1 فليسمح لي القارئ أن أصعد إلى منبر التحليل العسكري، والسبب في ذلك أنني رأيت كل من هبّ ودبّ قد صعد ذلك المنبر في الفضاء مباشرة. والسبب الثاني الذي يؤهلني لصعود ذلك المنبر هو أن لدي مجموعة أصدقاء من الخبراء والأساتذة العسكريين، فتعلمت منهم بعضًا من أسرار المهنة، إضافة إلى بعض القراءات عن حروب المدن التي استهوتني تكتيكاتها وما حدث فيها من تطورات باستخدام التكنولوجيا الحديثة في معاركها.


2
القارئ لمجريات حرب الكرامة منذ اندلاعها يدرك أن الذين وضعوا استراتيجية هذه الحرب كانوا على وعي تام بمتطلبات المعركة منذ يومها الأول وحتى الآن، ورسموا خططهم واستراتيجياتهم بناءً على فهم عميق لطبيعة الحرب التي يديرونها. وهي حرب غير معهودة، ولم يكن لهم بها سابق معرفة عملية ، فطبيعة الحروب التي كان يخوضها الجيش السوداني تختلف كليًا عن الحرب التي اندلعت داخل الخرطوم في 15 أبريل 2023، سواء كان ذلك في الجنوب ودارفور أو حتى تلك الحروب التي خاضها الجيش خارج البلاد منذ أن كان “قوة دفاع السودان” (إريتريا، ليبيا ، المكسيك).
3
حرب المدن التي يخوضها الجيش الآن لم يسبق له أن خاضها في تاريخه. فكيف تسنّى لهؤلاء القادة العظام، بناءً على معارف نظرية عن حروب المدن درسوها في الكليات الحربية، أن يضعوا خطة لخوض معركة في مسرح عمليات بمساحة 1886000 كيلومترًا مربعًا؟! وهي خطة استراتيجية تثبت فعاليتها وجدواها وتحقق تقدمًا في كل مسارح العمليات الآن.
4
اذا تتبعت سير تنفيذ هذه الاستراتيجية التي اتبعها الجيش، ورغم مفاجأة الحرب نفسها للجيش وحجم الإمكانات التي كانت متوفرة للمتمردين والدعم الذي حصلوا عليه خارجيًا وداخليًا، إضافة إلى التآمر الإقليمي والدولي لدعم المتمردين، لا تملك إلا أن تندهش وتعجب بما تمتع به القادة العظام في جيشنا من فهم عميق لاستراتيجيات حروب المدن وترجموا فهم ذلك إلى خطط ورؤية لادرة الحرب كلها .لا بد أنهم درسوا بعمق المعارك في الموصل (العراق)، وحلب (سوريا)، ومقديشو (الصومال)، وغزة حاليًا، وغيرها، واستفادوا من دروسها الملهمة.
يقول جول ناغل في كتابه “Learning to Eat Soup with a Knife” ( تعلم أكل الحساء باستخدام السكين) إن النجاح في الحروب غير التقليدية لا يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل على التكيف مع الواقع الجديد وتعلم كيفية استخدام الموارد بطرق إبداعية. وهذا ما فعله قادة جيشنا، إذ تكيفوا بسرعة مع الواقع الجديد في أعقاب غدر المليشيا، واستخدموا الموارد بطريقة إبداعية بعد أن خرجت 80% من الموارد من دورة الاقتصاد.
5
بدا لي، وأنا أحاول قراءة خطوط الاستراتيجية التي اتبعها الجيش حتى الآن، أنها استندت إلى سبعة مرتكزات قامت عليها استراتيجية الحرب وظلت ثابتة طيلة 21 شهرًا هي عمر الحرب حتى الآن، ما عدا تغييرات طفيفة اقتضتها ظروف الحرب وتحولاتها ومفاجآتها.
6
المرتكز الأول، كما بدا لي، أن مخططي وقادة الجيش حددوا القواعد العسكرية والمناطق التي ينبغي الدفاع عنها داخل الخرطوم وعدم السماح بسقوطها في أيدي العدو مهما كان الثمن، وتم ذلك بأولويات مختلفة. مثلًا، لاحظت أن الجيش قرر الحفاظ على المناطق العسكرية وهى سبع مناطق في العاصمة أو ما يسميها العسكريون المناطق الحيوية داخل تلك المناطق تقع أهم معسكرات الجيش
( القيادة، المهندسين، كرري، الإشارة، … الخ) وتلك المواقع دافع الجيش عنها بشراسة فلم يتركها تسقط في أيدي العدو رغم أن العدو ظل يهاجمها بكل إمكانياته، وتعرضت لمئات الهجمات، لكنه فشل في تحقيق أي نجاح وعجز عن الاستيلاء عليها.
المدرعات كانت أكثر تلك المواقع صمودا وبذا ساهمت بشكل كبير في تقليل قوة العدو واعاق صمودها حركة العدو نحو القيادة العامة ، بل تحولت إلى لأرض قتل ، فقُتل مئات المتمردين على بوابتها وفي ساحاتها وبذا ساهمت المدرعات بشكل كبير في تقليل قوة العدو، وبصمودها أعاقت تقدم المليشيا تجاه القيادة العامة وساعدت في ثباتها. وكان صمودها مهما للاستراتيجية العامة.
7
الإخفاق الوحيد الذي حدث في تلك الاستراتيجية داخل الخرطوم هو سقوط منطقة جبل أولياء العسكرية وأهم قواعدها “قاعدة النجومي”، وهي قاعدة مهمة واستراتيجية. والسبب لا يزال مجهولًا، وهناك أحاديث تدور حول خيانة قد حدثت في تسليم تلك القاعدة دون قتال، ولكني لم يستوثق من تلك الاتهامات.
نواصل

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

بعد تصريحات عن “حرب حتمية على سوريا”.. الجيش الإسرائيلي يؤكد اعتقال “الخفاش” في درعا

سوريا – أفادت صحيفة “معاريف” العبرية بأن الجيش الإسرائيلي يؤكد أن قوات من اللواء 474 تعمل في جنوب هضبة الجولان السورية وتقوم باستجواب مشتبه بهم في محافظة درعا.

ووفقا للتقارير الواردة من سوريا، التي نقلتها “معاريف”، فقد داهمت قوات الاستطلاع الإسرائيلية في الليلة الماضية، منزلا في قرية العارضة، الواقعة بين بلدتي عبدين والمعرية في منطقة حوض اليرموك غرب درعا جنوبي البلاد.

وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن قوات الجيش الإسرائيلي اعتقلت شخصا لقبه “الخفاش”، “لأسباب مجهولة واقتادوه إلى مكان مجهول”، مضيفا أن “هذه الحادثة أثارت قلقا بين المدنيين بشأن تكرار الانتهاكات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية”.

ونقلت الصحيفة عن مصادر في الجيش الإسرائيلي أن العملية نُفذت من قبل قوات اللواء 474 (لواء الجولان) كجزء من نشاط مستمر يقومون به في المنطقة بزعم “منع تشكيل التنظيمات الإرهابية”.

هذا ونشرت الأخبار صباح اليوم عن قيام رئيس الأركان اللواء إيال زامير بإجراء مناقشة خاصة بزعم احتمال  هجوم مباغت من الجبهة السورية: حيث “تعمل بعض التنظيمات الإرهابية في جنوب شرق سوريا بتمويل ودعم إيراني”، وهذه القوات “تتحرك في شاحنات بيك آب “تويوتا” مكشوفة، يتم تركيب رشاشات على بعضها، ويمكن لكل شاحنة أن تقل قوة تتكون من حوالي عشرة مسلحين مجهزين بالكامل بأسلحة خفيفة تشمل البنادق، المسدسات، القنابل اليدوية، والسكاكين”، حسب زعم إسرائيل.

من جهتها، أفادت قناة “الإخبارية” السورية صباح اليوم بأن “قوات الاحتلال الإسرائيلي توغلت منتصف الليلة الماضية في قرية العارضة بريف درعا الغربي واعتقلت الشاب محمد القويدر خلال عملية مداهمة مفاجئة بالمنطقة”.

في حين ذكرت وسائل إعلام سورية مساء اليوم أن “جيش الاحتلال أفرج عن الشاب محمد القويدر الذي اختطف من قرية العارضة”.

هذا وعلق وزير شؤون الشتات الإسرائيلي عميحاي شيكلي على تطورات محيط القنيطرة السورية أمس الثلاثاء، قائلا إن “الحرب على سوريا باتت حتمية”.

وجاءت تصريحات شيكلي عقب تداول مقاطع تظهر تحركات لقوات أمن سورية ومسلحين قرب مواقع انتشار الجيش الإسرائيلي في ريف القنيطرة، ما اعتبرته تل أبيب “تهديدا أمنيا”، رغم أن المنطقة تشهد منذ سنوات اعتداءات إسرائيلية متكررة وتوغلات وانتهاكات مستمرة للسيادة السورية.

المصدر: “معاريف” + RT

مقالات مشابهة

  • د. عادل القليعي يكتب: دعونا نعمل .. لا تلتفتوا للشائعات!
  • سياسي إيرلندي: الجيش “الإسرائيلي” منظمة إرهابية مدعومة من الاتحاد الأوروبي ودول أخرى
  • الفظائع التي تتكشّف في السودان “تترك ندبة في ضمير العالم”
  • ورقة “الأسير الأخير” في غزة
  • الجيش الإسرائيلي “يعلق مؤقتاً” غاراته على جنوب لبنان
  • “حشد”: تصعيد “إسرائيلي” غير مسبوق للاستيطان والضم والانتهاكات بحق الفلسطينيين في الضفة والقدس
  • “حماس”: استمرار جيش العدو الإرهابي بجرائمه في غزة إمعان في خرق اتفاق وقف اطلاق النار
  • “لجان المقاومة” : الكارثة الإنسانية في غزة فصل جديد من فصول حرب الإبادة الصهيونية
  • أمانة العاصمة تشهد وقفات شعبية حاشدة تحت شعار “جهوزية واستعداد.. والتعبئة مستمرة”
  • بعد تصريحات عن “حرب حتمية على سوريا”.. الجيش الإسرائيلي يؤكد اعتقال “الخفاش” في درعا