جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-06@01:37:49 GMT

العقلية العقابية في حرائق كاليفورنيا

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

العقلية العقابية في حرائق كاليفورنيا

 

 

 

 

بدر بن خميس الظفري

@waladjameel

 

تشهد ولاية كاليفورنيا الأمريكية حرائق غابات مدمرة، وُصفت بأنها الأعنف في تاريخها الحديث. هذه النيران، التي تأتي على الأخضر واليابس، تجاوزت حدود التصور؛ حيث اضطُر أكثر من 360 ألف شخص للفرار من منازلهم، وانهار أمامها أكثر من 10000 مبنى، تشمل مساكن ومنشآت حيوية، والخسائر الاقتصادية وحدها قُدرت بين 135 و150 مليار دولار.

هذه الإحصائيات ليست مجرد أرقام؛ بل إنها شهادة متجددة على هشاشة الإنسان أمام جبروت الطبيعة التي خلقها الله لنا لنعيش جمالها ونستمتع بعطائها، وهي دعوة للتأمل في نظرتنا إلى هذه الطبيعة.

يقول الفيلسوف السويسري الفرنسي جان جاك روسو: "الطبيعة لا تخوننا أبدًا؛ نحن من نخونها". كلمات روسو تُلخِّص مأساة اليوم؛ حيث الحرائق ليست مجرد كوارث طبيعية صرفة؛ بل هي نتيجة مباشرة لتراكم الإهمال البشري، من إزالة الغابات الجائرة إلى الانبعاثات التي تفاقم الاحتباس الحراري، فالطبيعة ليست عدوًا يتحين الفرصة للانتقام؛ إنها مرآة تعكس أفعالنا. وكأن هذه النيران تقول: "ما يحدث هنا ليس عقابًا، بل نتيجة طبيعية لمنطق الإنسان في استغلال موارد الأرض".

في هذا السياق، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي أصوات شامتة في هذه الكارثة، معتبرة أنها عقاب إلهي لما وصفته بأفعال الولايات المتحدة السياسية، خاصة دعمها لإسرائيل خلال النزاعات الأخيرة في غزة. هنا نتساءل: إلى أين وصل بنا الفكر الإنساني؟ هل نحن عاجزون إلى هذا الحد عن التعاطف مع معاناة الآخر؟ ألم يقل الشاعر إيليا أبو ماضي: "كن جميلًا ترى الوجود جميلًا"؟ ومن هُنا فإنَّ الشماتة ليست سوى مرآة لقبحٍ داخليٍ يعجز عن رؤية جمال الإنسانية المشتركة.

هذه الشماتة تُعبِّر عن قِصر نظر أخلاقي وغياب عميق للفهم؛ فالكوارث الطبيعية لا تُميِّز بين مُذنب وبريء، وبين ظالم ومظلوم. يقول الأديب والمسرحي الآيرلندي جورج برنارد شو: "الحياة ليست لإثبات من هو الأذكى؛ بل لإثبات من هو الأكثر إنسانية"؛ فالإنسانية الحقة لا تعرف الانقسام ولا تخضع لمنطق الثأر السياسي أو الأيديولوجي.

وحينما ننظر إلى النيران المشتعلة في غابات كاليفورنيا، يجب أن نراها باعتبارها تذكيرًا مؤلمًا بأننا جميعًا بشر معرضون في أي لحظة للمصير نفسه ما لم نتعلم كيف نحيا بتناغم مع الأرض، ومع بعضنا البعض.

إنَّ هذه الحرائق دعوة للتأمل، ليست فقط في هشاشتنا ككائنات تعتمد على الطبيعة للبقاء؛ بل في مسؤوليتنا تجاهها، فبرغم كل ما تبدو عليه الطبيعة من قسوة، فهي تمنحنا دائمًا فرصة للتعلم. في كل شعلة نار تلتهم غابة، هناك صوت يدعونا إلى إعادة التفكير في علاقتنا بالكوكب كله. كما قال الأديب والفيلسوف الروسي فيودور دوستويفسكي: "الإنسان حقًا إنسان فقط عندما يشعر بمعاناة الآخرين".

لكن هذا الشعور بمعاناة الآخرين لا يقتصر فقط على الضحايا في كاليفورنيا؛ بل يمتد إلى كل من يعانون في هذا العالم؛ لأن التعاطف ليس موردًا محدودًا. ويمكننا أن نتعاطف مع سكان كاليفورنيا، ونحزن لما أصابهم، وفي ذات الوقت، نرفع أصواتنا دعمًا للمظلومين في مناطق أخرى مثل غزة الجريحة والسودان المنكوبة واليمن المحاصرة وغيرها من المناطق في العالم.

الإنسانية ليست لعبة صفرية؛ حيث الرحمة لطرف تعني نزعها عن آخر؛ بل هي شبكة واسعة، تقوى كلما توسعت وتشابكت.

إن الطبيعة، في قسوتها الظاهرة، تعطينا دروسًا عن استمرارية الحياة، فالغابة التي تحترق ليست نهاية الحكاية؛ فالنار، رغم دمارها، تفسح المجال لنمو جديد. وهذا الدرس الطبيعي يمتد إلينا كبشر؛ إذ إن الكوارث، مهما بدت قاسية، يمكن أن تكون فرصة لإعادة البناء، ليس فقط للبيوت والغابات، بل للأفكار والمبادئ التي تحكم حياتنا.

يقول الأديب والروائي المصري نجيب محفوظ: "الرجل الذي لا يعرف الرحمة لا يُعول عليه". وهذه الكارثة هي اختبار لقدرتنا على استحضار الرحمة، ليس فقط في التعاطف مع الآخرين، بل في التصالح مع الطبيعة نفسها. فلا يمكننا أن نستمر في طريق الاستهلاك المفرط وتدمير البيئة دون أن نتوقع أن تدفع الأرض ثمنًا باهظًا. الحرائق في كاليفورنيا ليست معزولة عن سياق عالمي من تغير المناخ، من أعاصير وفيضانات وجفاف، كلها تُشير إلى أنه قد حان الوقتُ للتوقف ومراجعة النفس.

يجب أن ندرك أن الطبيعة لا تعرف السياسة، والنيران لا تختار ضحاياها بناءً على انتماءاتهم الدينية أو توجهاتهم السياسية. إنها مجرد انعكاس لقوانين كونية فيزيائية وكيميائية وجيولوجية نكرر تجاوزها. وكما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

نعم.. هناك الكثير مما يستحق الحياة: غاباتنا، وقيمنا الإنسانية، وقدرتنا على التعاطف، ورغبتنا في بناء عالم أفضل. لكن هذا الجمال لن يحمي نفسه، وعلينا أن نتكاتف جميعًا، في مواجهة النيران التي أشعلناها نحن؛ سواء كانت نيران الغابات أو نيران الانقسام. فقط حينما ندرك أننا جزء من هذا العالم، يمكننا أن نأمل في مستقبله.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ترامب يأمر بالتحقيق في تصرفات بايدن خلال رئاسته بدعوة تدهور صحته العقلية

يونيو 5, 2025آخر تحديث: يونيو 5, 2025

المستقلة/- أمر دونالد ترامب بفتح تحقيق في تصرفات جو بايدن خلال فترة رئاسته، متهمًا مساعديه بـ”مؤامرة” لخداع الرأي العام بشأن حالته العقلية.

وفي أحدث خطوة لتشويه سمعة سلفه، انتقد ترامب استخدام مساعديه لجهاز الختم الآلي – وهو جهاز ينسخ التوقيعات التي استخدمها الرؤساء، بمن فيهم ترامب، لعقود – لتوقيع القرارات التنفيذية.

وقال ترامب يوم الأربعاء: “هذه المؤامرة تُمثل واحدة من أخطر الفضائح وأكثرها إثارة للقلق في التاريخ الأمريكي”.

وانتقد بايدن خطوة ترامب ووصفها بأنها “سخيفة”، قائلاً إن مزاعمه تهدف إلى تشتيت انتباه الأمريكيين في الوقت الذي تعمل فيه إدارته على تمديد الإعفاءات الضريبية للأثرياء.

لطالما شكك ترامب وحلفاؤه الجمهوريون في صحة بايدن العقلية، وحاولوا إلغاء بعض قرارات العفو الرئاسية والقواعد الفيدرالية الصادرة في نهاية ولايته.

سعت لجنة يقودها الجمهوريون في مجلس النواب إلى الاستماع إلى شهادات بعض أقرب مساعدي بايدن، بمن فيهم أول رئيس لهيئة موظفيه، حول “قدراته العقلية والجسدية” خلال قيادته للبلاد.

في بيان صدر يوم الأربعاء، قال ترامب، البالغ من العمر 78 عامًا، إن الشعب الأمريكي “حُرم عمدًا من معرفة من مارس السلطة التنفيذية”، بينما استُخدم توقيع بايدن للمصادقة على وثائق وصفها ترامب بأنها تؤدي إلى “تحولات جذرية في السياسات”.

رد بايدن، البالغ من العمر الآن 82 عامًا والذي يُصارع سرطان البروستاتا في مرحلة متقدمة، على ترامب.

وقال: “دعوني أكون واضحًا: لقد اتخذت القرارات خلال فترة رئاستي. لقد اتخذت القرارات المتعلقة بالعفو والأوامر التنفيذية والتشريعات والإعلانات”.

وقال بايدن في بيان صدر مساء الأربعاء: “أي تلميح إلى أنني لم أفعل هو أمر سخيف وكاذب”.

ازداد التدقيق في قدرة بايدن العقلية والجسدية في الأسابيع الأخيرة، حيث اتهم كتاب جديد دائرةً مقربةً من الإدارة السابقة بالتستر على “تدهور حالته الصحية” خلال حملة إعادة انتخابه الفاشلة العام الماضي.

يزعم كتاب “الخطيئة الأصلية”، الذي كتبه جيك تابر من CNN وأليكس طومسون من Axios، أن حالة بايدن الصحية خلال الحملة كانت سيئةً لدرجة أن مساعديه ناقشوا منحه كرسيًا متحركًا.

أنهى بايدن حملته لإعادة انتخابه فجأةً في يوليو الماضي بعد أسابيع من الضغوط التي أعقبت أدائه الكارثي في ​​المناظرة ضد ترامب.

ألقى بعض الديمقراطيين، بمن فيهم رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي، باللوم علنًا على بايدن لعدم انسحابه من السباق مبكرًا، الأمر الذي كان سيمنح حزبه مزيدًا من الوقت لاختيار بديل شعبي.

في أوائل الشهر الماضي، أجرى بايدن أول مقابلة له منذ مغادرته البيت الأبيض مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، مؤكدًا أنه “لم يعتقد أن انسحابه من السباق مبكرًا كان سيُحدث فرقًا”.

وبعد فترة وجيزة، أعلن أنه تم تشخيص إصابته بنوع “عدواني” من سرطان البروستاتا الذي انتشر إلى عظامه – مما أدى إلى المزيد من الاتهامات من البيت الأبيض بأن أقرب الأشخاص إلى الرئيس السابق، بما في ذلك زوجته جيل، كانوا ليعرفوا عن حالته في وقت سابق.

مقالات مشابهة

  • قبيلة يوروك تستعيد مساحات شاسعة من أراضي أجدادها في كاليفورنيا
  • عاصفة الإسكندرية تثير الجدل.. والأرصاد: الطبيعة غاضبة
  • الجزيرة ببركة الموز.. وجهة سياحية واعدة بين أحضان الطبيعة
  • ترامب يأمر بالتحقيق في تصرفات بايدن خلال رئاسته بدعوة تدهور صحته العقلية
  • ترامب يأمر بفتح تحقيق في «تستّر» على تدهور الحالة العقلية لبايدن
  • ترامب يأمر بفتح تحقيق بشبهة التستّر على "حالة بايدن العقلية"
  • ترامب يفتح تحقيقًا في شبهة التآمر للتستر على الحالة العقلية لبايدن
  • الإمارات تصدر أوامر بالإفراج عن 2952 نزيلاً في المنشآت العقابية
  • أستاذ قانون: تحرك الأفراد في البورصة يعكس تغيرًا في العقلية الاستثمارية
  • وزير البيئة ورئيس الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة يبحثان تعزيز التعاون