لإبادة إسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يهاجم الحوثيون في اليمن بصواريخ ومسيّرات سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر، مما دفع سفنا عديدة إلى عدم المرور من قناة السويس وتفضيل استخدام مسار رأس الرجاء الصالح رغم ارتفاع التكلفة.

وأشار الصندوق إلى أن "العدد المتزايد من اللاجئين يضيف ضغوطا مالية على الخدمات العامة، وخاصة قطاعي الصحة والتعليم في البلاد".

وقال "تم الاتفاق مع السلطات أنه ستكون هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتعبئة الإيرادات المحلية، واحتواء المخاطر المالية (خاصة تلك الناجمة عن قطاع الطاقة)، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي".

إيرادات قناة السويس تراجعت 25% خلال العام المالي الماضي المنتهي في يونيو/حزيران الماضي (المكتب الإعلامي لقناة السويس)

وعانت مصر هذا العام من ارتفاع في التضخم تجاوز 35%، قبل أن يبدأ رحلة هبوط وصولا إلى قرابة 26% في الوقت الحالي.

وتراجعت إيرادات قناة السويس 25% خلال العام المالي الماضي المنتهي في يونيو/حزيران الماضي، وفق بيانات البنك المركزي المصري، وإيرادات القناة 6.6 مليارات دولار نزولا من 8.8 مليارات في العام المالي السابق له.

ووقّعت مصر في مارس/آذار الماضي اتفاقا مع صندوق النقد بشأن حزمة دعم مالي قيمتها 8 مليارات دولار، للمساعدة على مواجهة تداعيات أزمة اقتصادية عالمية أسهمت في رفع أسعار سلع وخدمات في مصر.

ويتضمن الاتفاق أن تطبق مصر إصلاحات اقتصادية، أهمها:

الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن. خفض الإنفاق على مشروعات البنية التحتية. تمكين القطاع الخاص.

وحصلت مصر من صندوق النقد، بعد المراجعة الثالثة في نهاية يونيو/حزيران الماضي، على شريحة قيمتها 820 مليون دولار.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات إیرادات قناة السویس البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

عامان من العدوان على غزة.. صدمة اقتصادية غير مسبوقة تضرب الكيان الصهيوني

 

الثورة / يحيى الربيعي

يشكل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023م، وما تبعه من توسع لنطاق المواجهة إلى الجبهة الشمالية، محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي، مخلفاً آثاراً عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في سلطات الاحتلال. فعلى الرغم من حالة الاستقرار الظاهري التي كان يتمتع بها الاقتصاد «الإسرائيلي» قبل اندلاع المواجهات، إلا أن طول أمد المواجهة واتساع نطاق العمليات العسكرية أثرا بشكل بالغ على قطاعات حيوية، مما يفرض تحديات وجودية على قدرة هذا الاقتصاد على الصمود والتكيف.
ويهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل دقيق للتداعيات الاقتصادية قصيرة وطويلة الأمد لهذا العدوان، معتمداً على البيانات الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي للكيان الإسرائيلي (CBS)، وبنك الكيان، بالإضافة إلى تقارير المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي ووكالات التصنيف الائتماني العالمية.
تضاعف التكلفة الاقتصادية
يتسم العدوان على غزة الراهنة بجملة من الخصائص الاستثنائية التي رفعت سقف التوقعات للتكاليف الاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة، لا سيما وأن قرار العدوان اتخذ في وقت كان فيه الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من حالة عدم استقرار بسبب الانقسامات السياسية الحادة داخلياً خلال العام السابق، بالإضافة إلى تأثيرات التدهور الاقتصادي العالمي وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة.
وتسببت التطورات الميدانية منذ أكتوبر 2023م في صدمة مباشرة لمؤشرات الأداء الاقتصادي الكلي، عكستها الأرقام الرسمية في زيادة غير اعتيادية في الإنفاق العسكري وعجز الموازنة، حيث شهدت ميزانية وزارة حرب الاحتلال قفزة غير مسبوقة. فبعد أن بلغت حوالي 60 مليار شيكل في عام 2023م، ارتفعت في عام 2024م إلى حوالي 99 مليار شيكل، مع توقع أن تصل إلى 109.8 مليار شيكل (نحو 30 مليار دولار) في موازنة 2025م، وهي الأعلى تاريخياً. هذا التضاعف شبه الكامل في الإنفاق الدفاعي، وتخصيص 9 مليارات شيكل لجنود الاحتياط، يؤشر إلى تحول جذري في العقيدة العسكرية نحو الجاهزية المستمرة، مما يضع ضغطاً هائلاً على القطاعات المدنية.
وأسهم هذا الإنفاق المتسارع في تفاقم عجز الموازنة، الذي سجل 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023م بعد فائض في العام السابق، وارتفع إلى 6.9% في عام 2024م. وقد اضطرت حكومة الاحتلال إلى رفع الميزانية الإجمالية لعام 2024م بمقدار 69 مليار شيكل لتصل إلى 585 مليار شيكل، ما دفعها لتبني إجراءات تقشفية قاسية تشمل خفض ميزانيات جميع الوزارات ورفع ضريبة القيمة المضافة من 17% إلى 18% في عام 2025م، مما يعكس ترسيخاً لـ «اقتصاد الحرب» على حساب التنمية والاستقرار الاجتماعي.
تضخم الدين العام
ارتفع الدين العام الإسرائيلي خلال عام 2024م بنسبة 17.9% (أي ما يعادل 202 مليار شيكل)، ليبلغ إجماليه 1.33 تريليون شيكل (380.64 مليار دولار) وفقاً لصحيفة «غلوبس» الإسرائيلية. وصعدت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 6.4 نقاط مئوية، لتصل إلى 67.9% بنهاية عام 2024م، بعد أن كانت 61.5% في نهاية 2023م.
هذا التدهور دفع وكالات التصنيف الائتماني العالمية، مثل موديز، إلى خفض التصنيف الائتماني للكيان الإسرائيلي عدة مرات، محذرةً من ضعف مؤسساته وعدم الانضباط المالي في أعقاب الحرب، مما أثار مخاوف من أن تجد سلطات الاحتلال صعوبة في سداد جزء من ديونها مستقبلاً.
وخلافاً للتوقعات الكلاسيكية لانهيار العملة في زمن الحروب، أظهر الشيكل الإسرائيلي استقراراً لافتاً، مسجلاً متوسط سعر صرف 3.70 شيكل للدولار في عام 2024، مع توقعات بالتراجع إلى 3.40 شيكل للدولار في عام 2025م. ويُفسر هذا الأداء الاستثنائي بـ الدعم الخارجي الواسع، خصوصاً من الولايات المتحدة، الذي يتجسد في معظمها مساعدات عسكرية تُصرف بالدولار، مما يعزز ميزان المدفوعات ويزيد احتياطيات النقد الأجنبي لدى «بنك إسرائيل». و»سندات إسرائيل» (Israel Bonds)، التي جمعت عبرها سلطات الاحتلال أكثر من 48 مليار دولار من مستثمرين عالميين منذ عام 1951م، ما يربط أسواق رأس المال الغربية هيكلياً بالاقتصاد الإسرائيلي.
القطاعات الحيوية في مهب الصراع
تعرضت قطاعات اقتصادية رئيسية كانت تشكل محركات النمو لأضرار بالغة ومباشرة، جاء في المرتبة الأولى انحسار «قاطرة» التكنولوجيا (الهاي-تك)، إذ يُعد قطاع التكنولوجيا العالية المحرك الرئيسي للنمو، حيث يشكل 20% من الناتج المحلي الإجمالي ويساهم بحوالي 53% من إجمالي الصادرات في عام 2023م.
إلا أن التعبئة المكثفة لجنود الاحتياط الذين يشكلون أكثر من 20% من العاملين في هذا القطاع، أدت إلى انخفاض تعبئة رأس المال للشركات الناشئة بنسبة 55%. بالإضافة إلى انخفاض حاد في حجم الاستثمار، حيث تراجع رأس المال الاستثماري من حوالي 28 مليار دولار في عام 2022م إلى 8 مليارات دولار في عام 2023م.
ناهيك عن تراجع السمعة وثقة المستثمرين الأجانب في الشركات الإسرائيلية بسبب الحرب، مما دفع بعض الشركات الناشئة إلى تسريح موظفين إسرائيليين واستبدالهم بعمالة أجنبية للحفاظ على وتيرة العمل.
وسجل قطاع السياحة، الذي يساهم بحوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي، انهياراً مريعاً، ففي تراجع غير مسبوق في أعداد السياح، انخفض عدد السياح الوافدين بنسبة تزيد عن 90% منذ بداية الحرب. ففي أكتوبر 2023م، سجل العدد انخفاضاً بنسبة 76% سنوياً، وتفاقم التراجع ليصل إلى نحو 80% في ديسمبر من العام نفسه، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022م. وتجاوزت الخسائر المباشرة وغير المباشرة في القطاع 12 مليار شيكل (3.4 مليار دولار).
خلاصة القول:
يشكل الدعم المستمر من الولايات المتحدة، وقوة قطاع التكنولوجيا التاريخية، عوامل منع قديمة تحول دون انهيار اقتصادي كامل في المدى القصير. فالكيان الإسرائيلي لا يزال أحد أكبر متلقي المساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، والتي قُدّرت بنحو 154.8 مليار دولار حتى عام 2022م.
ومع ذلك، أدت التداعيات المباشرة وغير المباشرة للحرب، وفي مقدمتها آثار الحصار البحري الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية على السفن الإسرائيلية وتلك المتعاملة معها في البحر الأحمر على التجارة الخارجية، إلى تحميل الاقتصاد الإسرائيلي عبئاً مالياً أثقل مما واجهه في المراحل الأولى للصراع.
لقد كشفت الحرب عن هشاشة البنية الاقتصادية التي كانت تبدو مستقرة ظاهرياً، ودفعها إلى منطقة مجهولة. فمؤشرات الخطر واضحة: عجز موازنة متصاعد، وديون عامة آخذة في التضخم، وتراجع حاد في قطاعي السياحة والتكنولوجيا، وهروب للاستثمارات الأجنبية، وتآكل في السمعة الدولية والتصنيف الائتماني. هذه العوامل مجتمعة تهدد بتراجع مستدام لمستوى المعيشة وقدرة الاقتصاد على النمو على المدى الطويل، وهو ما أكده صندوق النقد الدولي بتخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد الإسرائيلي لعامي 2024 و2025م.

مقالات مشابهة

  • عامان من العدوان على غزة.. صدمة اقتصادية غير مسبوقة تضرب الكيان الصهيوني
  • توترات أمنية في عتق شبوة واحتجاجات للصيادين بسبب احتجاز قواربهم
  • بنك قناة السويس يرعى معرض "تراثنا 2025"
  • النقابات: تعطل 507 آلاف عامل منذ بدء الحرب والخسائر تجاوزت 9 مليارات دولار
  • طفرة في قناة السويس.. تفاصيل إنجاز 15 كوبري جديد خلال فبراير المقبل
  • مفوضيةُ اللاجئين تقلّص خدماتها بسبب تراجع التمويل الدولي
  • قناة السويس تحتفل بانتصارات أكتوبر بافتتاح كوبري جديد (فيديو)
  • كم تخسر أميركا بسبب الإغلاق الحكومي؟
  • جامعة قناة السويس تحتفل باستقبال طلاب كلية السياحة والفنادق
  • أخبار البحر الأحمر.. بروتوكول تعاون بين حياة كريمة ووزارة الصحة وقطاع البترول لإنشاء وحدة غسيل كلوي جديدة بمستشفى الغردقة العام