بعد إيران وروسيا.. الصين تفقد داعمها التاريخي في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
في حين كانت روسيا وإيران من أقرب الداعمين لسوريا في السنوات الأخيرة، فقد تعززت علاقات دمشق كذلك مع الصين. ويرى محللون فرنسيون وصينيون أنّه بسقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، تكون بكين قد فقدت بدورها داعمها التاريخي في الشرق الأوسط.
وبينما تكتفي الصين اليوم بمُراقبة ما يحدث في سوريا، باهتمام وخوف من الاضطرابات الجارية وتداعياتها على إيران وروسيا، الشريكين الأساسيين لدمشق، يجد خبراء استراتيجيون صينيون في ضعف نفوذ طهران وموسكو، الذي يترك سوريا دون شريك اقتصادي وسياسي قوي، فرصة مُهمّة تفتح لبكين باباً واسعاً للتدخل، وذلك بمُساعدة بعض الدول العربية.
Avec la chute de #Bachar el-Assad en #Syrie, la #Chine perd un appui historique au Moyen-Orienthttps://t.co/3ilHCd4P5H
par @Le_Figaro
واكتفت وزارة الخارجية الصينية في الوقت الحالي، بالإعراب عن أملها في أن تعود سوريا إلى الاستقرار في أقرب وقت ممكن، ودعت إلى حلّ سياسي بين جميع الأطراف. وحثّت الأطراف السورية المعنية على اتخاذ الإجراءات اللازمة، لضمان سلامة المؤسسات الصينية والأفراد الصينيين في سوريا.
والصين إحدى الدول القليلة خارج الشرق الأوسط، التي زارها بشار الأسد منذ بدء الحرب الأهلية في سوريا عام 2011. وفي تلك الرحلة في عام 2023، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ والأسد عن "شراكة استراتيجية" بين بلديهما.
وترى صحيفة "لو فيغارو"، أنّ النكسات التي مُنيت بها موسكو وطهران في سوريا، والفراغ الذي تمّ تركه يُمكن للصين أن تندفع إليه في نهاية المطاف، إذا نجحت في استئناف اللغة مع السادة الجدد لدمشق، التي لا تزال تحت رحمة الاضطرابات.
Syrie : les rebelles annoncent la chute de Bachar al-Assadhttps://t.co/PCDasW789A
— La Tribune (@LaTribune) December 8, 2024 البحث عن الجهاديين الصينيينوبدورها، رأت صحيفة "لا تريبيون" أنّه في مواجهة سقوط بشار الأسد، كانت ردود الفعل المُتعارضة للمُستشارين الصيني والإيراني، بمثابة بدايات الجيواستراتيجية المستقبلية في هذه المنطقة من العالم. ومع عدم الثقة في وصول المتمردين الإسلاميين إلى السلطة، تُدقق الصين في الدور المُحتمل للمُقاتلين من شينجيانغ، الذين جاءوا إلى سوريا ليتدرّبوا على الجهاد ويُمارسوه.
كما وأرادت أجهزة الأمن الصينية، معلومات عن مقاتلين محتملين من الأويغور، من حركة تركستان الشرقية الإسلامية، الذين يُقاتلون بالقرب من إدلب السورية، هذه المنظمة المُقاتلة التي يشكك العديد من الخبراء في أنها لا تزال تعمل.
Syrie : le régime d’Assad défié par les rebelles https://t.co/yyiJlOeJk7
— La Tribune (@LaTribune) December 1, 2024 تحدٍ سياسيوتُمثّل المرحلة الانتقالية في مرحلة ما بعد الأسد، تحدّياً كبيراً للسياسة الخارجية للصين. إذ وبعد أن دعمت الأسد وتطبيع دمشق مع الجامعة العربية، فإنّها تُخاطر بالتهميش في سوريا الجديدة. وأنّ "هذا الواقع السياسي الجديد يتطلب نهجاً عملياً من بكين"، حسب إميلي تران، الأستاذة والباحثة في جامعة هونغ كونغ متروبوليتان.
ومن جهته، يرى شي ينهونغ، الأستاذ الفخري في جامعة رنمين في بكين، أنّ التطوّرات الأخيرة في سوريا تحرم بكين من شريك استراتيجي مُهم في منطقة الشرق الأوسط، حتى ولو كان للصين تحالفات أخرى تمّ تشكيلها مع قوى خليجية فاعلة. ويعتبر ينهونغ ما حدث بأنّه "انتكاسة من حيث الهيبة. وهذا يقلل بشكل أكبر من الدور الدبلوماسي للصين في الشرق الأوسط.. ناهيك عن الاستثمارات المفقودة، والتي سيكون من الصعب الحصول على تعويض عنها".
وأشار الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي في "لو فيغارو"، سيباستيان فاليتي، إلى أنّ زيارة الأسد العام الماضي للصين لم تخلُ من دوافع سليمة وأمنية مُتعثّرة، إذ أراد الرئيس السوري السابق الانضمام إلى "طرق الحرير الجديدة"، والحصول على الدعم الاقتصادي، فيما كانت بكين تتطلع إلى استثمار فرص إعادة إعمار سوريا المدمرة، مع احتياجات البنية التحتية المُلحّة.
La Chine appelle au respect de la souveraineté de la Syrie face aux attaques israéliennes
- Pékin appelle "toutes les parties concernées" à agir dans "le meilleur intérêt" du peuple syrien et à trouver une solution politique pour restaurer la stabilitéhttps://t.co/wizvwj9J0L
ويرى فاليتي أنّ رحلة بشار المؤسفة إلى روسيا، تضع نهاية مُفاجئة للعلاقات المتينة بين بكين ودمشق، ولكن ليس للنفوذ الصيني المُتنامي في الشرق الأوسط.
ومثل القوى الأخرى، فإنّه يجب على الصين أن تتكيف بخفة مع الوضع الجديد غير المؤكد الذي بدأ في الظهور في سوريا، وأن تستمر في التأثير على حقبة ما بعد الأسد، بسبب ثقلها الاقتصادي والدبلوماسي. كما أنّه لن يكون بمقدور أسياد دمشق الجدد أن يتجاهلوا عضواً دائماً في مجلس الأمن، له قيمة في موازنة الضغوط الغربية، ومُزوّد للبنية التحتية.
ورغم الخسارة الصينية الفادحة، فإنّ الخسارات الأثقل التي مُنيت بها موسكو وطهران تترك فراغاً يصعب ملؤه في سوريا يُمكن لبكين أن تندفع إليه في نهاية المطاف إذا نجحت في استغلاله، حسبما تراه إميلي تران، المُتخصصة في الاستراتيجية الصينية في الشرق الأوسط، وذلك بشرط الإبحار بمهارة، والاقتراب من الحُكّام الجُدد في دمشق.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الصين روسيا سوريا بشار الأسد سقوط الأسد الصين روسيا الحرب في سوريا فی الشرق الأوسط فی سوریا
إقرأ أيضاً:
دراسة تكشف مشروع الشرق الأوسط الجديد في رؤية ترامب ونتنياهو
بعد مرور عقدين على فشل مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي روجت له إدارة جورج بوش الابن إبان غزو العراق وحرب لبنان عام 2006، تعود الرؤية ذاتها ولكن بثوب جديد – هذه المرة عبر تحالف وثيق بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واللذَان يسعيان لتشكيل "شرق أوسط جديد" تكون فيه إسرائيل القوة المهيمنة بدعم أمريكي مطلق، بينما يتم تحييد إيران ومحور المقاومة عبر سلسلة من الحروب والاستنزاف العسكري، بحسب الدراسة التي نشرها مركز الأبحاث المجلس الأطلسي.
منذ حرب 7 أكتوبر 2023، شنت إسرائيل سلسلة من الهجمات التي طالت غزة ولبنان وسوريا واليمن، وصولاً إلى قلب إيران في يونيو 2025. هذه الحروب، التي وفرت لها واشنطن غطاءً سياسيًا ودعمًا عسكريًا، لم تحقق أهدافها الاستراتيجية حتى الآن، حيث ما زالت قوى المقاومة – رغم الخسائر الكبيرة – صامدة ميدانيًا وسياسيًا.
غزة: دمار هائل دون نصر حاسمبعد عشرين شهرًا من العدوان على غزة، تخطى عدد الشهداء الفلسطينيين 57 ألفًا، في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخ الصراع. وعلى الرغم من تدمير البنية التحتية وتهجير السكان، لم تنجح إسرائيل في القضاء على حركة حماس، التي لا تزال قادرة على شن هجمات نوعية تُربك الجيش الإسرائيلي.
إيران: الضربة الاستراتيجية التي لم تنجز المهمةفي يونيو 2025، شنت إسرائيل والولايات المتحدة حملة جوية مكثفة على منشآت إيران النووية، مع وعود ترامب بـ"تحطيم المشروع النووي الإيراني بالكامل". لكن التقييمات العسكرية تشير إلى أن الضرر كان كبيرًا، لكنه غير كافٍ لتفكيك القدرات النووية الإيرانية. بل وقد تؤدي هذه الهجمات إلى تسريع طهران لمساعيها نحو امتلاك سلاح نووي ردًا على التهديدات الوجودية.
لبنان: حزب الله يتراجع تكتيكيًا... دون هزيمةفي لبنان، ورغم الخسائر الفادحة الناتجة عن الهجمات الإسرائيلية، لا يزال حزب الله قوة قائمة، ولم يسلم سلاحه كما تطالب إسرائيل والولايات المتحدة.
ورغم التراجع إلى شمال الليطاني، فإن أمينه العام بالوكالة، نعيم قاسم، يتوعد برد قاسٍ حال اجتياح إسرائيل للجنوب اللبناني. أما الحكومة اللبنانية الجديدة، بقيادة الرئيس جوزيف عون، فتواجه مأزقًا سياسيًا بين الضغوط الخارجية والاحتمالات الكارثية لأي صدام داخلي مع حزب الله.
اليمن: صمود الحوثيين رغم القصفعلى الرغم من القصف الأمريكي والإسرائيلي على مواقع الحوثيين في صنعاء وصعدة وموانئ الحديدة، فإن جماعة أنصار الله (الحوثيين) ما تزال تمتلك قدرات هجومية، وتحتفظ بترسانات استراتيجية قد تستخدم في حال عودة الحرب ضد إيران.
اتفاق الهدنة المؤقت مع واشنطن في مايو 2025 عزز من موقف الحوثيين داخليًا وأضعف خصومهم في المجلس الرئاسي.
المشروع الحالي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط يعتمد، كما في اتفاقيات "أبراهام" التي وقعت في عهد ترامب عام 2020، على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية دون أي اعتبار للحقوق الفلسطينية. وتفترض الخطة أن الرخاء الاقتصادي كفيل بتجاوز عدالة القضية الفلسطينية – وهي فرضية أثبتت المعطيات الأخيرة فشلها، بل وساهمت في تأجيج الصراع.
وتشير الدراسة إلى أن هناك طريقين لا ثالث لهما في المرحلة المقبلة: إما دبلوماسية خلاقة تنقذ ما تبقى من فرص السلام، أو استمرار لحرب مفتوحة ومتعددة الجبهات. غير أن تمسك كافة الأطراف بمواقفها القصوى يرشح السيناريو الثاني كالأقرب، ما يعني أن "الشرق الأوسط الجديد" وفق رؤية ترامب ونتنياهو قد يتحقق شكليًا عبر تطبيع اقتصادي جزئي، لكنه سيكون محفوفًا بمزيد من الحروب، الانهيارات، والتشظي السياسي.
التحالف الأمريكي-الإسرائيلي يسير نحو فرض واقع جديد بالقوة، لكن التصدعات الإقليمية، وصمود الخصوم، وغياب أي تسوية سياسية متوازنة، كلها عوامل تضعف الرؤية الترامبية-النتنياهوية لـ"شرق أوسط جديد". ما يتم رسمه حتى الآن ليس مستقبلًا مستقرًا، بل خريطة من الدمار والتوتر الدائم، تراكم الغضب أكثر من السلام، وتبني واقعًا لا يدوم.