بوابة الوفد:
2025-05-20@09:21:31 GMT

نظرة فى ثيمة التردّد فى الأدب العربي

تاريخ النشر: 8th, December 2024 GMT

آه، كم من مرةٍ غيَّر أحد أصدقائنا رأيه فجأةً بشأن الانضمام إلينا فى نزهة أو لعشاءٍ فى مطعم. وعندما ينضم إلينا أخيرًا فى مناسبة عشاءٍ أخرى، نراه يتململ ويتردّد فى اختيار ما يطلبه من الطعام، متأخرًا عن دوره حتى يسمع طلباتنا، ثم يطلب الطبق الذى اختاره آخر شخص فى المجموعة، ثمّ يغير رأيه ويطلب طبقا من السلطة.

يعد التردّد حالة نفسية وعاطفية ليس فقط فى أفراد بأعينهم بل أيضا فى شخصيات روائية تكافح مع الشكّ، والتردّد، والخوف من اتخاذ القرارات الخاطئة. يستكشف الروائيون من خلال هذه الشخصيات المترددة تعقيدات النفس البشرية وعواقب عدم الحسم على الأفراد والمجتمعات.

فى الأدب العربي، يتداخل التردّد مع قضايا الهوية، والقيود الاجتماعية، والتحولات السياسية. أحد الأمثلة البارزة على التردّد فى الأدب العربى يظهر فى رواية نجيب محفوظ الثلاثية (1956-1957)، خاصة فى شخصية ياسين، الذى يعانى صراعا داخليا حول علاقته بوالده ومكانه فى المجتمع المصرى. طوال الثلاثية، يُظهر ياسين عدم قدرته على اتخاذ قرارات حاسمة فى حياته الشخصية، ودوره فى عائلته، واهتمامه بالشئون السياسية، ما يمثل حالة الضعف الأخلاقى والاجتماعى فى مصر فى بداية القرن العشرين. يعكس تردده الأزمة الاجتماعية الأكبر فى مصر، حيث تركت التغيرات السياسية والثقافية السريعة العديد من الأفراد فى حالة من عدم اليقين حول هويتهم ومسارهم.

وفى رواية الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال (1966)، يواجه مصطفى سعيد، بطل الرواية، صراعًا داخليًا بين هويته العربية والمجتمعين الاستعماريين فى أفريقيا وأوروبا. إن تردده ينبع من تعارضه بين جذوره الثقافية وإغراءات الحضارة الغربية. رفض مصطفى الالتزام بهوية واحدة –عالقًا بين ثقافتين– يمثل الدوامة الوجودية التى يعيشها العديد من الأفراد فى المجتمعات ما بعد الاستعمارية. تردّد مصطفى يؤدى إلى نتائج مأساوية، ما يبرز عجزه الذى يدفع الرواية إلى استكشاف موضوعات العزلة والفقد.

كما يتناول غسان كنفاني، وهو من أبرز كتّاب الأدب الفلسطيني، التردد فى روايته رجال فى الشمس.(1962) تركز الرواية على ثلاثة لاجئين فلسطينيين يحاولون الهروب من ظروفهم القاسية، لكن عدم قدرتهم على اتخاذ قرار حاسم يرمز إلى عجز الشعب الفلسطينى تحت الاحتلال. إن تردّدهم فى اتخاذ أى خطوة حاسمة فى مواجهة التحديات يفضى إلى نتائج مأساوية.

إن التردّد، كما يتم تصويره فى الأدب العربي، يعكس التوترات النفسية والاجتماعية التى تؤثر فى سلوك البشر ويتداخل مع صراع الهوية والتحولات السياسية. من خلال استكشاف شخصيات ممزقة بين الرغبات المتضاربة، والقيم، والضغوط الخارجية، توفر هذه التمثيلات الأدبية رؤى غنية حول تعقيدات اتخاذ القرار وعواقبه العميقة. فى الأزمات الوجودية تعكس ثيمة التردّد صراعاتنا مع الخيارات وعواقب عدم حسم الامور.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الانضمام مطعم حالة نفسية فى الأدب الترد د

إقرأ أيضاً:

الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد شرفة آدم في معرض الدوحة للكتاب

الدوحة – وقّع الشاعر والصحفي الأردني حسين جلعاد كتابه الجديد "شرفة آدم.. تأملات في الوجود والأدب"، مساء الجمعة، وذلك في جناح المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

الكتاب، الذي صدر حديثا في بيروت، يشكّل امتدادا لتجربة جلعاد الطويلة في الصحافة الثقافية والكتابة الأدبية، ويجمع بين التأملات الفلسفية والرؤى الأدبية والنقدية، من خلال مقالات وقراءات معمقة، وحوارات مع رموز أدبية عربية وعالمية، جُمعت على امتداد أكثر من عقدين من العمل الصحفي والثقافي.

أكد الشاعر والقاص الأردني، في جلسة حوارية ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، أن الأدب هو أوسع فضاء يمكن للإنسان أن يعبّر فيه عن نزقه وإنسانيته بكافة أشكال التعبير الفني من شعر وقصة ورواية.

وقال إن شرفة آدم هي دعوة للتأمل من موقع مرتفع، حيث لا يكتفي الإنسان بالتفكير في يومه الراهن، بل يتأمل في أصل أفكاره ومآلاتها. وأضاف "هي شرفة لا تحكمها محددات السياسة أو الأيديولوجيا، بل تتسع لكل ما يود الإنسان قوله بصدق".

وأشار إلى أن هذا التأمل يقود إلى التسامي عن الأفكار التي قد لا تخدم الإنسان أو المجتمع، وأن الأدب، في جوهره، هو وسيلة لتحسين شروطنا الإنسانية والتفكير في صورة مثالية عن المجتمع والذات.

إعلان

وعبّر الكاتب عن سعادته الكبيرة بالمشاركة في أمسية ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، ووجّه شكره للحضور ولإدارة المعرض على تنظيم هذا الحدث الثقافي البارز.

الأدب وفنون التعبير

وحول فلسفة عنوان الكتاب، أوضح الكاتب أن "شرفة آدم" تحمل دلالة فلسفية وثقافية، تنطلق من فكرة التأمل في أفكار الإنسان، مشيرا إلى أن الأدب هو أرحب مجال يمكن للإنسان من خلاله التعبير عن أفكاره، بعيدا عن تعقيدات السياسة أو القيود الأخرى.

وأكد أن الأدب هو "صوت الإنسان من الداخل" وتفاعله مع مجتمعه، وهو الوسيلة التي يستطيع من خلالها أن يعبّر عن نفسه بصدق وشفافية، بكل ما فيها من تناقضات ونزق وإنسانية.

وتابع قائلا "كل ما يريده الإنسان من قول يمكن أن يجده في الأدب، سواء من خلال الشعر، أو الرواية، أو القصة، أو سائر الفنون الكتابية الأخرى".

وفيما يتعلّق بمحتوى الكتاب، أوضح أن العمل يحتوي على حوارات فكرية وأدبية أُنجزت على امتداد سنوات طويلة من العمل في الصحافة الثقافية. وتنقسم هذه الحوارات إلى أقسام، أولها مع أدباء أردنيين بحكم عمله الطويل في الأردن، ثم حوارات أخرى مع كتاب عرب التقاهم خلال عمله في قطر، أو أثناء عمله السابق في عمّان وفي صحف عربية مثل "النهار" و"القدس العربي".

كما أشار إلى لقاءات جمعته بأدباء من عواصم غربية، مثل الشاعر الإيطالي الشهير إدواردو سانجونيتي، الذي كان يُعد من أبرز شعراء إيطاليا حين حاوره. وبيّن أن سانجونيتي قدّم في سنواته المتأخرة نمطا جديدا من الكتابة الشعرية، وصفه بأنه "فتح شعري" آنذاك.

وأشار إلى أن هذه الحوارات جاءت ضمن مشروع أدبي يهدف إلى استكشاف الذات الإنسانية عبر الأدب، والتفكير في موقع الإنسان من الوجود، عبر "شرفة" تطل على المعرفة والتجربة والحياة.

من النقد للقصة والرواية

وعن تنوّع إنتاجه الأدبي، قال جلعاد إنه في الأساس شاعر، وله أيضا مجموعة قصصية بعنوان "عيون الغرقى"، كما أن لديه ميولا للكتابة الروائية ويعمل على مخطوطات روائية ستُنشر لاحقا.

إعلان

وبيّن أن "كل الفنون الكتابية تنطلق من أصل واحد، هو التأمل"، مضيفا أن حتى العالِم الفيزيائي آينشتاين كان يؤمن بأن الاكتشافات العظيمة تبدأ بخاطرة متأملة، لا معادلات رياضية.

وأكد أنه لا يرى فواصل حقيقية بين أشكال الكتابة الأدبية، لكنه يراها مشروطة بالإتقان. وأضاف "لا يصبح الإنسان شاعرا بين ليلة وضحاها، بل لا بد من الموهبة، والثقافة، والتجربة الطويلة".

وحين سُئل عن المرجعية الفكرية والفلسفية التي ترتكز عليها كتاباته، قال جلعاد بثقة "الإنسان هو الفكرة الأساسية. همومه، مشاكله، أفكاره، سواء في الطبيعة أو ما وراء الطبيعة، هي المرجع الذي أنطلق منه. كل شيء بعد ذلك هو تفاصيل".

جلسة نقاشية في منتصف معرض الدوحة للكتاب حول "شرفة آدم" بحضور المؤلف وعدد من القراء والصحفيين (الجزيرة)

وأضاف أن الكتابة عن الإنسان لا تختلف جوهريا، سواء كانت في شكل قصيدة أو رواية أو مقالة، مشددا على أن النقطة المرجعية الدائمة في مشروعه الأدبي هي تأمل الذات والوجود من شرفة إنسانية.

وأعرب حضور للندوة التي عُقدت في منتصف معرض الدوحة للكتاب في يومه قبل الأخير عن تقديرهم لما قدمه الكاتب من إضاءات فكرية عميقة حول كتابه، متمنين له مزيدا من النجاح في مشاريعه الأدبية المقبلة.

يُذكر أن المؤلف من مواليد عام 1970، وهو شاعر وقاص وصحفي أردني، ويعمل في موقع الجزيرة نت، وهو عضو رابطة الكُتّاب الأردنيين، وشغل عضوية هيئتها الإدارية (2004-2005) وهو عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب.

واختير جلعاد عام 2006 سفيرا للشعر الأردني لدى حركة شعراء العالم، وهي منظمة أدبية مقرها تشيلي وتضم في عضويتها آلاف الشعراء، كما اختارته مؤسسة "هاي فِسْتِيفَل" (Hay Festival) -بالتعاون مع اليونسكو ووزارة الثقافة اللبنانية- ضمن أفضل 39 كاتبا شابا في العالم العربي والمهجر (جائزة بيروت 39) بمناسبة اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب عام 2009.

إعلان

وصدر له في الأدب "العالي يُصْلَب دائما" (شعر، دار أزمنة، عمّان، 1999)، و"كما يخسر الأنبياء" (شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007)، و"عيون الغرقى" (قصص قصيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2023). و"شرفة آدم" (نقد أدبي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2025). كما صدر لجلعاد منشورات فكرية وسياسية هي "الخرافة والبندقية.. أثر العولمة في الفكر السياسي الصهيوني" عام 1999، ومن قبله "المسألة الكردية وحزب العمال الكردستاني" عام 1997.

مقالات مشابهة

  • الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد شرفة آدم في معرض الدوحة للكتاب
  • نظرة ما.. مواجهة عربية لاقتناص ثاني أهم جوائز مهرجان كان السينمائي
  • حرب السودان.. ثيمة رئيسة لإنتاج الكتّاب السودانيين بمعرض الدوحة
  • كان يا ما كان في غزة| تناول مغاير للواقع الفلسطيني بمهرجان كان السينمائي
  • بين نوبل وبوليتزر.. لماذا رفض سارويان الجوائز؟
  • بيرتراند راسل… حين تمنح الفلسفة جائزة نوبل
  • بودكاست يوسف السنوسي
  • اتحاد شباب المصريين: نظرة الدولة تغيرت تجاه أبنائنا بالخارج
  • ليبيا تشارك بملتقى «الأدب الشعبي العربي» في تونس وتبرز تاريخها الثقافي العريق
  • «المسرح» في فنون الأدب العربي