نصر مطر يكتب: الجولاني بين الأمس واليوم
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
كيف يصنع الاعلام الغربي روايات متناقضه
في السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة تحولات سياسية متسارعة أثرت بشكل جذري على المشهد الإقليمي والدولي.
كان من أبرز هذه التحولات إعادة صياغة المواقف تجاه بعض الشخصيات التي كانت حتى وقت قريب تعتبر رموزًا للإرهاب.
لعل أبرز مثال على ذلك هو أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام في سوريا، الذي صنفته الولايات المتحدة ضمن قوائم الإرهاب وخصصت مكافأة بقيمة عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه.
ولكن، بشكل مفاجئ، تغير الخطاب الغربي ليقدم الجولاني بصورة جديدة، محاولًا تصويره كجزء من مشروع ديمقراطي محتمل، وهو تحول يطرح العديد من التساؤلات حول التلاعب بالمفاهيم والتناقضات الصارخة في السياسات الدولية.
لم يكن هذا التغيير في النظرة إلى الجولاني حالة منفصلة، بل جاء ضمن سياق أوسع لإعادة ترتيب المصالح الدولية في سوريا.
تزامن ذلك مع زيارات مكثفة لمسؤولين من دول المنطقة إلى دمشق، بعضها أعلن أنها تهدف إلى تعزيز التعاون وإعادة العلاقات الدبلوماسية، بينما تشير تحليلات أخرى إلى أن هذه التحركات تتجاوز مجرد الدعم السياسي لتدخل في إطار محاولات إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي للمنطقة.
هذه الزيارات لم تكن معزولة عن الاستراتيجية الغربية الأوسع التي تسعى إلى إعادة توزيع الأدوار بين القوى الإقليمية والجماعات المسلحة.
ما يثير القلق هو أن هذا التحول في السياسات الغربية ترافق مع محاولات مستمرة لمحو الماضي القريب وإعادة كتابته وفق رؤية جديدة.
لم يعد الحديث يدور حول سجل الجولاني في الإرهاب وارتباطاته السابقة بتنظيم القاعدة، بل بات يروج له باعتباره جزءًا من مرحلة انتقالية نحو مستقبل أكثر ديمقراطية لسوريا.
هذه المحاولات لإعادة رسم صورة الماضي تعكس ضعفًا في الالتزام بالمبادئ الأخلاقية التي تدعي الدول الغربية تبنيها، وتثير الشكوك حول مدى صدقية الأهداف الحقيقية لهذه السياسات.
بالتوازي مع هذه التحركات، يتزايد الحديث عن دور الإعلام في توجيه الرأي العام وقبول هذه التحولات المفاجئة.
وسائل الإعلام الغربية، التي ما دام قدمت خطابًا واحدًا بشأن الملف السوري، باتت الآن تقدم روايات جديدة تدعم إعادة تأهيل شخصيات كانت مدانة في السابق.
يحدث هذا بينما تفتقر المنطقة إلى صوت إعلامي مستقل قادر على تقديم صورة متوازنة للأحداث وتحدي الهيمنة الغربية على السرديات السياسية.
الأسئلة حول مغزى هذه التحولات عديدة ومعقدة. هل الهدف الحقيقي هو دفع المنطقة نحو مستقبل أكثر استقرارًا، أم أن الأمر يتعلق بتفكيك ما تبقى من الدول المنطقة وحل جيوشها؟ هل نحن أمام استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة هندسة الشرق الأوسط، أم أن هذه التحولات مجرد تكتيكات مؤقتة لخدمة مصالح آنية؟ الإجابات ستتكشف في المستقبل القريب مع استمرار الأحداث في التطور.
لكن ما هو مؤكد الآن هو أن الحقيقة في عالم السياسة الدولية تتغير بتغير المصالح، وأن الحذر مطلوب تجاه الروايات التي تُقدم على أنها حقائق لا تقبل الجدل.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: سوريا الجولاني الاعلام الغربي السياسة الدولية هذه التحولات
إقرأ أيضاً:
بلال قنديل يكتب: أزمة أخلاق
لم تعد مشكلة الأخلاق مجرد حديث مجالس او شكوى عابرة نتبادلها كلما ضاق بنا الحال، بل اصبحت ازمة حقيقية تضرب جذور المجتمع وتهدد قيمه الأساسية.
كل يوم نصحو على اخبار تكشف انحدارا جديدا، وجريمة اغرب من التي سبقتها، وواقعة لا يمكن لعقل سليم أن يتصور حدوثها في مجتمع كان يتميز يوما بالشهامة والنجدة والرحمة. ان ما نراه اليوم ليس مجرد انفلات، بل تحول خطير في منظومة الاخلاق التي عرفناها وعشنا عليها.
يكفي ان نتابع ما يحدث على السوشيال ميديا لنفهم حجم التغيير. أصبح السب والسخرية والتشهير عادة، واصبح التنمر بين الطلاب امرا عاديا، وكأن احترام الآخرين لم يعد قيمة تستحق الحفاظ عليها.
الجرائم ايضا زادت بشكل لافت، جرائم قتل لأسباب تافهة، اعتداءات في الشارع دون خوف او خجل، استغلال، نصب الكتروني، سرقة، وخيانة امانة. حتى العلاقات الانسانية التي كانت قائمة على المحبة اصبح يهددها الطمع والانانية والمصلحة. كل ذلك يشير الى ان المجتمع يعيش مرحلة خطيرة من تآكل القيم التي كانت تجمع الناس في رباط واحد.
وعندما نقارن أخلاق الناس قديما بما نراه اليوم ندرك حجم الفجوة. في الماضي كان للعيب وزن، وكانت الكلمة شرفا يلتزم به الإنسان حتى لو خسر كل شيء. كان الجار يطمئن على جاره، والناس تتعاون دون انتظار مقابل، وكان الكبير يحظى بالاحترام، والصغير يجد من يحتضنه ويوجهه. كانت الأسرة لها دور واضح في التربية، والمدرسة تغرس القيم قبل العلم، والشارع نفسه يربي الطفل قبل ان يربيه اهله.
أما اليوم فكثيرون يتعاملون بمنطق المصلحة أولا، لا يراعون مشاعر الآخرين، ولا يرون في الخطأ مشكلة طالما لا توجد عقوبة مباشرة. تغيرت المفاهيم حتى عند الشباب، فصار البعض يبحث عن الشهرة السريعة ولو على حساب الكرامة أو القيم.
لا يمكن القاء اللوم على جيل بعينه، فالمسؤولية مشتركة بين الاسرة والمدرسة والاعلام والمجتمع كله. غياب القدوة، وتسارع الحياة، والانشغال بالمظاهر، وتراجع دور الحوار داخل البيوت، كلها عوامل ساهمت في تفاقم هذه الازمة. لذلك فان اصلاح الاخلاق لن يتحقق بالقوانين وحدها، بل يحتاج الى وعي واعادة بناء حقيقية داخل النفوس. نحتاج الى ان نستعيد ثقافة الاحترام، وان نعلم ابناءنا معنى الرحمة، وان نعيد هيبة الكلمة، وان نذكر انفسنا بان المجتمع لا يقوم بالقوة بل يقوم بالأخلاق.
إن أزمة الأخلاق ليست قدرا محتوما، لكنها جرس إنذار. اذا تجاهلناه سنستيقظ على مجتمع لا يشبه ما كبرنا عليه، مجتمع متباعد، قاس، يخلو من القيم التي تميزنا. اما اذا تحركنا الآن، فبإمكاننا إعادة البناء واستعادة ما فقدناه قبل ان يصبح من المستحيل إصلاحه.