قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء الماضي إدراج جماعة أنصار الله (الحوثيين) على قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وقال إنه سيوجه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لإنهاء علاقتها مع الكيانات التي قدمت مدفوعات للجماعة.

 

وذكر البيت الأبيض -في بيان- حيثيات هذا القرار، مرجعا ذلك إلى أن أنشطة الحوثيين "تهدد أمن المدنيين والموظفين الأميركيين في الشرق الأوسط، كما تهدد أقرب شركائنا الإقليميين واستقرار التجارة العالمية".

 

أتى هذا القرار بعد يومين فقط من تولّي ترامب مهامه الرئاسية في 20 يناير/كانون الثاني الجاري، لتبدأ معه ولايته الرئاسية الثانية.

 

ولا يعدّ تصنيف جماعة الحوثي "إرهابية" جديدا في السياسة الأميركية، فقد سبق أن وضعها ترامب نفسه على قائمة الجماعات الإرهابية في أواخر ولايته الرئاسية الأولى عام 2020، ثم ألغى خلفه جو بايدن هذا التصنيف لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن.

 

أسباب التصنيف

 

يوضح أستاذ الدراسات الإستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون ديفيد دي روش أنه في الفترة الأولى من رئاسة ترامب كان الحوثيون قضية إقليمية، لكنهم تحولوا الآن إلى قضية عالمية.

 

وأضاف دي روش -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن قرار التصنيف كان لا مفرّ منه، نتيجة "العمليات التي قامت بها جماعة الحوثي ضد الممرات البحرية الدولية. وبغض النظر عن تاريخ ترامب والحوثيين، فهذا التصنيف جاء نتيجة تصرفات الجماعة ضد الشحن البحري، والجديد أنه جاء بسرعة أكبر" فقط.

 

وفي ما يتعلق بالعلاقة بين هجمات الحوثيين على إسرائيل والحرب على قطاع غزة، قال دي روش -وهو قائد عسكري سابق- "أنا متأكد من أن إسرائيل ترحب بإعادة إدراج الحوثيين في القائمة الإرهابية، لكنني لا أعتقد أن هذا كان المحرك الرئيسي للإدراج، فالهجمات على السفن المدنية شيء عارضته الولايات المتحدة دائما وهذا ما يقود الأمور الآن".

 

الموقف الأميركي من الحوثيين لا يبتعد كثيرا عن النظرة العامة لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، إذ يرى أستاذ الدراسات الإستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني أن "إدارة ترامب ترجح أنه إذا لم تُجبر إيران على وقف الدعم العسكري المقدم للحوثيين فإن المشكلة لن تحل".

 

العلاقة مع إيران

 

وهذا ما يؤيده خبير الشؤون الإيرانية والخليجية بمركز الشرق الأدنى بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون جودت بهجت، إذ يؤكد أن قرار ترامب تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية "يعد لفتة رمزية أكثر من كونه تغييرا في السياسة" الأميركية.

 

ويدلل على ذلك بأن الحوثيين يخضعون بالفعل لقصف عنيف من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، كما يخضعون لعقوبات اقتصادية، لكن "هذه الهجمات العسكرية والضغوط الاقتصادية والسياسية ستزداد حدة في ظل إدارة ترامب".

 

وأضاف بهجت -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن "هناك علامات متزايدة لدى كل من إيران وإدارة ترامب على أنهما يرغبان في التفاوض على اتفاق نووي جديد، وإذا نجحت هذه المفاوضات فمن المرجح إدراج القضايا الإقليمية في المفاوضات".

 

وعن مستقبل جماعة الحوثي وموقف الإدارة الأميركية الجديدة منها، قال الخبير في الشؤون الإيرانية والخليجية إن هذا مرتبط بجملة من العوامل، وأهمها:

 

أولا- موقف الحوثيين من مهاجمة السفن بعد إعلان وقف إطلاق النار في غزة يشير إلى أن تهديدهم للملاحة الدولية لم يعد ملحّا بعد الآن.

 

ثانيا- العلاقات الأميركية السعودية الأكثر دفئا في ظل إدارة ترامب ستجعل نهج واشنطن تجاه الحوثيين أكثر عدوانية.

ثالثا- تقييم إيران لإستراتيجيتها العسكرية بعد تدهور القدرات العسكرية لحزب الله وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

 

وبناء على هذه العوامل يرجح بهجت أن "يكون للمفاوضات المحتملة بين طهران وواشنطن تأثير ضئيل على الحوثيين الذين يتمتعون ببعض الاستقلالية عن طهران، خاصة أن الجماعة طوروا بعض القدرات العسكرية المحلية".

 

الموقف الحوثي

 

موقف جماعة الحوثي من التصنيف الأميركي كان واضحا على لسان أكثر من مسؤول، فقد قال عضو المكتب السياسي للجماعة ضيف الله الشامي إن القرار الأميركي "ليس جديدا ولا يمكن أن يقدم أو يؤخر"، مبينا أن "هذا التصنيف أميركي بامتياز لأننا في عداوة أساسًا مع الولايات المتحدة، وشعارنا معروف منذ الوهلة الأولى (الموت لأميركا)، ولذلك فأي تصنيف أميركي لن يكون له أي تأثير علينا مطلقًا".

 

وأضاف الشامي -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن "هذا الاستهداف بأكمله ليس استهدافا لجماعة أو لكيان، إنما هو استهداف لشعب كامل"، مؤكدا أنه "إذا كان هناك من سيتأثر فإن الشعب اليمني يحمل هذه الروح ويعدّ نفسه لأن يواجه كل الاحتمالات"، "ونحن جاهزون ومستعدون ونعدّ العدّة ونجهز أنفسنا لمواجهة أي تحديات".

 

وأشار عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي إلى فشل تحالف "حارس الازدهار" الذي قادته الولايات المتحدة ضد الجماعة، قائلا إن "استمرار القصف الأميركي جاء بعد أن فشل فشلا ذريعا في الفترات السابقة في محاولة مساندته للكيان الصهيوني واستخدم كل وسائل العدوان على بلدنا، وحاول أن يحشد ما يسمى تحالف حارس الازدهار وفشل في ذلك".

 

و"تحالف الازدهار" تحالف عسكري بحري متعدد الجنسيات، أُسّس في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 بمبادرة أطلقتها الولايات المتحدة، بهدف التصدي للهجمات الحوثية التي تستهدف السفن التجارية من إسرائيل وإليها عبر البحر الأحمر.

 

الحرب على غزة

 

وكان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 باعثا لشن الحوثيين نحو 300 عملية ضد أهداف في إسرائيل أو تابعة لها وللولايات المتحدة في البحر الأحمر.

 

وبعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة الأسبوع الماضي، قال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام إن "المعركة وصلت إلى خواتيمها بإعلان وقف إطلاق النار في غزة"، مضيفا أن مشاركتهم كانت "فاعلة ومؤثرة من أول الطوفان حتى الإعلان" عن وقف إطلاق النار.

 

وأضاف عبد السلام -في بيان- أن مشاركتهم في المعركة "لم تكن عن فائض قوة أو استعراض لها بل من واقع صعب" حسب تعبيره، مؤكدا أن "القضية الفلسطينية كانت وستبقى القضية الأولى التي يجب أن تنهض الأمة بالمسؤولية تجاهها".

 

وعبر عن هذا الموقف أيضا الشامي -في حديثه للجزيرة نت- قائلا إن "العمليات في البحر مرتبطة بوقف العدوان على غزة وفك الحصار عنها، وكان هذا مبدأ معلنًا، وما زلنا نراقب ونتابع مجريات الأحداث ومدى تنفيذ بنود الاتفاق المتفق عليه مع الإخوة في حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين لتحقيق وقف إطلاق النار وتنفيذ مراحله بالكامل".

 

تأثير الهجمات الأميركية

 

وطوال أكثر من عام، شن تحالف "حارس الازدهار" نحو ألف غارة على مواقع تابعة للحوثيين في اليمن، في محاولة لإجبار الجماعة على إيقاف عملياتها في البحر الأحمر وضد إسرائيل.

 

ويرى الصحفي المتخصص في الشأن العسكري والحوثيين عدنان الجبرني أن الضربات الأميركية لم تنجح في إضعاف قدرات الحوثيين الهجومية، لأن "الأميركيين لم يفهموا حتى الآن الطريقة التي تعمل بها جماعة الحوثيين".

 

وأضاف الجبرني -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن ترامب سيرفع الكُلفة على الحوثيين، ويقرر ضرب أهداف أكثر أهمية أو قيادات بالجماعة، مشيرا إلى أن الحوثيين في المقابل يدركون ذلك ويستعدون بتغيير تكتيكاتهم وبروتوكولاتهم الأمنية في ما يخص حماية القيادات الرئيسية.

 

وخلال الفترة الماضية، شنت إسرائيل هجمات عدة على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون باليمن، لكنها كانت تستهدف في الأغلب البنية التحتية المدنية مثل موانئ الحديدة وخزانات النفط، وكذلك مطار صنعاء الدولي ومحطات توليد الكهرباء.

 

وذكر مصدر يمني مطلع للجزيرة نت أن الرؤية الأميركية تجاه الحوثيين تغيّرت منذ انخراطهم في هجمات البحر الأحمر، وأن رغبة واشنطن في توجيه ضربة للجماعة تزايدت، لكنها تدرك أن مشاركة الفاعلين الإقليميين والمحليين مهمة.

 

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء ناصر الطويل أن التعقيدات اليمنية الداخلية والتدخل العسكري للتحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية في السابق، وكذلك وبشكل أكبر هجمات البحر الأحمر والضربات المتبادلة بين الحوثيين وإسرائيل أسهمت في جعل الحرب في اليمن حربا مركّبة وذات مسارات متعددة، وفي كثير من الأحيان متداخلة.

 

وأضاف -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن "الاستعدادات العسكرية لدى الأطراف اليمنية المنخرطة في الصراع، وتداعيات الهجمات في البحر الأحمر، ورغبة إسرائيل في رد اعتبارها تجاه الحوثيين والأمر نفسه بالنسبة للقيادة المركزية الأميركية والرغبة العميقة لدى دول التحالف العربي في كسر الحوثيين عسكريا؛ تشير هذه العوامل كلها إلى أن اليمن مقبل على جولة جديدة من الحرب تلوح في الأفق".

 

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن امريكا ترامب الحوثي ارهاب الولایات المتحدة وقف إطلاق النار جماعة الحوثی البحر الأحمر فی البحر إلى أن

إقرأ أيضاً:

ضحايا "حملة ترامب" في اليمن تضاهي 23 عامًا من الضربات الأميركية على البلاد

كشف تقرير دولي أن الحملة الجوية التي شنتها أمريكا على اليمن في عهد ترامب أسفرت عن مقتل 224 مدنيًا في شهرين بين مارس/ آذار ومايو/ أيار، أي ما يقارب عدد المدنيين الذين قُتلوا في 23 عامًا من الضربات الأميركية على الجماعات الإسلامية والمسلحة في اليمن.

 

وقال التقرير الذي أجرته مجموعة إير وورز لمراقبة الضحايا المدنيين ونشرته صحيفة الغارديان البريطانية إن هذه الحصيلة المرتفعة، بعد تنفيذ 33 ضربة فقط، تعكس تغيرًا كبيرًا في السياسة العسكرية الأميركية، ما قد يحمل دلالات على الكيفية التي قد تتعامل بها إدارة ترامب مع إيران في حال انضم إلى الحملة الإسرائيلية هناك.

 

وفي هذا الصدد، قالت مديرة مجموعة إير وورز، إميلي تريب: "ترسم هذه الحملة ملامح ترامب في زمن الحرب، كما تعكس ما يمكن أن يفعله الحلفاء. ومع اقتراب الولايات المتحدة من التصعيد، لا بد من فهم حملة اليمن لفهم ما قد يحدث مستقبلًا".

 

ويُعتبر استهداف المدنيين بشكل متعمد أو غير متناسب مع المكاسب العسكرية جريمة حرب بموجب اتفاقيات جنيف، رغم أن هذا المبدأ قد تم توسيعه بشكل ملحوظ في النزاعات الأخيرة، مثل العدوان الإسرائيلي على غزة الذي شهد حوادث قتل جماعي تجاوزت فيها أعداد الضحايا المئة في كل مرة.

 

وانطلقت عملية الراكب الخشن (Rough Rider) ضد الحوثيين في مارس/ آذار بهدف وقف هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، كرد على الهجمات التي وقعت خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. وتشير التقديرات إلى أن الحملة كلّفت نحو مليار دولار في شهرها الأول.

 

وفي تصريحاته، وصف ترامب حملة بايدن بأنها "ضعيفة بشكل مثير للشفقة"، بينما تسرّبت رسائل بين مسؤولين أميركيين رفيعين على تطبيق سيغنال حول بداية الحملة إلى أحد الصحفيين.

 

وقد سجلت إير وورز أكثر الهجمات دموية في أبريل/ نيسان. ففي 17 من الشهر ذاته، قُتل 84 مدنيًا على الأقل في غارة على ميناء رأس عيسى قرب الحديدة، استهدفت منشآت نفطية بحسب القوات الأميركية.

 

وأشارت منشورات على فيسبوك إلى مقتل طفلين هما فاضل فواز علي المسق ومحمد علي صالح أسعد المسق، بعدما اصطحبهما أحد أقاربهم إلى موقع الهجوم أثناء عمله. كما لقي نَبيل يحيى (48 عامًا) مصرعه إثر انفجار شاحنة وقود كان يقودها، وفق شقيقه سلطان يحيى الذي قال: "تلك الشاحنة كانت كل ما يملكه".

 

وفي اليوم التالي، أفاد فرع الهلال الأحمر المحلي بأن الغارات تمت على موجتين، حيث عاودت الطائرات القصف بعد وصول المسعفين.

 

وفي 28 أبريل/ نيسان، وثقت إير وورز مقتل 68 مدنيًا على الأقل داخل مركز احتجاز في صعدة، معظمهم من المهاجرين الأفارقة، وإصابة ما لا يقل عن 47 آخرين. وظهرت صور مروعة على الشاشات ومواقع التواصل بعد الضربة.

 

وقالت القيادة المركزية الأميركية في مايو/ أيار أنها "على علم بادعاءات سقوط ضحايا مدنيين" في الحادثة، وإنها "تُجري تقييمًا"، إلا أن أي تحديث رسمي لم يصدر منذ ذلك الحين.

 

وقد انتهت عملية الراكب الخشن في مايو/ أيار بعد التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والحوثيين. وأعلن الحوثيون، الذين يعادون إسرائيل ويتحالفون مع إيران، أنهم سيتوقفون عن استهداف السفن التجارية مقابل إنهاء القصف الأميركي.

 

لكن هذا لم يكن نهاية التصعيد. ففي هذا الأسبوع، أطلق الحوثيون عددًا من الصواريخ الباليستية باتجاه إسرائيل دعمًا لإيران، أصاب أحدها الضفة الغربية وأدى إلى إصابة خمسة فلسطينيين.


مقالات مشابهة

  • معركة في البحر الأحمر؟ تحذيرات دولية من تصعيد الحوثيين وسط صراع إيران وإسرائيل
  • الجمهوريون يدعمون مقترحاً لتصنيف “البوليساريو” منظمة إرهابية لارتباطها بإيران
  • البليدة.. إحباط محاولة هجرة غير شرعية عبر البحر وتوقيف 8 أشخاص
  • بريطانيا تتجه لحظر بال أكشن وتصنيفها منظمة إرهابية بعد اقتحام قاعدة جوية
  • الإدارة الأميركية تتخذ قرارات عقابية بحق الحوثيين والمتعاونين معهم .. أفراداً وكيانات
  • لماذا سأل ترامب عن أقوى قنبلة في الترسانة الأميركية؟: البنتاغون يجيب بتحفظ
  • ترامب وكواليس الحيرة الأميركية في حرب إسرائيل وإيران
  • ضحايا "حملة ترامب" في اليمن تضاهي 23 عامًا من الضربات الأميركية على البلاد
  • العليمي يحذر الحوثيين من الزج باليمن في الصراعات الإقليمية المدمرة
  • محافظ البنك المركزي: انتقال مقرات البنوك إلى عدن وقطع علاقاتها مع الحوثيين بشكل نهائي