لجريدة عمان:
2025-12-13@11:31:17 GMT

ميلاد عام جديد ورحيل آخر !

تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT

ميلاد عام جديد ورحيل آخر !

بعد أيام معدودة، سنجد أنفسنا ندخل عاما ميلاديا جديدا، رقم آخر يضاف إلى مسيرة حياتنا على الأرض، وميلاد عام هو بالنسبة للكثيرين من الناس عبارة عن حلم آخر يأتي إلى الحياة بصرخات الوجع والاشتياق، ورغم ذلك سيضاف إلى ما تبقى من أمنيات سابقة لم تتحقق حتى هذه اللحظة.

يسير بنا قطار الحياة متجاوزا كل المشاهد والأحداث التي لا نفيق أو نتعلم من مرورها، بل نحن كجمهور يحضر عرضا مسرحيا يضحك ويتأثر قليلا ثم يكمل حياته، كذلك هو قطار العمر لا يتوقف إلا عندما يحين موعد النزول وهنا نستشهد بمقولة رافقتنا دهرا وجب علينا ذكرها فهي تقول: «كنا نعتقد أن الغد أجمل، حتى كبرنا واكتشفنا أن الجمال الحقيقي كان بالأمس وليس في الغد».

بالأمس كان معنا الونيس والجليس، أما اليوم، فنحن نكمل مشوارنا وقد فقدنا الكثير من رفقاء الرحلة والمزيد من القوة على مواصلة الحياة بكل ما فيها من مظاهر استحدثها البشر بمسميات مختلفة ليطمسوا قليلا من وجه الشقاء الإنساني والتعب الذي ينهك أجساد البشر.

واقعنا الحالي يشدنا نحو عباءة الفرح الذي يستمد قوته من الاعتقاد بأننا سنترك عاما قديما قد مضت أيامه وشهوره، لذا علينا كغيرنا من الحالمين بوهج السرور أن نبتهج بقدوم عام جديد، فعليا قد نجهل ماذا يخبئ في جعبته من أحداث لكنه عام ربما أفضل من الذي سيسقط قريبا في خانة الذكريات، نشعر بأن هناك أملا بحجم السماء والأرض سيخرج إلى الوجود، واعتقاد أن ما قد مضى من أوجاع شعر بها العالم ستسقط هي الأخرى في «مزبلة التاريخ أو مقبرة الزمن»، في هذه الأيام القليلة نشعر بأننا بحاجة إلى معانقة أرواحنا المتعبة ولملمة أوراق الخريف المتطايرة، نحس أن هناك شوقا خفيا جديدا يشق طريقه في صدورنا، قد يكون مبعثه ومنبعه يأتي من ذلك الحلم الذي راودنا طويلا وانتظرناه أكثر مما ينبغي وهو العيش بسلام دون ألم أو فقد أو حزن على ما مضى من الزمن.

ستنجلي ظلمة الليل ويأتي صباح يتنفس كعادته من رئة صحية، يخرج إلينا في صورة بهجة تملأ القلب سرورا وتجعل من شرايين القلوب تتدفق دماء نظيفة، ومشاعر طفولية هي الأخرى ستولد قريبا في إحدى حجرات القلوب المعبأة بنبض كان منخفضا في لحظات البؤس والانتظار، أما مراكب الأيام فستبدأ هي الأخرى تشق عباب الزمن وما تبقى من أعمارنا فيها ونحن لا نزال في قطار الحياة.

اعتدنا منذ أن أبصرنا ضوء الشمس أننا نسير في طريقنا دون أن نعلم شيئا عن الغيب؛ لأنه بيد الله تعالى، لكن ما نعرفه تماما هو أن الأيام ستنقضي سريعا كطيف عبر دون أن نحس به، أو عبارة أخرى هو حلم تجلى ثم تبخر مع صرخة ألم من قلب مفجوع برحيل مفاجئ أو متوقع لقلب عانى كثيرا من الصدمات والمرض.

تقول الروائية والقاصة السعودية ليلى الجهني، في كتابها «في معنى أن أكبر»: «إنني أكبر وأنفق جل وقتي كي أفهم الزمن، فلا أفهمه، لذا أشعر أنه عدوي الخفي الذي يضرب دون أن يكون باستطاعتي درء ضرباته عني. لا أعرف كيف يمضي؟ ولِمَ يمضي؟ وكيف أننا نحيا فيه ونعجز أن ندركه كما ينبغي له؟ أهو شيء يمرُنا ونمرُه، أم حال تعترينا؟ وإذا مضى فإلى أين يمضي؟ أين تذهب كل أعوامنا التي تغادرنا؟ ولِمَ لا يمكن أن نحتفظ بها في مكان ما كثيابنا وأشيائنا العتيقة»؟.

أبعد ذلك نسأل: هل علينا أن نقفز فرحا كلما تقدمنا في العمر سنة كاملة؟!، هذا يذكرني تماما كلما احتفلنا بعيد ميلادنا السنوي، نفرح لأنه يوم مولدنا، لكننا نجهل أننا نفقد عاما كاملا من حياتنا في الحياة !.

إذن هل علينا أن نحتفل كغيرنا من شعوب الأرض بعام جديد رغم أن جراح العام الذي لم تنته ساعاته بعد لا تزال ندية مخضبة بدماء الأبرياء وبكاء الثكالى ويتم الأطفال في مدن الموت والألم؟ ينقسم العالم بين محتفل بقدوم عام جديد، وقسم ينظر إلى الآمال المعلقة أن تتحقق ليشعر بالسلام والأمان غيره من شعوب الأرض المعذبة بنزاعات وحروب ودمار لا تتوقف! لدينا شعور مكتمل النمو بأن الشمس ستشرق يوما، وسيكشف ضوء النهار عن جراح نزفت على أرض التقمت أجساد الأبرياء، سنفرح يوما عندما نشعر أن الحرية هي جزء من فرح لا يعكره محتل أو غاصب أو حاقد، ستشرق قريبا شمس هدنة تضع الحرب أوزارها، ويعيد الأبرياء ترقيع قلوبهم التي مزقتها الحروب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عام جدید

إقرأ أيضاً:

د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا

نعيب زماننا والعيب فينا.. جملة تبدو للوهلة الأولى شكوى عابرة، لكنها في الحقيقة مفتاح لفهم الكثير من الفوضى التي نعيشها. نحن نميل دائمًا لأن نُخرج أنفسنا من دائرة المسؤولية، فنلوم الزمن والناس والظروف، ونتجاهل أن كثيرًا مما نُعاتب عليه الأيام هو في الأصل صدى لقرارات صنعناها نحن، ولمواقف سكتنا عنها، ولوجوه عرفنا زيفها ولم نواجهها.

ومن أكثر ما نشكو منه اليوم هو النفاق… ذلك الوجه الذي يتلوّن كالماء، ينساب في كل اتجاه، ويبحث عن المنافع لا عن المبادئ. نراه في بعض المكاتب، في العلاقات، في المجاملات، وفي المواقف التي تتبدّل بسرعة البرق. نرى من يبتسم اليوم لمن كان بالأمس موضع سخرية، ومن يرفع راية الولاء لمن تولّى فقط لأن "المشهد تغيّر". ونسمع دائمًا ما يشبه المسرحية القديمة: "عاش الملك… مات الملك".

مواقف تتغير لا بدافع فهم جديد، ولا ضوء ظهر، بل بدافع المصلحة الخالصة، التي ما إن تتبدّل حتى يتبدّل معها وجه أصحابها.

والأغرب… أن كثيرًا ممن يمارسون هذا التلوّن هم أوّل من يهاجم النفاق في كلامهم! ينتقدونه في المجالس، ويشجبونه في أحاديثهم، وكأنهم غير معنيين به، وكأن العيب في الزمن نفسه لا فيهم.

لكن…ورغم هذا كله، ورغم ضجيج الوجوه المتعددة، فإن الخير لم يغِب. الخير ما زال موجودًا، يلمع في النفوس التي لم يفسدها التقلّب، وفي القلوب التي ترفض الكذب مهما كان مغريًا، وفي الذين لا يغيرون مبادئهم بتغيّر الناس. الخير ما زال في أمة محمد ﷺ، باقٍ كما وعد الله ورسوله، حتى وإن خفتَ صوته أمام ضوضاء المصالح.

هناك من يختار الثبات، حتى لو سار وحده. هناك من يرفض أن يقف مع "الناس الخطأ" حتى لو كان صفهم أطول. هناك من يعرف أن الحق أحيانًا يحتاج إلى من يحمله، لا إلى من يُصفّق له.

ونحن حين نلوم الزمن، ننسى أن الزمن لا فعل له… الزمن لا يتآمر، ولا يخطط، ولا يتلوّن. الناس هي التي تتغير، والقلوب هي التي تنقلب، والمواقف هي التي تضعف أو تقوى.
وما الزمن إلا مرآة… تعيد لنا ما وضعناه أمامها.

ولو امتلك كل واحد منا شجاعة الاعتراف، لبدأ التغيير من أقرب نقطة: من الداخل. من تلك المساحة التي لا يراها أحد إلا الله والضمير.

حينها نكتشف أن كثيرًا مما نشتكي منه اليوم ليس خطأ الدنيا، بل خطأ التهاون، وخطأ الصمت، وخطأ المجاملة في مواقف كان يجب أن نقول فيها "لا". ونكتشف أيضًا… أن الخير أقوى مما نظن، لكنه فقط أقل صخبًا.

ولأن الصدق لا يعلو صوته، لكنه لا يسقط… يبقى أثره، ويبقى معه وعدٌ جميل بأن الحق لا يضيع ما دام له أهل يحملونه.

وفي النهاية، لا توجد كلمات تختم هذه الحقيقة أجمل من أبيات الإمام الشافعي التي صاغ بها خلاصة الحكمة كلها:

نعيبُ زمانَنا والعيبُ فينا
وما لزمانِنا عيبٌ سِوانا
ونهجو ذا الزمانَ بغيرِ ذنبٍ
ولو نطقَ الزمانُ لنا هجانا

طباعة شارك شكوى عابرة الحقيقة الفوضى المسؤولية قرارات

مقالات مشابهة

  • د. هبة عيد تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا
  • رئيس وزراء تايلاند: سنواصل العمل العسكري ضد كمبوديا حتى لا نشعر بالتهديد
  • بولبينة:”علينا تصحيح الأخطاء و أعتذر لجمهورنا”
  • الاتحاد الأوروبي: نشعر بالقلق الشديد إزاء الوضع الإنساني  في غزة
  • ترامب: لن نسمح للصين بالتفوق علينا في الذكاء الاصطناعي
  • عبادة:”هدفنا المحافظة على اللقب… ودعم الجماهير يجعلنا نشعر أننا نلعب في الجزائر”
  • نانت يعلن تعيين مدير فني مغربي ورحيل كاسترو
  • أشقاء رفعت: وليد دعبس لم يتأخر علينا في شيء ونعتبره أباً لنا
  • أشقاء رفعت: وليد دعبس لم يتأخر علينا في شيء ونعتبره أبا لنا
  • برشلونة بين «التقاليد السيئة» وديسمبر «السعيد» ورحيل يامال!