منذ فجرِ التاريخ تنهار الأمم لضمور المبادئ وهشاشة القيم التي أقيمت عليها، ووقفت أمة الإسلام شامخة بإسلامها، قوية بإيمانها، عزيزة بمبادئها، لأنها كانت أمة القيم والمثل والأخلاق. وانهيار الأمم والحضارات المادية دليل على أن قيمها ومثلها ضعيفة نفعية، بل هي مفلسة في عالم القيم، وذلك لأنها من صنع البشر، فكم مِن القتلى.
ومنظومة القيم هي المبادئ الخلقية التي تُمتدح وتُستحسن، وتُذم مخالفتها وتُستهجن. وإن أعظم القيم وأساسها الإيمان بالله تعالى، الذى منه تنشأ، وبه تقوى، وحين يتمكن الإيمان في القلب يجعل المسلم يسمو فيتطلع إلى قيم عليا، تكون موجودة وفاعلة ومؤثرة لكي ينهض المجتمع ويتقدم ويزدهر، فما فائدة النهوض والتقدم المادى وذمم بعض الناس خربة؟ وما فائدة البناء والإعمار إذا كانت ذمة المهندس الذي يبنى ويخطط خربة؟ وما فائدة الدواء إذا كانت ذمة من صنعه خربة؟ وما فائدة الطب إذا كانت ذمة الطبيب المعالج خربة؟ وما فائدة الخطب الرنانة والأحاديث البليغة إذا كان الشيخ يخالف قولُه فعلَه؟ وما فائدة التعليم إذا كان المعلم يفتقد إلى القيم الإنسانية الأساسية؟.
إن أقوى أنواع الضبط للسلوك الإنساني هو الضبط الإرادى الذاتى، وهذا الضبط لا يمكن أن ينتج إلا من خلال الأخلاق التي ترتبط بقيم يدعمها الإيمان، وهي أخلاق لا تتبدل حسب الأهواء والطلب، وإنما تبقى ثابتة، فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية حين أدركت مخاطر شرب الخمر على الفرد والمجتمع، أنفقت المليارات لكى تحرم الخمر ولم تستطع، وعندنا فى الأمة الإسلامية آية واحدة من كتاب الله نزلت لتحريم الخمر: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الأنعام -90) هذه الآية حين نزلت انتهى المسلمون عن شرب الخمر وسكبوها في الشوارع.
وقد فطنت القيادة السياسية لدينا لأهمية منظومة القيم في تهيئة الأجواء للبناء والازدهار، والإقلاع الحضاري للانطلاق نحو المستقبل. لذلك عملت الدولة تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى على بسط قيم المواطنة، وبسط قيم التعددية، وبسط قيم قبول الآخر المخالف في الدين أو العرق أو اللون، وبسط قيم المساواة التامة في الحقوق والواجبات، وإعادة بناء وهيكلة منظومة القيم الإيمانية والعلمية والأخلاقية، وهي القيم التي نهضت بالأمة في عصورها الزاهرة، وجعلت من المسلمين العالم الأول، هذه الهيكلة التي تأسست في الأصل على القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة المطهرة، ولئن اعترفنا في حياتنا بوجود عشوائيات في المدن والقرى نشأت في غياب التخطيط والمراقبة، فإن في حياتنا الفكرية والثقافية عشوائيات وفدت إلينا، ثم زادت عن طريق الوافد الثقافي الذي مكن لها في بيئتنا، فعشعشت في ثقافتنا.
وفى هذا السياق تبذل وزارة الأوقاف ـ منذ بضع سنوات ومازالت ـ جهودا فريدة ومتميزة في نشر القيم الإيمانية والأخلاق الإسلامية العظيمة، وذلك عبر منابرها المنتشرة في ربوع البلاد وعبر إصداراتها ومؤتمراتها وندواتها وآلياتها الإعلامية والاتصالية المتعددة، وينبغى أن تنهض معها وسائل الإعلام جميعها من أجل البناء والتقدم وإحياء منظومة القيم وعلى رأسها: قيم التقدم والإبداع والابتكار والإتقان والإحسان في المجتمع، والاهتمام بالشباب والمرأة والطفل، وذلك من منطلق الإيمان المطلق بأن المجتمع الذي تسوده القيم تزدهر طاقاته الجسمانية والفكرية والروحية، وتسوده علاقات المحبة والمصالح المشتركة، وتزدهر فيه الثقافات وتتعايش جنبا إلى جنب بغير عداوات أو كراهية أو صراع.
لذلك كله كان المسلمون الأوائل هم العالم المتقدم، وأسسوا حضارة شامخة زاهرة علمت الدنيا وأضاءت الكون يوم أن التزموا بالقيم التي جاء بها الإسلام الحنيف.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مقالات الأخلاق إبراهيم نصر الحضارة الإسلامية انهيار الأمم أمة الإسلام
إقرأ أيضاً:
علماء: إنسان نياندرتال كانت لديه قدرات فنية
إسبانيا – أفادت قناة NBC أن فريقا إسبانيا اكتشف أقدم دليل فني معروف لإنسان نياندرتال حتى الآن، حيث عثروا على حجر منقوش عليه رسومات في أحد مواقع استيطان إنسان نياندرتال الأثرية.
كشف الباحثون عن تفاصيل مذهلة للرسم المكتشف، حيث وُجد منقوشا على حجر ذي انحناءات طبيعية تشكّل ملامح تشبه الوجه البشري. وفي مركز هذه “القطعة الفنية البدائية”، لاحظ الفريق وجود نقطة حمراء داكنة وضعت بدقة في موضع الأنف. وأظهر التحليل المخبري أن هذه النقطة صُممت باستخدام أصبع مغموس بالمغرة (صبغة أرضية طبيعية كانت شائعة في عصور ما قبل التاريخ)، وهو ما يستبعد أي احتمال لتشكلها بشكل عشوائي أو طبيعي.
وباستخدام تقنيات تحليل البصمات الدقيقة، استنتج الباحثون أن الفنان النياندرتالي كان على الأرجح ذكرا بالغا. ويفترض الفريق العلمي أن هذا الإنسان القديم قد لاحظ التشابه بين شكل الحجر والوجه البشري، مما ألهمه لإضافة لمسة فنية متعمدة تكمل التشابه. وقد وصف الخبراء هذه القطعة بأنها تمثل “أحد أقدم الأمثلة المعروفة على التجريد الفني والتعبير الرمزي في السجل الأثري”، مما يقدم دليلا جديدا على التطور المعرفي والمعقد لإنسان نياندرتال.
يقلب هذا الاكتشاف المفاهيم السائدة عن تاريخ الفن البشري رأسا على عقب، حيث يُفند الفرضية القائلة بأن الإنسان العاقل (Homo sapiens) كان أول من أبدع أعمالًا فنية. كما يشير إلى وجود قدرات تجريدية متطورة لدى إنسان نياندرتال، مما يدفعنا لإعادة تقييم التطور المعرفي للإنسان القديم.
في سياق متصل، كشفت بحوث أثرية حديثة النقاب عن أدوات عظمية يعود تاريخها إلى 1.5 مليون سنة، تم اكتشافها في الخامس من مارس الماضي. هذا الاكتشاف يؤخر زمن بداية استخدام الأدوات العظمية بمليون سنة عن التقديرات العلمية السابقة، مما يوسع آفاق فهمنا لتطور المهارات التقنية للإنسان البدائي.
المصدر: صحيفة “إزفيستيا”