شكل سقوط نظام الأسد خلال أيام قليلة على يد الثوار السوريين تحولا استراتيجيا في الإقليم، نظرا للأهمية الجيوسياسية لسوريا، ما يفتح الباب لارتدادات وتداعيات واسعة النطاق لا تقتصر على المنطقة إنما تتعداها لتصيب جميع الأطراف الفاعلة في الساحة السورية منذ بداية اندلاع الثورة، ما يجعل مراقبة سلوك الإدارة السياسية الجديدة محط اهتمام وترقب دولي.
وتحاول الإدارة السورية الجديدة عقب سقوط نظام الأسد تبني خطاب تطميني يرسل رسائل إيجابية لكل الأطراف الدولية، سعيا منها لتجنب الوقوع في أي أزمات خارجية ولتحييد أي خصوم محتملين وللتركيز على الأولويات والتحديات الداخلية أمام التركة الثقيلة التي تركها النظام البائد، ما يتطلب العمل على إعادة بناء الدولة من جديد والحيلولة دون تقسيمها أو تعرضها للفشل وعودة الفوضى لها، ولمحاولة إعادة سوريا لفلك المدار الدولي وإلغاء العقوبات التي وجهت لها سابقا إلا أن هذا الخطاب أثار مجموعة من التساؤلات والإشكالات خاصة فيما يتعلق بالموقف من العدو الصهيوني والقضية الفلسطينية.
ما يستدعي التوقف عنده هو عدم إدراك هذا الخطاب طبيعة العدو الصهيوني؛ أنه كيان شهواني إذا رأى ضعفا تتزايد شهوته وأطماعه ليقتنص الفرصة، وهو الذي يشكل تهديدا لكل محيطه مهما كان هذا المحيط أليفا معه ليمنع مراكمة أي قوة قد تهدده مستقبلا؛ فكيف بسوريا ذات الإمكانات والعمق الاستراتيجي للأمة
إن هذه الرسائل الإيجابية المبالغ فيها أحيانا تفتح الباب للتشكك في هذا الخطاب من قبل المجتمع الدولي؛ نظرا للخلفية السلفية الجهادية لقيادة هيئة تحرير الشام التي تتصدر قيادة الحالة، حيث سينظر إليها في إطار المناورة السياسية والخداع أكثر من كونه نابعا عن قناعة راسخة، فهي ستحتاج تأكيدات بالممارسة العملية أكثر من مجرد التطمينات، إذ إن الكلمات لا تكفي وحدها لإرضاء المجتمع الدولي وتحييده عن التدخل أو العبث في سوريا، وحيث أن التحديات والتهديدات التي تقود لهذا النوع من الخطاب لا يمكن أن تصل لنهاية.
وفي ذات الوقت يثير هذا الخطاب مخاوف وقلق أصدقاء الثورة من الشعوب التي تعوّل على هذه الرقعة المحررة خاصة فيما يتعلق بقضايا الأمة، وارتفع التوجس من التصريحات تجاه العدو الصهيوني الذي توغل في سوريا، وبتجنب الإعلان عن مواقف واضحة تجاه القضية الفلسطينية التي تتعرض لمحاولات تصفية وأمام يجري في غزة التي تتعرض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة، والخشية أن يتحول مثل هذا النوع من الخطاب لأصيل بدلا من خطاب مرحلي، وتدل على احتمالية تحقق ذلك كثير من التجارب حتى الإسلامية منها التي تحول لديها التكتيك لاستراتيجيا مع مرور الوقت، وتتزايد الخشية بقراءة تاريخ تحولات الحالة الناشئة بالتساؤل عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه وهل هنالك حدود للخطاب الذي يتم طرحه.
لا يمكن إهمال السياق والخلفيات الإسلامية لقادة الثورة، والتي شكل نجاحها في ظلال معركة طوفان الأقصى وكأحد تداعياتها؛ بارقة أمل لدى أبناء الأمة وأحرارها بما حققته هذه الرقعة المحررة بقوة السلاح لا بمنّة أحد، بل بإصرار وصبر أحرار الشعب السوري، فارتفعت سقوف التوقعات والأمنيات لتحمل سوريا الجديدة أعباء ثقيلة خاصة تجاه فلسطين وبيت المقدس
وما يستدعي التوقف عنده هو عدم إدراك هذا الخطاب طبيعة العدو الصهيوني؛ أنه كيان شهواني إذا رأى ضعفا تتزايد شهوته وأطماعه ليقتنص الفرصة، وهو الذي يشكل تهديدا لكل محيطه مهما كان هذا المحيط أليفا معه ليمنع مراكمة أي قوة قد تهدده مستقبلا؛ فكيف بسوريا ذات الإمكانات والعمق الاستراتيجي للأمة، وقد تجلت هذه الطبيعة حينما تصاعدت هجمات العدو وارتفعت شهوته ضد حزب الله حينما لم يَرد الحزب بشكل رادع على الضربات الكبيرة الأولى.
في النهاية فإنه لا يمكن إهمال السياق والخلفيات الإسلامية لقادة الثورة، والتي شكل نجاحها في ظلال معركة طوفان الأقصى وكأحد تداعياتها؛ بارقة أمل لدى أبناء الأمة وأحرارها بما حققته هذه الرقعة المحررة بقوة السلاح لا بمنّة أحد، بل بإصرار وصبر أحرار الشعب السوري، فارتفعت سقوف التوقعات والأمنيات لتحمل سوريا الجديدة أعباء ثقيلة خاصة تجاه فلسطين وبيت المقدس التي لا يعقل أن تنفك عنها بأي شكل من الأشكال؛ ليس لأن فلسطين قطعة من بلاد الشام فقط لكن لأنها الميزان الذي يُقاس به أي مشروع وتحدد على أساسها المواقف، وعلى طريقها تخلد المشاريع وأصحابها في سجلات الشرف والمجد، فما هي بالعبء الزائد مهما ثقلت تكاليفها ولا هي بالهدف الثانوي أمام أي هدف آخر مهما عظم.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الثورة سوريا الفلسطينية سوريا احتلال فلسطين ثورة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدو الصهیونی هذا الخطاب
إقرأ أيضاً:
صاروخ في بن غوريون كشف وهم الاعتراض الصهيوني
الرأس الحربي للصاروخ اليمني كان كبيرا للغاية، هكذا كان أول تعليق لإعلام العدو الصهيوني عن الصاروخ الذي تم إطلاقه صباح يم الأحد ٤ مايو ٢٠٢٥م ، ومع أن هذا الصاروخ ليس الأول ولن يكون الأخير، إلا أنه الأول الذي عجز العدو الصهيوني عن الادعاء بأنه نجح في اعترضه خارج الغلاف الجوي كما هو ديدنه في كل مرة، وعجز أيضا عن إخفاء النتائج التي نتجت عن انفجاره والتقليل من آثاره، ربما لأن توقيته كان في وضح النهار وعلى هدف حيوي هو مطار بن غوريون وفي لحظة يتواجد فيها مسافرون من دول كثيرة، فاضطر إلى الاعتراف خوفا من قيام بعض المسافرين الأجانب بكشف الحقيقة من قلب المطار الذي ضربه، وأسفر عن النتائج المباركة التالية:
أحدث حفرة في الموقع المستهدف بلغ عمقها ٣٠ مترا وهو عمق مخيف جدا يدل على قوة الصاروخ اليمني بفتحة زاد عرضها عند سطح الأرض عن ١٠٠ متر وتوالت انفجارات كبيرة بعد ارتطام الصاروخ، تسببت في انتشار حطام الانفجارات من الرأس الحربي والأرض على مساحة دائرية تزيد عن ٢٠٠٠ متراً نتجت عنها إصابات مؤكدة، دل عليها توافد وخروج سيارات الإسعاف في حالة طوارئ واضحة، كما أدت هذه العملية إلى إلغاء هبوط عدد كبير من الطائرات على المطار وعودتها من أجواء الأراضي المحتلة، وأعلنت بعد العملية الكثير من شركات الطيران العالمية تعليق رحلاتها وإلغاء الرحلات التي كانت مقررة منها إلى مطار بن غوريون خلال الأيام القادمة، هذه هي الآثار المباشرة والفورية، ناهيكم عن الآثار التالية على اقتصاد العدو وسياحته واستثماراته.
ومن الجدير ذكره أن نقطة استهداف هذه العملية تم تحديدها بقرار عسكري يمني قرب صالة المسافرين، وكان بالإمكان أن يتم استهداف مدرج المطار أو مرابض الطائرات أو برج المراقبة أو صالات المسافرين أو أي نقطة أخرى وبما يلحق بالعدو خسائر كبيرة في الأرواح والمقدرات، إلا أن هذا ليس هدفاً ويتنافى مع أخلاق ومبادئ وقيم قواتنا المسلحة في مواجهاتها العسكرية، وتحاشيا لسقوط ضحايا مدنيين من دول أخرى.
من جهة أخرى فإن اعتراف العدو الصهيوني بفشل كل منظومات دفاعه بمختلف طبقاتها عن اعتراض الصاروخ، يؤكد أن كل إدعاءاته في اعتراض الصواريخ اليمنية في العمليات السابقة كذب محض، لسببين أولهما إنه لو كان صادقا في اعتراض صواريخ العمليات السابقة لنجح في اعتراض هذا الصاروخ ولم يفشل في ذلك خصوصا والمطار محصن جيدا بمختلف منظومات الدفاع الجوي الصهيونية والأمريكية ثاد ومقلاع داوود والقبة الحديدية و…..إلخ وتم اطلاق صواريخ منها لاعتراضه وهو لا زال خارج الغلاف الجوي وأخرى في طبقاته التالية وفشلت كلها في اعتراضه.
أما ثانيهما فلأن العدو الصهيوني أعلن عن نجاحه في اعتراض الصواريخ في العمليات السابقة كلها، ثم ناقض نفسه في ذلك باعترافه عن إصابة بعض المباني وتدميرها بفعل صواريخ سابقة كالصاروخ الذي أصاب مدرسة ودمرها بالكامل وكالذي أصاب محطة القطارات وغيرها، إضافة إلى اعترافه بنشوب حرائق نتيجة سقوط صواريخ اطلقت من اليمن في العمليات السابقة وإقراره أيضا بفشله في اعتراض صواريخ عدد من العمليات، مدعيا أنها سقطت في مناطق مفتوحة وغير مأهولة.
إن كل ما سبق يؤكد قوة عمليات الإسناد اليمنية لغزة وفعالية الصواريخ اليمنية وتأثيرها الكبير في الضغط على العدو الصهيوني لإجباره على تنفيذ الشروط اليمنية لتجنب هذه العمليات وهو في ذات الوقت يؤكد ثلاث حقائق مؤكدة هي:
الحقيقة الأولى: أن عمليات الإسناد اليمنية والمستهدفة لأهم أهداف العدو الصهيوني لن تتوقف إلا بتوقيف عدوانه الإجرامي ومجازره البشعة في غزة وبرفع الحصار عن أهلها وفتح المنافذ وليس هناك أي خيار آخر غيره أمام العدو الصهيوني لتجنب عمليات الإسناد اليمنية التي قد تتطور إلى الاستهداف المباشر.
الحقيقة الثانية: فشل العدو الأمريكي الذريع في استهداف القدرات اليمنية خلال ما يقارب الشهرين، فلم ينل منها حتى بنسبة ١% .
الحقيقة الثالثة: أن استمرار العدو الصهيوني في تصعيده على غزة وفي مجازر إبادته لسكانها، سيقابل بتصعيد يمني، قد يتطور إلى الرد عليه بالمثل ودون خطوط حمراء وهذه هي الرسالة الأخيرة التي يجب أن يفهمها من العملية وعليه أن يعي هو والعدو الأمريكي جيدا أن اليمن قيادة وجيشا وشعبا لن يتراجع عن موقفه الإسنادي قيد أنمله، إلا بوقف العدو الصهيوني عدوانه وحصاره عن غزة وأن هذا هو أسهل وأيسر خيار أمامهما لوقف العمليات اليمنية عليهما في الأراضي المحتلة وفي البحار ولا خيار أمامهما غيره، وهذا ما تؤكده اليمن لهما على لسان قائد الثورة في كل خطاب وعلى لسان الناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية في كل بيان وأن اليمنيين قيادة وجيشا وشعبا أعلنوا رسميا مرارا وتكرارا أنهم لن يتراجعوا عن موقفهم القانوني والإنساني والأخلاقي والديني مهما كانت النتائج والتداعيات ومهما كان الثمن والتضحيات، ولذلك مهما الأمريكان والصهاينة من عدوانهم على اليمن، فذلك لن يغير أو يقلل من موقف اليمن وعملياته، بل على العكس من ذلك سيزيد من تمسكه بموقفه الحق ويضاعف من عملياته ويوسع من خياراته الأشد فتكا بالأمريكي والصهيوني، فاليمنيون لا يخشون إلا الله، لا يخيفهم وعيد ولا يرعبهم تهديد ولا يثنيهم تصعيد وهذه حقيقة وسنة من سنن الشعب اليمني العظيم.