16 غشت، 2025

بغداد/المسلة: تتسارع في بغداد خطوات إعادة التموضع الأميركي وسط مشهد إقليمي ملتهب، حيث تتقاطع رسائل الضغط الإيرانية مع حسابات واشنطن الأمنية.

ويبدو أن ما يجري ليس مجرد إجراءات لوجستية بل انعكاس لتقديرات عسكرية ترى في العراق ساحة تماس مفتوحة بين طهران وتل أبيب، وفي الوقت ذاته اختباراً لمدى صلابة الاتفاق الأمني الموقع بين بغداد وواشنطن.

وتبرز عمليات نقل المعدات العسكرية من قاعدة عين الأسد بوصفها إشارة إلى إعادة توزيع القوة وفق خرائط تهديد جديدة، في وقت تصر فيه حكومة محمد شياع السوداني على أن الجدول المتفق عليه للانسحاب لم يتغير.

غير أن تأكيدات المسؤولين الأميركيين بأن العمليات “فنية وليست واسعة النطاق” لا تُخفي أن البوصلة تتجه إلى تعزيز مرونة الوجود العسكري، وتكييفه مع احتمالات اندلاع مواجهة أوسع في الإقليم.

ويكشف ذلك عن جدلية مألوفة في المشهد العراقي: واشنطن لا تنوي المغادرة الكاملة، بل إعادة صياغة حضورها في صورة استشارية وعسكرية مرنة، بينما ترى طهران أن أي بقاء أميركي يعني تثبيت معادلة ردع موازية.

وبين هذين الضغطين يجد العراق الرسمي نفسه أمام اختبار قدرة الدولة على ممارسة سيادتها من دون أن يتحول إلى ساحة تصفية حسابات.

وتأتي زيارة علي لاريجاني لبغداد كمؤشر آخر على أن إيران لم تعد تجد الاستجابة التقليدية من الشريك الحكومي. فقد خرج الرجل من اللقاءات بلا “أجوبة مريحة”، بعد أن اقترح تعاوناً لضبط الحدود في حالة الحرب، ليُجابَه برد عراقي واضح بأن القدرات المحلية محدودة، وأن مهمة فشلت فيها طهران نفسها لا يمكن لبغداد أن تنجح بها.

ويثير توقيع مذكرة تفاهم بين لاريجاني وقاسم الأعرجي حفيظة واشنطن التي تراقب عن كثب، فيما يحاول العراق تسويق هذه الخطوة على أنها جزء من السيادة الوطنية. لكن الواضح أن بغداد تواجه معضلة مزدوجة: فهي لا تستطيع أن تخسر الدعم الأميركي في مرحلة دقيقة، ولا أن تُدير ظهرها تماماً لمطالب إيران الأمنية. وهذا التوازن الهش يعكس جوهر الإشكالية العراقية منذ عقدين، حيث الدولة قائمة بين قوتين تتنازعان تعريف الأمن وحدود النفوذ.

وفي لحظة تتشكل فيها خرائط جديدة للصراع الإقليمي، لا يبدو أن بغداد تملك رفاهية الحياد المطلق. بل هي مضطرة لإدارة لعبة التوازن الدقيقة، فيما تتحضر واشنطن لإعادة صياغة وجودها العسكري، وتتهيأ طهران لاختبار ولاء حلفائها على الأرض. إنها لحظة عراقية بامتياز، لحظة تتحدد فيها معالم “المسافة الصعبة” بين أن تكون الدولة ساحة أو أن تكون لاعباً.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

«الإمارات للدواء» توقّع مذكرة تفاهم مع وزارة الصناعة والتجارة الروسية

دبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة الإمارات تعلن نجاح إطلاق القمر الاصطناعي العربي 813 نهيان بن مبارك يشهد العرس الجماعي الثاني لـ«خليفة الإنسانية» في الشارقة

وقّعت مؤسسة الإمارات للدواء مذكرة تفاهم مع وزارة الصناعة والتجارة في روسيا الاتحادية، بحضور معالي سعيد بن مبارك الهاجري وزير دولة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للدواء، ومعالي أنطون أليخانوف، وزير الصناعة والتجارة في روسيا، وعدد من المسؤولين والخبراء من كلا الجانبين.
وتهدف المذكرة التي وقعت على هامش اجتماعات اللجنة الوزارية الإماراتية- الروسية المشتركة، التي عقدت أمس الأول بدبي، إلى تعزيز التعاون الثنائي في مجال تنظيم الصناعات الطبية وتطوير منظومات التصنيع الدوائي وفق أعلى الممارسات والمعايير التنظيمية العالمية، بما يسهم في دعم الابتكار ورفع كفاءة الإمداد الدوائي لدى الطرفين.
وقال معالي سعيد بن مبارك الهاجري، وزير دولة ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للدواء، إن المذكرة تُجسّد رؤية القيادة في ترسيخ مكانة الإمارات شريكاً موثوقاً في الصناعات الدوائية والتنظيم الصحي، وتعزيز دورها مركزاً إقليمياً للعلاجات المبتكرة وفق أعلى المعايير الدولية.
وأشار معاليه إلى أن التعاون مع الجانب الروسي يأتي امتداداً لنهج الدولة في بناء منظومة تنظيمية متقدمة تقوم على الشفافية والحوكمة والابتكار، بما يدعم الأمن الدوائي ويرتقي بجودة الخدمات الصحية.
وأكد معاليه على التزام مؤسسة الإمارات للدواء بتطوير قدرات الصناعة الدوائية الوطنية وبناء كوادر متخصصة، وتوفير بيئة تطويرية متكاملة تُرسّخ مكانة الإمارات وجهة عالمية لصناعة وتنظيم المنتجات الطبية، بما ينسجم مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة.
من جهتها، أكدت الدكتورة فاطمة الكعبي، المديرة العامة لمؤسسة الإمارات للدواء، أن المذكرة تعكس التزام دولة الإمارات برفع جودة الصناعات الدوائية وتعزيز كفاءة التفتيش والرقابة على المصانع وفق أفضل الممارسات العالمية، كما تسهم في دعم جهود الدولة لاستقطاب الاستثمارات النوعية، وترسيخ مكانتها مركزاً إقليمياً للصناعات الدوائية المتقدمة والتقنيات الصحية المستقبلية.

مقالات مشابهة

  • تحليل: الدبلوماسية المنتجة قادت العراق إلى إنهاء الوصاية الأممية
  • غوتيريش: نغلق اليوم إحدى صفحات التعاون مع العراق ونفتح أخرى
  • زيدان: اختيار الرئاسات الثلاثة بيد القوى السياسية العراقية
  • مخاوف إنسانية وسياسية بعد الرحيل الأممي عن العراق
  • غوتيريش في بغداد وبعثة الأمم المتحدة قبل المغادرة: العراق يقود خطة “مارشال”
  • «الإمارات للدواء» توقّع مذكرة تفاهم مع وزارة الصناعة والتجارة الروسية
  • محددات العلاقة بين إيران والمقاومة: قراءة في خطاب ظريف حول الهوية الوطنية للفصائل
  • رئيس الجمهورية لبزشكيان: أي عرقلة تواجه إيران هي بمثابة عداء لنا
  • إلغاء تفويضات العراق 1991-2002: ثمرة نهج هادئ يحول العراق من ملف أمني إلى شريك استراتيجي
  • إشاعات العقوبات مكشوفة: توازنات الحكومة الإقليمية تثمر عن رسائل أمريكية إيجابية