لماذا سمي شهر صفر بهذا الاسم؟ 10 أحداث وقعت فيه
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
لماذا سمي شهر صفر بهذا الاسم ؟ شهر صفر من الأشهر الهجرية ، وهو الذي يلي شهر محرم، وترتيبه الشهر الثاني في التقويم الهجري، وشهر صفر ليس شهرًا منحوسًا كما يعتقد البعض، وليس من عقيدة المؤمن الذي يعلم أنَّ الحوادث بيد الله وأنَّ الأيام والشهور لا تدبير لها بل هي مدبرة مسخرة، ليس عن عقيدته أن يستاء من هذا الشهر، أو يتضجر، أو يمتنع من مزاولة أموره الشخصية، في شؤون حياته، بل هو كبقية الأشهر والأيام.
سمي شهر صفر بهذا الاسم، لأن ديار العرب كانت تَصْفُر أي تخلو من أهلها، لخروجهم فيه ليقاتلوا ويبحثوا عن الطعام ويسافروا هربًا من حر الصيف، ويقال أيضًا شهر صفر سمي بذلك لأن الريح كانت تعصف بشدة فكان لحركتها صفير.
أولًا: غزة الأبواء: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفر غازيًا على رأس اثني عشر شهرًا من مقدمه المدينة لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر صفر، حتى بلغ ودان، وكان يريد قريشًا، وبني ضمرة، وهى غزوة الأبواء، ثم رجع إلى المدينة، وكان استعمل عليها سعد بن عبادة، وهذه أول غزوة غزاها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
ثانيًا: فتح خيبر: «قال ابن إسحاق: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني قد أعطى ابن لقيم العبسي حين افتتح خيبر ما بها من دجاجة أو داجن، وكان فتح خيبر في صفر».
ثالثا: سرية قطبة بن عامر بن حديدة: «سرية قطبة بن عامر بن حديدة إلى خثعم بناحية بيشة قريبًا من تربة في صفر سنة تسع، قال ابن سعد: قالوا: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطبه في عشرين رجلًا إلى حي من خثعم بناحية تبالة، وأمره أن يشن الغارة، فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها، فأخذوا رجلًا فسألوه فاستعجم عليهم، فجعل يصيح بالحاضرة، ويحذرهم؛ فضربوا عنقه، ثم أقاموا حتى نام الحاضر فشنوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالًا شديدًا حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعًا، وقتل قطبة بن عامر من قتل، وساقوا النعم، والشاء، والنساء إلى المدينة، وجاء سيل أتى فحال بينهم وبينه فما يجدون إليه سبيلًا، وكانت سهمانهم أربعة أبعرة، والبعير يعدل بعشر من الغنم بعد أن أفرد الخمس".
رابعًا: غزوة ذي أمر: «عن ابن إسحاق قال: ولما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم أو عامته، ثم غزا نجدًا يريد غطفان وهي غزوة ذي أمر، فأقام بنجد صفر كله، أو قريبًا من ذلك، ثم رجع إلى المدينة فلم يلق كيدًا»..
خامسًا: وفد بنى عذرة: «قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد بنى عذرة في صفر سنة تسع اثنا عشر رجلًا فيهم جمرة بن النعمان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من القوم؟ فقال متكلمهم: من لا تنكر، نحن بنو عذرة، إخوة قصي لأمه، نحن الذين عضدوا قصيًا، وأزاحوا من بطن مكة خزاعة، وبني بكر، ولنا قرابات وأرحام، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مرحبًا بكم وأهلًا، ما أعرفني بكم»، فأسلموا، وبشرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفتح الشام، وهرب هرقل إلى ممتنع بلاده، ونهاهم عن سؤال الكاهنة، وعن الذبائح التي كانوا يذبحونها، وأخبرهم أن ليس عليهم إلا الأضحية، فأقاموا أيامًا بدار رملة، ثم انصرفوا وقد أجيزوا".
سادسًا: إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة - رضي الله عنهم -: «عن ابن إسحاق قال: كان إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة؛ عند النجاشي فقدموا إلى المدينة في صفر سنة ثمان من الهجرة".
سابعًا: هجرته - عليه الصلاة والسلام -: "قال يزيد بن أبي حبيب خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة في صفر، وقدم المدينة في ربيع الأول".
ثامنًا: زواجه - صلى الله عليه وآله وسلم - من خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -: "قال ابن إسحاق: في شهر صفر كان زواج السيدة خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - من النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - عقب خمسة وعشرين يومًا من صفر سنة ست وعشرين".
تاسعًا: زواج علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بالسيدة فاطمة - رضي الله عنها -: قال ابن كثير: "وأما فاطمة - رضي الله عنها - فتزوجها ابن عمها علي بن أبى طالب - رضي الله عنه - في صفر سنة اثنتين، فولدت له الحسن والحسين، ويقال: ومحسن، وولدت له أم كلثوم وزينب".
عاشرًا: غزو الروم: في شهر صفر لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالجد، ثم دعا من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر أسامة بن زيد، و"بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأربع بقين من صفر، وأمره من غزو الروم والإغارة عليهم بما أمر، وعقد له لواء بيده المباركة، وجهزه في المهاجرين والأنصار أرباب الصوارم الفاتكة"، وقد حث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ببعث هذا الجيش.
فهذه بعض الأحداث المشرقة التي حدثت للأمة ووقعت في شهر صفر، وكلها تدل على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يتشاءم من هذا الشهر، بل كان يتعامل فيه كما يتعامل في بقية الأشهر، فقد تزوج في هذا الشهر، وزوج ابنته بعلي - رضي الله عنهما - في هذا الشهر، وغزا في هذا الشهر، وهذا كله يدل دلالة واضحة على إبطال دعاوى من يدعي أن هذا الشهر شهر شؤم ونحس، ولهذا نقول لمن تشاءم من هذا الشهر: أين أنتم من هذا الهدي النبوي؟ وماذا تقولون أو تردون؟ وما موقفكم من هذه النصوص؟.
كما حدث في شهر صفر أحداث مشرقة للأمة، فكذلك حدثت أحداث مأساوية للأمة في شهر صفر، وهذا لا يعني أن هذا الشهر شهر شؤم تقع فيه المصائب؛ لأنه لا دخل للزمن فيما قدره الله، ولا يجلب الزمن أو يرد قضاء الله وقدره، ومن تلك الأحداث:
أولًا: غزوة الرجيع: و"كان أصحاب الرجيع ستة نفر منهم: عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق حليف لبني ظفر، وخالد بن البكير الليثي، ومرثد بن أبي مرثد، وكان من شأنهم أن نفرًا من عضل والقارة قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن فينا مسلمين فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم معهم -، حتى نزلوا بالرجيع؛ استصرخوا عليهم هذيلًا، فلم يرع القوم إلا والقوم مصلتون عليهم بالسيوف، وهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقالت هذيل: إنا لا نريد قتالكم، فأعطوهم عهدًا وميثاقًا لا يريبونهم، فاستسلم لهم خبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق، ولم يستسلم عاصم بن ثابت، ولا خالد بن البكير، ولا مرثد بن أبي مرثد، ولكن قاتلوهم حتى قتلوا، وخرجت هذيل بالثلاثة الذين استسلموا لهم حتى إذا كانوا بمرِّ الظهران نزع عبد الله بن طارق يده من قرانه ثم أخذ سيفًا؛ فرموه بالحجارة حتى قتلوه، وقدموا بخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة مكة، فأما خبيب فابتاعه آل حجير بن أبي إهاب فقتلوه بالحارث بن عامر، وابتاع صفوان بن أمية زيد بن الدثنة فقتله بأبيه".
ثانيًا: مرض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: مرض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لاثنين وعشرين ليلة من صفر، وبدأ وجعه عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض يوم السبت، وكانت وفاته يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة".
ثالثًا: معركة صفين والتحكيم: في شهر صفر سنة سبع وثلاثين التقى علي - رضي الله عنه - وصحبه بمعاوية - رضي الله عنه - ومؤازريه في صفين، ودام القتال بينهم أيامًا.
فهذه بعض الأحداث الأليمة التي وقعت في الأمة الإسلامية خلال شهر صفر، والمتأمل في هذه الأحداث يجد أن لا دخل لشهر صفر وعلى مدار التاريخ في صنع الأحداث، ومن خلال هذا يُفهم أن هذا الشهر لا يختص بخير ولا بشر، فهو زمن من الأزمنة، وشهر من الشهور، يقع فيه ما يقدره الله - عز وجل - من خير أو شر وفق مقاديره - تبارك وتعالى -، وهو داخل تحت قوله - عز وجل -: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ».
الذي يعتقده بعض من ينتسب إلى الدين الإسلامي ليس صحيحًا، ولا يستند إلى دليل شرعي من كتاب الله - تبارك وتعالى -، ولا من سنة المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يثبت أنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، أو أحد من أصحابه - رضي الله عنهم - تشاءم بهذا الشهر ولا بغيره، بل الناظر إلى ما جاء من الشارع الحكيم يجد أن الدين الإسلامي حارب هذه البدعة، حيث كانت هذه البدعة موجودة قبل ظهور الإسلام -أي في عصور الجاهلية-، وكانت قد استشرت فيما بينهم؛ لأنهم كانوا يرجعون في هذا الشهر إلى أعمال السلب والنهب بعدما كانوا يمتنعون عن ذلك خلال الأشهر الحُرُم الثلاثة التي قبله، وهذا ما ورد في سبب تسمية هذا الشهر بصفر.
وحين جاء الإسلام نهى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن التشاؤم بهذا الشهر، أو التطير به فقد ثبت عن أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ» وأراد - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث نفي ما كان يعتقده أهل الجاهلية من الاعتقادات الباطلة التي تؤثر في القلب، وتضعف الظن الحسن بالله - عز وجل -، فقوله: "ولا صفر: وهو تأخير المحرم إلى صفر في النسئ، أو دابة بالبطن تعدى عند العرب، ويحتمل أن يكون نفيًا لما يتوهم أن شهر صفر تكثر فيه الدواهي والفتن".
فأبطل بذلك النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قضية التشاؤم في شهر صفر، وأنه ليس من الدين في شيء، وأن شهر صفر شهر من الأشهر التي عدَّها الله - عز وجل -، وأيامه من أيام الله - تبارك وتعالى -.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: لماذا سمي شهر صفر بهذا الاسم شهر صفر صفر صلى الله علیه وآله وسلم سمی شهر صفر بهذا الاسم صلى الله علیه وسلم لماذا سمی شهر صفر رضی الله عنها فی هذا الشهر رضی الله عنه إلى المدینة فی شهر صفر رسول الله بن عامر قال ابن من شهر من هذا بن أبی من صفر
إقرأ أيضاً:
لماذا دور رعاية فاقدي السند (دور الأيتام)؟!
في البدء، أرى التنبيه بأن اتفاق الفقهاء على عدم اندراج الطفل اللقيط ومجهول الأب تحت مسمى اليتيم؛ لايعني أنه لاتنطبق عليه الكثير من الأحكام والتوصيات الخاصة به، بل أجمعوا بكونهم أشد حاجة للعناية والرعاية من (الأيتام) معروفي النسب، إذ لا أبوين، ولاقريب يلجؤون إليه عند الحوجة، لذلك أجمعوا دون خلاف بأن الذي يكفل طفلا لقيطا أو مجهول نسب يدخل في الأجر المترتب على كفالة اليتيم لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا)، لكنهم أبانوا بأن مَن كفل مثل هؤلاء الأطفال أن لا ينسبهم إليه؛ لما يترتب على ذلك من ضياع للنسب والحقوق، وللنأي عن ارتكاب ما حرَّم الله، وأن يعرف من يكفلهم أنهم بعد أن يبلغوا سن الرشد فإنهم أجانب منه كبقية الناس، لا يحل الخلوة بهم أو نظر المرأة للرجل أو الرجل للمرأة منهم، إلا إن وجد رضاع محرم للمكفول فإنه يكون محرماً لمن أرضعته ولبناتها وأخواتها ونحو ذلك مما يحرم بالنسب.
هذا هو الراجح عند فقهاء المسلمين، ولا اعتداد ببعض الرؤى الفقهية التي تصل حد تجريم من لاذنب لهم من هؤلاء الأطفال الضعاف المساكين.
وللأسف فإن جل دول العالم العربي والاسلامي -إن لم يكن كلها- تنشئ دورا لرعاية هؤلاء اللقطاء وفاقدي الأبوين، تجمعهم فيها لتهيأهم للانخراط في الحياة العامة بعد بلوغهم العمر المتعارف عليه قانونا، وخلال ذلك لعلنا نعلم الكثير مما يحدث لهم من استغلال جنسي وتجاري والقصص في ذلك عديدة. دعك عن قصص الحروب القديمة والحديثة التي تتحدث عن وحشية لبعض الجنود تتعدى حدود المتخيل من وحشية البشر!، وقد تبين بأن أساسها جنود تم جلبهم من ملاجيء للأطفال، والتأريخ يذكر اسماء حضارات ودول ورؤساء علم عنهم أنهم جمعوا هؤلاء الأطفال في دور خاصة وسعوا إلى تربيتهم على الحقد والسادية، ثم تم تدريبهم عسكريا واستخدموهم في حروب ومذابح كان آخرها مذبحة سيربرنيتسا الفظيعة في البوسنة والهرسك، وفي دراسة عن المجرمين في بعض السجون الاوربية، ذكر بأن نسبة الذين نشأوا في دور للأيتام من السجناء يعد النسبة العظمى منهم، وهناك تفصيل بأن طبيعة الجرائم التي يسجنون بسببها تكون دموية وقاسية!…
فاليتيم/اللقيط طفل صغير يعد (عجينة) يمكن تشكيلها كيفما يريدها الراغب.
وللعلم فإن تعداد هذه الشريحة ليس بالهين في كل دول العالم، ولعل الحروب الأخيرة زادت ومافتئت تزيد من اعدادهم، يضاف إلى ذلك الكوارث كالزلازل والبراكين والتصحر والجفاف ثم التطهير العرقي والامراض الفتاكة، إضافة إلى الفقر والعوز.
فلماذا تقام دور لهم في بلاد المسلمين تفصلهم عن (مخالطة) المجتمع والعهد بسلبيات ذلك أكثر من ايجابه؟!
قد يندهش المرء إن علم بأن العديد من ولايات امريكا منعت إقامة دور للأيتام!
لقد استبدلوا دور الرعاية هذه ب(منازل الرعاية البديلة)، والتي تتضمن تبني أسرة أمريكية لطفل يتيم…
وخلال إحدى زياراتي لمدينة إكستون في ولاية بنسلفانيا التقيت بأحد المسؤلين من أصل عربي وهو استاذ جامعي في علم النفس، التقيته في المركز الثقافي السعودي في المدينة، فسألته عن السبب في انتفاء دور للايتام في أمريكا، فقال لي بأنه سأل الداعية الاسلامي الأمريكي يوسف أستس الذي كان مبشرا وواعظا في الكنيسة قبل اسلامه، فقال بأن أمريكا استمدت ذلك من الاسلام من آية البقرة رقم 220 :
{…قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ…}
ياترى، لماذا لم ينتبه المسلمون لذلك؟!
ولنتوقف لحظة بين يدي آية سورة البقرة المذكورة أعلاه:
{…وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} البقرة 220
لننتبه إلى السياق: {إصلاح لهم خير، وان تخالطوهم فاخوانكم}…
إن الله تعالى يطلب منا- بالاضافة إلى التصرف العادل في المال- أن نعوض اليتيم بالتكافل المجتمعي، والتلاقي الإيماني، والتربية التشاركية، عن مشاعر الأبوة التي فقدها بفقد والده، وذلك ينأى به عن (الحقد) على رصفائه من الأطفال الأحياء آباؤهم، ثم الحقد على المجتمع من بعد…
فالأمر ليس قاصرا على إدارة مال ليتيم أو خشية من أكل ماله، أو خلط للمال مع مال الكافل، إنما أجده -والله أعلم- أكبر من ذلك بكثير طالما الآية الكريمة تدعو الى (إصلاح) وحث على ال (اختلاط) معهم وتقريبهم ووصلهم بحراك الناس.
وللعلم فإن أمريكا قد استمدت كذلك قانون (هيئة المحلفين) في محاكمها من الاسلام، وتعود أصل فكرة “هيئة المحلفين” Jury المنتشرة في المحاكم الأمريكية إلى الإمارة الإسلامية في صقلية (٢٥٠هـ – ٤٥٠هـ) وأصلها “اللفيف” في الفقه المالكي، وهي عبارة عن هيئة مكونة من اثني عشر عضوا يشهدون أمام القاضي حول الأمور التي رأوها أو سمعوها بأنفسهم.
حري بعلماء الاسلام ومفكريه التوقف مليا بين يدي حرص الاسلام الشديد باليتيم، فالنصوص الواردة في كتاب الله تعالى كثيرة، وفيها الملفت والمدهش حقا، فقد ورد النهي عن أذيته في (عشرين آية وموضع) في كتاب الله!، وهناك عدد غير قليل من الاحاديث النبوية الشريفة عنيت باليتيم، فما الداعي إلى كل هذا الاهتمام والعناية باليتيم وكلنا نعلم بأن اليتيم قد لا يدخل في دائرة المحتاجين؟!
والمحتاج منهم عادة يكون صغير السن ويكفيه القليل من المال والمتاع لسد حاجاته؟!
انه حرص يصل بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم بأن يساوي بينه- وهو خير خلق الله- وبين كافل اليتيم، وفي الجنة!!!
وتترى الدهشة عندما يخبرنا الله تعالى عن (من هو المكذب بالدين)؟!
هل تدرون من هو المكذب بالدين؟!
إنه ليس القاتل، ولا تارك الصلاة، ولا السارق!
إن الله تعالى يخبرنا بأن المكذب بالدين هو الذي {يَدُعُّ الْيَتِيمَ}!!!
قال لنا الله تعالى ذلك في سورة الماعون، وال(دعُّ) هو الدفع بعنف وجفوة وليس الترك، أي يقهر اليتيم ويدفعه بشدة ويظلمه.
وبذلك فإن آية سورة الماعون لاتتحدث عن حاجة مالية او متاع، انما تتحدث عن مشاعر وأحاسيس وسلوك وانتفاء لل(أنسنة) في التعامل مع اليتيم، ف(الدع)/الدفع لليتيم بعنف والتعامل معه بقسوة وشدة وجلافة واهدار حقوقه يرسخ في وجدانه ليتحول إلى عقد نفسية ومشاعر كره ونقمة على الفاعل والمجتمع بأسره عندما يكبر، والطفل الفاقد للأب بالذات يحتاج بشدة إلى الاتكاء على من يحميه ويتربى في كنفه ليتشكل وجدانه ايجابا، بخلاف آية سورة البقرة التي تتحدث في سياقها العام عن اسلوب تعامل مالي.
ولكي أختم مقالي لنقف مليا عند ختام آية سورة البقرة:
{…وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ…}
والإعنات هو أن تدفع بسواك إلى أمر فيه مشقة، ويقال للعظم المجبور إذا أصابه ألم فهاضه: قد أعنته.
(غريب القرآن لابن قتيبة).
والمعانتة كالمعاندة، لكن المعانتة أبلغ؛ لأنها معاندة فيها خوف وهلاك، ولهذا يقال: عنت فلان: إذا وقع في أمر يخاف منه التلف.
ياترى ماهو الإعنات المقصود هنا؟!
اقول والله أعلم بأن العنت هنا يشير الى ال(مآلات) التي يمكن ان تحدث ويتسبب فيها اليتيم لمجتمعه ان لم يلتزم مجتمعه بالتوجيه الرباني في آية سورة البقرة:
{…قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ…}.
إذ ينشأ هذا اليتيم الذي تم التفريط فيه حاقدا على مجتمعه، مما يكون فيه خوف وهلاك، ولايتوقع مثل ذلك من أي شريحة اخرى في المجتمع سوى الأيتام والله أعلم.
الخلاصة:
الذي أراه أن تغلق دور رعاية الايتام أو فاقدي السند -(أيا ما كان اسمها) في السودان وفي العالم العربي والاسلامي، وأن يقتصر الأمر على (مراكز مؤقتة) لجمع واستقبال الاطفال الأيتام وتسجيلهم -مهما كان سبب اليتم- ولايتعدى مدة الحضانة للطفل فيها أشهر قليلة، تحرر خلالها شهادات ميلاد للطفل باسم أبيه -ان علم- وبإسم تقديري ان لم يعلم، ثم يسعى المركز وبدعم من الدولة وبمساعدة الجمعيات ومنظمات المجتمع ذات الصلة إلى حث ودفع الأسر إلى كفالة الطفل باستصحاب الشروط والموجهات الاسلامية الشرعية المعروفة للكفالة،
والله ولي التوفيق.
عادل عسوم
adilassoom@gmail.com
إنضم لقناة النيلين على واتساب