كييف تحتاجها بشدة وموعد وصولها مجهول.. لماذا يخشى الغرب تزويد أوكرانيا بـإف-16″؟
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
السومرية نيوز – دوليات
تعهّدت هولندا والدنمارك بتزويد أوكرانيا بطائرات إف-16 الأمريكية، فهل تخلى الغرب أخيراً عن تردّده في تلك الخطوة خوفاً من مواجهة مباشرة مع روسيا؟ ومتى يمكن أن تصل المقاتلات إلى كييف فعلا؟ وكانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أعلنت قبل يومين موافقتها على تزويد أوكرانيا بالطائرات المتقدمة، والأحد 20 أغسطس/آب حصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على "تعهّد" من هولندا والدنمارك بتزويد كييف بتلك الطائرات، والسؤال الآن: متى يمكن أن يتحقق ذلك؟
لماذا تحتاج أوكرانيا "إف-16" بشدة؟
قبل الوصول إلى محاولة الإجابة عن الإطار الزمني المتوقع لوصول طائرات إف-16 إلى أوكرانيا ومشاركتها الفعلية في المعارك الطاحنة الجارية حالياً على طول خط المواجهة، من المهم التوقف عند ما يمكن أن تحققه تلك المقاتلات في ساحة الحرب.
ففي هذا الإطار، نشرت شبكة CNN الأمريكية تحليلاً يرصد مدى أهمية المقاتلات من طراز إف-16 لأوكرانيا ولماذا ينتظرها الجيش الأوكراني على أحرّ من الجمر. ولعل عمق آثار الألغام وتواتر انفجاراتها عبر مدينة أوريخيف الأوكرانية على خط المواجهة مثالٌ صارخ على الحاجة الماسة لأوكرانيا لطائرات مقاتلة من طراز إف-16 بصورةٍ عاجلة.
فالقوات الأوكرانية المحتشدة في جميع أنحاء المدينة لديها مهمة شاقة تتمثل في شق الطريق عبر حقول الألغام نحو القوات الروسية التي تتوقع تقدم هذه القوات منذ فترة طويلة.
لكن أكبر عائق أمام الأوكران هو عائقٌ نادراً ما يُسمَع إلا بعد فوات الأوان. تطلق الطائرات الروسية قنابل نصف طن متري من بعيد -من خارج نطاق الدفاعات الجوية الأوكرانية- ثم تدمر المواقع الأوكرانية متى شاءت. في بعض الأحيان يُطلَق ما يصل إلى 20 قنبلة في بضع دقائق في أوريخيف.
صحيح أن أنظمة الرادار الأوكرانية توفر بعض التحذير، يمتزج مع الهدير القصير والمشؤوم لصاروخ قادم. لكن الهدف النهائي غالباً ما يُسحَق دون سابق إنذار.
لذلك عندما تقول أوكرانيا إنها بحاجة ماسّة إلى طائرات إف-16، فذلك لأن الجنود الأوكرانيين يُقتَلون يومياً بسبب التفوق الجوي الروسي.
هذه التفاصيل التي ساقتها الشبكة الأمريكية في تحليلها تمثل الوضع الحالي في ساحة الحرب، ليس فقط في أوريخيف، ولكن على طول خط الجبهة الممتد لأكثر من 1200 كلم شرق وجنوب أوكرانيا، حيث تشن كييف هجومها المضاد الكبير الهادف إلى استعادة الأراضي التي تقع تحت السيطرة الروسية.
لكن الهجوم الأوكراني، الذي تم التحضير له على مدى شهور طويلة وشهد تقديم الغرب بقيادة واشنطن كماً هائلاً من الأسلحة الثقيلة المتطورة والمقدرة بعشرات المليارات من الدولارات، لم يحقق حتى الآن تقدماً كبيراً وهو ما فتح الباب أمام انتقادات غربية لكييف وإحباط ربما يفتح الباب أمام البحث عن حلول دبلوماسية للصراع الدموي.
فالحرب، أو "العملية العسكرية الخاصة" كما تسميها روسيا، أو "الغزو العدواني غير المبرر" كما يسميها الغرب، تقترب من إكمال عام ونصف بالتمام والكمال دون أن تلوح لها نهاية وشيكة في الأفق.
وعلى رغم الوعود الغربية منذ شهر طويلة بتقديم طائرات إف-16 إلى أوكرانيا، إلا أن التدريبات على تلك المقاتلات لم تبدأ بعد، بحسب تحليل الشبكة الأمريكية. وكانت أوكرانيا قد رحبت الجمعة 18 أغسطس/آب بنبأ موافقة الولايات المتحدة على نقل طائرات إف-16 عند "اكتمال التدريب"، إلا أن الوصول الفعلي لتلك المقاتلات ومشاركتها في المعارك لا يزال بعيداً عن المتناول.
وتعهّدت أمستردام وكوبنهاجن بتزويد كييف بطائرات إف-16 "بعد استيفاء شروط هذا التسليم"، حسبما أعلن رئيس وزراء هولندا مارك روته الأحد خلال زيارة الرئيس الأوكراني قاعدة سلاح الجو الهولندي في أيندهوفن جنوب المملكة، علما بأن كييف طالبت الغرب مراراً بتسليمها مقاتلات حربية منذ بداية الهجوم الروسي.
لكن، وبحسب تحليل CNN، لطالما كانت مهمة حصول أوكرانيا على طائرات عالية الجودة بسرعة مهمةً طموحة، إذ إن توفير طائرات إف-16، مع القدر المكثف من التدريب والخدمة التي تتطلبها، من شأنه أن يجعل الناتو دائماً أقرب ما يكون إلى طرفٍ مقاتل في هذه الحرب، وهو ما يسعى الغرب بقيادة واشنطن إلى تجنبه ونجح فيه حتى الآن.
فتلك الطائرات تحتاج إلى أن يكون الأوكرانيون متمرِّسين في صيانتها بين عشية وضحاها، وهناك دائماً خطر استدعاء أفراد الناتو لملء الفجوات، أو المساعدة في إصلاح الطائرات داخل أراضي الناتو. وهي خطوة تمثل السبب الرئيسي وراء تباطؤ الوتيرة.
ففي هذا الإطار، كان واضحاً منذ البداية أن واشنطن تحديداً تتجنب أي خطوات تصعيدية كبيرة قد ينتج عنها تحول الصراع إلى حرب مباشرة بين الناتو وروسيا، فرفضت إدارة بايدن اقتراح بولندا بتقديم طائرات ميغ إلى أوكرانيا ورفضت أيضاً فرض منطقة حظر طيران فوق الأراضي الأوكرانية، كما كانت ترفض تقديم أسلحة ثقيلة ومتطورة، كالدبابات والمدرعات والأنظمة الصاروخية إلى كييف.
لكن مع مرور الوقت، تخلت واشنطن والغرب عن كثير من تلك المحاذير وقدمت إلى كييف أسلحة ثقيلة ومتطورة، من دبابات وأنظمة صواريخ باتريوت وغيرها من الأسلحة التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، هذا بالإضافة إلى التدريب والمعلومات الاستخباراتية بطبيعة الحال.
لكن على الرغم من تعهّد بايدن بفتح الباب أمام إمداد أوكرانيا بطائرات إف-16 تحديداً قبل شهور، وتحديداً خلال زيارة زيلينسكي إلى البيت الأبيض أواخر العام الماضي، إلا أن تنفيذ ذلك التعهد لا يزال مجرد "كلام على ورق" كما يقال، حيث لم يتحقق بعد مرور نحو 8 أشهر، بل إن تدريب الطيارين الأوكراني على قيادة وصيانة تلك المقاتلات لم يبدأ بعد، كما تقول CNN.
والواضح هنا هو أن تلك المقاتلات، حال وصولها إلى أوكرانيا ومشاركتها في الحرب فعلاً، ستنتج عدة سيناريوهات جميعها تقريباً ليست في صالح الغرب: الأول أن تنجح تلك الطائرات في قلب موازين المعركة بالفعل كما تتمنى أوكرانيا والغرب ويجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه أمام كابوس التعرض للهزيمة العسكرية، فكيف قد يكون رد الفعل؟
أما السيناريو الثاني فهو تعرض الطائرات الأمريكية ذات السمعة المخيفة إلى الهزيمة في المنازلات الجوية مع نظيراتها الروسية، بسبب قلة خبرة الطيارين الأوكرانيين على سبيل المثال، وهو سيناريو سيئ للغاية للغرب بطبيعة الحال. باختصار، الأمور في كلتا الحالتين لا تبدو عواقبها محتملة.
متى يمكن أن تصل "إف-16" إلى أوكرانيا؟
على أية حال، وسواء كان هناك عدد كافٍ من الأوكرانيين المناسبين للتدريب، أو أياً كانت العقبات البيروقراطية الأخرى، فمن الواضح أن الإرادة ليست موجودة حتى الآن بين دول الناتو لإمداد كييف بتلك المقاتلات تحديداً، فقد تعلموا أن بإمكانهم فعل الأشياء بسرعة إذا أرادوا ذلك -وقد فعلوا ذلك مع دبابات ليوبارد الألمانية، بحسب تحليلCNN.
ربما أُجرِيَت حسابات تفيد بأن خطر انجرار الناتو إلى الحرب أكبر من أن يبرر التحرك بشكل أسرع لنقل طائرات إف-16. ومن الأسهل بدلاً من ذلك المقامرة بشأن ما إذا كانت أوكرانيا ستنجح في هجومها المضاد، ويدها مقيدةٌ خلف ظهرها، أي دون المخاطرة بإمدادها بطائرات إف-16 الأمريكية.
وفي هذا الإطار، وحتى لو مضى الغرب قدما في إمداد أوكرانيا بمقاتلات إف-16، فمن غير المرجح أن تتلقى كييف تلك الطائرات بالفعل حتى العام المقبل 2024. وبحسب تحليل الشبكة الأمريكية، يبدو أن المنتقدين للوتيرة البطيئة للهجوم المضاد الأوكراني قد استحضروا في أذهانهم أوكرانيا الخارقة، القادرة على قلب أي مبادئ عسكرية أساسية، بناءً على انسحاب القوات الروسية في أثناء تقدم كييف الخاطف على خاركيف وخيرسون العام الماضي.
وبالتالي فإن قادة الغرب يتوقعون الآن أن الجيش الأوكراني، الذي كاد أن يُمحَى من الوجود قبل 18 شهراً، سيكون قادراً الآن على إنجاز ما لم يحاول أي جيشٍ من قوات الناتو تحقيقه. فلن تفكر جيوش الناتو في التعامل مع حقول الألغام والدفاعات على طول جبهة زاباروجيا الجنوبية بدون دروعٍ متطورة ومعداتٍ مضادة لإزالة الألغام وتفوقٍ جوي وقوةٍ مدرَّبة جيداً.
لكن الغرب منح نفسه بطريقةٍ ما نفاد الصبر على عجز أوكرانيا عن أن تحوز جيشاً من الشباب، وتدريبهم بسرعة على معدات جديدة، واجتياح الأراضي التي تسيطر عليها روسيا بحلول الخريف.
وعلى الجانب الآخر، تعرف القوات الأوكرانية جيداً التأثير الذي يمكن أن تحدثه طائرات إف-16 على القوات الروسية والقتال الدائر بصورةٍ عامة، حيث إنها تعاني الشيء نفسه من الطائرات الروسية الآن.
قال أحد أفراد مشاة البحرية الأوكرانية في الجبهة الجنوبية لشبكة CNN الأمريكية: "أفهم تماماً ما هو الطيران بمعداته وقوته النارية. إنه أمر مخيف للغاية". وقال إن الروس سيشعرون بنفس التأثيرات التي يشعر بها الأوكران من طائرات إف-16. وأضاف: "ستسهِّل هذه الطائرات الأمور أكثر بكثير؛ لأنهم لن يشعروا بالأمان في مواقعهم الخلفية. لن يكون الجميع مستعدين نفسياً للعودة إلى الخنادق بعد غارةٍ جوية".
في المدن الأوكرانية المنكوبة، حيث صافرات الإنذار من الغارات الجوية تدوِّي بثبات إلى درجة أن السكان المحليين أصبحوا يحفظون طريقهم إلى الملاجئ حين تنطلق الصافرات، تسمح طائرات إف-16 باعتراض بعض الطائرات الروسية التي تطلق صواريخ من مسافاتٍ بعيدة. من شأن هذه الطائرات أن تعطِّل التفوق الروسي الجوي على المناطق الأوكرانية والرعب الذي يسببه ذلك.
فعندما يأتي الليل في دنيبرو، تسمع صفارات الإنذار وتنتظر الانفجارات، وأي نقاشٍ حول ما إذا كانت أوكرانيا بحاجة إلى المزيد من الدفاعات الجوية يبدو سخيفاً، من وجهة نظر الشبكة الأمريكية.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: إلى أوکرانیا تلک الطائرات بطائرات إف 16 طائرات إف 16 یمکن أن
إقرأ أيضاً:
لماذا الصمت العربي في حين تغيرت مواقف الغرب تجاه إسرائيل؟
توالت مواقف الدول الغربية التي تنتقد استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، في حين ظل الموقف العربي غائبا، في مفارقة تطرح تساؤلات عن التحول المتزايد في سياسات أوروبا مقابل صمت عربي.
ويأتي ذلك في حين تتجه عواصم غربية إلى تصعيد لهجتها ضد إسرائيل، ومراجعة علاقاتها السياسية واتفاقاتها العسكرية معها، بينما لم يصدر عن كثير من العواصم العربية سوى بيانات متفرقة لم تتجاوز حدود القلق، في الوقت الذي يتعرض فيه نحو 2.3 مليون فلسطيني لمجازر مستمرة وحصار خانق.
المواقف الأوروبية غير المسبوقة تطالب بعقوبات على المستوطنين، وبتعليق اتفاقيات التعاون الأمني مع إسرائيل وتدعو إلى فتح المعابر لإدخال المساعدات.
وفي ظل هذا التحرك الأوروبي المتسارع، يتعاظم التساؤل: أين الموقف العربي؟ ولماذا يلتزم العرب الصمت بينما ترتكب إسرائيل انتهاكات غير مسبوقة في غزة؟
موقع الجزيرة نت استطلع آراء عدد من المحللين والخبراء بشأن هذا التساؤل، إذ أجمعوا على أن الصمت العربي ليس حالة عابرة، بل نتيجة تراكمات سياسية وأمنية واقتصادية جعلت من الموقف تجاه غزة رهينة الحسابات لا المبادئ.
وقالت رئيسة مجلس شورى الرابطة الإسلامية في بريطانيا رغد التكريتي إن التحول في مواقف بعض الدول الغربية مثل فرنسا وكندا وبريطانيا تجاه العدوان على غزة يعد تطورا إيجابيا، مؤكدة أنه نقطة تحول مهمة كان يفترض أن تحدث منذ وقت مبكر.
إعلانوأضافت -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن هذا التحول لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة ضغط مستمر من الشارع والبرلمانيين، وتغير في مواقف بعض القيادات السياسية بعد نحو 20 شهرا من القصف والدمار المتواصلين من قبل إسرائيل على غزة، وفي ظل صمت دولي مقلق.
ونوهت إلى أن الغرب، ومنه بريطانيا، يلعب دورا مباشرا في دعم إسرائيل وتسليحها، ولذلك فإن التغيير في مواقفه ينعكس على السياسات العربية التي تتأثر غالبا بالإستراتيجيات الغربية.
وشددت التكريتي على أهمية استمرار الضغط الشعبي، مشيرة إلى أن الرابطة الإسلامية في بريطانيا تواصل تنظيم المظاهرات والتحركات لتثبيت هذه التغييرات، وقالت "نحن لا يهمنا الكلام، بل تهمنا المواقف والأفعال".
وأكدت التكريتي أن الشعوب قادرة على كسر السقوف المفروضة عليها ولو تطلّب ذلك بعض التضحيات.
صمت عربي
ويرى الباحث الفلسطيني محمد غازي الجمل -في تصريحات للجزيرة نت- أن الصمت العربي الرسمي ليس مجرد غياب عن المشهد، بل انعكاس لتحولات عميقة في العقيدة السياسية لبعض الأنظمة.
ويعدد الجمل في حديثه للجزيرة نت جملة من الأسباب التي تفسر هذا الصمت:
أصبحت المقاومة الفلسطينية خصما مقابل التحالف السياسي والأمني والاقتصادي مع دولة الاحتلال، بناء على اتفاقات السلام والتطبيع، مما يجعلها أداة ضغط وقمع لأي حراك شعبي رافض لعدوان الاحتلال. الحياة السياسية جُرّفت في المجتمعات العربية، وتم تأميم أدوات العمل الجماعي، كالأحزاب والنقابات والبرلمانات، التي أصبحت هياكل خاوية من مضمونها الحقيقي. جُرّم التضامن مع الفلسطينيين ودعم مقاومتهم بفعل القوانين والأنظمة والخطاب الإعلامي في العديد من الدول العربية. هناك ضعف في قناعة الشعوب بأثر الاحتجاجات، وضعف في قدرة القوى الشعبية على ابتكار أشكال تضامن تتجاوز قيود الأنظمة. الولايات المتحدة والدول الغربية تربط مساعداتها بعلاقات الدول العربية بإسرائيل، وتدرج أشكال الدعم للفلسطينيين ضمن ما تسميه دعم الإرهاب، وتلاحق الخطاب والتبرعات ذات الصلة. أصل المشكلة -حسب الجمل- يرتبط بشرعية الأنظمة، فمن يعتمد على دعم الخارج يبقى مرتهنا لمعادلاته، أما من يستند إلى رضا شعبي ينسجم مع مشاعر أمته فموقفه مختلف.وفي قراءة مشابهة، يرى المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون أن الجهود العربية إن وجدت فهي محدودة جدا ومحكومة بحسابات دقيقة ومعقدة.
إعلانويشير المدهون -في مقابلة مع الجزيرة نت- إلى أن من أسباب الغياب العربي ضعف النظام الرسمي وتراجع دور جامعة الدول العربية، فضلا عن الانقسام الداخلي بين الدول سواء على مستوى السياسات أو التوجهات الفكرية.
ويضيف أن كلفة دعم غزة اليوم أصبحت مرتفعة سياسيا واقتصاديا، ويخشى بعض الحكام من تداعياتها الداخلية، لا سيما في ظل هشاشة شرعياتهم.
ورغم ذلك، يرى المدهون أن التحرك الأوروبي رغم تأخره وبطئه يعكس تغيرا نسبيا في المزاج السياسي في الغرب، ربما بفعل ضغط الشارع، أو تنامي السخط الأخلاقي، أو حتى بسبب الارتباك في العلاقة مع واشنطن على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.
لكنه يحذر من الإفراط في التفاؤل، موضحا أن أغلب هذه الدول كانت شريكة للاحتلال وداعمة لسياساته وصامتة عن جرائمه، والتحرك الحالي لا يبدو مدفوعا فقط بدوافع إنسانية، بل تحكمه توازنات دقيقة وسعي لإعادة التموضع إقليميا ودوليا.
تجويع وتهجير
ويرى المحلل السياسي إياد القرا أن الردود العربية لم ترق إلى مستوى الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، خاصة منذ استئناف القتال في مارس/آذار الماضي، وما تبعه من مجازر دامية وحصار خانق استمر شهرين، في واحدة من أقسى مراحل العدوان.
ويضيف القرا -في تصريحات للجزيرة نت- أن المواقف الرسمية العربية لم تتجاوز بيانات الشجب، من دون تقديم أي دعم حقيقي للفلسطينيين، لا على المستوى الدبلوماسي ولا الإنساني، في وقت تمضي فيه إسرائيل في سياسة تجويع وتهجير منظمة.
وبيّن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنشأ "دائرة الهجرة" ضمن مكتب المنسق، لتنفيذ التهجير القسري نحو دول مثل الأردن ومصر والسعودية تحت غطاء "الطوعية"، في حين يمارس القتل والضغط لإجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة.
ويؤكد أنه حتى القمم العربية فقدت قيمتها، ولم تعد تحظى بثقة الشعوب بقدرتها على إحداث أي تغيير، مشيرا إلى أن القرار العربي بات مرتهنًا للإدارة الأميركية.
إعلانويلفت القرا إلى أن بعض الدول العربية باتت تحمّل حرمة المقاومة الإسلامية (حماس) مسؤولية ما يحدث، بدلًا من تحميل الاحتلال تبعات عدوانه.
وفي ظل هذا التحرك الأوروبي المتسارع والمواقف الغربية غير المسبوقة، أكد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج أن ما تحقق حتى الآن من مواقف أوروبية يشكل خطوات أولى ضرورية، لكنه لا يرقى إلى مستوى الكارثة الإنسانية والجرائم اليومية المرتكبة.
ودعا المؤتمر -في بيان وصلت للجزيرة نت نسخة عنه- الحكومات الأوروبية إلى وقف شامل ونهائي لتصدير الأسلحة والتقنيات العسكرية للاحتلال.
كذلك جدد البيان رفضه أي محاولات لتجزئة الحقوق الفلسطينية أو فرض حلول منقوصة، مشددا على أن الحرية والعودة وتقرير المصير هي حقوق أصيلة غير قابلة للتفاوض، داعيًا الجاليات الفلسطينية والعربية وأحرار العالم إلى مواصلة الضغط الشعبي والإعلامي والقانوني حتى تتحقق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني.