آفاق التحالفات الإقليمية المقبلة
تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT
مسعود أحمد بيت سعيد
masoudahmed58@gmail.com
مُنذُ بَدء عملية "طوفان الأقصى" تنامى اعتقادٌ لدى بعض النخب الثقافية العربية بأن الموقف من الحرب العدوانية الإرهابية على الشعب الفلسطيني وبقية محور المقاومة، قد أفرز تيارين واضحين في الأمتين العربية والإسلامية، ويعتقد هؤلاء أنهما سيؤسسان قواعد سياسية جديدة لمجمل التحالفات الاستراتيجية المقبلة في عموم منطقة الشرق الأوسط كلها.
مدى دقة هذه التقديرات في رصد المتغيرات القادمة انطلاقًا من المعطيات القائمة هو ما سنحاول تسليط الضوء عليه، عبر التذكير بطبيعة البُنى الاقتصادية والاجتماعية التي تُحدِّد بشكل عام المسارات الأساسية في رسم التوجهات السياسية؛ سواءً في اللحظة الراهنة أو المستقبلية، دون إهمال البُعد الآيديولوجي في الاصطفافات السياسية المرحلية. وإذا أُخِذَت هذه الحيثيات في الاعتبار، لن يبقى من تلك التطلعات سوى النزعات المثالية والانتهازية، التي تُستخدم لتمويه التناقضات، ولا ريب أن إعطاء مثل هذه القضايا الأهمية التي تستحق قد يُسَهِّل استشراف الأفق القادم، وممكناته على كافة الصعد السياسية والتحالفية وغيرها. وبطبيعة الحال، فإن الظروف الاستثنائية وما يرافقها من إرهاصات قادرة على أن تُداعِب أحلامًا خيالية، جُلُّها تنطلق من فرضية ترى أن ترتيب الواقع نظريًا يُمكن من ترتيبه واقعيًا! غير أن وقائع الحياة العملية تدحض باستمرار مثل هذه التصورات القائمة على توليفات غير متناسقة شكلًا ومضمونًا، والتي تساهم في ستر الحقائق المُستوحَاة من التجربة التاريخية.
لن يحتاج المرء للكثير من الاجتهادات الفكرية لرؤية الأمور كما تجري من الناحية الفعلية، التي لم يطرأ عليها إلى الآن تغيير جدي في الرؤى والمواقف الآيديولوجية السابقة؛ فما زالت جميع الأطراف الفاعلة سلبًا وإيجابًا ترى في اللحظة الراهنة لحظة عابرة وتحالفاتها مؤقتة؛ الأمر الذي يجعل التمسُّك بالثوابت التقليدية- بصرف النظر عن مدى صحتها- أمرًا قائمًا. ومن يتتبع الخطاب السياسي والإعلامي يلحظ ذلك بيُسرٍ، وهذا في حد ذاته مؤشر أولي على ثبات القناعات الفكرية والسياسية التاريخية، باعتباره انعاكسًا لثبات المواقع الطبقية والتناقضات التاريخية، وأن أي جهد يسعى لتحري الحقيقة خلف الستار الكثيف من التلميحات والتصريحات المتناقضة، وعليه أن يُعطي المرتكزات المادية والفكرية، الأوليةَ، بحيث لا يغيب طغيان ركائز آيديولوجية راسخة قائمة على احتكار الحقيقة، وإكسابها الطابع الكُلي غير القابل للمراجعة والنقد العلمي، والتي تحمل في ذاتها ميكانيزمات تستبعد التقاطعات الاستراتيجية البعيدة.
هذا المدخل بخطوطه العامة قد يحمل في داخله مسارًا آخرَ صاعدًا، لم يأخذ مداه داخل الواقع الخاص لكل حالة، وهو بحاجة إلى المزيد من الوقت حتى تتضح معالمه بشكل كافٍ. وربما هذا أحد مكامن حذر القاعدة الجماهيرية العربية التي ما زالت- رغم عنف الصراع وتفاعلاته- تعيش تناقضًا حادًا بين الانحياز المُطلق لنهج تُعِدُهُ وسيلةً للخلاص من السيطرة الاستعمارية الكولونيالية، وبين الأطر القائمة التي لا تُشكِّل وجودَها حالة اطمئنان كافية. وبتناقضاتها تلك يتجلى وعي جدلي مُركَّب يستمد مشروعيته من مخزون نظري وعملي مُتجذِّر في تُربة الواقع الاجتماعي، ويتمظهر بين قُطبي المقاومة والتغيير الاجتماعي؛ كخيار استراتيجي وبين الضمانات التي يجب أن تصُب في مصلحتها اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وفكريًا. ولا ضير من الاعتراف بأن مبعث تردُّدِها هو الإحساس الغامض بأنَّ كل ما هو مطلوب منها يُراد به تكريس خياراتٍ ما زال حولها جدل فلسفي وفكري وسياسي، ولم يُشكِّل يومًا عنصرَ إجماعٍ، لا في جانبه الفكري والفقهي، ولا في جانبه السياسي والتنظيمي؛ وهي معضلة بحاجة إلى الكثير من الممارسات النزيهة حتى تأخذ حيِّزها المُستَقِر في العقل والوجدان؛ بعيدًا عن توظيف الدواعي الآنية في بوتقة نعرات الماضي القاتلة.
ولعل المسألة الجوهرية في صياغة التحالفات القادمة، تتوقف بالدرجة الأولى على دور الأمة العربية في تجاوز الإخفاقات ولَمْلَمَة أوضاعها الذاتية والاعتراف بالهزيمة كمعطى موضوعي، وما نتج عنها من تِيهٍ، جعلها عرضةً للانتهاكات المزدوجة، وهو أمر طبيعي في ظل تفشي المشاريع القُطرية التي تتطلب ظهيرًا خارجيًا من ناحية، واستغلال المشروع الإمبريالي والصهيوني للحالة المتردية لبسط سيطرته المطلقة من ناحية أخرى. وما بينهما من حركة موازية للمشاريع الإقليمية الخاصة، وكلها تدور رحاها في فضاء الجغرافيا العربية المُنهكة بالحروب العبثية، بحيث لا تستطيع التحالفات المُجزَّأة صدها، مهما كانت مبررات اللحظة الراهنة؛ الأمر الذي يفرض ضرورة وأهمية إعادة الاعتبار للمشروع القومي، كإطار وَحْدَوِيٍ جامعٍ، وانتشالِ ما تبقى من شتات عوالم التقسيم الاستعماري بكل صعوباته وتعقيداته، وإطلاق الفعالية الفكرية والنقد الحُر الذي يطال الماضي والحاضر، دون محاذير مُسبَقة، حتى يُبحر العقل طليقًا في عالم المعرفة والحقائق العلمية والتحرر من التعصب البدائي الأعمى.
وعلى ضوء حركة الجدل بين الواقع والفكر، سيتضح مدى المساحات المشتركة مع الذات والآخر، بكافة أبعادها الإقليمية والدولية، ثم يأتي العمل السياسي ليؤطِّر حصيلة الإنتاج المعرفي، والاحتكام لشروط الزمان والمكان، وفق صيغ ومقاربات نيِّرة، تُفرزها عملية الجدل الموضوعي ومُتطلبات الواقع واستحقاقاته.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أكاديميون من اللاذقية.. زيادة الرواتب خطوة لتحسين الواقع المعيشي
اللاذقية-سانا
انعكس مرسوما زيادة الرواتب والأجور، بشكل إيجابي بين العاملين في القطاعين العام والخاص في سوريا، حيث ستؤدي هذه الزيادة إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين عموماً.
عميد كلية الاقتصاد بجامعة اللاذقية الدكتور عبد الهادي الرفاعي أوضح في تصريح لمراسل سانا أن هذه الزيادة في الرواتب ستكون لها آثار إيجابية عديدة على المواطنين والأسواق والحركة التجارية، حيث ستزداد القوة الشرائية للمواطن، وسينخفض العبء الاجتماعي على الأسر محدودة الدخل.
ورأى الدكتور الرفاعي أن زيادة الرواتب في سوريا، إذا تم تطبيقها بشكل مدعوم بسياسات اقتصادية مساعدة، ستعمل على تحفيز الحركة الاقتصادية وزيادة الإنفاق في الأسواق، والذي قد يؤدي إلى انتعاش نسبي في المبيعات، وخاصة في القطاعات التي تعتمد على الطلب المحلي، وتحسين سيولة التداول النقدي، الأمر الذي قد يساعد بعض التجار وأصحاب المشاريع الصغيرة على البيع، وتحريك رؤوس الأموال.
وبين الرفاعي أن هناك أيضا تأثيرات غير مباشرة على الاقتصاد، تتمثل في زيادة الإيرادات الضريبية للدولة، وتحسين ثقة المواطن بالعملة المحلية، فضلاً عن تشجيع بعض القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعات الخفيفة.
ودعا الرفاعي إلى تعزيز الآثار الإيجابية للزيادة عبر ضبط الأسعار ومنع الاحتكار، والعمل على دعم الإنتاج المحلي “زراعياً وصناعياً”، لمواكبة الطلب المتزايد وتجنب ندرة السلع وتحسين سياسة سعر الصرف، لأن أي زيادة في الرواتب دون استقرار العملة ستؤدي إلى ارتفاع التضخم، مشيراً إلى ضرورة زيادة مصادر التمويل وتعديل شرائح ضريبة الدخل، حتى لا تطال الضريبة الزيادة الممنوحة، ورفع شريحة الحد الأدنى المعفى من الضريبة.
بدوره وصف مدير وحدة ضمان الجودة في كلية الاقتصاد بجامعة اللاذقية الدكتور ذو الفقار عبود في تصريح مماثل، هذه الزيادة بالإيجابية نظراً لمنعكساتها على مستوى الاقتصاد الكلي، والتي لحظت القطاع الخاص أيضاً، ما من شأنه زيادة القدرة الشرائية للمواطنين، وبالتالي زيادة الإنفاق الاستهلاكي وزيادة الإنتاج والعرض، ما سيؤدي إلى انتعاش اقتصادي وتعزيز الاستهلاك المحلي، وزيادة تقديم الخدمات وتحسين الواقع المعيشي للمواطنين.
وأوضح الدكتور عبود أن هذه الزيادة ستسهم في تقليص الفجوات بين الطبقات الاجتماعية، وتخفيف نسبة البطالة، وسيكون لها تأثير نفسي لجهة زيادة إنتاجية العاملين بالقطاعين العام والخاص لشعورهم بالتقدير لجهودهم وإنتاجهم.
ولفت الدكتور عبود إلى أن هذه الزيادة لحظت المتقاعدين الذين يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع، وهم بحاجة لمتطلبات حياة كريمة الأمر الذي من شأنه تأمين تلك المتطلبات، مشيراً إلى ضرورة مراقبة الأسواق وضبط الأسعار، ومتابعة جهود استقرار سعر الصرف ومنع الاحتكار للمواد الأساسية، ومراقبة القطاع الخاص، للتأكد من التزامه بالحد الأدنى للأجور.
من جهتهم رحب عدد من المواطنين في تصريحات مماثلة، بزيادة الرواتب والأجور واعتبر الموظف ياسر محمد أن من شان هذه الزيادة أن تخفف من أعباء إعالة أسرته، معبراً عن أمله في ألا تترافق هذه الزيادة بموجة ارتفاع في الأسعار، فيما عبر المتقاعد علي شكوح عن سعادته في الزيادة، وأن تُترجم إلى تحسن في الوضع المعيشي ومستوى الخدمات الأساسية، داعياً إلى دعم القطاع الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
تابعوا أخبار سانا على