خبراء يكشفون للجزيرة نت سر استهداف الاحتلال مستشفيات غزة
تاريخ النشر: 30th, December 2024 GMT
غزة- بعدما قضى الاحتلال الإسرائيلي نهائيا على الخدمة الطبية في محافظة شمال قطاع غزة، وأخرج مستشفياتها الثلاثة الرئيسية عن الخدمة، يلوح في الأفق سيناريو إسرائيلي مشابه ضد ما تبقى من مستشفيات لا تزال تعمل في مدينة غزة، ولو بالحد الأدنى وبإمكانيات متواضعة.
وفي حين لا تزال النيران تنبعث من مستشفى كمال عدوان الحكومي الأكبر في شمال القطاع، بعد اقتحام قوات الاحتلال له وإحراقه واعتقال مديره حسام أبو صفية وعدد من كوادره والمرضى والنازحين فيه، وبالتالي إخراجه عن الخدمة كليا، وسبقه المستشفى الإندونيسي الحكومي، لا تزال الدبابات الإسرائيلية تحاصر مستشفى العودة (جمعية أهلية) في مخيم جباليا، رغم أنه خارج عن الخدمة عمليا.
وعلى وقع هذه الجرائم المروعة بحق المنظومة الطبية في شمال القطاع، جاء استهداف مبنيين في مستشفيي الأهلي العربي (المعمداني) والوفاء للتأهيل في مدينة غزة، في حادثين متزامنين، الأمر الذي يثير القلق من دوافع إسرائيلية باتت أهدافها واضحة بالنسبة للغزيين، خاصة في شمال القطاع، بتدمير كل مقومات الحياة -بما فيها الصحية- ودفعهم للنزوح جنوبا.
انهيار المنظومة الصحيةوإثر ما يصفها بالجريمة النكراء لقوات الاحتلال بحق مستشفى كمال عدوان، يحسم مدير المستشفيات الميدانية في وزارة الصحة الدكتور مروان الهمص الأمر، ويقول للجزيرة نت "انهارت المنظومة الصحية في شمال قطاع غزة كليا".
إعلانومنذ 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث شرعت قوات الاحتلال بعملية برية واسعة النطاق بدأت من مخيم جباليا وامتدت لباقي مناطق شمال القطاع، والمستشفيات هناك تواجه استهدافا ممنهجا، وتساقطت تباعا، وبحسب الهمص فإن المستشفيات هي أحد أبرز ملامح الحياة في كل مكان، والاحتلال بتدميرها وإخراجها عن الخدمة يريد أن يحول الشمال إلى مناطق منكوبة وغير قابلة للحياة.
فمنذ البداية، كان هدف الاحتلال من وراء جرائمه الممنهجة بحق المستشفيات هو دفع من تبقى من سكان الشمال نحو النزوح، وإفراغه كليا، واليوم بدت ملامح مماثلة لهذا السيناريو في مدينة غزة باستهداف مستشفيي المعمداني والوفاء، وفقا للهمص.
ومستشفى المعمداني هو الوحيد الذي لا يزال يعمل في مدينة غزة بالحد الأدنى من الإمكانيات وبالقليل من الطواقم الطبية، ويتعامل مع ضحايا وجرحى الحرب، فيما يختص مستشفى الوفاء بالتأهيل والنطق، بينما باقي مستشفيات هذه المدينة الأكبر في القطاع خارجة عن الخدمة.
وضمن سياسة الاستهداف الممنهج للمنظومة الصحية إلى جانب القصف والتدمير، يقول الهمص إن الاحتلال يوظف سلاح الحصار من أجل تدمير هذه المنظومة، حيث يمنع عن مدينة غزة وشمال القطاع الدواء، ويعرقل وصول الطواقم الطبية، في إمعان للقتل والتدمير.
ويعتبر الهمص أنه بخروج "كمال عدوان" عن الخدمة "سقطت المنظومة الطبية في الشمال كليا، بينما لا تبدو مدينة غزة أفضل حالا، حيث لا يوجد فيها أي مستشفى حكومي، وإنما فقط 4 مستشفيات خاصة، أبرزها المعمداني، ولا تتوفر فيها كل الخدمات الطبية اللازمة للتعامل مع تداعيات الحرب مثل الجراحات التخصصية".
ومنذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان العاملون في القطاع الصحي في بؤرة الاستهداف المباشر، وبحسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي قتل الاحتلال أكثر من 1050 من الطواقم الطبية، واعتقل أكثر من 310، واغتال منهم 3 أطباء، وأخرج عن الخدمة 34 مستشفى و80 مركزا صحيا، واستهدف 134 سيارة إسعاف.
ويقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الدكتور إسماعيل الثوابتة، للجزيرة نت، إن ما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بحق المستشفيات والمنظومة الصحية من قتل وتدمير هي "جريمة حرب مكتملة الأركان".
إعلانويهدف الاحتلال للقضاء التام على النظام الصحي في القطاع كجزء من سياسة الإبادة الجماعية، التي تمارس بحق زهاء مليونين و400 ألف فلسطيني في القطاع، وفقا للثوابتة.
وفي سبيل ذلك، يقول الثوابتة إن الاحتلال ومنذ بداية حرب الإبادة التي يشنها على القطاع للعام الثاني على التوالي يستهدف بشكل ممنهج ومنتظم البنية التحتية للمنظومة الصحية، واغتال وجرح واعتقل المئات من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، بهدف استكمال مسلسل إبادة الغزيين.
وبرأي المسؤول الحكومي فإن نُذر الكارثة تلوح في مدينة غزة، بعد استكمال مسلسل الإبادة في الشمال، وقد انهارت على وقعه المنظومة الصحية كليا، ويقول إن لهذه الكارثة عواقب ستمتد آثارها إلى ما هو أبعد من حدود القطاع، في إشارة لانتشار الأمراض والأوبئة.
ضد القوانين الدوليةويقول رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني الدكتور صلاح عبد العاطي، للجزيرة نت، إن استهداف المنظومة الصحية يندرج بشكل واضح ضمن ما باتت تُعرف بـ"خطة الجنرالات"، الهادفة إلى إفراغ شمال القطاع بالكامل ممن تبقي من سكانه، بعد نزوح الغالبية مع بدايات اندلاع الحرب.
وأضاف أن هذا الاستهداف يندرج في سياق المجازر المروعة أيضا التي ارتكبها الاحتلال في شمال القطاع منذ بدء العملية البرية الحالية، والبالغة 217 مجزرة، راح ضحيتها أكثر من 5 آلاف شهيد، و13 ألف جريح، وتسببت في تشريد زهاء 200 ألف مواطن من شمال جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، وجاء تدمير مستشفى كمال عدوان لتشريد ما تبقى من السكان الصامدين، الذين لا يزيد عددهم عن 20 ألفا.
"الواقع الصحي والإنساني في مدينة غزة وشمال القطاع كارثي للغاية"، بحسب وصف عبد العاطي، ووفقا له فقد كانت -قبل العملية البرية الثالثة ضد مخيم جباليا والشمال- 3 مستشفيات تعمل في شمال القطاع كـ"نقاط طبية" أكثر منها مستشفيات، وجرى تدميرها خلال عمليات الاجتياح المتكررة، والآن باتت خارج الخدمة تماما.
إعلانويقول هذا الحقوقي إن المستشفيات تمثل "ملاذا للناس" وبخروجها عن الخدمة، فإنها تقضي على واحد من أهم مقومات الحياة، وبالتالي تصبح المنطقة طاردة للسكان، وغير قابلة للحياة سواء في الوقت الحالي أو مستقبلا.
ولا يستبعد رئيس الهيئة الدولية أن تمتد فصول هذا السيناريو المدمر إلى مدينة غزة، وقد بدأت ملامحه هذا اليوم بقصف مستشفيي المعمداني والوفاء، وربما يكون من ضمن أهداف ذلك فرض الهيمنة الكاملة على شمال القطاع وإحداث تغيير ديموغرافي، واستكمال مخطط المنطقة العازلة الموسعة، تمهيدا لمشاريع استيطانية واستثمارية.
وبرأي عبد العاطي فإن استهداف المستشفيات المحمية وفق قواعد القانون الدولي، تندرج كذلك في السياق ذاته الذي تمارسه قوات الاحتلال بحق باقي المؤسسات الإنسانية والخدمية والعاملين فيها، مثل البلديات والدفاع المدني وفرق تأمين المساعدات وغيرها، بهدف دفع الأوضاع الحياتية كلها نحو الانهيار والفوضى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المنظومة الصحیة فی شمال القطاع فی مدینة غزة للجزیرة نت کمال عدوان فی القطاع عن الخدمة أکثر من
إقرأ أيضاً:
شهادات للجزيرة نت تكشف استخدام إسرائيل للمساعدات فخا للإسقاط الأمني في غزة
غزة- لم تكتف قوات الاحتلال الإسرائيلي بتحويل مراكز المساعدات الأميركية التي استحدثتها في 27 مايو/أيار الماضي إلى مصايد لقتل الفلسطينيين الباحثين عمّا يسد جوعهم، بل تحاول استغلالها كأدوات ابتزاز أمني، واتخذت منها مقرات لإسقاط الشبان في وحل العمالة (العمل كجواسيس)، وتقديم معلومات أمنية عن الأماكن والأشخاص المحيطين بهم.
وحصلت الجزيرة نت على شهادات خاصة ومعلومات ميدانية، تكشف تورط جيش الاحتلال باستخدام التجويع وحاجة سكان قطاع غزة للغذاء مقابل فتح باب التعامل معه، مما يبرز الأسباب الحقيقية وراء الإصرار الإسرائيلي على الاستمرار بعمل مراكز المساعدات، التي تحولت إلى واجهة للموت، وتخفي خلفها محاولات الإسقاط الأمني.
جهود استخباريةتظهر المعلومات الميدانية وتحركات أجهزة المخابرات الإسرائيلية محاولات حثيثة لتجنيد فلسطينيين من داخل قطاع غزة لتقديم معلومات أمنية لصالح جيش الاحتلال.
بدا هذا واضحا عندما أرسلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قبل عدة أشهر رسائل نصية عشوائية عبر الهواتف المحمولة تقدم فيها المساعدة لمن يود مغادرة غزة، وحددت فيها مواعيد لمقابلة ضباط المخابرات داخل موقع "نتساريم" وسط قطاع غزة.
ورصدت الجزيرة نت حينها استجابة حالات محدودة جدا لتلك الرسائل، حيث أظهرت المصادر الأمنية أن ضباط المخابرات قدموا وجبة غذاء وسجائر لمن ترددوا عليهم، وتركزت أسئلتهم في ذلك الوقت عن أماكن يقطنون في محيطها، وطلبوا معلومات عن بعض قيادات المقاومة، وانتهت المقابلات بوعود بإعادة التواصل معهم في وقت لاحق.
وأعقبت تلك المحاولات، التي لم تجد صدى لدى سكان غزة، إعلان الجيش الإسرائيلي استحداث آلية توزيع مساعدات جديدة بعيدة عن المؤسسات الدولية العاملة في القطاع، وذلك من خلال "مؤسسة غزة الإنسانية" الأميركية، والتي حددت 3 مراكز توزيع فقط، منها اثنان غربي محافظة رفح، وثالث قرب مفترق "نتساريم" وسط قطاع غزة.
إعلانويغيب عن المؤسسة الأميركية الإسرائيلية أي آليات عمل واضحة، حيث تقدم مساعدات محدودة جدا لا تكفي لأكثر من مليوني فلسطيني، ولا يوجد لديها بيانات عن سكان قطاع غزة، مما حولها إلى أماكن لتجميع المجوّعين بشكل عشوائي ومن ثم إطلاق النار عليهم.
وتغلق قوات الاحتلال معابر غزة التجارية منذ مطلع مارس/آذار الماضي، وتمنع دخول أي من المواد الغذائية، مما اضطر عدد كبير من الفلسطينيين للتوجه لمراكز المساعدات بحثا عن الطعام.
وبحسب آخر إحصائية نشرها المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت 516 فلسطينيا خلال محاولتهم الحصول على الغذاء من مراكز المساعدات، وأصابت 3799 آخرين، وفقدت آثار 39 شخصا.
ووثقت الجزيرة نت شهادات عدد من الشبان الذين يترددون على مراكز التوزيع الأميركية بشكل منتظم، ومراقبتهم ما وصفوه بالسلوك الغريب للجيش الإسرائيلي الذي يفرض سيطرته على مناطق المساعدات.
ويشير الشاب "م. د" إلى أن المؤسسة الأميركية تحدد الساعة الثانية فجرا موعدا لفتح مركزها المقام على مفترق نتساريم وسط قطاع غزة، مما يضطره للمبيت على مقربة منه علّه يعود بطعام لأطفاله.
ويقول "في العادة ينير الجيش الإسرائيلي المنطقة، لكننا نتفاجأ بتعمده إطفاء الإنارة قبل السماح لنا بالتقدم تجاه المكان الذي يضع فيه المساعدات، وتتحول المنطقة إلى ظلام دامس، ومن ثم يبدأ بإطلاق نيرانه وقذائفه المدفعية تجاه تجمعات المواطنين مما يؤدي لاستشهاد وإصابة العشرات يوميا".
ويوضح الشاب أنه فور إعادة تشغيل الإنارة، يبدأ المئات بالهرولة تجاه المساعدات، لكن الغريب في الأمر أنهم يتفاجؤون -قبل وصولهم- بخروج بعض الشبان من المكان محملين بالكثير من المواد الغذائية.
ويثير الشاب التساؤل عن كيفية وصول هؤلاء الشبان إلى المكان قبل الجميع؟ وهل سمح لهم جيش الاحتلال بالدخول عبر طرق التفافية؟ أم أنهم كانوا موجودين داخل الموقع العسكري من قبل؟
واستمعت الجزيرة نت لعشرات الشهادات المتشابهة، التي تثبت وجود جهد استخباري إسرائيلي لإسقاط عدد من الشبان الفلسطينيين في وحل العمالة، ويعزز ذلك نص الرسائل التي بعثها الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الماضية عبر الهواتف المحمولة، جاء فيها "بدك (تريد) معلومات للوصول للمساعدات؟ رقم آمن ومجاني ********* معك طول الـ24 ساعة".
وترجح الشهادات الميدانية أن الجيش الإسرائيلي اتخذ من مراكز توزيع المساعدات غطاء لدس وتوجيه متعاونين معه على الأرض، ونشرهم بين المواطنين دون أن يشعر أحد بتحركات غريبة.
متابعة أمنية
وتتابع الأجهزة الأمنية الفلسطينية المعلومات الواردة من داخل مراكز توزيع المساعدات الأميركية الإسرائيلية، حيث أكد مصدر أمني بغزة أنها لم تعد مصايد موت وأفخاخا لقتل المواطنين المجوَّعين فقط، وإنما تحولت إلى مخاطر أمنية فادحة.
وشدد المصدر الأمني -في حديثه للجزيرة نت- على أن لديهم معطيات ومؤشرات قوية تفيد بأن الاحتلال يستخدم هذه المراكز كمصيدة مزدوجة، فمن جهة يُوهم العالم بأنه يُسهم في الجانب الإنساني، ومن جهة أخرى يستغلها في عمليات إسقاط أمني واختراق اجتماعي، مستغلا حاجة الناس ورغبتهم في الحصول على الغذاء، في واحدة من أبشع صور الابتزاز السياسي والإنساني.
ويضيف المصدر "أصبحت المراكز الأميركية أداة خطيرة بيد الاحتلال الإسرائيلي، يُوظفها في سياق أجنداته الأمنية والاستخبارية، وتُدار بطريقة أمنية مشبوهة ومميتة تُثير علامات استفهام كبيرة، بدءا من أماكن توزيعها المختارة بدقة في مناطق مكشوفة أمنيا، ومرورا بالفوضى المصطنعة التي تُحيط بها، ووصولا إلى رصد تحركات المواطنين ومراقبة وجوههم وهواتفهم تحت غطاء توزيع المساعدات".
وحذر المصدر الأمني من خطورة تلك المراكز على النسيج المجتمعي والأمن الوطني، لأن المساعدات الحقيقية لا تُوزع من فوهة بندقية، ولا تُمرر عبر غرف التنصت.
إعلانونبه إلى أن الأجهزة الأمنية تتابع هذا الملف بدقة، وجدد دعوته للمجتمع الدولي لتحمّل "مسؤوليته الأخلاقية في وقف هذه الانتهاكات السافرة، والعمل على توفير ممرات إنسانية آمنة، توصل المساعدات بكرامة، بعيدا عن التوظيف الاستخباري القذر".