واصل آيات سورة البقرة كشف أحداث بني إسرائيل ومواقفهم مع طالوت، الملك الذي اصطفاه الله لهم، رغم اعتراضهم في البداية على اختياره، في تفسير الآيتين (248 - 249)، يقدم الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، رؤى ثرية حول معجزات التابوت واختبار النهر، وأهميتها في سياق الطاعة والانضباط.

التابوت: معجزة شاهدة على الملك

قال  جمعة عبر صفحته الرسمية عبر الفيسبوك أن التابوت الذي ذُكر في قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 248]، كان دليلًا إلهيًا على أحقية طالوت بالملك.

و عن السكينة: يشير القرآن إلى أن في التابوت "سكينة من ربكم"، وهي هدوء نفسي وروحي يطمئن قلوب المؤمنين.

وعن البقية: تضم التابوت أشياء مباركة تركها آل موسى وهارون، ربما كانت عصا موسى أو ألواح التوراة.


اختبار النهر: الطاعة أساس النجاح

في الآية التي تليها، قال طالوت لجنده: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة: 249].

كان اختبار النهر امتحانًا للطاعة والانضباط في الصفوف العسكرية، حيث طُلب منهم عدم الشرب من النهر إلا بقدر يسير، لا يزيد عن غرفة باليد.

العبرة العسكرية: يوضح الدكتور علي جمعة أن هذا الامتحان كان يعكس أهمية الانضباط والطاعة في الجيوش، فحتى إن لم تكن الحكمة واضحة، فإن الالتزام بالأوامر أمر ضروري لحماية الجيش وتحقيق الانتصار.


قاعدة لغوية من الآية

يشير جمعة إلى قاعدة لغوية في كلمة "نهْر" المذكورة في الآية، في اللغة العربية، كل فعل تأتي عينه من حروف الحلق (مثل الهمزة، الهاء، العين، الحاء، الغين، الخاء) يجوز فيه السكون والفتح، وبالتالي يمكن نطقها "نهْر" أو "نهَر"، وكلاهما صحيح. ومن أمثلة ذلك أيضًا "شغْب" و"شغَب".

ماذا نتعلم من الآيتين

1. الإيمان بالمعجزات: كانت عودة التابوت برهانًا ملموسًا على صدق طالوت وأحقيته بالملك، وهو درس في أهمية اليقين بالآيات الإلهية.


2. الطاعة والانضباط: يبرز اختبار النهر أن الطاعة في المواقف الحرجة لا تقل أهمية عن الشجاعة.


3. السكينة كمكافأة: السكينة التي يمنحها الله للمؤمنين هي زاد روحي يعينهم على مواجهة التحديات.

 

آيات التابوت واختبار النهر تحمل رسائل خالدة عن الطاعة، الإيمان، والانضباط، إنها دعوة للتأمل في أفعالنا، واليقين بحكمة الله في كل ما يقدره لنا، حتى وإن لم تكن الحكمة واضحة في البداية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التابوت معجزة سورة البقرة جمعة

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: اللسان مرآة القلب ومصدر الهلاك أو النجاة

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، رسول الله ﷺ قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان؛ فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا» [رواه الترمذي ، وأحمد]. 

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن أسلم أن عمر رضي الله عنه دخل يومًا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مَه، غفر الله لك. فقال له أبو بكر: إن هذا أوْردني شرَّ الموارد.

دعاء قبل المذاكرة.. احفظه وردده يفتح الله عليك فتوح العارفيندعاء العشر الأواخر من ذي الحجة .. أفضل ما يُقال في أيام الرحمة

فإن اللسان هو أداة الكلام عند البشر لذا فكلمة الكفر تخرج من اللسان، والقول على الله بغير علم يحدثه اللسان كذلك، كما أن باللسان تتم معاصي الكذب، والغيبة، والنميمة، والاستهزاء. 

كما أن للكلمة التي يحدثها اللسان معنى معجمي نراه في المعاجم، ولكن لها أيضًا حقول دلالية، فلها حقيقة ولها مجاز، ولها مرة ثالثة مردود على السامع يختلف باختلاف شيوع هذه الكلمة في استعمال معين، ويختلف أيضًا بما يسميه علماء اللغويات بالنبر، والنبر The stress هو الضغط أثناء التلفظ بالكلام على مقطع في الفقرة المقروءة، أو على كلمة في الجملة، أو على حرف في الكلمة، وحينئذ فإنك تفهم معنى من هذا النبر يزيد على معناه اللغوي، فلو قلنا لأحدهم عبارة: «أنت مشغول» فيمكن أداؤها بصورة سؤال، ويمكن أداؤها بصورة استنكار، ويمكن أداؤها بصورة ترحُّم، ويمكن أداؤها بصورة إقرار للواقع الذي نشاهده فيه، وهكذا يقوم النبر بإضافة معنى فوق دلالة اللفظ نفسه، يفهم السامع منه ما لا يفهمه من مجرد الكلمة، ويؤثر فيه ويستقر ذلك التأثير في وجدانه ويترسب مع ما يترسب من عوامل أخرى؛ فيؤدي إلى التحكم في مواقفه من الأشخاص حبًّا أو بغضًا؛ لذلك فإن مردود الكلمة يتجاوز معناها إلى تأثيرات أخرى قد تكون حسنة أو قبيحة.

ونرى حديث رسول الله ﷺ وهو ينبّه على هذا المعنى فيقول: «إن أحدكم يتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت؛ فيكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت؛ فيكتب الله عز وجل عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه» [رواه ابن ماجه].

وعن وهب بن مُنَبِّهٍ من حكمة آل داود: «على العاقل أن لا يشتغل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربَّه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يصدقونه عيوبه وينصحونه في نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذتها مما يحل ويَجْمُلُ، فإنَّ هذه الساعة عون لهذه الساعات، واستجمام للقلوب وفضل وبُلْغَةٌ. وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنًا إلا في إحدى ثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون: عالمًا بزمانه، ممسكًا للسانه، مقبلا على شانه» [شعب الإيمان]

طباعة شارك اللسان رضوان الله رؤية نبوية ولسانية اتقِ الله فينا اللسان أداة النجاة أو الهلاك

مقالات مشابهة

  • ما لك عند الله وماذا عليك؟.. علي جمعة يوضح
  • أسامة الجندي: مواسم الطاعات نعم إلهية لإعادة شحن الإيمان وتنشيط النفس
  • ما هي علامة قبول الطاعة؟.. عالم أزهري يجيب
  • أستاذ بجامعة الأزهر: الثبات على العبادة طريق حسن الخاتمة
  • عالم يحذر من الطاعة فى المواسم: أحب العبادات إلى الله أدومها
  • علي جمعة: اللسان مرآة القلب ومصدر الهلاك أو النجاة
  • رزقك وأجلك بيد الله فلم الخوف؟ علي جمعة يجيب
  • علي جمعة: إذا ذكرت ربك ذكرك في الملأ الأعلى
  • علي جمعة: لسانك مفتاح الجنة أو سبيل الهلكة
  • أدعية فيها العجب من القرآن.. 8 آيات تفتح لك كل الأبواب المغلقة