جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-17@06:53:26 GMT

آفاق التحالفات الإقليمية المقبلة

تاريخ النشر: 24th, November 2024 GMT

آفاق التحالفات الإقليمية المقبلة

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

مُنذُ بَدء عملية "طوفان الأقصى" تنامى اعتقادٌ لدى بعض النخب الثقافية العربية بأن الموقف من الحرب العدوانية الإرهابية على الشعب الفلسطيني وبقية محور المقاومة، قد أفرز تيارين واضحين في الأمتين العربية والإسلامية، ويعتقد هؤلاء أنهما سيؤسسان قواعد سياسية جديدة لمجمل التحالفات الاستراتيجية المقبلة في عموم منطقة الشرق الأوسط كلها.

مدى دقة هذه التقديرات في رصد المتغيرات القادمة انطلاقًا من المعطيات القائمة هو ما سنحاول تسليط الضوء عليه، عبر التذكير بطبيعة البُنى الاقتصادية والاجتماعية التي تُحدِّد بشكل عام المسارات الأساسية في رسم التوجهات السياسية؛ سواءً في اللحظة الراهنة أو المستقبلية، دون إهمال البُعد الآيديولوجي في الاصطفافات السياسية المرحلية. وإذا أُخِذَت هذه الحيثيات في الاعتبار، لن يبقى من تلك التطلعات سوى النزعات المثالية والانتهازية، التي تُستخدم لتمويه التناقضات، ولا ريب أن إعطاء مثل هذه القضايا الأهمية التي تستحق قد يُسَهِّل استشراف الأفق القادم، وممكناته على كافة الصعد السياسية والتحالفية وغيرها. وبطبيعة الحال، فإن الظروف الاستثنائية وما يرافقها من إرهاصات قادرة على أن تُداعِب أحلامًا خيالية، جُلُّها تنطلق من فرضية ترى أن ترتيب الواقع نظريًا يُمكن من ترتيبه واقعيًا! غير أن وقائع الحياة العملية تدحض باستمرار مثل هذه التصورات القائمة على توليفات غير متناسقة شكلًا ومضمونًا، والتي تساهم في ستر الحقائق المُستوحَاة من التجربة التاريخية.

لن يحتاج المرء للكثير من الاجتهادات الفكرية لرؤية الأمور كما تجري من الناحية الفعلية، التي لم يطرأ عليها إلى الآن تغيير جدي في الرؤى والمواقف الآيديولوجية السابقة؛ فما زالت جميع الأطراف الفاعلة سلبًا وإيجابًا ترى في اللحظة الراهنة لحظة عابرة وتحالفاتها مؤقتة؛ الأمر الذي يجعل التمسُّك بالثوابت التقليدية- بصرف النظر عن مدى صحتها- أمرًا قائمًا. ومن يتتبع الخطاب السياسي والإعلامي يلحظ ذلك بيُسرٍ، وهذا في حد ذاته مؤشر أولي على ثبات القناعات الفكرية والسياسية التاريخية، باعتباره انعاكسًا لثبات المواقع الطبقية والتناقضات التاريخية، وأن أي جهد يسعى لتحري الحقيقة خلف الستار الكثيف من التلميحات والتصريحات المتناقضة، وعليه أن يُعطي المرتكزات المادية والفكرية، الأوليةَ، بحيث لا يغيب طغيان ركائز آيديولوجية راسخة قائمة على احتكار الحقيقة، وإكسابها الطابع الكُلي غير القابل للمراجعة والنقد العلمي، والتي تحمل في ذاتها ميكانيزمات تستبعد التقاطعات الاستراتيجية البعيدة.

هذا المدخل بخطوطه العامة قد يحمل في داخله مسارًا آخرَ صاعدًا، لم يأخذ مداه داخل الواقع الخاص لكل حالة، وهو بحاجة إلى المزيد من الوقت حتى تتضح معالمه بشكل كافٍ. وربما هذا أحد مكامن حذر القاعدة الجماهيرية العربية التي ما زالت- رغم عنف الصراع وتفاعلاته- تعيش تناقضًا حادًا بين الانحياز المُطلق لنهج تُعِدُهُ وسيلةً للخلاص من السيطرة الاستعمارية الكولونيالية، وبين الأطر القائمة التي لا تُشكِّل وجودَها حالة اطمئنان كافية. وبتناقضاتها تلك يتجلى وعي جدلي مُركَّب يستمد مشروعيته من مخزون نظري وعملي مُتجذِّر في تُربة الواقع الاجتماعي، ويتمظهر بين قُطبي المقاومة والتغيير الاجتماعي؛ كخيار استراتيجي وبين الضمانات التي يجب أن تصُب في مصلحتها اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وفكريًا. ولا ضير من الاعتراف بأن مبعث تردُّدِها هو الإحساس الغامض بأنَّ كل ما هو مطلوب منها يُراد به تكريس خياراتٍ ما زال حولها جدل فلسفي وفكري وسياسي، ولم يُشكِّل يومًا عنصرَ إجماعٍ، لا في جانبه الفكري والفقهي، ولا في جانبه السياسي والتنظيمي؛ وهي معضلة بحاجة إلى الكثير من الممارسات النزيهة حتى تأخذ حيِّزها المُستَقِر في العقل والوجدان؛ بعيدًا عن توظيف الدواعي الآنية في بوتقة نعرات الماضي القاتلة.

ولعل المسألة الجوهرية في صياغة التحالفات القادمة، تتوقف بالدرجة الأولى على دور الأمة العربية في تجاوز الإخفاقات ولَمْلَمَة أوضاعها الذاتية والاعتراف بالهزيمة كمعطى موضوعي، وما نتج عنها من تِيهٍ، جعلها عرضةً للانتهاكات المزدوجة، وهو أمر طبيعي في ظل تفشي المشاريع القُطرية التي تتطلب ظهيرًا خارجيًا من ناحية، واستغلال المشروع الإمبريالي والصهيوني للحالة المتردية لبسط سيطرته المطلقة من ناحية أخرى. وما بينهما من حركة موازية للمشاريع الإقليمية الخاصة، وكلها تدور رحاها في فضاء الجغرافيا العربية المُنهكة بالحروب العبثية، بحيث لا تستطيع التحالفات المُجزَّأة صدها، مهما كانت مبررات اللحظة الراهنة؛ الأمر الذي يفرض ضرورة وأهمية إعادة الاعتبار للمشروع القومي، كإطار وَحْدَوِيٍ جامعٍ، وانتشالِ ما تبقى من شتات عوالم التقسيم الاستعماري بكل صعوباته وتعقيداته، وإطلاق الفعالية الفكرية والنقد الحُر الذي يطال الماضي والحاضر، دون محاذير مُسبَقة، حتى يُبحر العقل طليقًا في عالم المعرفة والحقائق العلمية والتحرر من التعصب البدائي الأعمى.

وعلى ضوء حركة الجدل بين الواقع والفكر، سيتضح مدى المساحات المشتركة مع الذات والآخر، بكافة أبعادها الإقليمية والدولية، ثم يأتي العمل السياسي ليؤطِّر حصيلة الإنتاج المعرفي، والاحتكام لشروط الزمان والمكان، وفق صيغ ومقاربات نيِّرة، تُفرزها عملية الجدل الموضوعي ومُتطلبات الواقع واستحقاقاته.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف تقرأ حكاية شعبية.. ملحمة إيبونيا من مدغشقر.. جديد سلسلة آفاق عالمية بقصور الثقافة

صدر مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، كتاب "كيف تقرأ حكايات شعبية.. ملحمة إيبونيا من مدغشقر" للكاتب لي هارينج، وترجمة نصر عبد الرحمن، عن سلسلة آفاق عالمية التى تعنى بنشر الأعمال المترجمة إلى اللغة العربية في الأدب والنقد والفكر في مختلف اللغات.

الكتاب قصة شعرية تسرد وقائع ملحمة محكمة من مدغشقر، ملحمة عن القوة والحب، قدمها لي هارينج للعالم. عبر هذا النص المحدث بعناية يلعب "هارينج" دور دليلنا الخبير وشاهد العيان يقدم لنا خلفية تاريخية مفيدة وتفسيرا عميقا، إلا أنه يشجعنا أيضا على الاهتمام بملحمة "إيبونيا" وحدها؛ لأنها تستحق الاهتمام في حد ذاتها، وتعد مثالا ثريا للأدب الملحمي الشفاهي، ومن خلال هذا العرض الرائع لمنتجات مدغشقر الشفاهية، يمكننا -نحن القراء- تقدير قيمة الأدب الشفاهي ودوره في فهم الثقافة البشرية.

يقول لي هارينج في مقدمة الكتاب: إحدى طرق تفسير "إيبونيا" أو ربما إحدى طرق الشروع في قراءتها هي التفكير فيها كحكاية خرافية. إنها سرد خيالي يتضمن مواجهات مع كائنات خارقة وأشخاص يعلمون الغيب، وتتضمن كذلك تعويذات وعناصر سحرية، يجري اختبار قدرة البطل على التحمل، ثم ينجح فى إنقاذ الأميرة بعد التغلب على منافسه، العناصر الأخرى في إيبونيا شائعة كذلك في الحكايات الشعبية، ومن بينها الكائنات السحرية التى تقدم المشورة للبطل كما تفعل الحيوانات والطيور فى القصص الخيالية. وكما هو الحال في معظم القصص الخيالية، ليس لدينا زمن محدد.

وعن منهجه يضيف: كيف يمكن قراءة نص أو فهمه أو تفسيره؟ اكتشفت طريقة للقيام بذلك في مكتبة ما كان يطلق عليه آنذاك جامعة مدغشقر، حين كنت أعمل فيها أستاذا زائرا في الفترة من 1975 إلى 1976 عثرت فوق الرفوف وعلى نحو غير متوقع على عدد كبير من الكتب المنشورة حول الفلكلور في مدغشقر. كانت مكتبة الجامعة والمكتبة الوطنية تتضمن عشرات النصوص التي لم تخضع للتحليل أو تترجم بعد. تحولت تلك النصوص إلى نوع من التحدي، وفي مواجهة العديد من الحكايات والأحجيات، والأمثال الشعبية والمعتقدات والعادات والكثير من الفلكلور. ابتكرت طريقة لقراءة هذه النصوص، قررت أن أقرأ القصائد والقصص وحتى الملاحظات الإثنوغرافية عليها، كما لو كانت نصوصا مسرحية كأنني أسمع أشخاصا يؤدون النصوص بأصواتهم.

ومدغشقر هي رابع أكبر جزيرة في العالم، وتقع في المحيط الهندي على بعد نحو 360 ميلا من موزمبيق على الساحل الشرقي لأفريقيا، استقرت فيها موجات من المهاجرين الإندونيسيين الذين وصلوا إليها عبر المحيط الهندي في الفترة من القرن السادس إلى التاسع الميلادي، تزامنا مع تطور الحضارة السواحيلية في شرق أفريقيا. ولقد أدى التقارب بين الإندونيسيين والأفارقة إلى قيام حضارة ملغاشية مبكرة، أسهمت في تطوير اللغة المستخدمة في كتابة ملحمة "إيبونيا".

الكتاب صدر بإشراف الكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة، ضمن إصدارات الإدارة العامة للنشر برئاسة الكاتب الحسيني عمران، التابعة للإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر د. مسعود شومان، رئيس تحرير السلسلة د. أنور إبراهيم، مدير التحرير جمال المراغي، سكرتير التحرير مها عبد الرازق، الإخراج الفني عبد العليم عبد الفتاح، وتصميم الغلاف وسام سامي.

طباعة شارك قصور الثقافة كتاب مدغشقر ملحمة إيبونيا سلسلة آفاق عالمية اللغة العربية

مقالات مشابهة

  • شايب يبحث آفاق التعاون مع وفد عن برلمان عموم أمريكا الوسطى
  • إلى الدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء
  • رغم التغيرات الواسعة على مستوى اللاعبين وحتى اللحظة .. لا مدربين جدداً خلال الموسم الجديد
  • الباعور يبحث آفاق التعاون مع الأمم المتحدة لدعم الاستقرار والإصلاح والتنمية المستدامة
  • ما تأثير التصعيد بين إسرائيل وإيران على الواقع العربي؟
  • كيف تقرأ حكاية شعبية.. ملحمة إيبونيا من مدغشقر.. جديد سلسلة آفاق عالمية بقصور الثقافة
  • مصطفى بكري: التحالفات من دول نووية لإيران قلب موازين المعادلة.. والكيان الصهيوني لن يصمد طويلا
  • أسئلة مصيرية أمام حزب الله
  • في اشتداد الصراع.. التحصين المجتمعي أولوية
  • اللحظة الحاسمة.. المفاوضات النووية في مهب الريح