مهرجان صحار.. عوائد اقتصادية توازي المصروفات
تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT
◄ مهرجان صحار يتطلب تخطيطًا دقيقًا لضمان تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات
د. خالد بن علي الخوالدي
اشتهر لدينا أنَّ المهرجانات والفعاليات المُهمة التي تستمر لأشهر تُكلِّف الدولة مبالغ مالية، والحقيقة التي يغفل عنها كثيرون أنَّ مثل هذه المصروفات ليست خسائر كما يتوهم البعض؛ لأنها دُفعت لأسباب منطقية ولحاجة ماسّة كالترفيه والتعليم والتثقيف والتوعية والترويج والتسويق، وغيرها من الأمور التي يستفيد منها المجتمع، وتُفيد الدولة في جوانب مختلفة كالسياحة والتجارة والاقتصاد والاستثمار وترسيخ الهوية الوطنية.
وتتعدد مصادر الإيرادات لمهرجان صحار الثالث والتي أُعلن عنها في مؤتمر صحفي سابق؛ حيث تعتمد بشكل رئيسي على الرعايات التي تُقدمها مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والتي تحقق عوائد وأرباحاً نظير هذه الرعاية، إضافة إلى الإيجارات الخاصة بالمطاعم والمقاهي والمعارض الاستهلاكية (البازار) وتذاكر الدخول للمهرجان وغيرها من الإيرادات، والتي تُشكِّل العمود الفقري لتمويل المهرجان، مما يتيح له الاستمرار في تقديم فعالياته المتنوعة.
والرعاية من قبل المؤسسات المختلفة تعتبر من أهم مصادر الإيرادات، حيث تسعى العديد من المؤسسات إلى دعم الفعاليات والترويج عن أسمها من خلال وجود شعارها واسمها في مختلف المواقع والمنشورات وغيرها، وهذا الدعم لا يقتصر فقط على الجانب المالي، بل يمتد إلى تقديم الخدمات والمنتجات التي تعزز من تجربة الزوار، كما إن مشاركة المؤسسات في المهرجان تعكس التزامها بالمساهمة في تنمية المجتمع المحلي.
أما بالنسبة للإيجارات، فإنَّ المهرجان يوفر فرصًا للمطاعم والمقاهي والبازار لعرض منتجاتهم وخدماتهم؛ مما يساهم في زيادة إيراداتهم، وهذه الإيجارات تعدر مصدر دخل إضافي للمهرجان؛ حيث يتم تخصيص جزء من هذه الإيرادات لتغطية المصروفات، وتذاكر الدخول للمهرجان تسهم أيضًا بدور مُهِم في تحقيق الإيرادات، إذ إنها بجانب كونها وسيلة لتنظيم دخول الزوار، فإنِّها تساعد في توفير موارد مالية إضافية تساهم في تغطية تكاليف الفعاليات.
وعلى الرغم من الإيرادات المتنوعة، إلّا أن تنظيم مهرجان صحار الثالث يتطلب مصروفات كبيرة، أبرزها المصروفات التي تُحقِّق هدف المهرجان الأساسي وهو تشغيل أكثر من 160 باحثاً عن عمل بصفة مؤقتة وتخصيص مبالغ مالية كبيرة لذلك، وتجهيز أكشاك بالمجان للأسر المُنتِجة طوال فترة المهرجان؛ ليكون لهم دخل إضافي في أيام المهرجان. وتشمل هذه المصروفات تجهيز المسرح الرئيسي والمدرجات التابعة له، وتجهيز أرض المهرجان بمركز صحار الترفيهي إلى جانب تجهيز الأكشاك والمواقع الخاصة بالمطاعم والمقاهي والتي يتم تأجيرها فيما بعد، إلى جانب مصاريف إقامة القرى التراثية (الزراعية والبدوية والساحلية) بكل تفاصيلها، والتي تعد من المصروفات ومن العناصر الأساسية التي تضيف قيمة للمهرجان؛ حيث يتم تخصيص مساحات لعرض الفنون والحرف اليدوية؛ مما يُعزز من تجربة الزوار ويشجع على التفاعل مع الثقافة المحلية، وتتيح للزوار التعرف على التراث الثقافي للمنطقة، كما تتطلب مصاريف المسرحين الصغير والرئيسي تجهيزات فنية وتقنية مُتقدمة وفعاليات متنوعة، مما يزيد من تكلفة التنظيم، وهذه التجهيزات والترتيبات التي تحتاج إلى مصاريف كبيرة تعتبر ضرورية لضمان تقديم تجربة مميزة للزوار، وهنا تقع المسؤولية الكبيرة؛ حيث يتطلب الأمر تخطيطًا دقيقًا لضمان تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات.
إنَّ القدرة على تحقيق عوائد اقتصادية توازي المصروفات تعتمد على التخطيط الجيد والتنظيم الفعال، لذا كان القائمون على مهرجان صحار الثالث على دراية تامة بالاحتياجات المالية للمهرجان، وسعوا جاهدين لتأمين مصادر الإيرادات المتنوعة، ونجحوا حتى الآن في تحقيق الهدف الأهم المتمثل في التوازن بين المصروفات والإيرادات، ولقد كان لنجاح النسختين الأولى والثانية واستقطاب ما يقرب من مليون ونصف المليون زائر الأثر الكبير في ثقة الجميع بهذا المهرجان، كما إنَّ الترويج الجيد للمهرجان يعد عنصرًا أساسيًا في جذب الزوار؛ حيث جرى استخدام وسائل الإعلام والتسويق الرقمي بشكل فعّال للوصول إلى أكبر عدد مُمكِن من الجمهور المُستهدَف.
إنَّ مهرجان صحار يمثل نموذجًا يُحتذى به في كيفية تحقيق عوائد اقتصادية توازي المصروفات من خلال تنويع مصادر الإيرادات والتخطيط الجيد للمصروفات، وبهذا يُمكن للمهرجان أن يستمر في تقديم فعاليات ثقافية مُميَّزة تُعزِّز من الهوية الثقافية وتساهم في تنمية الاقتصاد المحلي. ونجاح مهرجان صحار يعتمد على التعاون بين جميع الأطراف المعنية؛ بما في ذلك شركات القطاع الخاص، والمؤسسات الحكومية، والمجتمع المحلي، من أجل أن يُحقِّق أهدافه الاقتصادية والثقافية.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مهرجان «أيام العربية» ينطلق في أبوظبي 13 ديسمبر
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلةينطلق مهرجان «أيام العربية» في دورته الثالثة، من 13 إلى 15 ديسمبر 2025 في منارة السعديات، تحت شعار «جونا عربي»، بتنظيم مركز أبوظبي للغة العربية، التابع لدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي.
وتقدّم دورة هذا العام برنامجاً موسعاً يحتفي باللغة العربية باعتبارها ركناً أساسياً في التعبير الإبداعي والمعرفي، وبما يعكس حضورها في المشهد الثقافي المعاصر، مع الحفاظ على أصالتها وعمقها المرتبط بالهوية والإبداع. وذلك بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي تنظمه اليونسكو سنوياً في الثامن عشر من ديسمبر.
يحتفي مهرجان «أيام العربية» بثراء اللغة العربية وتنوعها الإبداعي، مرحّباً بجميع الزوّار سواء الناطقين أو غير الناطقين بالعربية، من خلال العروض الموسيقية والحوار عبر تجارب غامرة وعروض فنية وأعمال معاصرة تُحيي اللغة، ليكون «أيام العربية» منصةً عامةً للفنانين والمؤدين، المحترفين والصاعدين، ممن تشكّل اللغة العربية وتأثيرها أداة إبداعهم.
ويتضمّن المهرجان برنامجاً متنوعاً لجلسات حوارية ومجالس الحكايات حول موقدة النار، التي تُقام بالشراكة مع مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون (ADMAF)، بمشاركة نخبة من الشخصيات الثقافية والشعراء وصنّاع الأفلام والباحثين والموسيقيين من العالم العربي.
تتناول هذه الجلسات موضوعات مختلفة تشمل تطور فن الموشحات وتأثيره في التقاليد الشعرية والموسيقية، والعلاقة بين الصوت والذاكرة والهوية، ومساهمات الشباب في إثراء صناعة الفيلم العربي، وجماليات اللغة العربية في الأدب والفنون، ورمزية الحصان العربي وما يمثله من إرث ثقافي عريق.
وقد صُممت العروض الموسيقية والتجارب التفاعلية لتناسب الجماهير من مختلف الأعمار، فيما يدعو المهرجان زوّاره لاكتشاف اللغة العربية بصفتها لغة مليئة بالإيقاع والتعبير والأسلوب.
وكذلك يستضيف المهرجان برنامجاً تدريبياً للسرد القصصي يستمر لثلاثة أيام بالتعاون مع «سي إن إن بالعربية»، يُتيح لصناع المحتوى الشباب مهارات عملية في بناء السرد وتطوير المحتوى الرقمي.
مؤتمر «الابتكار»
وإلى جانب برامجه المتميزة، يستضيف المهرجان فنانين تتنوع خلفياتهم الموسيقية بين الحديث والكلاسيكي وحتى فنون الموشحات الأندلسية، من بينهم فؤاد عبدالواحد، ورحمة رياض، وفرقة كايروكي، وريما خشيش، ولينا شماميان، وزينة عماد، وذلك بعد أن رحّب في الدورتين السابقتين بعدد من الفنانين والشخصيات العربية والعالمية من بينهم الأكاديمي والمحلل الأميركي، الدكتور روي كاساغراندا، وكذلك الفنانون مروان خوري، ومنى زكي، وعزيز مرقة، وحمزة نمرة، وغيرهم.
كما تتضمن الفعاليات مؤتمراً بالشراكة مع جامعة نيويورك أبوظبي يمتد ليومين بعنوان: «الابتكار المدعوم بالذكاء الاصطناعي في تعليم اللغات العالمية: مقاربة تربوية وتطبيقية»، تتخلله ورش تطبيقية عملية تهدف إلى تزويد المعلمين باستراتيجيات توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير مواد تعليمية مبتكرة للغة العربية.
قوة محركة
ومن جانبه، قال الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية: «يجسّد مهرجان أيام العربية الذي يتزامن مع احتفال اليونسكو باليوم العالمي للغة العربية الرؤية أن اللغة قوة محركة للمستقبل، ورافداً أساسياً للابتكار، تشكل عاملاً فاعلاً في خلق التوازن بين بين التراث الغني، والابتكار المعرفي، لنؤكد مكانة لغتنا العربية في الحقول البحثية والإبداعية».
وأضاف: «يشكّل المهرجان دعوةً مفتوحةً لكل أفراد المجتمع، لتطوير علاقتنا مع لغتنا الأم، كي تكون قائمةً على الفخر، والوعي، والخيال، وإدراك أن العربية تملك الأدوات اللازمة لتكون جزءاً من التحولات الكبرى التي يشهدها العالم».
السينما العربية
ومن خلال التعاون مع هيئة الإعلام الإبداعي في أبوظبي، ستحظى السينما العربية بحضور بارز هذا العام، عبر مجموعة من الأفلام القصيرة، التي أنتجها خريجو «استوديو الفيلم العربي»، إحدى مبادرات «المختبر الإبداعي»، ذراع تطوير المواهب التابع للهيئة.
وتتميّز الأفلام بطبيعتها المناسبة للعائلات، وتناولها لموضوعات الهوية والثقافة وأنماط الحياة في المجتمعات الحديثة، كما سيشارك عدد من المتحدثين من استوديو الفيلم العربي في جلسات نقاشية تسلط الضوء على السرد العربي والسينما.
ويعزّز المهرجان مشاركة الشباب، إذ يُعَد منصة حيوية تحتفي بالإبداع والابتكار والهوية الثقافية، ومن خلال فعاليات يقودها مبدعون شباب وشراكات مع مؤسسات إماراتية ومحلية ناشئة، حيث يعزّز البرنامج التزام مركز أبوظبي للغة العربية بتمكين الجيل القادم وترسيخ الفخر باللغة العربية وتراثها، كما تجمع بين شركاء ثقافيين بارزين ومؤسسات مجتمعية عريقة.
كما سيحظى الزوّار برحلة مع معرض «عطور عربية ساحرة»، حيث يكتشفون التراث العريق لصناعة العطور العربية، والتعرف على أصولها، وكذلك المشاركة في ورش عمل تعتمد على وصفات تقليدية لها.
والجدير بالذكر، فقد نال مهرجان أيام العربية جائزة محمد بن راشد للغة العربية لعام 2025، عن فئة أفضل مبادرة لتعزيز ثقافة القراءة ومجتمع المعرفة، تأكيد لدوره في تعزيز الثقافة والفكر ومجتمع المعرفة.