محددات الموقف المصري من معركة طوفان الأقصى.. قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
الكتاب: التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2022 ـ 2023
الكاتب: مجموعة من المؤلفين،المحرر: أ. د. محسن محمد صالح.
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أغسطس 2024، 548 صفحة من القطع المتوسط.
يتعرض الكاتب في الفصل السادس للدور المصري، إذ لا يمكن الفصل بين العملية التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية حماس في 2023/10/7 على المواقع العسكرية الصهيونية والمستوطنات في غلاف غزة، وما تحمله من دلالات استراتيجية.
كشفت معركة طوفان الأقصى إمكانية هزيمة الكيان الصهيوني، كما كشفت حالة الضعف العربي الرسمي المستسلم للهيمنة الإسرائيلية الأمريكية، وأعطت حالة إلهام للأمة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وكان من الطبيعي أن تتفاعل الحالة الشعبية العربية مع ما يحدث في قطاع غزة من تدمير صهيوني انتقامي استهدف المدنيين، فقد قام شرطي مصري بإطلاق النار على فوج سياحي في مدينة الإسكندرية، وقد أسفر عن مقتل سائحين إسرائيليين.
تأثر الموقف الرسمي المصري من عملية طوفان الأقصى بالعديد من المحددات والعوامل المؤثرة، ومن أبرزها:
ـ الرغبة في الحفاظ على حيوية الدور المصري في القضية الفلسطينية، نظراً لأهمية ذلك في تعزيز حضور مصر الإقليمي وتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة.
الإصرار على الخيار الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية والعربية، والإبقاء على الأمة حية تقاوم، وتطالب بحقها الطبيعي والقانوني والتاريخي والديني في أرض فلسطين،هوالمحور الذي أبقى القضية الفلسطينية حية. أما خيار التسوية بشروط "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، فهي الهزيمة بعينها للأمة، والتصفية الحقيقية للقضية الفلسطينية.ـ استحقاقات معاهدة كامب ديفيد والعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية المتطورة مع الكيان الصهيوني، والتي ترسخت بصورة قوية في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ـ المحدد الأمني المتعلق بالخشية من تصاعد التحركات الشعبية المتعاطفة مع المقاومة الفلسطينية في مصر والمنطقة العربية والتوجس من احتمالات تجدد حيوية وحراك الشارع العربي وعودة أجواء الربيع العربي، نظراً لحالة الإلهام الهائلة التي مثلتها معركة طوفان الأقصى، وتصاعد السخط على عجز الأنظمة العربية بسبب فشلها في القيام بواجبها تجاه فلسطين.
ـ الخشية من تداعيات سياسية وأمنية خطيرة لعمليات تهجير قسري واسعة محتملة للفلسطينيين، من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، وبما يقحم مصر في الصراع مع الجانب الإسرائيلي، ويهدد معاهدة كامب ديفيد وحالة الهدوء في العلاقات المصرية الإسرائيلية.
ـ المحدد الأيديولوجي المرتبط بتحفظات الجانب الرسمي المصري على التوجه الإسلامي للمقاومة الفلسطينية في سياق موقفه السلبي من عموم التيار الإسلامي في المنطقة. وخصوصاً في ظل أزمته المتواصلة في العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية. ويتشكل انطباع بعدم رغبة الجانب المصري والعديد من الأطراف العربية بخروج المقاومة الفلسطينية منتصرة في معركة طوفان الأقصى، خشية تداعيات غير مرغوبة على الوضع الداخلي المصري وعلى حضور التيار الإسلامي في المنطقة.
ـ تموضع الجانب الرسمي المصري وخياراته السياسية في الساحة الفلسطينية، وانحيازه القوي للسلطة الفلسطينية ومشروعها السياسي، وعلاقاته الحذرة وغير الإيجابية مع حركة حماس، وتحفظه على مشروعها المقاوم وعلى نزوعها للحفاظ على استقلالية موقفها وقرارها السياسي في إدارة العلاقة مع مصر وبقية الأطراف العربية والإقليمية.
ـ الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وانهيار قيمة الجنيه المصري المستويات قياسية مقابل الدولار الأمريكي.
ـ المحدد الجيوسياسي وسيطرة الجانب المصري على المنفذ البري الوحيد للقطاع مع العالم. عبر معبر رفح، الذي وفر ورقة ضغط مصرية قوية على المقاومة وعلى سكان القطاع. وتسبب بإحكام الحصار على قطاع غزة منذ سنة 2007، وظهر تأثير ذلك بصورة قوية خلال معركة طوفان الأقصى. وترافق ذلك مع اتهامات واسعة من أطراف عديدة للجانب الرسمي المصري بأنه جزء من الحصار، وما يؤدي ذلك إلى معاناة ومجاعة، واستفراد العدوان الإسرائيلي بسكان القطاع ومقاومته ضد العدوان.
ومع تكرار الدعوات الصهيونية إلى تهجير سكان القطاع إلى سيناء، حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من خطورة التصعيد في قطاع غزة، وشدد على أن مصر لن تسمح بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى، وأنه لا تهاون أو تفريط في أمن مصر القومي تحت أي ظرف".
لم تكن التخوفات المصرية في غير مكانها فقد كانت كافة الإشارات تؤكد المخططات الهادفة إلى تفريغ قطاع غزة وتهجير سكانه إلى سيناء، حيث أشار الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن اجتماع الاتحاد الأوروبي دعا إلى إنشاء "ممرات إنسانية لتسهيل مرور الأشخاص الذين يريدون الفرار من قصف غزة عبر الحدود إلى مصر.
كما صرح نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق داني أيالون Danny Ayalon بقوله توجد مساحات لا نهاية لها تقريباً في صحراء سيناء على الجانب الآخر من غزة، ويمكنهم الفلسطينيون) أن يتركوا (قطاع غزة إلى تلك المساحات المفتوحة حيث سنعد نحن والمجتمع الدولي للبنية الأساسية، ومدن الخيام، وستمدهم بالماء والغذاء ".
الإصرار على الخيار الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية والعربية، والإبقاء على الأمة حية تقاوم، وتطالب بحقها الطبيعي والقانوني والتاريخي والديني في أرض فلسطين،هوالمحور الذي أبقى القضية الفلسطينية حية. أما خيار التسوية بشروط "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، فهي الهزيمة بعينها للأمة، والتصفية الحقيقية للقضية الفلسطينية.
في الواقع العربي، هناك خياران يتصارعان، خيار المقاومة وبناء ذات الأمة الديمقراطية بالمعني العصري لهذه الكلمة، وخيار التسوية الذي يرجح عند البعض من العرب والفلسطينيين، أن ينتج حلاً تقبل به الشرعية الدولية. خيار التسوية هذا، لم يعط للشعب الفلسطيني سوى أوسلو، حتى أن كل المشاريع الأخرى للسلام، بما فيها المبادرة العربية تدور حول هذا المحور.
"إسرائيل" لن تقبل السلام، لأن السلام هو النقيض التاريخي لوجودها كبنيية مجتمعية إيديولوجية وسياسية وعسكرية تقوم بدور وظيفي في منطقة الشرق الأوسط.
إن القضية الفلسطينية هي قضية الصراع العربي مع الإمبريالية الأمريكية، وللحركة الصهيونية في فلسطين دورًا وظيفياً تؤديه في هذا المجال. ولذلك يجب أن يبقى الصراع دائرًا، وألا يجزأ، لأن تجزئته في فلسطين، ومحاولة الفصل بين الإمبريالية الأمريكية و"إسرائيل"، قاد الحركة الفلسطينية إلى الضلال، وأضاع فلسطين، وأية محاولة لاعتبار حكومة الولايات المتحدة الأميركية حكماً، سيقود إلى الضلال والضياع. ثم إن أية محاولة لاعتبارالمشكلة فلسطينية ـ صهيونية، سيقزم المسألة، وسيجعلها مثل مئات قضايا اللاجئين في العالم، وستطرح الحلول الإنسانية لمشكلة اللاجئين.
إن "إسرائيل" كانت مصلحة استراتيجية أمريكية بامتيازولاتزال، وستظل كذلك في منطقة الشرق الأوسط. ويكمن مصدرقوة هذه الإستراتيجية، في قدرة "إسرائيل" على كسب حروبها مع العرب في السابق. بيد أن نجاح استراتيجية حزب الله الذي تفوّق على "زبائن الولايات المتحدة العرب الذين وقّعوا اتفاقات سلام للحفاظ على أراضيهم"، وأحرج موقعها، أكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تغير من موقفها المنحاز "لإسرائيل" إلا إذا أصبح العرب قادرين على تحريرأرضهم من طريق المقاومة وبناء ذات الأمة على أسس حديثة. .
هل يمكن للتحررمن الهيمنة الإمبريالية الأميركية ومن شروط التبعية، وهل يمكن تحرير الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمتها فلسطين، من دون أن تحرزالأمة العربية تقدماً ملموساً، وتقدم الأمة العربية مشروط بوحدتها و نهضتها؟ و بالمقابل هل يمكن إحرازالتقدم من دون أن تحرز الأمة استقلالها وسيطرتها على مقدراتها؟
"إسرائيل" لن تقبل السلام، لأن السلام هو النقيض التاريخي لوجودها كبنيية مجتمعية إيديولوجية وسياسية وعسكرية تقوم بدور وظيفي في منطقة الشرق الأوسط.إن هذا يطرح علينا علاقة التحررببناء مقاومة عربية تحمل في سيرورتها التاريخية مشروعا نهضويا فكريا وسياسيا، يضع تحرير فلسطين كمهمة قومية وإسلامية، وعليه أن يضع التحريرفي موقعه من مهمات المشروع القومي الديمقراطي النهضوي، باعتباره هدفاً رئيساً، لا يعلو عليه أي من الهدفين الآخرين، تحقيق الوحدة القومية، وبناء الديمقراطية والمجتمع المدني الحديث بالتلازم مع بناء دولة الحق والقانون، من حيث الأهمية. إذ إن هذه الأهداف الثلاثة مترابطة عضوياً، بصرف النظر عن الأولويات التراتبية التي يحتلها أي منها في ظل تضاريس الجغرافيا الطبيعية والبشرية، والتاريخية والاستراتيجية للمنطقة العربية.
وقد أثبتت هذه التجربة، ومن جملة ما أثبتته من حقائق واقعية، حقيقتين أساسيتين أولاهما أن الوحدة العربية هي المسألة المركزية في المشروع القومي الديمقراطي،وهي شرط ضروري لتحريرالأرض وإن لم يكن كافيا. وثانيهما تلازم النضال من أجل الديمقراطية والنضال ضد الإمبريالية و"إسرائيل". فلا تقدم يرجى في ظل التبعية والاحتلال . ولا يمكن أن نحرز تحريرًا في ظل وجود مقاومات عربية تستند في أساسها إلى النزعة "العسكريتارية" المحضة خارج عالم الفكروالثقافة والسياسة، وغير ديمقراطية في بنيانها الداخلي.. وتستند أيضا إلى الطوائف أو المذاهب.
وحتى لو كان صعود حركة "حماس" بالمعنى التاريخي متواصلاً كجزء من صعود التيارات الإسلامية الأصولية في العالمين العربي والإسلامي، فإنه من الصعب جداً في ظل تمزق المقاومة الفلسطينية بين سلطتين عاجزتين عن مواجهة "إسرائيل" ـ ومسؤولية ذلك تقع أساسًا على فريق أوسلو الذي كاد يودي بالقضية الفلسطينية، استبداداً وفساداً وتنازلات( أمام "إسرائيل" وأميركالاأمام الشعب الفلسطيني)، لكنها تقع أيضاً على اليسارالفلسطيني المفكك والمهمش و"المخردق" بوعود محود عباس، وعلى نهج "حماس" الانقلابي المعكوس الذي يستعدي ـ تدريجيا ـ فئات متزايدة من الفصائل والشخصيات الوطنية الفلسطينية، فإنه من الصعب جدًا على حركة "حماس" بعد ماتماهت تماماً مع مرحلة التحرير الوطني،وضاقت طعم السلطة،أن تكون قادرةً على استمرارالإحتفاظ بديناميكيتها كحركة مقاومة وطنية.
فالحركة الوطنية الفلسطينية على اختلاف مرجعياتها الفكرية والسياسية، التي ولدت من رحم الهزيمة لعام 1967،تعاني من أزمة بنيوية عميقة،بل تعاني ما يبدو أنه وهن تاريخي بعد سنوات الصعود التي استمرت حتى انسحاب الجيش الصهيوني من غزة في أيلول /سبتمبر 2005. فليس فقط حركة "فتح" ـ حسب المشهد السياسي الفلسطيني ـ هي التي تعاني إنهاكاً تاريخيا، بل أيضاًالحركة الإسلامية الفلسطينية التي تنتمي إلى مدرسة صعود الحركات الإسلامية بعد نجاح الثورة الإيرانية في عام 1979..
إن تحرير فلسطين ليس مشروعاً بونابرتياً لحاكم عربي، ولا هو مشروع لأي حزب، أوحركة أصولية،أو طبقة اجتماعية، إنه في جوهره جزء من المشروع القومي الديمقراطي النهضوي الذي يشمل تيارات الأمة كلها، وجزء من تقدم الأمة العربية ووحدتها.والنضال من أجل تحرير فلسطين هو الاندماج في المشروع القومي الديمقراطي المعادي جِديًا وفِعلياً وراديكاليًا للإمبريالية الأمريكية، والكيان الصهيوني، والدول العربية التسلطية، والمستند إلى قوى الشعوب العربية، وإلى جماع الأمة، ولا إلى فئة، أو طبقة، أو حزب، أو حركة أصولية، مهما ادعت تلك الحركة أنها ممثلة للأمة، ونائبة عن أكثريتها، وإن كان ذلك لا ينفي حقيقة أن الدولة الوطنية العربية المتقدمة، ستكون مسؤوليتها أكبر وتأثيرها أعمق، ولكن لن تكون أبداً بديلاً عن الكل، أو نائبة عن الأمة العربية وشعوبها.
إقرأ أيضا: القضية الفلسطينية أمام مخاطرالتصفية.. قراءة في كتاب
إقرأ أيضا: هل ما زالت فلسطين قضية مركزية للعالم العربي؟ كتاب يجيب
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب لبنان كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معرکة طوفان الأقصى القضیة الفلسطینیة الولایات المتحدة الرسمی المصری قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الانقسام في الموقف من إيران في حربها مع إسرائيل
في الوقت الذي تتواصل فيه الضربات الإيرانية للعمق الإسرائيلي، وتلحق الدمار بالمنشآت العسكرية والحكومية والمدنية بالعديد من المدن الإسرائيلية، في مشهد مشابه جزئيا لما حدث في غزة، يسارع البعض لنشر روح الإحباط والمساواة بين الموقف من كلا من الصهاينة وإيران، باعتبار كل منهما عدوا للأمة بل واعتبار البعض خطورة إيران أشد.
وهناك طعن في إنجازات عملية تصب في صالح الدفاع عن الأمة الإسلامية، وتقلل من تركز الجهد العسكري الصهيوني تجاه سكان غزة، وتؤجل المشروع الصهيوني للهيمنة، والذي إذا نجح في تحجيم إيران فسيتجه إلى تحجيم باكستان ثم تركيا وسوريا ومصر، وستكون السعودية أكثر انكشافا حيث ستدفع المزيد لحماية أمنها، وسيدفع العدو الصهيوني باقي الدول العربية والإسلامية إلى التطبيع المجاني معه، بل لقد وصل به الغرور إلى طلب دفع الدول الخليجية تكلفة حربه مع إيران.
وهكذا لم يكن بيان هيئة علماء المسلمين موفقا في رأيي من حيث توقيته، حين ساوى في العداوة للمسلمين بين الصهاينة وإيران، بل إنه أفرد لهجومه على إيران أضعاف ما خصصه لتبيان الخصومة مع الصهاينة، في نفس الوقت الذي يستمر فيه القصف الإسرائيلي للمدن الإيرانية والتي لا تفرق بين سنة وشيعة، حيث يمثل السنة نسبة من عشرة إلى أربعين في المائة من سكان إيران حسب المصادر المختلفة، وربما كانت هناك ضغوط على هؤلاء العلماء الذين لم يستطيعوا تنظيم مسيرة للتضامن مع غزة عند معبر رفح، بسبب امتناع السلطات المصرية عن الرد على مطلبهم، ومع ذلك كانت مواقفهم تتفادى التصريح بالتنديد بالموقف المصري الرسمي تجاه غزة ومشاركته في حصارها.
تأييد إيران حاليا في حربها مع إسرائيل لا يعني التأييد المطلق لها، وأن هناك فرقا بين التحالفات السياسية والموافقات العقائدية
وربما جاء بيان جماعة الإخوان المسلمين بعد بيان هيئة العلماء بيومين ليخفف من آثاره السلبية، حين أعلن بوضوح الدعم الكامل للجمهورية الإسلامية في إيران في مواجهة العدوان الإسرائيلي، مؤكدا أن نيران الاحتلال لا تفرق بين أعراقنا ولا بين مذاهبنا، وسعي إسرائيل للقضاء على المقاومة الفلسطينية وعلى حاضنتها، سواء كانت تلك الحاضنة دولة مثل إيران أو حركة إسلامية مثل الإخوان. ولم يخلُ بيان الإخوان من إشارة إلى ضرورة التجاوز عن آثار وأخطاء السنوات الماضية التي نالت من وحدة الأمة، في إشارة إلى مشاركة إيران في الوقوف ضد الثورة في سوريا وما تسببت به من دماء أيضا في كل من العراق واليمن. ورغم ذلك فقد صدر بيان إخوان سوريا يرفض مضمون بيان فصيل الدكتور صلاح عبد الحق.
فقه الجعفرية يشبه باقي المذاهب
كما ظهر انقسام بين مؤيدي بيان هيئة علماء المسلمين باعتبار الشيعة في إيران من الروافض، ووجهة النظر الأخرى التي ترى أن الروافض لم يتم تكفيرهم من قبل العلماء على مر التاريخ باعتبارهم مسلمين، وراح أصحاب هذا الرأي يستندون إلى العديد من آراء العلماء المساندة لهم، ومنها تصريح الشيخ محمد متولي الشعراوي حين سئل عن موقفه من الشيعة، ورد بأن الشيخ محمود شلتوت حينما أدخل فقه الجعفرية في الفقه المقارن، فقد وجدنا هذا الكلام لا يتناقض مع ما عندنا.
وكذلك تصريح للشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر بأن الشيعة إخوة لأهل السنة، وأحد جناحي الأمة، وأن الشيعة الإمامية الجعفرية والزيدية هم مسلمون لا ريب في ذلك ولا نستطيع الحكم بخروجهم عن الإسلام، وأننا والشيعة لنا قرآن واحد ونبينا واحد وفرائضنا التعبدية من صلاة وصوم وحج واحدة، والفوارق بيننا محصورة في مسائل مثل الإمامة والعصمة وغيرها. وقول شيخ الأزهر: "نقبل التمذهب لكن نرفض التعصب للمذهب، فليؤمن الشيعة بمبدأ الإمامة وليؤمن السنة بمبدأ الخلافة، لكن على الجميع أن يؤمن بمبدأ الوحدة في وجه العدو، ووجوب تقديم واجب الأمة على واجب المذهب".
ودخل عالم مصري على الخط بأن تفسير النبى صلى الله عليه وسلم للآية الأخيرة من سورة محمد والتي تقول: "إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"، عندما سأله الصحابة عن هؤلاء القوم وكان بجواره سلمان الفارسي، فقال هذا وقومه، وهو التفسير الموجود في البخاري وتفسير القرطبي وتفسير ابن كثير.
تصدي إيران لإسرائيل في صالح سوريا
وراح آخرون -أميل إلى رأيهم- ويستندون إلى فقه الواقع بأن تغلب إسرائيل على إيران سيعقبه سعيها لتقسيم سوريا، والتوسع في أراضيها حتى تلتقي مع المناطق التي يسيطر عليها الأكراد لتصبح حدودها مجاورة لكردستان، والتخلص من الرئيس السورى الحالي وانكماش الظهير التركي إلى حدوده، بل وزيادة احتمالات عودة علمانيي تركيا للحكم بدعم من الخليج والغرب، وعودة حكم الشاه إلى إيران أو غيره من الفصائل المعارضة للحكم الإسلامي فيها.
وهكذا أخذ آخرون يشككون في ظهور مسألة الرافضة بقوة في الوقت الحالي، حيث لم يسمع أحد لهم صوتا عندما أعادت السعودية علاقتها بإيران بعد تدخل الصين للوساطة بينهما، وهم أنفسهم الذين قاموا بالطعن في المقاومة في غزة واتهامها بالنضال من الفنادق، بينما لم نسمع لهم صوتا للتنديد بالإبادة الجماعية لتجمعات الجوعى المستمرة حتى الآن.
وراح آخرون يقررن أن تأييد إيران حاليا في حربها مع إسرائيل لا يعني التأييد المطلق لها، وأن هناك فرقا بين التحالفات السياسية والموافقات العقائدية، وأنه لا خوف من التشيع في حالة انتصار إيران كما يردد خصومها من الصهاينة العرب، بدليل أن تعاون حماس معها لم يعقبه انتشار لمذهبها في غزة، كما أن جهودها للتشيع في سوريا خلال فترة بشار راحت سدى بمجرد رحيله، وأن ضربات إيران الحالية ضد إسرائيل تصب في مصلحة سوريا وكل الدول العربية والإسلامية، حيث أمكن للإيرانيين تخطي القيود الغربية بامتلاكهم للأسلحة الصاروخية رغم الحصار، وتمكنهم من التصدي للحرب التكنولوجية التي تخوضها إسرائيل وتخوف بها دول المنطقة.
تجاهل المواقف الغربية المنحازة لإسرائيل
أصبح من الواضح أن القضية ليست النووي الإيراني أو المقاومة في غزة، فالقضية الرئيسة هي السعي للهيمنة الإسرائيلية على المنطقة كوكيل عن الدول الغربية
وهكذا نتساءل: ألم تساهم روسيا بشكل رئيس في توطيد أركان نظام الأسد منذ عام 2015، وما ساهمت به من قتل للكثيرين من خلال البراميل المتفجرة، فلماذا لم تتجه سهام هؤلاء من أصحاب الفتنة للنيل من روسيا، أو من النظام الهندوسي المتعصب الحاكم في الهند والذي يبطش بالمسلمين هناك، وقد تعاون مع إسرائيل وأيد ضربها لسكان غزة وقام بالاعتداء على باكستان مؤخرا، أو المواقف الأوروبية المساندة لإسرائيل.
لماذا نشيد بأي موقف مساند للقضية الفلسطينية من قبل إحدى دول العالم، ولو في شكل بيان إدانة في قصف لمستشفى أو مدرسة أو مركز لتوزيع الغذاء، أو تصويت على قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما يتجاهل هؤلاء بالضربات الإيرانية على إسرائيل رغم أنها جاءت ردا على العدوان عليها؟
لماذا نقف صامتين أمام مواقف الخزي والعار الأوروبية والغربية التي لم تندد أي منها بالعدوان الإسرائيلي على إيران، ولم تذكر أي منها ما تمتلكه اسرائيل من قدرات نووية، ولم تدعها حتى للانضمام لوكالة الطاقة الذرية حتى يكون برنامجها تحت رقابة الوكالة مثلما يحدث مع إيران، بينما تتحدث عن حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها، في مشهد متعصب مفضوح؟
أليست إيران دولة مسلمة وكان العدوان عليها يستحق الخروج من الجماهير المسلمة في أنحاء العالم الإسلامي للتنديد بالهجوم على منشآتها النووية، خاصة وأن امتلاك أية دولة إسلامية للسلاح النووي يمثل رادعا أمام استخدام إسرائيل للقنابل النووية لديها؟ ألم تستحق إيران تحرك من قمة قادة منظمة التعاون الإسلامي لمساندتها؟
لقد أصبح من الواضح أن القضية ليست النووي الإيراني أو المقاومة في غزة، فالقضية الرئيسة هي السعي للهيمنة الإسرائيلية على المنطقة كوكيل عن الدول الغربية، لمنع حدوث أي نهضة اقتصادية أو علمية أو عسكرية في أي بلد إسلامي، كي يظل الجميع تابعا للمعسكر الغربي، فإذا لم ننتبه لذلك فإننا نستحق ما سيحدث لنا من خضوع وتبعية وانتكاسة أكثر مما نعانيه حاليا من تردٍ.
x.com/mamdouh_alwaly