مضاعفة الحسنات والسيئات في البلد الحرام "مكة المكرمة"
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
مكة المكرمة.. قالت دار الإفتاء المصرية إن حِكمة الله تعالى وسُنَّته جرت على تفضيل بعض المخلوقات على بعض، وكذلك يحدث في الأمكنة والأزمنة مثل مكة المكرمة؛ فقد فضَّل الله تعالى جنس الإنسان من بني آدم على سائر مخلوقاته، فجعله مكرمًا مصانًا؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].
واصطفى الله تعالى مِن بين ذرية آدم وبَنيه الأنبياء والرسل، فجعلهم محلَّ وحيه وتجلي رسالته، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 33].
مكة المكرمة مركز الأرض وأشرف البقاع وأجلَّها
ولم يقتصر ذلك التفضيل على الأشخاص بل جرى في الأمكنة؛ ففضَّل الله تعالى مكة المكرمة على غيرها من بقاع الأرض، فجعلها مركز الأرض، وأشرف البقاع وأجلَّها.
وقد فَضَّل الله تعالى مكة على غيرها من البلاد في الأجر والثواب وجعله مضاعفًا؛ وذلك حتى يحرص المسلم فيها على الإكثار من الطاعات، وتجنب المعاصي والمذلات، فيسود فيها الخير والنفع؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وآله وسَلَّمَ قال: «مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ بِمَكَّةَ، فَصَامَهُ، وَقَامَ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ لَهُ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِئَةَ أَلْفِ شَهْرِ رَمَضَانَ فِيمَا سِوَاهَا» أخرجه ابن ماجه في "السنن".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رَمَضَانُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ» أخرجه البزار في "المسند".
وقال الإمام الحسن البصري في "فضائل مكة" (ص: 21-22، ط. مكتبة الفلاح): [مَا على وَجه الأَرْض بَلْدَة يرفع الله فِيهَا الْحَسَنَة الْوَاحِدَة غَايَة ألف حَسَنَة إِلَّا مَكَّة، وَمن صلى فِيهَا صَلَاة رفعت لَهُ مائَة ألف صَلَاة، وَمن صَامَ فِيهَا كتب لَهُ صَوْم مائَة ألف يَوْم، وَمَن تصدَّق فِيهَا بدرهم كتب الله لَهُ مائَة ألف دِرْهَم صَدَقَة، وَمَن ختم فِيهَا الْقُرْآن مرَّة وَاحِدَة كتب الله تَعَالَى لَهُ مائَة ألف ختمة بغيرها.. وكلَّ أَعمال الْبر فِيهَا كل وَاحِدَة بِمِائَة ألف، وَمَا أعلم بَلْدَة يحْشر الله تَعَالَى فِيهَا يَوْم الْقِيَامَة من الْأَنْبِيَاء والأصفياء والأتقياء والأبرار وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء والفقراء والحكماء والزهاد والعباد والنساك والأخيار والأحبار من الرِّجَال وَالنِّسَاء مَا يحْشر الله تَعَالَى من مَكَّة، وَإِنَّهُم يحشرون وهم آمنون من عَذَاب الله تَعَالَى، وليوم وَاحِد فِي حرم الله تَعَالَى وأمنه أَرْجَى لَك وَأفضل من صِيَام الدَّهْر كُله وقيامه فِي غَيرهَا من الْبلدَانِ] اهـ.
فضل مكة المكرمة
وكما ضُعِّف فيها الثواب وعُظِّم؛ قُبِّح فيها الذنوب والمعاصي عن غيرها من البلاد؛ قال الإمام النووي في "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" (ص: 402-403، ط. دار البشائر الإسلامية): [فإِن الذنبَ فيها أقبح منهُ في غيرِها، كما أنَّ الحَسَنَةَ فيها أعظمُ منها في غيرها. وأمَّا مَن استحبَّها فلِما يحصلُ فيها من الطَّاعَاتِ الَّتي لا تَحْصُلُ بغَيرِها مِنَ الطَّوَافِ وَتَضْعِيفِ الصَّلَوَاتِ والْحَسَنَاتِ وغيرِ ذلكَ] اهـ.
وقال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (1/ 52): [من هذا تضاعف مقادير السيئات فيه لا كمياتها، فإن السيئة جزاؤها سيئة، لكن سيئة كبيرة جزاؤها مثلها، وصغيرة جزاؤها مثلها، فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض، ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه، فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات، والله أعلم] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتِيُّ في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 488، ط. عالم الكتب): [إنَّ الحسنات والسيئات تتضاعف بالزمان والمكان الفاضل] اهـ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مكة المكرمة فضل مكة المكرمة مكة الله ت ع ال ى مکة المکرمة الله تعالى ر م ض ان ا من ال الله ع ل الله
إقرأ أيضاً:
تفسير قوله تعالى: «ولا يؤوده حفظهما» في آية الكرسي
آية الكرسي، تعد أعظم آية في القرآن الكريم إضافة إلى عدد من الفضائل الكثيرة الأخرى، والتي وردت بها السنة النبوية، و آية الكرسي هي الآية 255 من سورة البقرة، وعُرفت بكونها سيدة القرآن الكريم، وقراءة آية الكرسي عبادة لله وراحة للقلب، وفيها توجد القاعدة الأساسية للدين الإسلامي التي هي معنى التوحيد الخالص لله -تعالى- وفيها أيضًا علاج للعديد من الأمراض الجسدية والنفسية، وكما أنها مكونةٌ من خمسين كلمةً فيها خمسون بركةً من الله، وهي من الآيات التي جمعت الكثير من أسماء الله ففيها 17 اسمًا لله -تعالى- منها الاسم الأعظم الذي لا يُرد دعاء المسلم عند الدعاء به.
فوائد آية الكرسي1- من يقرأها في بيته تكون حارسة له وتُخرج منه الشيطان.
2- من يقرأها في الليل يخرج الشيطان من بيته ولا يدخله حتى يصبح.
3- من يقرأها فى الفراش قبل النوم عن نفسة أو عن أولاده يحفظهم الله -تعالى- ولا يقربهم الشيطان حتى يصبحوا، كما يبعد عنهم الكوابيس المزعجة.
4- من يقرأها فى الصباح قبل أن يخرج من بيته ومن ثم يقول بعدها يا حفيظ ثلاث مرات فسوف يكون فى حفظ الله تعالى إلى أن يعود
5- لمن يقرأها في الليل أو النهار بأي عدد (أقلها ثلاث مرات) تشرح الصدور وتكشف الهموم والغم والكربات وتحفظ النفس والأولاد والمال.
6- لقراءتها بعد كل صلاة مكتوبة أجر عظيم.
ودلت السنة النبوية على فضل قراءة آية الكرسي دبر الصلاة، فروى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: عن رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ». أخرجه النسائي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير، وابن السني.
يقصد بالكرسي أساس الحكم، وهو من الرموز التي تخص الملك، كما أنه دليل واضح على الألوهية المطلقة لله - تعالى-، وقد قال عن هذه الآية النبي -صلى الله عليه وسلم- إنها سبب لحفظ من يحفظها، كما أنها ترفع مكانته وقدره عند الله لتصل به لأعلى المنازل وأسماها، كما أن الرسول- صلى الله عليه وسلم - قد قال عنها (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لَهَا لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ، لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامٌ وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَفِيهَا آيَةٌ هِيَ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ هِيَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم/ بسم الله الرحمن الرحيم: « اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ».
تفسير آية الكرسي1- قوله تعالى: «اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ»؛ فقد سمى الله -تعالى- نفسه بالحي؛ أي الباقي الذي لا يموت، وقيل حيٌّ؛ لأنه يُصرف الأمور مصاريفها، ويُقدر الأشياء مقاديرها، والقيوم هو الذي لا يحول ولا يزول كما قال ابن عباسٍ - رضي الله عنه-.
وعرف الحسن القيوم: بأنه القائم على كلّ نفس بما كسبت؛ ليجازيها بعملها، فهو عالمٌ بها لا يخفى عليه شيءٌ منها، وقيل الحي: هو اسم الله الأعظم، وقيل: بل القيوم هو اسم الله الأعظم، وكان دعاء عيسى -عليه السّلام- عند إحياء الموتى بإذن الله: «يا حي يا قيوم»، ولمّا أراد سليمان -عليه السّلام- عرش بلقيس، دعا قائلًا: «يا حي يا قيوم»، وكان دعاء أهل البحر إذ خافوا الغرق: «يا حي يا قيوم».
2. قوله -تعالى-: «لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ»؛ فقد نفى الله - تعالى - عن نفسه السنة؛ وهي النعاس في العين، والنوم؛ هو الذي يزول معه الذهن في حق البشر، ومعنى ذلك؛ أنّ الله - تعالى- لا يدركه خلل، ولا يلحقه مللٌ بحالٍ من الأحوال.
3. قوله - تعالى-: «لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ»؛ ويكون ذلك بالملك، فهو ربُ كلّ شيءٍ ومليكه.
4- قوله - تعالى-: «مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ»؛ أذن الله تعالى للأنبياء والملائكة والمجاهدين والعلماء بالشفاعة لمن ارتضى لهم الشفاعة، فيشفعون لمّن أدخلوا النار.
5- قوله -تعالى-: «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ»؛ فبين أيديهم؛ أي الدنيا، وما خلفهم أي؛ الآخرة، كما قال مجاهدٌ؛ فمنعى الآية أنّ الله تعالى يعلم ما في الدنيا والآخرة.
6- قوله - تعالى-: «وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ»، أي لا يعلم أحدٌ شيئًا إلا ما يريد الله له أن يعلمه، كما قال الخضر لموسى -عليه السلام- عندما نقر عصفورٌ في البحر: «ما علمي ولا علمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من البحر».
7- قوله -تعالى-: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»، فقد اختلف المفسرون في معنى الكرسي، فمنهم من قال: كرسيه علمه، ومنه الكرّاسة التي تضم العلم، وابن عباس والطبري من أصحاب هذا القول، وقال ابن مسعود - رضي الله عنه-: بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والعرش خمسمائة عام، وقال آخرون: كرسيه؛ أي قدرته التي يمسك بها السماوات والأرض، وقال مجاهد: ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرضٍ فلاةٍ، ويدلّ ذلك على عظم الله تعالى وعظم مخلوقاته.
8- قوله - تعالى-: «وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ»؛ فلا يئوده؛ أي لا يُثقله، ويقال آدني بمعنى أثقلني وتحمّلت منه المشقة، والعلي هو القاهر الغالب للأشياء، وكانت العرب تقول: علا فلانٌ فلانًا؛ أي غلبه وقهره، وقيل: العلي من علو المنزلة والقدر لا علو المكان؛ فالله تعالى منزه عن التحيّز، والعظيم؛ أي عظيم القدر، والخطر، والشرف.