"سراج" ووقف التعليم
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
جاسم بني عرابة
اهتم العُمانيون منذ القدم بالوقف، ومارسوه بشكل مُستمر في جميع مناحي حياتهم؛ إذ يذكر الدكتور خالد الرحبي في كتابه "الوقف في نزوى وأثره في الحياة الثقافية والاجتماعية" أن لم تخلُ منطقة واحدة في عُمان -على اختلاف الحدود التاريخية لها- من أوقاف في أحد الجوانب المتعلقة به؛ سواءً الاجتماعية أو الثقافية أو الصحية أو الاقتصادية أو الأمنية وغيرها".
ومن أهم أوجه الأوقاف في التاريخ العُماني، هو الوقف التعليمي الذي يُمكن إيجاد الأمثلة عليه منثورة في الكتب، فقد أوقف الشيخ خميس بن سعيد الشقصي مكتبته، وأوقف كثير من أغنياء الرستاق أموالًا وبيوتًا لكتب الشيخ ناصر بن سليمان اللمكي وحفظها وإصلاحها، ووقف مكتبة بني عوف في بهلاء، ثم تتزايد الأمثلة في المكتبات الموقوفة مثل مكتبة بدية العامة، ومكتبة وقف الحمراء، ومكتبة الشيخ نور الدين السالمي، ومكتبة بني سيف، ومكتبة حمد بن ناصر الريامي.
ومن الأمثلة أيضًا على الوقف التعليمي: وقف الكُتب، فقد أجاب الإمام مُحمد بن عبد الله الخليلي عن مسألة ما يُفعل بالكتب المنضدة في الصناديق ما يُفعل بها؟ فكان من جوابه أن "الوقف فيما يصلح له، ولا نرى صلاحاً في ترك الكتب منضدة لتأكلها الأرضة، والأحسن أن يقرأ الرجل فيها، وإن أراد غيره أن يقرأ فليردها إليه"، وقد اهتم العلماء بوقف الكتاب اهتماماً كبيراً كان من ضمنهم عبد الله بن محمد بن بركة، وخميس بن سعيد الشقصي، وسالم بن عبد الله البوسعيدي، وعبد الله بن خلفان الخليلي، وخلف بن سنان الغافري الذي قال:
لنا كتب في كل فنٍّ كأنها/ جنان بها من كل ما تشتهي النفس
ثلاث مئينِ ثم سبعون عدها/ وتسعة آلاف لها ثمن بخس
هي الكنز لا الإنفاق منها بناقص/ هي الفخر لا العيش المدغفل واللبس
وهيهات بعدي أن تباع وتشترى/ كما يشترى من ربه العير والعنس
ولكنها وقفٌ على كل مسلم/ فلا غافر فيها يخص ولا عبسُ
كما اهتم بها الأئمة والسلاطين، فقد أوقف بلعرب بن سلطان مدرسة حصن جبرين، وأوقف سيف بن سلطان الأول تسعة وثلاثين أثراً من ماء الفلج لطلب العلم، وأوقف السلطان برغش بن سعيد جميع مطبوعات المطبعة السلطانية في زنجبار، وكلما تقدم الزمان زادت الأوقاف التعليمية أكثر وزاد تنظيمها.
ومن أوجه المأسسة للوقف التعليمي في سلطنة عُمان نجد المؤسسة الوقفية لدعم التعليم "سراج"، وتخصيص بعض الأسهم للمؤسسة الوقفية لدعم التعليم "سراج". وتعمل المؤسسة على رفد مؤسسات التعليم العالي الخاصة والحكومية بالموارد اللازمة لتنمية الطلاب المُعسرين والمحتاجين؛ حيث عملت المؤسسة على القيام بالعديد من المبادرات من ضمنها مبادرة كفالة طالب جامعي، والتي من خلالها يتم إعطاء علاوة شهرية للطلاب المعسرين لتغطية احتياجاتهم الأساسية (مثل المأكل والمشرب والسكن والنقل وغيرها) طول فترة دراستهم. إلى جانب تفعيل بطاقة "مزايا سراج" بالتعاون مع شركة "ثواني"، والتي تمنح الطلبة والعاملين في مؤسسات التعليم العالي الخاصة خصمًا يصل إلى 60% في مختلف الاحتياجات.
وتهدف المؤسسة إلى الاستدامة في أعمالها الوقفية؛ إذ تعمل على استثمار الأموال التي لديها من أجل الوصول إلى حالة من الاستقرار في المبادرات والمشاريع التي تعمل عليها.
وأخيرًا.. يمكن القول إن الوقف مُتجذّرٌ في التاريخ العُماني، على مر العصور، ويؤكد رغبة الإنسان العُماني في أن تظل أعمال الخير متواصلة ومُستدامة، بما يضمن استفادة أكبر عدد من الأفراد منه، وكذلك حصاد الثواب لصاحب الوقف.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل أخطأ «ترامب»..؟
تواجه اليوم مؤسسة هيئة الإذاعة البريطانية الـ(بى بى سى) معركة قانونية شرسة مع أقوى رجل فى العالم وهو الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب». معركة ضارية وستستمر تبعاتها فيما إذا لم يحسم الأمر ويتم التوصل إلى تسوية دون اللجوء إلى التصعيد من جانب «ترامب» الذى هدد برفع دعوى قضائية ضد المؤسسة الاعلامية سالفة الذكر بعد أن اتهمها بتعديل مقطعين من خطابه فى برنامج «بانوراما» بشكل أعطى معنى مختلفا لما أراده. ولم يقبل برد المؤسسة الإعلامية عندما قالت إن ما حدث لم يكن مقصودا، ولهذا بادر فصعد الأمر.
ولا شك أن هذه لحظة حرجة للغاية فى تاريخ الـ بى بى سى كمؤسسة تظفر بالاحترام. فإما أن تبقى أو تسقط من حيث النظر إليها كمؤسسة محايدة ومصدرا إعلاميا موثوقا به فى عالم تتراجع فيه الثقة بالمؤسسات الإعلامية.
يبدو أن «ترامب» لن يتراجع عن رفع دعوى ضد الـ بى بى سى ويطالبها بتعويض عما نشرته. والدليل عدد القضايا القانونية التى سبق له وأن رفعها ضد مختلف شركات الإعلام الأمريكية. وحتى لو بادرت الـ بى بى سى واعتذرت فلن يوقف تهديده برفع دعوى قضائية عليها. ويعتقد بوجود إجماع داخل المؤسسة وخارجها على أن استخدام أموال دافعى رسوم الترخيص لإجراء تسوية مع «ترامب» ما هى إلا فكرة فاشلة ولن يتم تمريرها. وكما قال أحد كبار المسئولين التنفيذيين فى الـ بى بى سى بعد رفض عرض التعويض: (أنه إذا قرر ترامب رفع دعوى قضائية سيتعين على الـ بى بى سى الصمود والاستعانة بأفضل المحامين فى فلوريدا).
يبدو الآن أن الـ بى بى سى ستخوض معركة قضائية طويلة ومكلفة فى وقت ينبغى عليها أن تركز بشكل كامل على مناقشات تجديد ميثاقها وهى المناقشات التى تتصاعد بوتيرة متسارعة. واليوم ينبغى على كبار المسئولين فى الـ بى بى سى التركيز بشكل كامل على ما يعتبر لحظة حاسمة للمؤسسة. أى عندما يتم الاتفاق بين الحكومة وهيئة الإذاعة البريطانية على العرض ونطاق عملها وكيفية تمويلها بحيث يأتى هذا فى الوقت المناسب مع صدور ميثاق جديد لها فى بداية عام 2028. والآن سيتحول انتباه أقطاب الـ بى بى سى الكبار إلى التفكير فى الخطوة التالية فيما قد يكون صراعا مدمرا بل وجوديا مع «ترامب» حيث من الممكن أن تكون الرسوم القانونية وحدها باهظة الثمن.
كان من الممكن تجنب كل هذا لو أن الـ بى بى سى كانت صريحة فى وقت مبكر بشأن الخطأ وبادرت بتصحيحه، ولكنها لم تفعل، ولهذا فهى تواجه اليوم مشكلة عسيرة. والآن نتساءل هل يمكن للحكومة البريطانية التدخل وأن يبادر رئيس وزرائها «كيرستارمر» باستغلال رصيده السياسى مع الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أم أن المعركة ستستمر بلا هوادة بعد أن وصف «ترامب» الـ بى بى سى بأنها أسوأ من الأخبار الكاذبة، وزعم أن المؤسسة وصحفييها فاسدون؟.