لجريدة عمان:
2025-06-20@22:42:30 GMT

الفلسفة وجودة الحياة

تاريخ النشر: 3rd, December 2024 GMT

ينعقد في نهاية الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الجاري مؤتمر فلسفي ضخم بمدينة الرياض، بعنوان «الفلسفة وجودة الحياة»، وهو حدث يدعو للدهشة والإعجاب في الوقت ذاته: أما الدهشة فمبعثها أن الفلسفة أصبحت حاضرة في السعودية بعد أن كان اسم الفلسفة حتى عهد ليس ببعيد غير قابل للتداول حتى على المستوى الأكاديمي، فأصبحنا نجد «جمعية فلسفية» يرأسها الدكتور المعروف عبدالله المطيري، وتصدر عنها مجلة فلسفية بعنوان «مقابسات»، كما نجد برنامجا تلفزيونيًّا متخصصًا في الثقافة الفلسفية بعنوان «الفيلسوف» يقدمه الأستاذ المتميز شايع الوقيان.

وها نحن نجد الآن مؤتمرًا فلسفيًّا تم الإعداد والترويج له بشكل متميز، حتى إن الإعلان عنه ينتشر من خلال فيديوهات قصيرة تُعرَض عبر شاشات ضخمة في الشوارع الرئيسة! أما الإعجاب فمبعثه هو أن القائمين على هذا المؤتمر قد فطنوا إلى موضوع بالغ الأهمية في الفلسفة الراهنة، وهو الكشف عن الصلة الوثيقة بين الفلسفة والحياة باعتبار ذلك موضوعًا مركزيًّا وتوجهًا أساسيًّا في البحث الفلسفي الراهن قد أهملته الفلسفة طويلًا؛ ويشمل ذلك البحث في الفلسفة من حيث صلتها بالحياة اليومية، وهو ما يُعرَف الآن باسم «فلسفة الحياة اليومية» philosophy of everyday life، كما يشمل ذلك البحث في الفلسفة باعتبارها أسلوبًا للعيش والمساهمة في جودة الحياة، وهذا هو الموضوع الذي أريد إلقاء الضوء عليه في هذا المقال.

الحقيقة أن مفهوم «جودة الحياة» ليس جديدًا على الفلسفة الراهنة وكأنه اكتشاف جاء من العدم، بل إنه كان متأصلًا في فلسفة القدماء قبل أن تتحول الفلسفة إلى تخصصات علمية: ففي الحضارات القديمة كانت الفلسفة تعني الحكمة، وإن كانت هذه الحكمة ممتزجة بالأسرار الدينية (كما في حضارة مصر القديمة)، وبالكتب المقدسة (كما نجد ذلك في «كتب الأوبانيشاد» لدى الهندوس القدماء)، وبالشعر والحكمة الصينية القديمة (كما نجد ذلك في أعمال الشاعر الفيلسوف لا-وتسي). ويأتي بعد ذلك كبار فلاسفة اليونان- الذين أخذوا الكثير عن حكمة الشرق القديم- ليؤكدوا على الفلسفة باعتبارها «محبة الحكمة» والحياة السوية، وإن كان من خلال التأمل العقلاني الخالص. وها هو ذا أرسطو نفسه يتحدث عن جودة الحياة تحت اسم «الحياة الطيبة» good life. وحتى عندما ننتقل إلى العصر الهلنستي نجد أن كبار فلاسفة هذا العصر من الرواقيين والأبيقوريين مهتمين في المقام الأول بالبحث في أسلوب العيش الذي يكفل السعادة في الحياة.

هذه المهمة الرئيسة للفلسفة قد توارت تدريجيًّا بعد ذلك لدى فلاسفة العصر الحديث (باستثناء قلة من الفلاسفة من أمثال شوبنهاور)؛ إذ انشغلت الفلسفة في المقام الأول بنظرية المعرفة، إلى أن فطن بعض كبار الفلاسفة إلى أهمية البحث في الحياة وأسلوب العيش؛ ولذلك فإن هوسرل الذي انشغل طيلة حياته بمسائل منهجية دقيقة، قد انشغل في أواخر حياته بمفهوم «عالم الحياة أو العالم المعيش» Lebens Welt، وإن كان العمر لم يمهله لإكمال مشروعه. ولكن مشروع هوسرل المتأخر لفت انتباه الفلاسفة إلى أهمية البحث في الحياة بوصفها موضوعًا رئيسًا للتفلسف. ولكن الفلسفة في عصرنا الراهن استأنفت البحث في الحياة لا باعتبارها موضوعًا أنطولوجيًّا فحسب، وإنما باعتبارها موضوعًا عمليًّا أيضًا، أعني الحياة على مستوى العيش وما يكفل جودة هذا العيش.

غير أنه من الضروري أن نلاحظ أن مفهوم جودة الحياة لا يشتمل فحسب على الجانب الفيزيقي الذي يتعلق برفاهة العيش (كالمأكل والمشرب والمسكن)، وإنما يشمل أيضًا الرضا النفسي والاجتماعي، وهو يشمل كذلك الجوانب المتعلقة بمنظومة القيم الروحية والثقافية والجمالية التي تأتي في أعلى سلم متطلبات جودة الحياة (وهذا هو الجانب الذي يقع في بؤرة اهتمام البحث الفلسفي). ونظرًا لاتساع هذا المفهوم، فقد أصبح متداولًا في الدراسات الفلسفية والاجتماعية والنفسية.

فطنت الفلسفة الراهنة إذن إلى أهمية عودة الفلسفة إلى ينابيعها الأولى، باعتبارها تأسيسا للوعي الذي يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش على المستوى العقلي والروحي والجمالي. وعلى سبيل المثال: لو نظرنا الاتجاهات الفنية والجمالي في مجال الفلسفة الراهنة، لوجدنا أنها تحاول إعادة الاعتبار لقيمة الفن من خلال الربط بين القيم الفنية والجمالية وبين السياق الاجتماعي الذي يعيش فيه الناس، بحيث يجد الناس أن أشكال الجمال في الأعمال الفنية تعبِّر عن حياتهم وتخدم أساليب معيشتهم وتزين جدران منازلهم، من خلال أبنية معمارية تلبي احتياجاتهم المجتمعية والخدمية بحيث تتناسق فنيًّا وجماليًّا مع أساليب عيشهم وتراثهم، سواء كانت تتمثل في أبنية سكنية أو مدارس أو دُور عبادة. ولا غرابة في أن هذا قد أصبح من المعايير التي تعتمدها الجوائز الكبرى في فن المعمار؛ لأن هذه المعايير لا تجور أبدًا على المعيار الجمالي الذي ينبغي أن يكون هو المعيار الأول في الحكم على قيمة أي عمل فني، ولكن هذا المعيار نفسه سوف يفقد قيمته، ما لم يَكُن مضمون التعبير الجمالي مرتبطًا أيضًا بحياة الناس وأساليب عيشهم وبهُويَّتهم.

قصارى القول إن الفلسفة الراهنة قد فطنت إلى أزمة الوعي الإنساني الحقيقية التي تمثلت في فصل الوعي الإنساني (أو الروح الإنساني) عن عالمه المعيش، وهو ما نبهنا إليه وحذرنا منه الفيلسوف العظيم إدموند هوسرل في كتابه الشهير «أزمة العلوم الأوروبية».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جودة الحیاة فی الحیاة البحث فی موضوع ا من خلال

إقرأ أيضاً:

تقرير: 70% يعارضون بقاء أردوغان رئيساً مدى الحياة

دأنقرة (زمان التركية) – شارك معهد الدراسات المجتمعية نتائج “مسح توجهات الناخبين في تركيا”.

بينما تُشير التكهنات إلى أن حملة الدستور الجديد التي يقودها تحالف الجمهور الحاكم ستفتح الطريق أمام ترشح الرئيس ورئيس حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، مرة أخرى، جاءت نتائج لافتة من “مسح توجهات الناخبين في تركيا” الذي نشره معهد الدراسات المجتمعية اليوم.

وعند سؤال المشاركين عن “كيف تُقيّم احتمالية بقاء أردوغان رئيسًا مدى الحياة؟”، بلغت نسبة من أجابوا بـ “سلبي” أو “سلبي جدًا” 70%. وكان لافتًا أن نسبة من أبدى رأيًا سلبيًا ضد بقاء الرئيس مدى الحياة بين من يُعرّفون أنفسهم بأنهم “محافظون” و”إسلاميون” بلغت 50%.

وقيّم المشاركون احتمالية بقاء أردوغان رئيسًا مدى الحياة بنسبة 11.5% “إيجابي جدًا”، و18.5% “إيجابي”، و37% “سلبي”، و33% “سلبي جدًا”.

وبلغت نسبة المطالبين بانتخابات مبكرة 52%، بينما اعتبرت الغالبية العظمى اعتقال رئيس بلدية إسطنبول ورئيس اتحاد بلديات تركيا، أكرم إمام أوغلو، الذي أُقيل من منصبه كمرشح رئاسي لحزب الشعب الجمهوري، “سياسيًا”.

وعند سؤالهم: “هل سيتمكن أكرم إمام أوغلو من الخروج من السجن خلال العام المقبل؟”، أجاب 39.6% بـ “لا”، و21.9% بـ “نعم”، و23.9% بـ “ربما”، و14.6% بـ “لا أعرف”.

علّق المعهد على البحث، قائلاً: “في اثنين من أصل أربعة استطلاعات رأي وطنية أجراها معهد الدراسات المجتمعية في الأشهر التسعة الماضية، برز حزب الشعب الجمهوري، وفي اثنين منها برز حزب العدالة والتنمية كأكثر الأحزاب حصولًا على دعم الناخبين. في ثلاثة من استطلاعاتنا الأربعة، كان الفارق بين الحزبين ضمن نطاق هامش الخطأ في الدراسة (+/- 2.5%) أو قريبًا منه. وبينما يستمر هذا الوضع، نرى تحولًا لصالح حزب العدالة والتنمية في المرتبة الأولى.

وبعد توزيع نتائج المترددين، يأتي حزب العدالة والتنمية في المرتبة الأولى بنسبة 32.3%، وحزب الشعب الجمهوري في المرتبة الثانية بنسبة 30.5%. في بحثنا الوطني السابق في يناير 2025، كان حزب الشعب الجمهوري متقدمًا على حزب العدالة والتنمية بـ 0.5 نقطة. يمكننا القول إن تركيا، في الأشهر التسعة الماضية، استقرت بشكل ملحوظ، من حيث تفضيلات الانتخابات العامة، في جو سياسي يتسم بحزبين كبيرين متساويين في الدعم الشعبي”.

مقالات مشابهة

  • بعد 7 ساعات بحث.. استخراج طفلة على قيد الحياة من أسفل عقار حدائق القبة المنهار
  • عون: بيروت كانت وستبقى نبض الحياة
  • الفلسفة السياسية والنظرية السياسية (1): لغة الخطاب
  • استخراج 8 أشخاص على قيد الحياة من أسفل عقار حدائق القبة المنهار ونقلهم للمستشفى
  • زيت الزيتون.. «إكسير الحياة» الذي يطيل العمر ويحمي من الأمراض القاتلة
  • تقرير: 70% يعارضون بقاء أردوغان رئيساً مدى الحياة
  • سيف بن زايد: الإمارات تتبنى تهيئة بيئة رقمية متكاملة لتعزيز جودة الحياة
  • الانهيار الاقتصادي يقتل كل مظاهر الحياة المعيشية في عدن
  • تقرير «الإيكونوميست».. مدينة الخبر تُسجل أكبر تحسّن عالمي في جودة الحياة لعام 2025
  • مقطع نادر يوثق الحياة اليومية في اليمن السعيد قبل أكثر من 45 عامًا. فيديو