تقرير: عدم الثقة في رجال الأعمال ومحاربتهم يهدد التنمية و يضعف الإقتصاد
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
زنقة 20 | الرباط
يرى الخبير الاقتصادي إدريس الفينة، رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، أن النظرة السلبية تجاه رجال الأعمال تعتبر من الظواهر المثيرة للاهتمام في المغرب.
و يتجلى شعور واسع بحسب الفينة، بعدم الثقة تجاههم، وكأنهم خصوم للمجتمع بدلاً من شركاء في التنمية.
هذه الظاهرة حسب الخبير المغربي، ليست حديثة العهد، بل لها جذور ثقافية واجتماعية عميقة ترتبط بالتقاليد المحافظة والإيديولوجيات الموروثة من الماضي.
في الوعي الشعبي المغربي، يُنظر إلى رجال الأعمال على أنهم يمثلون النخبة التي تتحكم في المصالح الاقتصادية والسياسية، وكثيراً ما يُتهمون بالفساد أو استغلال النفوذ بحسب الفينة.
و يرى الفينة ، أن المجتمع المغربي، الذي يُعد محافظاً في طبيعته، يميل إلى تمجيد القيم البسيطة والزهد، ما يجعله يشكك في مصادر الثروة، سواء كانت موروثة أو متحصلة من العمل والاجتهاد.
هذا التصور بحسب الفينة، تغذيه الثقافة الشعبية، التي كثيراً ما تصور رجال الأعمال كرموز للرأسمالية المتوحشة، ما يعزز مشاعر الحذر تجاههم.
من جهة أخرى، يقول الخبير المغربي، ساهمت الإيديولوجيات اليسارية التي انتشرت في فترة ما بعد الاستقلال في تعميق هذا الشعور، حيث وُصف رجال الأعمال بأنهم أداة للهيمنة الاقتصادية والاستغلال.
و رغم أن رجال الأعمال في المغرب يمثلون نسبة صغيرة جداً من المجتمع، لا تتجاوز 1.5٪، فإن دورهم في تحريك عجلة الاقتصاد حيوي. مع ذلك، فإن هذه النظرة السلبية تُعطل مساهمتهم الكاملة في التنمية يقول الفينة.
و اعتبر أن الاستثمار الخاص، الذي تراهن عليه الدولة كركيزة أساسية للنمو، يواجه مقاومة ثقافية تجعل من الصعب ترسيخ ثقافة ريادة الأعمال وتشجيع الشباب على دخول هذا المجال.
هذا الوضع بحسب الفينة، يتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي، ضعف خلق فرص العمل، وبقاء فجوة التفاوت الاجتماعي قائمة.
النقاش حول دور رجال الأعمال بحسب الفينة، لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل يتعداه إلى السياسة.
في المغرب، اعتادت الأوساط الشعبية على وجود سياسيين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، ما يجعل دخول رجال الأعمال إلى هذا المجال يُنظر إليه على أنه استيلاء على سلطة جديدة بعد هيمنتهم الاقتصادية يقول الخبير المغربي.
و تاريخياً، يقول الفينة ، كان البرلمان المغربي يهيمن عليه رجال التعليم والصحة والمحامون، ما أضفى على السياسات العامة طابعاً تقنياً أكثر منه استراتيجياً، وأدى إلى غياب رؤية اقتصادية شاملة.
لكن التجربة أظهرت أن هذه الفئات لم تستطع تقديم حلول مبتكرة لتحديات التنمية، ما يبرز أهمية مشاركة رجال الأعمال في صنع القرار السياسي يضيف الفينة.
و لإحداث تغيير جذري في هذه النظرة، يقترح الخبير المغربي، إعادة تثقيف المجتمع حول أهمية ريادة الأعمال ودور رجال الأعمال في تحقيق التنمية.
كما نصح رجال الأعمال أنفسهم أن يسعوا لتبني ممارسات شفافة ومسؤولية اجتماعية تسهم في بناء الثقة مع المجتمع.
و في الوقت نفسه، تحتاج السياسات العامة إلى إصلاحات تُشجع على الاستثمار وتُزيل العقبات البيروقراطية التي تعيق نمو القطاع الخاص ، و إدماج رجال الأعمال في صنع القرار السياسي يجب أن يتم وفق ضوابط تضمن التوازن بين المصالح العامة والخاصة بحسب الفينة.
وخلص الخبير المغربي ، إن النظرة السلبية تجاه رجال الأعمال في المغرب ليست مجرد مسألة ثقافية، بل هي عائق حقيقي أمام تحقيق التنمية الشاملة.
معتبرا أن بناء الثقة بين رجال الأعمال والمجتمع هو مفتاح تجاوز هذه الأزمة، ما يتطلب جهداً مشتركاً من الجميع لإعادة تعريف دور هذه الشريحة كمحرك أساسي للازدهار، وليس كمصدر تهديد.
و أكد الفينة ، أن المغرب بحاجة إلى ثقافة جديدة ترى في رجال الأعمال شركاء في بناء المستقبل، بدلاً من خصوم يجب الحذر منهم.
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: رجال الأعمال فی فی المغرب
إقرأ أيضاً:
شراكة أم شركة؟!
عائض الأحمد
في الأسواق الخليجية ترى عجبًا، وأنت لم تصم رجبًا!
أيادٍ عاملة من كل حدبٍ وصوب، تتناثر في الميادين والمتاجر والمصانع، لكن إن سألت: ما العائد الحقيقي؟ ما المكسب لأوطاننا من هذا الزخم؟
ستجد الإجابة مخيّبة… وهذا أقل وصف يمكن استخدامه دون أن نُصدم القارئ أو نجرح الواقع.
فهل نحن أمام شراكة حقيقية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني؟
أم أمام شركات أجنبية تتربّح، وتُحوّل الأرباح إلى الخارج، تاركةً خلفها فتاتًا لا يسد رمق المستقبل؟
منهم من يتربّع على صدورنا ربع قرن، متنقّلًا بين ظهرانينا، وإن استقصيت أمره وجدته لا يملك أكثر من حقيبةٍ وخطاب توصية.
يُفرش له السجاد الأحمر، ويُفتح له الباب الخلفي، ثم يُقصى هذا، ويُستجلب ذاك، ويُنتدب أصدقاؤه وجلساؤه… وحتى ناقلو أخبار زملائه!
ثم يُصبح الحَكم بين أهل البلد، يُقرّر من يصلح، ومن يجب أن يُبعد، وكأنَّ مفاتيح المعرفة نزلت عليه وحده!
أما ابن الوطن، فمكانه في الطابور الطويل، يبحث عن فرصته المؤجلة، ويُطالب بإثبات ذاته مرارًا.
ولو تعثّر مرةً، نُزعت عنه الثقة، وأُلبس لباس التقصير.
فأين هي الشراكة إذن؟
هل هي منفعة متبادلة، أم هيمنة مموّهة بثوبٍ تعددت أسماؤه؟
أين العقول الوطنية؟ ولماذا لا يُمنح المواطن فرصةً عادلةً في وطنه؟
لقد مللنا وسئمنا من التكرار، ومن إعادة أخطائنا، ومن نقل مواجعنا من جيل إلى آخر… دون أن نُمكّن من يستحق، أو نُعطي الثقة لمن هو أولى بها.
وهنا، لسنا ضد أحد، فمن كان في موقع الحاجة فله كل الترحيب، لكن دون أن يكون ذلك على حساب الكفاءة الوطنية.
التقنين أصبح واجبًا لا خيارًا، والمراجعة ضرورة وطنية لا رفاهية بيروقراطية.
نريد شراكة تُبنى على عدالة الفرص، لا على تزكية الأهواء، على الكفاءة لا الجنسيات، وعلى الاستحقاق لا العلاقات؛ فالوطن لا يُبنى بالشعارات؛ بل بتصحيح المسار، واستعادة الثقة، وتمكين أبناء الأرض من أن يكونوا هم الأجدر، وهم الأقدر… لا فقط المتفرجين.
القطاع الخاص يعيش وكأنه وصية ميت، يتوارثه القادمون، ويستأثرون به كما لو كان إرثًا مُغلّفًا بختمٍ غريب، ونحن ننظر بعين الرضى أو التبلّد، وفي داخل كلٍّ منّا السؤال القديم المتجدّد:
أولسنا أحق؟
ولماذا هذا القطاع يعيش خصوصيةً صلبة تجاه أبناء جلدته؟ لماذا يُفتح لأغراب، ويُغلق في وجه أصحاب الأرض؟
ولماذا يصبح الطريق إلى فرصه مفروشًا لمن لا يجيد غير التلميع، بينما يُطلب من ابن الوطن أن يجتاز المتاهة سبعين مرة، ثم يُسأل: لماذا تأخرت؟
لقد أصبح هذا التمييز الصامت سلوكًا مؤسسيًا غير مُعلن، لكنه حاضر في الأرقام، وفي التوظيف، وفي الترقّي، وفي قواميس "الثقة" و"الجاهزية".
ولا يُمكن تصحيح أي مسار اقتصادي، ما لم نضع هذه الأسئلة في وجه الضوء.
إن الإنصاف لا يعني الإقصاء، ولا يعني التنكّر للوافد، لكنه يعني أولًا: العدل لأهل الدار.
يعني ألا يُستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وألا تُختصر الثقة في جنسية، وتُنسى الكفاءة في السيرة الذاتية.
نحن لا نُحارب أحدًا، لكننا نُطالب بحقٍّ نعرف أنه لنا.
نُطالب بقطاع خاصٍ يُدار بعقلٍ وطني، ويُخطط برؤية تستثمر في الإنسان، لا في الظلال العابرة.
التقارير الرسمية تؤكد أن نسب التوطين في تصاعد ملحوظ، وهو ما يُعد خطوة إيجابية تُحسب لصالح السياسات الحكومية،
لكن هذا التقدّم العددي لا يكفي وحده. فالمطلوب هو تمكين نوعي يُترجم الأرقام إلى واقعٍ عادل، يُنصف المواطن، ويكسر احتكار القطاع الخاص الذي لا يزال، في كثير من جوانبه، حكرًا على من لا يملكون سوى علاقاتهم أو امتيازاتهم.
لقد اجتهدت التشريعات الحكومية في تهيئة الأرض، ولم تألُ جهدًا في فتح الأبواب،
لكن هذا الحصن المنيع ما زال يرفض التغيير، مستندًا إلى أعذارٍ واهية،
وقد آن أوان التعامل معه بإرادة التغيير… لا سواها.
لها: سيكون القادم أجمل إن أحسنتُ عملًا في حاضري.
شيء من ذاته: ليس من العدل أن أتسوّل في حيّي، أمام منزلي.
نقد: لن نبلغ الكمال، ولكن سننشده.
رابط مختصر