البوابة نيوز:
2025-06-17@19:32:04 GMT

إبداع|| محمد الجوهري يكتب: الغريب الذي غير مساري

تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في إحدى الليالي الشتوية الممطرة، وبينما كنت أعود بسيارتي إلى المنزل بعد يومٍ شاق في العمل، قررت أن أسلك طريقًا مختلفًا.. كان الطريق الذي اخترته مهجورًا، تحيط به الأشجار على الجانبين، ويكاد الظلام يبتلعه بالكامل، لم أكن أعرف لماذا قررت أن أسلك هذا الطريق بالذات، ربما كنت بحاجة إلى الهدوء، أو إلى بعض اللحظات التي أكون فيها بعيدًا عن ضجيج العالم.

بينما كنت أقود، شعرت بشيء غريب، ربما كان شعورًا بالوحدة أو ثقل يومٍ مليء بالقرارات والمشاكل، فجأة، تعطل المحرك وتوقفت السيارة تمامًا وسط الطريق حاولت تشغيلها مرارًا، لكن دون جدوى، بحثت عن هاتفي لأتصل بشخص ما، فقط لأجد أن البطارية قد نفدت، بدت اللحظة وكأنها تتحداني، وكأن العالم يريد مني أن أتوقف وأعيد التفكير في كل شيء.

خرجت من السيارة تحت المطر الخفيف الذي زاد من برودة الجو، وقفت هناك، أنظر حولي بلا أي فكرة عمّا يمكن أن أفعله، الطريق كان فارغًا تمامًا، إلا من صوت قطرات المطر وأوراق الأشجار التي تحركها الرياح، كان شعورًا غريبًا، كأنني الوحيد في هذا العالم.

بعد دقائق، ظهرت من بعيد إضاءة خافتة، كان هناك رجل يسير ببطء، يحمل حقيبة صغيرة، ارتدى معطفًا طويلًا وقبعة سوداء، تخفي ملامحه بشكل جزئي، اقترب مني بهدوء، وعندما أصبح قريبًا بما يكفي، لاحظت أن وجهه كان يحمل تعبيرًا غامضًا، مزيجًا من الحكمة والهدوء.

"تبدو في ورطة"، قال بصوت هادئ.. "السيارة تعطلت، وهاتفي بلا بطارية لا أعرف ما الذي يمكنني فعله الآن".. ابتسم وقال: "ربما توقفك هنا ليس مجرد صدفة أحيانًا، الحياة تعطينا لحظات كهذه لتُرينا شيئًا مختلفًا".

رغم غرابة كلماته، شعرت بالراحة، كان هناك شيء مطمئن في وجوده، وكأن حضوره يزيل بعضًا من التوتر الذي كنت أشعر به.. بدون أن ينتظر إجابتي، بدأ الرجل في فحص السيارة، تحرك بثقة وكأنه يعرف ما يفعل، بينما بقيت أنا واقفًا أراقب، بعد دقائق، رفع رأسه وقال: "المشكلة بسيطة، لكن عليك أن تنتظر قليلًا، المحرك بحاجة لبعض الوقت ليبرد".

جلس الرجل على حافة الطريق، وأخرج من حقيبته قطعة قماش صغيرة مسح بها يديه، نظرت إليه بفضول وسألته: "هل تسير دائمًا في هذا الطريق؟ يبدو مكانًا غير مأهول".. ضحك بخفوت وقال: "أنا هنا دائمًا، لكنني لا أرى أحدًا إلا نادرًا، هذا الطريق ليس لمن يبحث عن اختصار، بل لمن يبحث عن طريق طويل ليعيد التفكير".. كلماته بدت وكأنها تحمل معاني أكبر مما يقول، لكنها أثارت فضولي أكثر.

بينما كنا نجلس ننتظر، بدأ يحدثني عن حياته.. قال إنه كان يعيش حياة مزدحمة، مليئة بالعمل والسعي خلف النجاح، لكنه أدرك في لحظة ما أنه فقد نفسه في الزحام "كنت أركض طوال الوقت، أبحث عن المال والمكانة، لكنني لم أكن سعيدًا، حتى أنني لم أكن أعرف لماذا أفعل كل ذلك، الحياة ليست سباقًا يا صديقي، بل رحلة، وكل ما عليك هو أن تعرف كيف تستمتع بالمحطات".

شعرت وكأنه يتحدث عني، كنت قد قضيت سنوات في السعي وراء أهداف لم أكن متأكدًا من معناها، كل يوم كان يمر وكأنه نسخة مكررة من الذي سبقه.. سألته: "وكيف عرفت أنك بحاجة للتغيير؟".. قال: "عندما توقفت فجأة، تمامًا كما توقفت سيارتك الآن، تلك اللحظة كانت دعوة للحياة أن تقول لي: توقف، فكر، وابحث عن المعنى".

مر رجل آخر بدراجة قديمة، يبدو عليه التعب، لكنه توقف عندما رآنا "تحتاجون إلى مساعدة؟" سأل بصوت خشن.. "لا بأس، الأمور تحت السيطرة"، أجاب الغريب بابتسامة ودودة.

لكن الرجل بالدراجة لم يذهب، جلس بجانبنا وبدأ يشاركنا الحديث، قال إنه يعمل في الحقول القريبة، وإنه يمر من هذا الطريق كل يوم، بدأ يحكي عن حياته البسيطة.. لفت انتباهي تلك الجملة التي كانت نصلًا في روحي "السعادة ليست في الأشياء الكبيرة، بل في التفاصيل الصغيرة"، قال وهو ينظر إلى السماء الممطرة.

بعد حوالي نصف ساعة، حاولت تشغيل السيارة مرة أخرى، وعادت للعمل بشكل مفاجئ، شعرت بالارتياح وشكرت الغريب على مساعدته، لكنه لم يبدُ مستعجلًا للمغادرة، نظر إليّ وقال: "قبل أن ترحل، تذكر شيئًا: كل توقف هو فرصة. فرصة لتعيد التفكير، لتسأل نفسك: هل أنا على الطريق الصحيح؟"، ثم أضاف بابتسامة غامضة: "وأحيانًا، الأشخاص الذين تقابلهم في هذه اللحظات يكونون مجرد رسائل".

ركبت السيارة وبدأت في القيادة، بينما كان الغريب والرجل بالدراجة يلوحان لي، شعرت بشيء غريب، وكأنني غادرت مكانًا ليس مجرد طريق، بل محطة من محطات الحياة.

عندما وصلت إلى المنزل، جلست أفكر في كل ما حدث، الغريب، الرجل بالدراجة، الكلمات التي قيلت، أدركت أنني كنت أحتاج إلى تلك اللحظة، ليس لأن سيارتي تعطلت، بل لأن حياتي نفسها كانت بحاجة إلى إعادة تشغيل.

ومنذ ذلك اليوم، بدأت أتعامل مع الحياة بشكل مختلف،  أصبحت أبحث عن المعنى في التفاصيل، وأتوقف عند كل لحظة لأفهمها "الحياة مليئة بالإشارات، لكننا نحتاج فقط إلى أن نفتح أعيننا لنراها".

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: محمد الجوهري هذا الطریق لم أکن

إقرأ أيضاً:

الاتجاه نحو الطريق المنحدرة

 

 

سعيد بن حميد الهطالي

saidalhatali75@gmail.com

 

 

حين فعلّت تطبيق الخرائط على هاتفي ذات مساء للاسترشاد به إلى وجهة مُعينة، نطق المرشد الآلي قائلًا: "الاتجاه نحو الطريق المنحدرة" كانت الجملة عادية في ظاهرها، جزءًا من تعليمات صوتية لم أكن أوليها كثيرا من الانتباه لكن هذه العبارة استوقفتني، شعرتُ فجأة بأنها لا تخصّ خرائط السير وحدها، إنما تصف شيئًا أعمق كأنها تلخّص حياتنا الشخصية، ومساراتنا اليومية، وقراراتنا التي تبدو موجهة وواضحة بينما هي تقودنا نحو منحدرات لا ننتبه إليها إلا بعد فوات الأوان.

لا شيء يبعث على الاطمئنان في أفق يسير نحو منحدر، والمأساة الحقيقية لا تكمن في اندلاع الحروب فقط إنما في الطرق التي تُسلك نحوها ونحن نظنها ممرات عبور آمن، لكن الطريق المنحدرة لا تعرف الأمان إنها تختبر قدرة الشعوب على الصمود، وقدرة الدول على النجاة، دون أن تنزلق كليًّا في قاع لا قرار له!

ثمة طرقٌ نختارها لا لأنها الأفضل؛ بل لأنها الأسهل، نغري أنفسنا بانحدارها اللطيف، وبأنها لا تطلب منا جهدًا، ولا تستفز خوفنا نسير فيها وكأننا في نزهة لا نلتفت كثيرًا لما حولنا فكل شيء يبدو هادئًا إلى أن نفاجأ بأننا قد قطعنا شوطًا لا عودة منه، وأن السهولة التي أعجبتنا كانت مجرّد خدعة لطيفة تخفي انحدرًا لا يرحم!

الطريق المنحدرة لا تعلن عن نفسها أنما تبدأ بميلٍ خفيف بالكاد نشعر به خطوة تجرّ أخرى، وقرار يتبعه قرار، حتى نصبح في منتصف مسارٍ لا يشبهنا، ولا يشبه نوايانا حين قرارنا السير عليه..

المشكلة ليست في الوجهة وحدها، بل في أننا نقبل بالمسير لأن الأرض تبدو ممهّدة، والجهد فيها أقل، والصوت الداخلي فينا يبرّر كل شيء: "ما دامت الطريق سهلة، فهي آمنة، أليس كذلك؟". لكن السهولة ليست دائمًا برهان الصواب، كما أن التعب ليس دومًا علامة الفشل، الطرق التي تتطلّب منا وقفة تأمل، أو قرارات حاسمة، أو مواجهة مع ذواتنا قد تكون أكثر صدقًا من تلك التي تجرفنا برفق، ثم تتركنا في قاع لم ننتبه أننا كنا ننزلق إليه طوال الطريق، ففي واقع حياتنا اليوم كثيرًا ما نؤجل المواجهة، نختار السكوت بدل الحوار، والمجاملات بدل الصراحة، والتأجيل بدل القرار، نقول: "دع الأيام تفعل ما تشاء"، دون أن نسأل: وماذا لو كانت الأيام تقودنا إلى ما لا نشاء؟ وهكذا نتخذ الطريق المنحدرة بلا وعي لأننا خائفون من عناء الصعود، أو مرارة التوقّف!

الخطورة لا تكمن فقط في الطريق، بل في الإنسان الذي يسلّم نفسه لها، ذلك الذي يمشي لأنه لا يريد أن يزعج راحته، أو يراجع اختياراته، أو يغيّر اتجاهه حين يشعر بالخطأ، الركض في الطريق السهلة يشعره بالإنجاز، لكنه في الحقيقة مجرد انزلاق ناعم نحو فقدان التوازن.

وهنا تتجلّى الحكمة العميقة: "ليس كل طريق سهلة تستحق أن تُسلك"؛ فالراحة المؤقتة قد تقودنا إلى تعاسة طويلة، والسكون الظاهري قد يسبق العاصفة، والمسارات التي لا تطلب منا التفكير قد تسرق منّا القدرة على التمييز، ثم على الوقوف، ثم على النجاة، إن الطريق المنحدرة ليست شرًا بذاتها لكن الشرّ أن نُسلّم أنفسنا لها دون وعي، أن نظن أن الحذر مبالغة، وأن التوقّف ضعف، وأن المراجعة تردد!

بينما القوة الحقيقية تكمن في أن نجرؤ على قول: "لا" حتى ونحن في منتصف الطريق، أن نتراجع حين نشعر بأن المسير يفقدنا ذواتنا، أو يبتعد بنا عن أهدافنا، أو يعمّق فينا الخواء.

ربما لا نستطيع تغيير شكل الطرق من حولنا، ولا منع انحدارات العالم، لكننا نملك دومًا خيار الوقوف، والتأمل، والاختيار قبل التدهور أو الانحدار الخطير الذي يقود إلى انزلاق نفقد فيه القدرة على الكبح!

ذلك الاختيار الذي يقول: "أنا لا أسير لأن الطريق سهلة؛ بل لأنني اخترت السير فيها، وأنا واعٍ إلى أين أمضي".

ففي زمنٍ تتكاثر فيه المنحدرات، وتغري السرعة، وتغوي السهولة، تبقى الشجاعة الحقيقية أن نقف، ونُدرك أن أول النجاة هو ألا نسلّم أنفسنا لكل ما يبدو مريحًا.

مقالات مشابهة

  • محمود زيدان يكتب.. الذين يبلغون رسالات الله.. الشعراوي نموذجًا
  • التحوّل الغريب في حياة الفنان شريف الفحيل
  • الاتجاه نحو الطريق المنحدرة
  • محمد عبد الجواد يكتب: وضاقت عليهم الأرض بما رحبت !!
  • د. عصام محمد عبدالقادر يكتب: احذروا الفضاء المفتوح بمزيد من الوعي الصحيح
  • محمد كاظمي صائد الجواسيس الإيراني الذي اغتالته إسرائيل
  • الميزان لا يزال في شنطة السيارة.. محافظ الدقهلية يستوقف كارو محملة بأنابيب الغاز للتأكد من وزنها
  • تقنية لتشغيل الفيديو من شاشة السيارة
  • إبداع وتراث .. المتحف المصري ينظم برنامجًا لتعليم النحت بعجينة الورق
  • من هو محمد عبدالكريم الغماري رئيس هيئة الأركان في حكومة الحوثيين الذي أعلنت إسرائيل اغتياله؟