حمد الصبحي

 

"كل شيء يمشي بهدوء: البحر، الناس، حتى الوقت.. يمشي على أطراف أصابعه".. هكذا هي مسقط صامتة وفي قلبها ألف حكاية وحكاية، لذلك فهي تستحق التحية والتكريم، لا أن تُكرَّم الأفعال، فهي الجذر الرائع والطبع المختوم في ذاكرة الإنسان، هي منبع العمل. لكن هذه المرة أرادت أن تنحني إجلالًا على كل الحب، وعلى من ألقى التحية لها في الصباح والمساء؛ بدءًا من الطيور المهاجرة والمقيمة؛ فهي معتدلة المزاج من صيفها اللاهب، تفتح أبواب التقدير لكل الأطياف، لا لتُوزّع شهاداتٍ مؤطرة أو دروعًا زجاجية، بل لتكتب أسماء بعض الجهات في دفتر الضوء، وتعلّق على جدران المؤسسات عبارة: "أنتم الأجدر لأنكم الأقرب للناس".

إنها باختصار تتخطى معجم البروتوكول.

وفي قاعةٍ طارت عن جدرانها، تفيض بالرؤية والامتنان، احتشد الأمل لصناعة الغد، ليكون مسرح الحكاية. اجتمعت مؤسسات مسقط، لا لجدولة اللقاء والمهام أو مناقشة العقود الزمنية، بل لتتلقى شكرًا صامتًا من وجوه. فكان التكريم، والتكريم ليس نهايةً؛ بل بداية، بداية عمل، بداية مستقبل يُحرَث ويتحرك ويفيض عن مكانه، يُخصب ذخائره، ليقول لليوم وللغد: ألف شكر، وينسج من ألف حكاية.

حكاية خبأها الزمان ونصخ بها المكان، ليكون، فكان ميثاقًا للحب، ووفاءً لكل شيء ينتصر لماء الأمل وصناعة المستقبل. وحين رفعت وزارة العمل مع محافظة مسقط راية "منظومة الإجادة المؤسسية"، لم يكن الأمر في البدء مجرد احتفال تتنافس فيه المؤسسات من أجل الجوائز؛ بل كانت خطوة في تكريم الناس، وردّ الوفاء للذين أخلصوا للأرض وللبلاد، فبهم تنهض الحياة ويسمو كل شيء، من أول الصباح حتى آخر غروب الكوكب. كانت إذن للناس، وكل الناس.

التكريم جاء منسوجًا بخيوط الحب لخدمةٍ تشرّبت بها الحُلوق، جاء ليعزز الخدمة وأدواتها، ولينمو شريان الحياة، ومن أجل ألّا يقف المواطن والمقيم طويلًا في طابور، ولا يتيه في دهاليز الإجراءات، ولا يغادر محبطًا. إنه أسلوب حياة، أسلوب عمل، وهو عادة متأصلة بين أوساط الجميع: الناس والمؤسسات.

ولهذا، ولكل شيء جميل وعذب كرقائق الصباح، كان هذا التكريم احتفالًا بالصمت الذي يعمل، احتفالًا بالأمل وبالإخلاص الذي لا يعلو صوته، وبالموظف الذي يرى أن وظيفته ليست "مكان عمل"، بل "مكان أثر".

وكانت الجهات المُكرَّمة، والمُختارَة بدقة وعناية، كعينات مشدودة للجمال، وإن كان في مجملها تطفو بزهور النهار في ساعات عملها. لكن المُكرَّمة هي خيار العناق بين المؤسسة والأمل. وكانت كل جهة أو مؤسسة مكرَّمة مرآةً لروحٍ خدميةٍ تعرف أن العمل العام ليس مخزنًا أو ذخيرة للشهادات أو الدروع، بل مسؤولية، وهي مسؤولية مشتركة، تحمل على كتفها أمانة تاريخية.

وفي هذا السياق المحموم بالمنجز، كان التكريم نقطة فاصلة، وعلامة ترقيم على صدر المسؤولية، لأن المؤسسات المنتخبة أعادت الوجه والتعريف بمعنى "الخدمة"، ومعنى العمل. والاحتفاء هنا عربون حب في كل ما قُدِّم وأُنجز لخلاصة إنسانية بحتة؛ فيها الاحترام أولًا، وفيها الاعتراف بالاحتياج، وفيها محاولة التيسير لا التعقيد.

ومسقط، هذا الكوكب الصغير في الحياة، حين تتحدث بلغة الجودة، فهي تعترف بناسها، بصباحها المحتشد بضوء زمن قديم. تريد أن تقول اليوم: "شكرًا لمن خفّف عن الناس عبء المراجعات، ولمن طوّر، وابتكر، وأصغى، وسهر من أجل أن يكون المكان أكثر دفئًا واحترافية". وتقول أيضًا إن هذه الجائزة هي ترسيخ لفكرة أن المؤسسة التي لا تشبه المواطن في همّه وسرعته وتطلعه، ستظل بعيدة عن روحه.

ولأن مسقط حديقة القلوب، تقول كل شيء، وفي قلبها ألف حكاية وحكاية، وتريد أن تبوح بسرها للتاريخ: إن من فاز ليس المؤسسات؛ بل نحن جميعًا فُزنا، حين باتت الخدمة سهلة كالماء، والطريق أكثر إنسانية، والمراجعة أكثر يُسرًا، والابتسامة جزءًا من السياسة العامة. وعُمان الأم لا تكتفي بالأحلام؛ بل تحوّلها إلى واقع محشو بالأمل.

 

والحكاية لا تنتهي!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حكاية الإخوان في السودان

تحتفل مجموعات سودانية الآن بمولد الحرب على الإخوان، والذي يحاولون فيه القضاء على كل المقاومة السودانية باعتبارها جماعة الإخوان وهم يقدمون في هذا المولد بطاقة انتماء لأمريكا والإله ترامب باعتبار أن ذلك هو الطريق الوحيد لحكم السودان، والذي يمكن أن يسعى إليه أي وطني داخل أو خارج السودان هو الحفاظ على وحدة الوطن وسيادته والحرب ضد التدخل الأجنبي وتقسيم البلاد وإبادة شعب عاش في وطنه آلاف السنين.

السودان يمر بأخطر مرحلة في تاريخه لا تستهدف تقسيمه جغرافيا فقط، ولكنها تهدف أيضا إلى إبادة هذا الشعب واستبداله بمجموعات من المرتزقة من كل أنحاء العالم كي يعملوا كوكلاء للاستعمار الجديد وخونة للأرض والوطن والعرض ولعبة الإخوان في السودان هي نفس لعبة حماس في غزة وياسر عرفات في فلسطين وصدام حسين في العراق وحزب الله في لبنان وكل إيران في إيران ومادورو في فنزويلا وأي مقاوم للاستعمار الجديد في الأرض أو في السماء والغريب أن هذه اللعبة التي تستخف بعقولنا تجد لها أنصارا من بني جلدتنا يطبلون ويرقصون على أنغامها ظنا بأن ذلك سينقلهم حتما إلى كراسي السلطة ومناجم الذهب وخزائن البنوك المركزية في أوطاننا.

وأي متابع للسودان يعلم أن جماعة الإخوان هناك تحولت إلى فصيل تراسي صغير جدا وهي منقطعة عن تواصلها مع جماعات الإخوان في الخارج وهي عبارة عن جماعة دعوية صغيرة لا يمكن أن تشكل كل هذا الخطر المبالغ فيه الذي تدق له الطبول وتحشد له الجيوش ولكن كل هذا يحدث فقط لاحتلال السودان وإعادة هندسته جغرافيًا وسياسيًا وتحميل ثرواته بالكامل إلى خارج نطاق الدولة والقارة إلى عواصم غربية.

وتنفذ الآن موجة استعمارية جديدة تستخدم فيها دعاية سوداء وخطط خداعية وتيارات محلية وجيوش من المغفلين والعملاء والمرتزقة ولا أعرف كيف يقع التيار اليساري الأكثر ثقافة في فخ الاستعمار الجديد ويلغي كل أفكاره التقدمية ومعاداته لأمريكا والغرب ويتحول إلى معول هدم لوطنه السودان بحجة محاربة الإخوان وهو الأكثر معرفة بأنهم لا يشكلون أي قوة تمثل تهديدا لوحدة البلاد وسيادتها

كنا نتمنى أن تنتبه جميع التيارات السياسية لما يحاك ضد السودان وأن يتوحدوا خلف شعارات متفق عليها وأكثر تحديدا وتتلخص في الدفاع عن السودان ضد التدخل الأجنبي وضد تقسيمه وضد أي محاولات لنهب ثرواته وإحالة كل مستقبل السودان إلى شعبه الذي هو وحده صاحب القرار في تحديد مصيره ومستقبله السياسي.

وهناك حسم عند كل الخبراء أن لعبة التخلص من الإخوان سوف يتم تعميمها على كل الشعب ومؤسساته العسكرية والأمنية وسوف يتم ملاحقة كل من قاوم أو يقاوم جحافل الاستعمار الجديد بحجة أنه إخوان حتى لو كان على غير دين الإسلام، هكذا فعلوا بالصومال والعراق وغزة وسوريا ولبنان وإيران وليبيا وفنزويلا وسيفعلون في كل أرض بها ثروات وهذه حقيقة لا ينكرها إلا العملاء.

مقالات مشابهة

  • الأميرة لمياء بنت ماجد آل سعود: الإعلام يخلق الوعي ويتكامل مع العمل الإنساني
  • تكريم محافظ القاهرة بعد فوز العاصمة بجائزة التميز العربي
  • نائب محافظ بني سويف يناقش خطط وآليات عمل المؤسسات الأهلية خلال المرحلة القادمة
  • الأميرة لمياء بنت ماجد آل سعود: الإعلام يخلق الوعي باحتياجات المجتمعات ويتكامل مع العمل الإنساني
  • ندوة ثقافية بصنعاء بعنوان “المرأة بين التكريم الإلهي والامتهان الغربي”
  • افتتاحية.. تكنولوجيا العمل التي لا تنتظر أحدا
  • 10 أسئلة لا بد منها لفهم تحولات نماذج العمل والأعمال
  • تكريم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة للتميز في العمل الاجتماعي
  • حكاية قصواء.. محاولة للفهم!
  • حكاية الإخوان في السودان