سودانايل:
2025-06-24@15:44:21 GMT

في ذكرى محمد عبد الحي (١/٢)

تاريخ النشر: 27th, January 2025 GMT

في ذكرى محمد عبد الحي (١/٢)
من الشعر إلى معالجة قضايا الفكر والثقافة السودانية
بقلم : تاج السر عثمان
1
كتبت هذه الدراسة عن الشاعر د. محمد عبد الحى، الذي رحل بعد صراع طويل مع المرض في يوم 23/ 8 / 1989م، بعد انقلاب الإنقاذ في 30 يونيو من العام نفسه، كنت وقتها مختفيا ومواصلا العمل السري لإسقاط الإنقلاب، كان ذلك عاما مشؤوما فقدنا فيه شعراء مع محمد عبد الحى مثل: صلاح أحمد إبراهيم وجيلي عبد الرحمن، وكتبت عنهما، وظلت تلك الكتابة حبيسة حتى إسقاط الانقلاب في ثورة ديسمبر 2018، وبعدها راجعت اوراقي القديمة، ووجدت هذه الدراسة عن محمد عبد الحى.

وكانت مجلة حروف العدد (2 -3) مزدوج الصادرة في العام 1991 قد أنجزت ملفا توثيقيا حوله غطى مختلف جوانب حياته استندت إليه في إنجاز هذه الدراسة.
تُوفي الشاعر محمد عبد الحي في اوج عطائه، ولم يمنعه المرض اللعين من مواصلة العطاء، تخصص في الأدب الإنجليزي والأدب المقارن، ومن أهم أعماله الشعرية المعروفة: " العودة إلى سنار" ، " السمندل يغني"، " معلقة الإشارات" ، حديقة الورد الأخيرة"، إضافة لقصيدته الطويلة" حياة وموت إسماعيل صاحب الربابة غناء ورثاء"..الخ.
كما حقق مع بشير البكرى السفر الأول من أعمال التيجاني يوسف بشير، وحقق ديوان إشراقة.
وترجم في "أقنعة القبيلة " لمجموعة من الشعراء الأفارقة.
كما أصدر كتابا مشتركا مع حسين جمعان بعنوان " السياسة الثقافية في السودان"، وقامت بطباعته اليونسكو.
كما انضم للحزب الشيوعي السوداني ، وتخلى عنه في أوائل الستينيات من القرن الماضي.
2
وُلد محمد عبد الحى في 11 أبريل 1944 بالخرطوم، والده المهندس عبد الحى محمود كيلانى، عمل والده في تخطيط المشاريع الذي كان عملا ميدانيا شاقا، في مناطق مختلفة مثل: الشمالية، النيل الأبيض، مناطق جبال النوبا، مناطق النيل الأزرق، والشمالية.
لاشك أن لتجوال محمد مع والده أثره في تكوين شخصيته ، فقد عمل والده في مناطق جبال النوبا في جبال الداير ثم هيبان، ابوجبيهة، تلودى، جبال الليرى، وكل هذه المناطق مر عليها محمد وشهد فيها الطبيعة الخلابة وبساطة الناس البدائية، وكان لها الأثر في شعره، فقد شاهد محمد: الغزال، الفهد، السمندل، الطيور. الخ، كلها حيوانات وطيور شاهدها في جبال النوبا. وشاهد ايضا حيوانات مثل: القرنتية" فرس البحر"، وكان يرافق والده في عمليات الصيد ويصطاد والده الغزال والدجاج البري، و"الحبار" طائر كبير الحجم.
أما والدة محمد فأسمها عزيزة إسماعيل فوزي، وكان والدها إسماعيل فوزي مهندسا في المساحة، وكان شاعرا، وشقيقها هو الشاعر والاقتصادي سعد الدين إسماعيل فوزي، كان سعد الدين فوزي أول عميد لكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم، وله العديد من الكتب من بينها" السودان بين يدي كتشنر وغردون"، وقام بترجمة مسرحية" صلاح الدين الأيوبي" من العربية إلى الإنجليزية"، وله مؤلف آخر هو " تاريخ الحركة العمالية في السودان: 1942- 1957"، وديوان شعر " من وادى عبقر".
3
تقول والدة محمد عبد الحى عنه:
" إبنى محمد كان منذ نعومة أظافره مولعا بقراءة مجلة الصبيان ومجلات الأطفال التي ترد من الخارج، وكان أيضا يكتب في صحف الحائط، وفي مرحلة اخرى من حياته حينما كان صبيا كنت أرصد في كراسته المدرسية بعض الكتابات وأبيات الشعر التي لا تزيد عن بيتين أو ثلاثة، يكتب عن الحياة ، عن الطبيعة، وحاول والده أن يمنعه، ولكنه كان يكتب في الخفاء.
منذ الثانوى ( درس في حنتوب الثانوية)، بدأ يكتب محمد الشعر، كتب قصيدة في زفاف أخته آمال جاء في أبياتها:
ماذا أرى في يومك الذهبي
داعى السرور يطوف بالطرب
ليل به الأنوار ساطعة
والقلب يقفز من بشرى ومن طرب
دومى على الأيام هانئة
وتدخلى في العز والنسب يازينة النسب.
خلال دراسته في الجامعة كان يكتب شعرا ويرسله للمجلات في لبنان.
تواصل والدته وتقول عنه: "من سماته كان لا يتدخل في شؤون الآخرين، ويكره النميمة، ولم يكن مشاكسا كما يفعل عادة الأطفال، كانت أهم صفاته الهدوء والحنان، كان حنينا بأهله وأصدقائه، ولم يكن يسهر الا في القراءة".
من صفاته أيضا أنه كان قوى الإرادة، حينما يصمم على تنفيذ شئ لا بد أن يفعله. وفي ايامه الأخيرة بعد مرضه في عام 1980 كان يردد دائما " البلايا هدايا".
يقول شقيقه سعد عنه " وكنا حينما نذهب إليه في مستشفى سوبا، كان يخفف عنا حزننا عليه فيقول: من نعم الله على أن عيونى ترى وعقلى يفكر، كل ما عداها يُعتبر (عطل فني) " وقعت يدى سأحرك الثانية، وهكذا كان لمحمد قدرة كبيرة على امتصاص أحزان الآخرين".
4
نواصل توثيق حياة شاعرنا محمد عبد الحى كما جاء في مجلة حروف، بعد وفاته يقول شقيقه سعد عنه: " في الفترة الأخيرة من حياته لم يكن محمد يهتم بكتابة الشعر، وكان جل اهتمامه قد تحول إلى معالجة قضايا الثقافة والفكر في السودان، وكان يردد دوما بأن الثقافة في السودان لن تعد بكثير حاجة إلى الشعر بقدر حاجتها إلى الفكر، وكان يقول لي: نحن لم نكتب الشعر من أجل الشعر، الشعر كتبناه من أجل قضية ومن أجل هدف، ولكن نحن بحاجة الآن إلى فكر ومفكرين"
يواصل شقيقه ويقول:
" ولكن في السنوات الأخيرة أصبح يضيق ببعض الناس الذين يدعون الثقافة والشعر، وكان يرى أن الصراع الثقافي والفكري في السودان هامشي وعلى ورق الصحف،ولكن بعد هذا يجب أن يأخذ هذا الصراع أبعاده الفكرية والثقافية".
يواصل سعد ويقول: " وكان يردد دائما: المثقفون في السودان( ملكلكين) يقصد أنهم مترددون أو غير ممنهجين، كان يقول: للمثقف أكثر من رأى في قضية واحدة، ويمكن أن يستبدل رايه إذا خرج من هذا الباب".
يواصل شقيقه ويقول: وكان في الفترة الأخيرة يرى أن المراة السودانية لازالت تعانى القهر وكان يقول: إن الطالبة في الجامعة الآن والتي لم تكن جدتها لترى زوجها هي الطالبة التي تصل إلى أرقى درجات العلم، وتكافح كثيرا في هذا المجال وتصل إلى مستوى جيد، ولكنها حينما تتزوج تجد نفسها مشدودة إلى تقاليد تحد من حركتها، بل أنها تقود إلى المجتمع الذي قهرها، وهذا يماثل عنده القمع في حياتنا. ويحكى قصة الشاعر السوري عبد الباسط الصوفي والذي يقول عنه من أعظم الشعراء وأنه لو كان حيا حتى اليوم لأصبح شاعرا مهولا، وكان قد هرب من سوريا إلى نيجيريا، وحينما عاد أعُتقل ووضعت يده التي كتبت الشعر في الزيت الساخن، فلا يزال الشاعر مقموعا ، والمرأة أيضا تكافح القمع".
٥
محمد عبد الحي والعودة لسنار وهويّة السودان الثقافية:
كتب محمد عبد الحي " إن تاريخ الثقافة السودانية بدأ بقيام ممالك التلاقح الإسلامية العربية الإفريقية ومن بينها الفونج بسنار، فترة تلك الممالك ممتدة التي بدأت إنتاج ثقافة سودانية – وأعنى بكلمة ثقافة كل طرائق حياة مجموعة ما – لقد امتزج العنصران الإفريقي والعربي وكونا عنصرا ( آفروعربيا). وفي هذا الاتجاه كانت العودة لسنار عاصمة السلطنة الزرقاء تعبيرا عن التمازج العربي الأفريقي، فكانت بوتقة انصهرت فيها مكونات السودان الثقافة السودانية، كما عبر عن ذلك محمد عبد الحي في ديوانه المشهور (العودة إلى سنار).
يقول في ديوانه العودة لسنار:
الليلة يستقبلني أهلي
أهدوني مسبحةً من أسنان الموتى
إبريقا جمجمةً
مصلاه من جلد الجاموس
رمزا يلمع بين النخلة والأبنوس
رغم أن (الغابة والصحراء) التي برزت في الستينيات ليست مدرسة متكاملة الأركان ، لكنها كانت تعبيرا عن التمازج العربي الأفريقي في ثقافتنا وأدبنا السوداني ، يقول محمد المكى إبراهيم : الغابة والصحراء حركة عربية في الأساس، أما عبد الله على إبراهيم فيرى الأفرو عربية صورة من صور الخطاب العربي الإسلامي الغالب في السودان على مايبدو عليها من سيما النطفة للمكون الأفريقي في ثقافة شمال السودان، فهى تتفق مع أكثر قسمات ذلك الخطاب محافظة وتبشيرية وهي نظرية السودان البوتقة التي تنصهر فيها كل المفردات الثقافية في ثقافة جامعة ( عبد الله على إبراهيم: الآفروعروبية أو تحالف الهاربين ، مجلة المستقبل العربي عدد 19 يناير 1989 ، هامش ص، 112).
وكان من رموز(الغابة والصحراء) الشعراء : محمد عبدالحي ،محمد المكي إبراهيم، والنور عثمان أبكر، . الخ، وكانت رمزية ( الغابة والصحراء) تعبيرا عن الهوّية السودانية التي نتاج تفاعل بين المكونات الثقافية المتنوعة في البلاد ( عربية وأفريقية). وكان ذلك في مواصلة لما طرحه ثوار 1924 حول الهويّة السودانية، ودعوة حمزة الملك طمبل لاستنباط أدب يعبر عن السودان وخصائصه المحلية ، في مناقشته لشعراء أمثال: محمد سعيد العباسي الذين حلقوا في بيئات عربية خارج السودان، واستمرار لطرح جماعة الفجر ( مجلة الفجر) في الثلاثينيات من القرن الماضي ومن ابرزهم كما أشرنا سابقا: معاوية محمد نور،عرفات محمد عبدالله، محمد أحمد المحجوب ، ويوسف مصطفي التني . الخ ودعوتهم لقيام أدب قومي سوداني يعبر عن الذات السودانية ببعديها العربي والإفريقي.
تأثر محمد ايضا بالأجواء الثقافية والصراع بين القديم والجديد في الشعر الذي كان سائدا في ستينيات القرن الماضي.
يقول صديق محمد عبد الحي الشاعر عمر عبد الماجد عن تلك الأجواء " حينما كنا طلابا في الجامعة كانت الأجواء الثقافية حينها تتركز في قضية الصراع بين القديم والجديد، بين المدرسة التقليدية والمدرسة الحديثة، كانت المنطقة العربية كلها تعج بهذا الصراع، كان يقوده في العراق السياب، وفي فلسطين نازك الملائكة، وفي مصر صلاح عبد الصبور وعبد المعطى حجازى، ومن السودان كان محمد الفيتوري.
وفي الخرطوم كانت "ندوة الأربعاء" التي يرأسها الدكتور محمد إبراهيم الشوش ومن أبرز عضويتها يوسف نور عوض، يوسف عايدابي، عبد الله على إبراهيم، عمر عبد الماجد، محمد المكى إبراهيم وغيرهم. أما التيار الكلاسيكي وهم: د. عبد الله الطيب، عبد الله الشيخ البشير، مصطفى طيب الأسماء، هذه هى الأجواء الثقافية التي كانت سائدة في تلك الفترة من ستنيات القرن الماضي..
نواصل

 

alsirbabo@yahoo.co.uk  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: محمد عبد الحی القرن الماضی فی السودان الله على عبد الله

إقرأ أيضاً:

حوار.. محمد الفكي: تحالف الفساد والعنف يقود السودان نحو الهاوية

 

يرى القيادي في تحالف القوى المدنية الديمقراطية “صمود” محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة السابق أن وقف الحرب يمثل الخطوة الأولى نحو مسار سياسي جديد يفتح النقاش حول القضايا المؤجلة والجروح الطازجة التي خلفها الصراع. 

التغيير ــ وكالات

و في حوار مع “راديو تمازج”، يتناول الفكي مأزق قوى الثورة، ومعضلة الهوية، وإمكانيات بناء مشروع وطني جامع، مؤكدًا أن تحالف الفساد والعنف هو من جرّ البلاد إلى هذا الدمار، وأن كسر هذا التحالف يبدأ بالشجاعة في تسمية الأشياء بأسمائها.

كيف يمكن للسودانيين، استعادة الدولة المختطفة دون إعادة إنتاج أدوات القمع ؟

الدولة نفسها الآن على المحك، إذ تحللت معظم ممسكاتها السياسية والاجتماعية نتيجة سنوات طويلة من القمع واختراق المنظومة الأمنية للمجتمع المدني والأهلي والأحزاب السياسية. كانت ثورة ديسمبر علامة مضيئة وفرصة لترميم أجهزة الدولة التي حطمها التمكين والاستبعاد السياسي والإثني. لكن انقلاب أكتوبر 2021، وكان انقلاباً عجولاً وغبياً، لم يُحسن حتى قراءة المهددات الأمنية الداخلية، وسرعان ما تفككت المنظومة الأمنية نفسها، وتقاتلت فيما بينها، فأدخلتنا في هذا النفق المظلم.

بالعودة إلى السؤال، فإن الخطوة الأولى هي إيقاف هذه الحرب وفتح مسار سياسي شامل لطرح عشرات القضايا المؤجلة، وأخرى نتجت لاحقاً من هذه الحرب المزلزلة. وطبعاً لا يمكن الإحاطة بكل هذه القضايا في هذه العجالة.

ما السبيل إلى بناء مشروع وطني جامع يتجاوز الانقسامات الإثنية والجهوية، ويُعيد تعريف الهوية السودانية على أساس المواطنة والكرامة؟

لا يمكن بناء مشروع وطني ما لم يكن هناك اعتراف بأن هذه الرقعة الجغرافية التي تجمعنا تسكنها شعوب شديدة التنوع، ولها كامل الحق والطموح في المشاركة في صياغة هذا الوطن ليصبح ملكاً لنا جميعاً. ولن يتحقق ذلك إلا عبر مشروع ديمقراطي وتمثيل عادل في كافة أجهزة الدولة، وعلى رأسها المؤسسة الأمنية، التي ظلت حتى الآن حصناً مظلماً لا تتوفر معلومات دقيقة حول تركيبته الاجتماعية.

تفاقم الأمر عندما تحولت أجهزة الدولة إلى أدوات عنف تحمل هوية سياسية واضحة وانحيازاً لمشروع إقصائي، وهو ما يظهر جلياً في خطابها في مواجهة “الآخر”.

المشروع الوطني يبدأ بطرح الأسئلة “الممنوعة”، من الهوية إلى تقاسم السلطة والموارد، مروراً بتركيبة الأجهزة الأمنية وضرورة حيادها.

هل تستطيع قوى الثورة أن تنتقل من الاحتجاج إلى التأسيس، ومن الشارع إلى المؤسسات، دون التفريط في جذوة الوعي الثوري؟

قوى الثورة اليوم أمام امتحان حقيقي، وهي بعيدة عن موطن قوتها الأساسي، وهو الجماهير والحراك المدني. تواجه واقعاً معقداً، فالحرب أدواتها مختلفة، والصوت الغالب فيها هو صوت البندقية.

لكن رغم ذلك، يظل مطلوباً منها الكثير في ملف السلم الأهلي، حتى لا تنحدر البلاد من قتال مسلح بين أطراف سياسية إلى حرب أهلية شاملة. عليها أيضاً بذل جهد سياسي ودبلوماسي لدفع المتقاتلين إلى طاولة التفاوض. وقبل ذلك، هناك واجب إنساني ضاغط لا يحتمل الانتظار، يتعلق باللاجئين والنازحين والاحتياجات الإنسانية العاجلة.

كيف يتم تحويل الذاكرة الجماعية للحرب والمجاعات والانتهاكات إلى قوة سياسية وأخلاقية تدفع نحو عدالة انتقالية حقيقية لا تسويات فوقية؟

تجارب الحروب موجودة في كل العالم. هناك شعوب نهضت من وسط الرماد بدروس جديدة وملهمة، وذاكرة حية وطموح نحو حياة أفضل، وهناك شعوب تبددت وأصبحت جزءاً من كتب التاريخ كأممٍ آفلة.

واجب القيادة في هذه اللحظة التاريخية أن تكون ثابتة، تنظر إلى المستقبل وتبشّر به، فالقائد هو من يرى بعيداً، ويظل ثابت الجنان في لحظات المِحَن، ولديه القدرة على مواصلة الطريق.

لدى السودان ما يؤهله للنهوض، من موارد بشرية وطبيعية هائلة. فقط علينا أن ننظر إلى ما يحدث الآن كدرس قاسٍ من دروس التاريخ لا يجب أن يتكرر.

ما هو شكل الاقتصاد الممكن في السودان ما بعد الحرب؟ وكيف يمكن كسر الحلقة الجهنمية بين الفقر والفساد والنخب المسلحة؟

الاقتصاد يواجه أسئلة كبرى. فالحرب دمّرت البنية التحتية الصناعية، من طرق وجسور ومحطات كهرباء. وكان لدينا أصلاً عجز مريع في قطاع الطاقة، والآن تضاعف الوضع تعقيداً.

لكن كل ذلك يظل ثانوياً مقارنة بما حدث من نهب منظم لموارد البلاد خلال الحرب، وتغوّل شبكات الفساد التي نمت وترعرعت وأصبحت صاحبة مصلحة مباشرة في استمرار الحرب.

توحشت هذه الشبكات، وبدأت تمنح الحرب غطاءً دينياً تارة، ودستورياً تارة أخرى، بينما الحقيقة أنهم مجرد لصوص يريدون استمرار غياب الرقابة الشعبية والمؤسسية.

عقب الحرب، من الضروري تفكيك مركزية الاقتصاد وإعادة بناء البنية التحتية، خصوصاً في الطاقة والنقل، ومحاربة الفساد بشكل جذري. بقية القطاعات ستنهض بجهد السودانيين وموارد بلادهم.

كيف يتم التصدى لهيمنة الخطابات العسكرية والدينية الرجعية على الفضاء العام، ونفتح الطريق أمام خطاب مدني إنساني ينهض بالبلاد؟

الخطابات العسكرية والدينية الإقصائية تنمو وتزدهر في لحظات الشمولية والاضطراب. وهي خطابات لا تخاف إلا من النور والمواجهة.

الخطاب العسكري يحب الحرب، فهي ملعبه، وأدواتها بالكامل في يده، وتصبح الحياة كلها ملحقة بالمعركة: الإعلام يصفق، الفن يمجّد، والشعب يُهتف باسمه. أما من يسأل “لماذا نموت؟” فمكانه محجوز في دفتر الخونة.

وقف الحرب واستعادة الحياة المدنية والحريات وفتح الفضاء العام للنقاش الحر، هو الخطوة الأولى لهزيمة هذه الخطابات.

هل تمتلكون الشجاعة لتسمية الأشياء بأسمائها: أن الحرب في السودان ليست قدراً، بل نتيجة مباشرة لتحالف الفساد مع العنف؟ وكيف يمكن تفكيك هذا التحالف؟

الحرب في السودان لم تكن قدراً، بل نتيجة مباشرة لانقسام قوى المصلحة في الوحدة والاستقرار، بينما توحّد تحالف العنف والفساد.

وهو تحالف شرس ودموي، لا يتردد في استخدام أقصى درجات البطش إذا ما اقترب أحد من مصالحه. أثبتت الأيام أنه لا مانع لديهم من إحراق البلاد كاملة إذا طالب الشعب بأن تكون بلاده له.

نعم، نحتاج إلى شجاعة التسمية والمواجهة، فهي الخطوة الأولى في طريق التفكيك.

الوسومإيقاف هذه الحرب الاحتياجات الإنسانية العاجلة اللاجئين النازحين تحالف الفساد والعنف عشرات القضايا المؤجلة فتح مسار سياسي شامل محمد الفكي سليمان

مقالات مشابهة

  • المكسب الأول والأهم في البطولة.. إبراهيم عبد الجواد يتغنى بنجم الأهلي
  • في ذكرى 30 يونيو.. كيف سطّر «الإخوان» نهايتهم في حكم مصر (1 من 2)
  • حوار.. محمد الفكي: تحالف الفساد والعنف يقود السودان نحو الهاوية
  • سعود بن صقر يقدم واجب العزاء في وفاة محمد إبراهيم عبيدالله
  • حمدان بن محمد يعزي في وفاة محمد إبراهيم عبيدالله
  • ياسر إبراهيم : حرارة الجو لا تقلق لاعبي الأهلي والتركيز على الفوز
  • محمد شاهين لزوجته: حسبنا الله في أي شخص يقول كلام مش حقيقي
  • الفرق بين علامات يوم القيامة الصغرى والكبرى .. علي جمعة يوضح
  • تعلن الهيئة العامة للأراضي فرع الأمانة بأنه تقدم إليها الأخ إبراهيم محمد الورد بطلب تسجيل بصيرة بإسم أمة الكريم شرف الدين
  • تعلن محكمة جنوب غرب الأمانة الإبتدائية أن على المدعى عليه إبراهيم محمد العطير الحضور إلى المحكمة