يمانيون../
لم يكن الكيان “الإسرائيلي” المصطنع في أيّ وقت من الأوقات منذ عام 1948 خاضعًا للقوانين التاريخية التي تمرّ بها الدول الطبيعية في مسار تطورها، خاصة في مجال الأبحاث والتكنولوجيا، حيث بدأ من النقطة التي انتهى إليها الآخرون، وبدعم مطلق من “الحضارة الغربية”. إنّ العدوان “الإسرائيلي” على غزّة ولبنان كشف إلى حدّ كبير عن مدى تطور آلة القتل والإجرام لدى العدو، وتحديداً من خلال استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) لممارسة المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين واللبنانيين.

يُعرّف الذكاء الاصطناعي الذي ظهر في الخمسينيات من القرن الماضي على أنّه عملية محاكاة للذكاء البشري، تتمّ من خلال الأنظمة والبرمجيات التي تعزز القدرة على التعلّم والتحليل واتخاذ القرارات والفهم، والتفاعل مع المحيط (الروبوتات) بطرق مماثلة تشبه إلى حد ما أداء الإنسان. وتُعدّ الخوارزميات الأساس الذي يرتكز عليه الذكاء الاصطناعي، والتي تعني القواعد والخطوات التي تحدد كيفية تعامل الأنظمة الذكية مع المعلومات لتحقيق الأهداف المنشودة. وبدون هذه الخوارزميات (Algorithms)، لا يمكن للأنظمة الذكية أن تتعلّم أو تتخذ قرارات مدروسة أو تحلّ مشكلات. ومن بين التقنيات المختلفة للذكاء الاصطناعي نجد على سبيل المثال لا الحصر تقنية معالجة اللغات الطبيعية (Natural Language Processing) بالإضافة إلى الروبوتات والتعلّم الآلي والعميق. يوفّر التعلّم الآلي (Machine Learning) للبرمجيات التعلّم من الأنماط والتنبؤ بالنتائج بشأن الحالات المستقبلية، وذلك باستخدام البيانات التاريخية كمُدخلات (Inputs). أمّا التعلّم العميق (Deep Learning)، فهو جزء من التعلّم الآلي ويهدف لمحاكاة بنية الدماغ باستخدام الشبكات العصبية (Neural Networks). فالهدف الأساسي إذاً من الذكاء الاصطناعي هو تعزيز الكفاءة البشرية من خلال أتمتة (Automation) مجموعة واسعة من المهام، وتحليل كميات هائلة من البيانات، واتخاذ قرارات دقيقة وسريعة.

دأبت “إسرائيل” وخاصة في السنوات الأخيرة على توظيف الذكاء الاصطناعي في حروبها العدوانية، وقد ظهر هذا الأمر بشكل جلي بعد عملية “طوفان الأقصى” البطولية، حيث لا تزال تشنّ حملة إبادة جماعية ضدّ الفلسطينين في غزّة، مستندةً على أنظمة الذكاء الاصطناعي التي ادّعت أنّها تمكّنت من خلالها من تحديد آلاف الأهداف العسكرية، بيد أنّ هذا الادعاء لم يصمد ولو للحظة واحدة أمام حجم الجرائم التي ارتكبتها بحق الفلسطينين وخاصة لناحية عدد الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ. وفي هذا السياق، يُشير “ستيفن فيلدشتاين” من مؤسسة “كارنيغي”، وهو باحث في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الحرب، إلى أنّ الأحداث الجارية في غزة تمثل بداية تحوّل أوسع في أساليب خوض الحروب. ويرى القادة العسكريون “الإسرائيليون” أنّ الذكاء الاصطناعي هو عنصر أساسي في تعزيز القوة العسكرية ومضاعفتها، حيث ساعد جيش الاحتلال في استخدام الطائرات بدون طيار ذاتية التشغيل لجمع بيانات المراقبة، وتحديد الأهداف، وتسهيل الخدمات اللوجستية في أثناء الحروب.

ووفقًا للتقارير “الإسرائيلية” والغربية، استخدمت “إسرائيل” الذكاء الاصطناعي لأول مرة خلال عدوانها على غزة في عام 2021. وقد قام جيش الاحتلال بالتسويق لتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم في القاعدة الجوية “الإسرائيلية” “نيفاتيم” ومقر وحدة الاستخبارات “الإسرائيلية”، من خلال محاضرة ألقاها مسؤول وحدة 8200 في جامعة “تل أبيب”. من هنا نفهم أهمية الضربات العديدة التي وجّهتها المقاومة في لبنان لهذين الموقعين الحساسين، وقد سبق أيضاً أن استهدفت الجمهورية الإسلامية في إيران نفس الموقعين العسكريين.

أنظمة الذكاء الاصطناعي

لا تقتصر آلة القتل “الإسرائيلية” على الأساليب التقليدية وحسب، بل أصبحت متكاملة مع أنظمة الذكاء الاصطناعي. وقد سبق أن نُشرت تقارير تتحدث عن هذه الأنظمة مثل “لافندر” (Lavender) الذي يُحلل البيانات التي تمّ جمعها عن معظم السكان من خلال نظام مراقبة جماعية، ليقوم بعدها بتصنيف احتمالية أن يكون كل شخص بعينه ناشطًا في الجناح العسكري لحركة “حماس” أو حركة “الجهاد الإسلامي” في فلسطين. وتقوم الآلة بتصنيف كل شخص في غزة، وتمنحه نسبة مئوية تترواح من واحد إلى مئة، في محاولة لمعرفة مدى احتمال أن يكون “متشددًا”. وتشير المصادر الاستخباراتية إلى أنّ نظام “لافندر” يتعلّم التعرّف على خصائص عناصر “حماس” و”الجهاد الإسلامي” المعروفين، والذين تم تغذية الآلة بمعلوماتهم كبيانات تدريبية، ثم تحديد هذه الخصائص نفسها بين عامة السكان. وسيُمنح الفرد الذي يتبين أن لديه العديد من السمات المختلفة التي تدينه، على تصنيف عالٍ، وبالتالي يصبح تلقائيًا هدفًا محتملًا للاغتيال. يوجد أيضاً أنظمة أخرى مثل “أين أبي” (Where’s Daddy) و”غوسبل” (Gospel)، فالأول يستخدم في عمليات الرصد وإعطاء أوامر الاستهداف، والثاني يُقدّم توصيات بمهاجمة أهداف معينة، مثل المنازل الخاصة للعناصر المشتبه بهم، كما يرصد البنى التحتية والمنشآت التي يستخدمها الفلسطينيون. لقد كان لـ “لافندر” دور محوري في القصف غير المسبوق الذي تعرّض له الفلسطينيون، خصوصًا في المراحل الأولى من الحرب، حيث أشارت المصادر إلى أنّ تأثيرها في عمليات الجيش كان كبيرًا لدرجة أنهم اعتبروا مخرجات آلة الذكاء الاصطناعي كأنها قرارات بشرية.

وفي هذا المضمار يقول رئيس هيئة أركان الجيش “الإسرائيلي” السابق “أفيف كوخافي”، إنّ هذه الآلة قادرة على إنتاج كميات ضخمة من البيانات بكفاءة تفوق أي إنسان، وتحويلها إلى أهداف للهجوم”. ففي الحرب التي استمرت 11 يومًا بين “إسرائيل” وحماس في أيار عام 2021، كانت الآلة تنتج 100 هدف يوميًا. سابقًا، كنا نحدد 50 هدفًا في غزة سنويًا. أمّا الآن، فإنّ هذه الآلة تنتج 100 هدف في يوم واحد، ومع تنفيذ هجمات على نصف هذه الأهداف.

“إنّ قدرة الآلة على أداء الإدراك البشري، وقدرة فريق الإنسان والآلة على التعلم معًا والتفكير معًا سيخلقان عالمًا جديدًا”. يوسي سارييل، مسؤول وحدة الاستخبارات العسكرية لجيش الاحتلال الاسرائيلي.

يطرح مهندس إستراتيجية الذكاء الاصطناعي يوسي سارييل أفكاره من خلال كتابه الصادر عام 2021 بعنوان “فريق الآلة البشرية”، حيث يسلّط فيه الضوء على الكيفية التي من شأنها أن توفق بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي. في أحد فصول الكتاب، يتطرّق سارييل إلى النموذج الذي يؤدي إلى تطوير آلة أهداف فعالة تغذّيها بيانات ضخمة (Big Data) تتعذّر على الدماغ البشري معالجتها. كما يشدد على أهمية توفر بيانات كافية حول ساحة المعركة والسكان والمعلومات المرئية وبيانات الاتصالات، فمن خلال الخوارزميات يمكن التنبؤ بأفعال المقاتلين، وتحليل مواقع الهواتف ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي ولقطات الأقمار الصناعية والطائرات بدون الطيار والاتصالات الخاصة التي تمّ اعتراضها. بتعابير أخرى، كلما زادت وتنوعت البيانات، كانت النتائج أفضل. وأشار في كتابه إلى أنّ هذه الآلة تعتمد على أنماط معقدة للتنبؤ، مستندة إلى سمات متنوعة وصغيرة، مثل الأشخاص الذين يتشاركون مع عناصر في حزب الله عضوية مجموعات “واتساب”، والأشخاص الذين يغيرون هواتفهم المحمولة بشكل متكرر، وأولئك الذين يغيرون عناوينهم بشكل مستمر. وخلص إلى أن هذه التقنيات قد تتمكن من استبدال 80% من محللي الاستخبارات المتخصصين في اللغات الأجنبية خلال خمس سنوات فقط. ووفقًا لمسؤول عسكري “إسرائيلي” سابق عمل على هذه الأنظمة، فإنّ استخدام برنامج التعرف على الصور (ٍSoftware’s Image Recognition) يساعد الجنود في تحديد نماذج دقيقة، بما في ذلك التغيرات الطفيفة التي تم رصدها منذ سنوات عبر الأقمار الصناعية. هذه التغيرات قد تشير إلى أن حماس قامت بإخفاء منصة لإطلاق الصواريخ أو حفر نفق جديد في منطقة زراعية، ممّا يقلل الوقت اللازم لإتمام مهمة قد تستغرق أسبوعًا من العمل المتواصل إلى نحو ثلاثين دقيقة فقط.

وفي هذا الإطار، يشير “بليز ميشتال”، نائب رئيس السياسات في “المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي”، إلى أنّ التفوق التكنولوجي هو ما يضمن أمن “إسرائيل”. فكلما استطاعت “إسرائيل” تحديد قدرات العدو وإخراجه من ساحة المعركة بسرعة أكبر، كانت الحرب أقصر والخسائر أقل.

على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزه جيش الاحتلال في استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة في مجال المراقبة الجماعية لسكان غزة ومحاولة توقع سلوكيات المقاتلين، فإن عملية طوفان الأقصى وضعت “إسرائيل” في أزمة وجودية على الصعيد الأمني، وقد أدّى ذلك إلى تشويه سمعة وحدة 8200 المعروفة كأهم الأجهزة الاستخباراتية لدى “إسرائيل”، حيث وُجهت إليها اتهامات بالاعتماد المفرط على التكنولوجيا، بعدما تبنّت جمع المعلومات الاستخباراتية بالأدوات الذكية بدلاً من الأساليب الكلاسيكية. وقد ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن كبار القادة العسكريين “الإسرائيليين” أشاروا إلى أنّ التركيز على التكنولوجيا قد ساهم في تآكل ثقافة التحذير في وحدة 8200، مما أدّى في النهاية إلى مباغتة “إسرائيل” بالهجوم. وفي ظل الإخفاقات الاستخباراتية التي مني بها جيش الاحتلال، نُقل عن “سارييل” قوله لزملائه بأنّ عملية 7 أكتوبر ستظلّ تطارده حتى أيامه الأخيرة: “أتحمل المسؤولية بكل ما للكلمة من معنى”.”لقد هُزمنا، لقد هُزمت”.

إنّ العدوان “الإسرائيلي” على غزة والمدعوم بالذكاء الاصطناعي أثار تساؤلات قانونية وأخلاقية تدين “إسرائيل” بارتكاب جرائم حرب ترقى إلى مستوى إبادة جماعية بحق الفلسطينيين. ولم تكتف “إسرائيل” باستعمال الأسلحة الذكية الفتّاكة، إنما لجأت في عدوانها إلى ما يعرف باسم “القنابل الغبية” (Dumb Bombs). وأظهر تقرير سابق نُشر على شبكة “سي إن إن” بأنّ نحو 40-45٪ من الذخائر الجوية التي استخدمتها “إسرائيل” كانت غير دقيقة.

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” في الآونة الأخيرة مقالاً بعنوان “إسرائيل” بنت مصنعًا للذكاء الاصطناعي للحرب”، تقول فيه إنّ “إسرائيل” استنفدت كل أهدافها، لذلك تلجـأ مرة أخرى إلى استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي المعروفة مسبقًا بـ “غوسبل”، والتي من خلالها تحاول إعداد قوائم أهداف جديدة رغم مرور أكثر من 14 شهراً على الحرب. ووفقاً للصحيفة، إنّ برنامج الذكاء الاصطناعي هو الذي ساهم في قتل 45000 ألف شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، ويُنقل عن جنود شاركوا في العدوان على غزّة، بأن الجيش “الإسرائيلي” قد وسّع بشكل كبير من عدد الضحايا المدنيين من جرّاء كل ضربة. وقد كشف مصدر استخباراتي في وقت سابق لمجلة “+972 “أنّ المعدّل المرتفع للضحايا أو ما يسمّيه جيش العدو أضراراً جانبية (Collateral Damage) وصل إلى ما يقرب ثلاثمئة مدني في أثناء استهداف قادة من “حماس” أو من “الجهاد الإسلامي”، أما في ما يخص مهاجمة المقاتلين العاديين، فقد تم السماح بمقتل ما بين خمسة عشر وعشرين مدنيًا. ولقد تمّ إدانة هذه الجرائم وغيرها من قبل المحكمة الجنائية الدولية ومؤسسات دولية أخرى معنية، حيث تم تصنيفها كجرائم حرب، وعُدّت انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني.” وفي هذا الإطار، يعتقد مسؤول استخباراتي “إسرائيلي” أن هذه السياسة غير المتناسبة في قتل الفلسطينين تُعّرض “الإسرائيليين” أيضاً للخطر:”ففي الأمد القريب، نحن أكثر أمانًا، لأننا نؤذي حماس. لكنني أعتقد أننا أقل أمانًا في الأمد البعيد. أرى كيف أن جميع العائلات المفجوعة في غزة – والتي تمثل الجميع تقريبًا – ستزيد من الدافع لدى الناس للانضمام إلى حماس بعد 10 سنوات. وسيكون من الأسهل كثيرًا على حماس تجنيدهم”.

على الرغم من الطفرة الهائلة التي حققتها “إسرائيل” في تطوير منظومتها الذكية، فإنّها تواجه تحديات في مجال التحليلات والاستنتاجات، إذ يقول أحد المطلعين على هذه الأنظمة، إن المحللين في وحدة 8200 يجدون صعوبة في التمييز بين المحادثات العادية والمشفّرة. فعلى سبيل المثال، يستخدم نشطاء حماس كلمة “بطيخ” كرمز للقنبلة، وهو ما لم يتمكن النظام من فهمه بشكل صحيح، إذ لم يستطع التمييز بين ما إذا كانت الكلمة مُشفّرة أو تعني شيئًا آخر، لذلك، إنّ هذه التفاصيل ساهمت في إرباك النظام. بالإضافة إلى ذلك، تنقل المصادر نفسها بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعالج اللغة العربية قد فشلت في فهم الكلمات والعبارات العامية الرئيسية بشكل دقيق.

لذا، يمكن القول، إنّ المقاومة الفلسطينية تمكّنت من التكيف مع أنظمة الذكاء الاصطناعي “الإسرائيلية” وترويضها، وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال عملية “طوفان الأقصى” البطولية. وحتى الآن، تواصل “إسرائيل” ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية مستخدمة أحدث آلات القتل، دون أن تحقق أيًا من أهدافها، والتي تتمثل في إجبار المقاومة الفلسطينية على الاستسلام وإعادة الأسرى “الإسرائيليين” إلى مستوطناتهم من دون قيد أو شرط.

ختامًا، إنّ صمود المقاومة اللبنانية والفلسطينية أمام أعتى وأحدث آلات التوحش “الإسرائيلية” يُمثل شعاع أمل للشعوب المُستضعفة من جهة، وحجة على العالم والأمة الإسلامية من جهة أخرى. وبالرغم من استخدام “إسرائيل” أسلحة مجهزة بتقنيات الذكاء الاصطناعي في غزّة ولبنان بطريقة انتهكت فيها حقوق الإنسان وكلّ الأعراف الدولية، فإنّها في المقابل خسرت سرديتها وشرعيتها أمام الرأي العام العالمي، وكرّست صورة نمطية عن إجرامها في كل أنحاء العالم.

صحيحٌ أنّ الأحداث التي نعيشها اليوم استثنائية وقاسية وخاصة بعد فقدان سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله، إلا أنّ الأهم هو أنّ هذه المقاومة قامت بواجبها الأخلاقي والديني والإنساني في الزمان والمكان المُقدّسين، بغض النظر عن النتائج المتوخاة والمرغوبة من قبل مجتمع المقاومة.

تدرك المقاومة في لبنان اليوم أهمية المرحلة الحالية أكثر من أي وقت مضى، لذا ستسعى جاهدة لتشكيل عقلها الأمني والتكنولوجي بما يتناسب مع التحدّيات الراهنة والقادمة. فلم تعُد المواجهات الكلاسيكية وحدها هي العامل الحاسم في الميادين، بل برز نوع جديد من الصراع يعتمد على الأدوات الذكية التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير في سير المعارك الحالية والمستقبلية.

العهد الاخباري ـ علي رعد

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: أنظمة الذکاء الاصطناعی جیش الاحتلال من خلال التی تم وفی هذا التعل م وحدة 8200 على غز التی ت الذی ی إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي

كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.

إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.

تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».

انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.

طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».

أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!

حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».

ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».

لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».

الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.

كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.

وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.

في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.

مقالات مشابهة

  • كيف أصبحت المقاومة البديل الذي لا يُهزم؟
  • السباق الاستخباراتي على الذكاء الاصطناعي
  • معضلة الذكاء الاصطناعي والمؤلف العلمي
  • ترامب: إسرائيل ترفض حصول حماس على المساعدات التي يتم توزيعها في غزة
  • “السعودية للكهرباء” تستضيف ورشة عمل حول الذكاء الاصطناعي التوليدي لاستكشاف تطبيقات أنظمة الطاقة الكهربائية
  • «السعودية للكهرباء» تستضيف ورشة عمل حول الذكاء الاصطناعي التوليدي لاستكشاف تطبيقات أنظمة الطاقة الكهربائية
  • ربنا يستر.. خالد الجندي: الذكاء الاصطناعي بيجاوب بفهلوة في المسائل الدينية
  • توجه لتحويل فحص القيادة العملي للسائقين ليعتمد على الذكاء الاصطناعي
  • الضريبة توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي في اختيار عينة الاقرارات الضريبية المقبولة
  • حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي