الشباب العربي والإعلام الجديد دور ملهم في توظيف منصات التواصل
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
هزاع أبوالريش (أبوظبي)
في هذا التحقيق تتقصى «الاتحاد» جوانب من الفرص المتاحة للقيادات الشبابية العربية في الإعلام الجديد، من منطلق رؤية القيادة الرشيدة لتعزيز الريادة وسياساتها الداعمة للشباب العربي، خاصة في مجال الإعلام الجديد، من خلال برامج القيادة الشبابية العربية «أنموذج»، وذلك وعياً بأن هذا النوع من الإعلام يمثل فرصة ذهبية للقيادات الشبابية العربية لإعادة صياغة الواقع واستشراف المستقبل، خاصة أن الإعلام الجديد يتيح أكثر من منصة ملهمة لتحقيق الريادة، وتعزيز التطلعات العربية في مجالات التنمية، والثقافة، والبناء والنماء والتقدم والازدهار.
ولا شك في أن تمكين الشباب وإبراز دورهم في مختلف مجالات الإعلام الجديد سواء في ذلك، وسائل التواصل الاجتماعي والبث المباشر، والمدونات والمنصات الرقمية، ليعبروا عن آرائهم وإسهاماتهم في مختلف الإبداع والابتكار بشكل غير مسبوق ودون حدود أو قيود، وبناء شبكات رقمية قوية تسهم في تحقيق أهدافهم في الوعي بالقضايا المعاصرة المحلية والدولية، فقد أصبح الشباب العربي اليوم قادراً على إطلاق حملات اجتماعية مؤثرة تجمع التمويل والدعم لقضايا مجتمعية، وبناء استراتيجيات رقمية مبتكرة تدعم مجتمعاته وتطلعاته.
مستقبل الإعلام الرقمي
لقد زاد الآن ارتفاع سقف التطلعات المستقبلية والقناعةالراسخة بالدور الرائد للقيادات الشبابية العربية في ظل الإعلام الجديد، إذ إنهم يسعون لمواجهة التحديات والتغلب عليها مستفيدين من الفرص الاستشرافية ومواكبة تحولات الإعلام الرقمي. وهذا ما أكدته الإحصائيات والمقابلات الاستقصائية للخبراء والشباب العرب، من واقع فهمهم للمحتوى الإعلامي، في «اليوتيوب»، وتعزيز تحليل المحتوى على منصات «إنستغرام» و«فيسبوك»، و«تيك توك» و«x»، في مجالات (التعليم- الصحة- الرياضة- حقوق الإنسان). وكذلك التأثيرات المجتمعية لمبادرات الشباب العرب من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث أكد خبراء في علم الاجتماع والإعلام الجديد الآثار الاجتماعية والنفسية لدور الشباب في هذا القطاع من الإعلام، ومدى قيمة توظيف هذا الدور الشبابي لتعزيز القيم الإيجابية في المجتمعات العربية بصفة عامة. وقد أكد بعض أبرز المتابعين لمحتوى الشباب العرب في الإعلام الجديد خاصة على هذا الدور المتعاظم للشباب في رفع الوعي، وتصحيح بعض المفاهيم، وتقديم وجهات نظر جديدة ومبتكرة، فضلاً عن تناوله لمثل هذه القضايا العامة بقدر من الاهتمام لم يكن معهوداً عادةً لدى منصات الإعلام التقليدي.
تعزيز القيم المشتركة
ويمكن أن تتمثل الاستراتيجية المستقبلية لدور القيادات الإعلاميةالشبابية العربية في ظل الإعلام الجديد في السعي للتأثير إيجاباً، والإسهام في صناعة وبناء مجتمع متوازن لتعزيز القيم المشتركة، ودعم التنمية الاجتماعية، وتعزيز هوية الثقافة في الإعلام العربي، لتعكس الحقائق من خلال تعزيز حرية الصحافة، والتعبير المهني بعيداً عن التضليل، بالاستخدام الأمثل لأدوات التكنولوجيا الحديثة في الإعلام الجديد، فضلاً عن تطوير مهارات الابتكار الإعلامي المختلفة.
كما يمكن لهذه الموجة من الإعلام الجديد أيضاً تعزيز التطلعات المجتمعية والإسهام بنشاط وفعالية في التوعية بالقضايا الاجتماعية العامة، ودعم التعليم والبحوث العلمية والتنمية الاقتصادية، وحماية البيئة والثروات الطبيعية، والمشروعات الريادية للشباب، والتنمية الإنسانية المستدامة بصفة عامة، والسعي لتعزيز التسامح، والارتقاء بالقيم، والإسهام بإيجابية في تعزيز روح التعايش والسلم وحل النزاعات والصراعات التي تشغل البشرية الآن.
بناء استراتيجيات فعّالة
كما يمكن للشباب العربي أيضاً مواجهة العديد من التحديات الراهنة والتغلبعليها، والاستفادة من الفرص الاستشرافية للمستقبل، بمزيد من توظيف الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي، وغيرها من جوانب تطورات التكنولوجيا السريعة اليوم، وزيادة المساهمة الإعلامية المهنية في ترشيد خطوط تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بالاستغلال الأمثل لأدوات الذكاء الاصطناعي لتطوير المحتوى المبتكر والتفاعلي، ورفع مهارات العاملين في الإعلام، وبناء استراتيجيات تسويقية فعّالة، وتعزيز الأمن السيبراني، والتكيف السريع مع التغيرات التكنولوجية، وترسيخ التعاون مع القطاع الخاص، وتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية لبناء شبكات علاقات دولية، وتطوير الصناعة وآليات العمل المستدامة في مجتمع إعلامي متوازن وملهم.
فارق إيجابي ملموس
وفي هذا الاستقصاء، جاءت نتائج الإحصائيات والمقابلات مع الخبراء والشباب العرب، مؤكدة هذه الأدوار المحورية لدور للإعلام الجديد (اليوتيوب -إنستغرام -فيسبوك إكس -تيك توك -البودكاست «podcast»... إلخ)، في الاستجابة لتطلع محسوس، وصناعة فارق إيجابي ملموس، في مجالات (التعليم -الصحة -الرياضة -حقوق الإنسان.. إلخ)، حيث إن، 70% من الشباب العرب يستخدمون «يوتيوب» مثلاً لتعلم مهارات جديدة، و60% من هؤلاء المستخدمين يفضلون المحتوى التعليمي على منصات التواصل الاجتماعي. و50% من الشباب العرب يستخدمون كذلك «إنستغرام» لتعلم معلومات جديدة. وكذلك «البودكاست» يفضل 40% من المستخدمين العرب الاستماع فيه إلى المحتوى التعليمي، في مجالات المحتوى المطلوبة في العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، وكذلك في الصحة النفسية، والتغذية، والرياضة، وتحليل المباريات، والمساواة، والتسامح.
وتذهب بعض الآراء الإعلامية إلى أن المحتوى التعليمي على «يوتيوب» يمكن أن يغير النظرة العربية التقليدية للتعليم بصفة عامة، كما ذكر بعض آخر أن «البودكاست» يمكن أن يكون هو أيضاً أداة فعالة لتعليم اللغات. وجاء في رأي آخر، أن منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن تساعد في تعزيز الوعي الصحي. كما أكد كثير من الشباب العرب أن «المحتوى التعليمي على يوتيوب ساعدهم في تعلم مهارات جديدة، وأن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت كذلك مصدراً مهماً للمعلومات».
روح الحوار والتفاعل
ومن خلال التأثيرات المجتمعية لمبادرات الشباب العرب في منصات التواصل الاجتماعي، اتضحت إيجابية دورهم في رفع وعي المجتمع بأهمية روح الحوار والتفاعل الاجتماعي البناء، هذا فضلاً عن التأثيرات الاقتصادية لتطوير المشاريع ودعم السياحة والتجارة، وكذلك التأثيرات السياسية التي تعزز ثقافة المشاركة المجتمعية، وثقافة الحوار والتفاوض لحل مختلف القضايا العربية والدولية، والتأثيرات الثقافية من خلال تعزيز الهوية العربية دون إغفال أهمية التبادل الثقافي الدولي ترسيخاً لقيم التسامح والتفاهم، من خلال مبادرات بناءة، كمبادرة (معاً - للمساواة) لتعزيز حقوق المرأة، ومبادرة (شباب - المستقبل) لدعم التعليم والتدريب، ومبادرة (تغيير - الواقع) لتعزيز التغيير الإيجابي، ومبادرة (أنا - شريك) لتعزيز الحقوق المدنية.
التفاعل الاجتماعي والتواصل
أما خبراء علم الاجتماع، فقد جاءت آراؤهم في الإعلام الجديد وآثاره الاجتماعية والنفسية مؤكدة لأهمية وفعالية دور الشباب في كل جهد متصل بتعزيز التفاعل الاجتماعي والتواصل، والوعي الاجتماعي، وترسيخ ثقافة الابتكار والإبداع، ودعم التغيير الاجتماعي وبناء الهوية الشخصية والاجتماعية، وإن ظهرت أيضاً تحديات مهنية من خلال الحفاظ على الجودة والصدق في المحتوى، ومواجهة الدعاية والتضليل، ودعم السياسات العامة لتنظيم الإعلام الجديد.
تعزيز الابتكار والإبداع
أكد مجموعة من المتابعينلمحتوى الشباب العرب في الإعلام الجديد، أهمية تصحيح بعض المفاهيم، وتقديم وجهات نظر جديدة ومبتكرة، لتعزيز الابتكار والإبداع، وإتاحة الفرص لتعزيز مشاركة الشباب وانخراطهم في الحياة العامة والحوار؛ لأنهم يمتلكون القدرة على تغيير كثير من معطيات الواقع الاجتماعي. ولديهم اهتمام خاص بقضايا لم تحظَ باهتمام كبير في الإعلام التقليدي، مثل بعض المشكلات الاجتماعية، كالعنف الأسري، وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وحقوق المرأة، إضافة للصحة النفسية، وهذا ما يدعو للاستفادة من وسائل للتواصل الاجتماعي والمدونات و«اليوتيوب»، وغيرها من منصات الإعلام الجديد في مواجهة، مثل تلك المشكلات والتحديات الاجتماعية.
مواجهة التهديدات السيبرانية
في هذا المقام، قالت صفية الشحي،إعلامية وصانعة محتوى، إن الشباب العربي اليوم ليس مجرد مستهلك للتكنولوجيا، بل يمثل قوة محورية يمكنها المساهمة بفاعلية في تعزيز الوعي والأمن الرقمي، مع انتشار التكنولوجيا بشكل واسع وسرعة التحولات الرقمية في المنطقة. ويُعتبر الشباب اللاعب الرئيسي في حماية المجتمع الرقمي ودعمه، كما يتمتع أبناء هذا الجيل بمهارات تقنية متزايدة وشغف كبير بالتعلم، ما يجعلهم مؤهلين للعب دور فعّال في هذا المجال، لافتة إلى أن العديد منهم لديهم خلفيات في البرمجة، والذكاء الاصطناعي، وحتى الأمن السيبراني، مما يمنحهم أساساً قوياً لبناء حلول مبتكرة. وتابعت: لكن الواقع يحمل أيضاً تحديات لا يمكن إنكارها، منها: نقص البرامج التدريبية المتخصصة ومحدودية التنسيق أحياناً بين القطاعات الحكومية والخاصة لدعم هذه المواهب. كما أن سرعة تطور التهديدات السيبرانية تتطلب مهارات متجددة باستمرار لمواجهتها، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً للشباب في مواكبة هذا التطور، موضحة أنه طالما أن الفرص كبيرة ومتنوعة، فإنه يمكن للحكومات والمؤسسات الخاصة أن تلعب دوراً حاسماً من خلال توفير برامج تدريبية متقدمة، وتنظيم مسابقات ومبادرات تُحفز الشباب على الابتكار في مجال الأمن الرقمي. كما أن الاستثمار في المحتوى التعليمي باللغة العربية يمكن أن يسد أيضاً فجوة كبيرة في إيصال المعرفة التقنية المتخصصة. ولتعزيز مشاركة الشباب في الأمن الرقمي، لابد من دعم شامل يتضمن التوعية، والتدريب، والتشجيع على تطوير المهارات، لأن بناء بيئة تمكينية لهم ليس رفاهية، بل ضرورة لمواكبة التحديات الرقمية التي تواجه العالم العربي اليوم، حيث إن النجاح المأمول يعتمد على توفير الأدوات الصحيحة والدعم المستمر. ومع وجود هذه المقومات، يمكن أن يصبحوا رواداً في حماية الفضاء الرقمي وتطوير حلول تسهم في أمن واستقرار مجتمعاتهم.
إيجابية واحترافية
بيّنت الدكتورة لميس أبوحليقة، صانعة محتوى، أنه في ظل وجود الإعلام الجديد وتطوراته السريعة بإمكان المبدع أن يصل بمحتوى رسالته إلى أكبر قدر من الجمهور بأقل وقت ممكن وأقل الإمكانيات والتكلفة، وهذه من الفرص الإيجابية التي يمكن الاستفادة منها. وبالنسبة للتحديات فهناك الكثير من صناع المحتوى، والمنافسة بلا شك كبيرة لإثبات الشخص نفسه، وما يقدمه، وهو يقف خلف هذه الشاشة الصغيرة. فالمجال متسارع في الطرح سواء من خلال مواضيع مستجدة أو «ترندات» تطرأ على الساحة، وعلى المبدع أن يواكبها بإيجابية وذكاء واحترافية فذة تلامس الآخر وتؤثر عليه إيجاباً، مضيفة أن التحديات كثيرة، ومن ضمنها المحتوى نفسه، هل هو مبني على أسس صحيحة أم تتستّر خلفه أجندات وأفكار مضللة، ففي بعض الأحيان ربما لا يقصد صانع المحتوى تضليل الجمهور والمتابعين، ولكن اختياره للمحتوى كان أصلاً غير دقيق، وهذا يعود إلى صانع المحتوى نفسه هل يبذل جهداً على ما يقدمه من بحث وتحرٍّ واطلاع ومتابعة، أم مجرد الاهتمام بسرعة النشر والسبق الإعلامي والانتشار لدى الجمهور على حساب المصداقية.
الوعي بالتحديات الرقمية
قالت الدكتورة صفاء مبارك النقبي، صانعة محتوى، نحن نعيش في عصر يتطلب منا جميعاً، وخاصة الشباب، الوعي بالتحديات الرقمية المتزايدة والقدرة على استثمار الفرص بشكل إيجابي، وهذا ما جعلني أسهم في تقديم ورش عمل وبرامج تدريبية تهدف إلى تمكين الشباب من فهم ديناميكيات الإعلام الجديد، وكيفية تحويل التحديات، مثل التضليل الرقمي والابتزاز الإلكتروني، إلى فرص للتعلم والإبداع. كما عملت على بناء مشاريع ومبادرات تسلط الضوء على أهمية الإعلام الهادف، مثل إنتاج محتوى رقمي يعزز القيم المجتمعية ويساهم في نشر الوعي حول الأمن الرقمي، مختتمة: إذا أردنا أن يقود الشباب الإعلام الجديد بوعي ومسؤولية، فعلينا أن نؤمن بهم، وندعمهم، ونفتح أمامهم أبواب الابتكار والإبداع.
برامج تدريبية
ومن جانب أكد محمد الجابري، إعلامي وصانع محتوى، أن الشباب اليوم هم الأكثر اتصالاً بالعالم الرقمي، مما يمنحهم القدرة على قيادة التغيير والمساهمة في بناء مجتمعات رقمية أكثر وعياً وأماناً. أما بالنسبة للتحديات، فهناك عوامل عدة قد تعيق هذا الدور، منها نقص الوعي بأهمية الأمن الرقمي، ومحدودية الوصول إلى برامج تدريبية متخصصة، وقلة الفرص لدخول الشباب في صناعة القرارات المرتبطة بالسياسات الرقمية.
وعلى الجانب الآخر، فالفرص متاحة وبكثرة، ويمكن استغلال الإمكانيات التقنية المتقدمة التي تتوفر في العديد من الدول العربية، بالإضافة إلى الاستفادة من الحاضنات والمبادرات الشبابية التي تدعم الابتكار الرقمي. كما أن المنصات الإلكترونية وبرامج التوعية باتت أدوات فعالة لتعزيز مشاركة ودور وحضور الشباب في هذا المجال. وبالمجمل، فإن تعزيز الوعي والأمن الرقمي مسؤولية مشتركة تحتاج إلى تكاتف الشباب مع الحكومات والمؤسسات الخاصة. فالاستثمار في الشباب العربي من خلال التعليم، والتدريب، وإتاحة الفرص، هو الطريق الأمثل لزيادة مساهمتهم الفعالة في خدمة مجتمعاتهم عبر انخراطهم في هذا المجال الحيوي.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الشباب العربي الإعلام الجديد الإمارات الثقافة الإعلام الرقمي منصات التواصل الاجتماعی الابتکار والإبداع فی الإعلام الجدید المحتوى التعلیمی الشبابیة العربیة الشباب العربی برامج تدریبیة الأمن الرقمی الشباب العرب العربیة فی الشباب فی فی مجالات من الفرص من خلال یمکن أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
الاستثمار في الإعلام الرقمي
حاتم الطائي
◄ الإعلام سلاح نوعي أصبح المُحرِّك لمجريات الأحداث من حولنا
◄ الحروب الإعلامية على وطننا وعلى أوطان كثيرة لا تضع أوزارها
◄ نقترح وضع خطة وطنية متكاملة لتطوير إعلامنا ترتكز 6 عناصر أساسية
يمُر العالم بتحوُّلات غير مسبوقة في جميع مجالات الحياة، ما يتطلب حالة من التيقُّظ الدائم والاستنفار الإيجابي، من أجل مُواجهة المُتغيرات والتعاطي مع التحديات، وضمان عدم التراجع إلى الوراء، إن لم يكن السعي للبقاء في المقدمة.
وفي القلب من هذه التحوُّلات، يبرُز قطاع الصحافة والإعلام بشكل عام، لا سيما وأننا نتحدث عن سلاحٍ نوعيٍّ أصبح اليوم هو المُحرِّك لمجريات الأحداث من حولنا؛ بل إن حروبًا انتصرت فيها أطرافها بسلاح الإعلام لا بالبارود والقنابل! وعندما أقول إننا أمام سلاح خطير، لا أعني بالضرورة التحذير منه؛ بل مُحاولة توظيفه ليكون سلاحًا ناعمًا، وجزءًا من القوة الناعمة للدولة، كما إنني لا أتحدثُ هُنا عن حروب إعلامية، ولكن تأهب إعلامي من أجل مُجابهة أعاصير الأباطيل التي تأتينا من الداخل أو محيطنا المُلتهب أو من وراء البحار والمحيطات. هذا التأهُّب يستلزم عدة آليات لا غنى عنها، إذا ما أردنا أن نكون في حالة استعداد للمواجهة الإعلامية، مُواجهة من أجل دفع الباطل، وترسيخ الحق.. مواجهة لضمان أنَّ الرواية الحقيقية للأحداث نسردها وفق قِيَمنا ومبادئنا وأصالتنا.. مواجهة يجب أن تخرج من شرنقة "ما لنا علاقة"، وأن تبتعد عن شعار "هدي الأمور"؛ فثمَّة أحداث لا يُمكن التعامل معها من هكذا منطلقات؛ بل يتحتَّم علينا الوقوف في وجهها بكل جسارة وجاهزية، خاصةً إذا ما ارتبط الأمر بأمننا القومي، اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا.
أقولُ ذلك والحروب الإعلامية على وطننا وعلى أوطان كثيرة لا تضع أوزارها؛ بل تزداد اشتعالًا ولهيبها يطال كل مكونات المجتمع. هي حرب وقودها وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ الأولى تستهدف الوصول إلى أكبر شريحة مُمكنة من المُتابعين، والذين يسهل "اصطيادهم" بصورة أو خبر جاذب أو فيديو يخطف الأنفاس، أما الثانية، فيتم توظيفها لإنتاج محتوى يُحقق الأهداف، مُعتمدين على تقنيات التزييف العميق بصورة أساسية، وتقنيات أخرى أصبحت تُحيي الميت وتُميت الحي، رقميًا بكل تأكيد!
ومن المؤسف أنَّ هذه التقنيات لا تستخدمها عصابات الإنترنت أو بعض المراهقين أو المُختلين عبر منصات التواصل الاجتماعي؛ بل أصبحنا نرى مؤسسات إعلامية كُبرى تُنتج أعمالًا مرئية من الذكاء الاصطناعي بنسبة تصل إلى 100%! وهذا أمر بالغ الخطورة، أن نجد مؤسسة إعلامية كبرى تُنتج مقاطع مرئية تُحاكي- على سبيل المثال- اللحظات الأخيرة في حياة رئيس دولة فرَّ من دولته بعد ثورةٍ أو تمردٍ عسكري أو حتى انقلاب. ومكمن الخطورة أنَّ مثل هذه الأعمال تُرسِّخ في الذهن والذاكرة أحداثًا مُتخيَّلة على كونها حقيقية، وبمثابة تأريخ لأحداث غيَّرت مجرى حياة ملايين البشر، أو أن نجد أحدهم أيضًا يُنتج مقطعًا مصورًا بهدف السخرية والتهكُّم من الآخرين المُخالفين في الرأي والتوجُّه.
هذه الأعمال وغيرها، تُحدث بلبلةً وتشويهًا مُتعمَّدًا للواقع، وتُزوِّر الأحداث والتاريخ مع سبق الإصرار والترصُّد، من أجل تحقيق مصالح وغايات تنطوي على أجندات بعينها.. أجندات تستهدف تفتيت المُفتت، وتمزيق المُمزَّق، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية والمناطقية، وغيرها، مما يضمن لمن يتربصون بالأوطان الانقضاض عليها بعدما تكون قد سقطت بالفعل عبر حرب إعلامية شعواء.
كل ذلك يدعونا إلى التفكير العاجل والضروري، لأن نُطوِّر إعلامنا، تطويرًا يضمن تسليح صحفيينا وإعلاميينا بالأدوات اللازمة لمواكبة المُتغيِّرات، ومعرفة كيفية الرد والتعامل مع الحروب الإعلامية وكشف التزييف العميق، فلا يُمكن أن تخوض معركة أمام عدو يستخدم أحدث التقنيات الإعلامية، بينما أنت ما تزال تُمسك بالقلم والمايكروفون، ظنًا منك أنك ستنتصر لأنَّ الحق معك.. من المؤسف القول إنَّ الحق وحده دون مُمكِّنات النصر، لن يجلب هذا النصر؛ بل ربما يكون ذلك سببًا في الهزيمة النكراء!
إذن ما الحل؟!
الحل يكمُن في وضع خُطة مُتكاملة لتطوير إعلامنا العُماني، تقوم على عدة عناصر كما يلي:
إطلاق خارطة طريق من أجل التحوُّل الرقمي الشامل في الإعلام، تُنفَّذ على مدى زمني لا يتجاوز العامين. إعادة النظر في واقع المؤسسات الإعلامية القائمة، وتقديم الدعم اللازم لها ومساعدتها على الاستثمار الرقمي؛ لكي تنهض من كبوتها التي ما تزال تعاني منها بسبب الأزمات المُركَّبة التي تعرضت لها، منذ أزمة تراجع النفط في 2014 مرورًا بأزمة 2018 ثم أزمة 2020، وغيرها! تنقيح ما يُسمى بـ"الحسابات الإخبارية" التي لا طائل منها سوى مزيد من الإرباك والتشويه للمشهد العام، وتعمُّد نشر ثقافة التفاهة على حساب الجدية والمصداقية، وأن يكون الإعلام مسؤولية المؤسسات الوازِنة القادرة على إحداث الفارق بكل مهنية وكفاءة. إنشاء صندوق تطوير الإعلام، ليكون بمثابة البنك التمويلي للمؤسسات الإعلامية، يوفر الدعم المُيسَّر في أوقات الأزمات. التشجيع على إطلاق أول قناة إخبارية عُمانية للعالم، تقوم على مبادئ الإعلام الحُر والمسؤول، وتتولى تقديم إعلام دولي من وجهة النظر العُمانية، التي ترتكز على الحياد الإيجابي وعدم التَّدخل في شؤون الغير ونشر السلام والوئام في أنحاء العالم والتي تُحقق نجاحات كبيرة وتُعزز السمعة الطيبة لبلادنا. إطلاق برامج تدريب وتأهيل للكوادر الوطنية على مدار العام، والاستعانة بالخبرات الأجنبية إذا ما كان ذلك ضروريًا.ولا ريب أنَّ التحول الرقمي في المؤسسات الإعلامية، لم يعد ترفًا؛ بل بات ضرورة مهنية ومجتمعية؛ لمواكبة التطورات التقنية المتسارعة وتعزيز التفاعل مع الجمهور وتلبية احتياجاته، وتطوير الموارد والكفاءات البشرية العاملة في مؤسسات العمل الصحفي. لكنَّ هذا التحول يتطلب بالتأكيد استثمارات في المعدات الحديثة، والبرمجيات المتطورة، والبنية الأساسية الرقمية لضمان تقديم محتوى عالي الجودة وتجربة مستخدم متميزة. ومن خلال تمكين المؤسسات الصحفية والإعلامية، عبر تطبيق الخطة المقترحة، سنرى المزيد من الاستثمارات الوطنية في هذا القطاع المؤثِّر للغاية.
ونتيجة للضغوط المالية ومحدودية الموارد على المؤسسات الإعلامية في عُمان، نتيجة للتراجع الحاد في الإعلانات والاشتراكات السنوية، وارتفاع تكلفة تشغيل المؤسسات، فإنَّ الحاجة تتعاظم لإطلاق خطة طموحة لدعم هذه المؤسسات وتحفيزها على الانطلاق نحو المستقبل، الذي يجب أن تكون لنا فيه إسهامات نوعية، ترقى ومكانة سلطنة عُمان بين الأمم والتي يُشار إليها بالبنان، فمن غير المنطقي أن تحتل بلادنا مكانة كبيرة عالميًا، في عديد المجالات، مثل الدبلوماسية الفاعلة، والطاقة المتجددة واللوجستيات، وغيرها، بينما في قطاع المؤسسات الإعلامية، نظل "محلك سِرْ".
ويبقى القول.. إنَّ التحول الرقمي وما أحدثه من تغييرات جوهرية في صناعة الصحافة والإعلام، يجب أن يدفعنا إلى سرعة مواكبة هذه المُتغيرات، وتزويد القارئ والمُتابع العُماني بما يحتاجه من معرفة وإعلام، من منظور وطني مُستقل قائم على المرتكزات والثوابت العُمانية الأصيلة، بعيدًا عن استقطابات وسائل الإعلام الإقليمية والدولية.
رابط مختصر