هل ستوقف حكومة الطوارئ الحرب في السودان؟
تاريخ النشر: 21st, August 2023 GMT
د. الشفيع خضر سعيد
الآلية الوطنية لدعم التحول المدني الديمقراطي ووقف الحرب، منظمة مدنية سودانية تضم مجموعة من المفكرين والأكاديميين والفاعلين، سياسيين وغير سياسيين، ظلوا ينحتون في صخر واقع البلاد المتأزم قبل وبعد إنقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وذلك من خلال عدة منصات وبمسميات مختلفة. وفور إندلاع الحرب في الخرطوم، تقدمت الآلية بمقترح إلى قيادة القوات المسلحة وقيادة قوات الدعم السريع بعنوان «المرتكزات الأساسية والترتيبات النهائية لوقف إطلاق النار الدائم واستعادة الحياة المدنية» وبالطبع تجاهلت القيادتان هذا المقترح ولم تردا عليه.
الفكرة المحورية والسائدة في خطاب الآلية، هي تشكيل حكومة مؤقتة، قبل الحرب كانت الآلية تدعو إلى تكوين حكومة تصريف أعمال، وبعد الحرب صارت تدعو لحكومة طوارئ، مسؤولة عن إدارة الأزمة في البلاد وتتصدى لمعالجة النتائج التدميرية للحرب، وتوفير الاحتياجات الإنسانية والمعيشية والحفاظ علي تماسك الدولة السودانية في وجه التحدي المصيري الذي يواجهها ويهدد جودها. والآلية ترى أن تشكيل حكومة الطوارئ هو أهم ما يمكن أن يتفق عليه الجانب المدني في إطار مجهودات وقف الحرب وتقصير أمدها. وشكت الآلية لجنة وطنية واسعة من كل قطاعات الشعب السوداني للقيام بوظيفة محددة، ومن موقع مستقل، هي الإتصال بكل المكونات في البلد، بما في ذلك التجمعات المهنية والقوى السياسية ولجان المقاومة والمجتمع المدني والأهلي وقطاع الأعمال، وكذلك دعوة السودانيين كافة، وذلك لتلقي الترشيحات للحكومة من كفاءات وأفراد من ذوي الخبرة في مجال الإدارة وأصحاب الذاكرة المؤسسية وممن يميلون لتغليب التوجة الوطني على المصالح الفئوية مع ضرورة الأخذ في الاعتبار التمثيل المتساوي للأقاليم. ومؤخرا، أصدرت الآلية خارطة طريق للوصول إلى تشكيل حكومة الطوارئ، تتضمن تنظيم حملة إعلامية تشرح أهداف لجنة الترشيحات الوطنية المستقلة وضرورتها ودورها في وقف الحرب، مع التأكيد على التقيد بمبدأ الشفافية في كل أعمال اللجنة.
تنادي الآلية بفكرة التداول الوطني الشامل وصولا إلى مشروع وطني مجمع عليه، وتتمسك بأن لأبناء وبنات السودان القرار الأول والأخير في رسم مستقبل دولتهم ووضع أسس ولبنات مشروعهم الوطني المغيب
وأيضا تنص خارطة الطريق على استكمال مسودات المراسيم الدستورية التي تعكف على إعدادها اللجنة القانونية المنبثقة عن مؤتمر نداء أركويت المشار إليه أعلاه، والتي ستصدر متزامنة مع الإعلان عن وقف الحرب وسحب القوات من المدن وتسليم السلطة لحكومة الطوارئ، ولتحكم فترة الستة أشهر الى العام بعد وقف الحرب وقبل البدء في عملية التداول الوطني. أيضا، تتضمن خارطة الطريق الإعلان عن مجلس الأمن والدفاع وتكوينه وصلاحياته للإشراف على الترتيبات الأمنية، والاتفاق على الشخصيات التي سترأس وزارة الداخلية والشرطة وغيرها من الأجهزة الأمنية ذات الطبيعة المدنية، وبدء الترتيبات لتجميع القوات ونزع السلاح وتحريك القوات خارج المدن ضمن برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج مع تأكيد وحدة القيادة والسيطرة للقوات المسلحة، والإعلان عن برنامج حكومة الطوارئ، ثم الإعلان عن قيام التداول الوطني الشامل بمشاركة كل الأطراف السودانية باستثناء مكونات النظام السابق، ومتزامنا مع الإعلان عن وقف دائم لإطلاق النار من جانب الحركات المسلحة غير الموقعة.
بالنسبة لحكومة الطوارئ المقترحة، فإن الآلية ترى أن تتكون من رئيس للوزراء ونواب إثنين من الكفاءات الوطنية المستقلة المتفق حولهم يتولون إدارة الملفات ذات الأهمية الاستثنائية وترتيب أولويات الدولة، إضافة إلى 14 أو 15 وزيرا يتم ترشيحهم بالتشاور مع التجمعات المهنية المختلفة. وتشدد الآلية على أولوية تكوين مجلس أعلى للقضاء من خلاله يتم اختيار رئيس القضاء ووزير العدل، وإنشاء مجلس خبراء من 40 إلى 60 شخصية مستقلة لدعم الحكومة تقوم بترشيحهم التجمعات المهنية والقوى السياسية والمجتمع المدني، ويتمتع بوضع خاص في هيكل الدولة والحكومة كضابط للأداء والاستشارات ومراقبة تنفيذ خطة الطوارئ، أي بمثابة جسم شبه برلماني رقابي غير سياسي. وكذلك إنشاء مجلس أعلى للسكان والاحصاء، والتنسيق مع لجان الطوارئ ولجان الخدمات والتغيير في المحليات لتكون نواة للحكم المحلي. أيضا، تشدد خارطة الطريق على دمج كل الجيوش في القوات المسلحة السودانية، ووضع وميثاق مصحوبا بخطة عملية لعدم العودة الى الحرب وتشكيل لجنة لمراقبة ذلك.
كل المادة المذكورة أعلاه مستخلصة من أدبيات الآلية الوطنية، وليس لي شرف المساهمة فيها رغم تطابق بعض النقاط مع ما ظللت أطرحه منذ فترة. أما رأيي الشخصي حولها، فألخصه في أن إقتراح تشكيل حكومة الطوارئ يستحق الإهتمام والدراسة الجادة، ولكن أيضا يتطلب مناقشة واسعة لكل جوانبه خاصة من حيث التفريق بينه وبين إقتراح حكومة المنفى الذي تطرحه بعض الجهات، وكذلك كيفية إشتراك بقية أطراف القوى المدنية في بحثه إذا لا يكفي أن تضطلع بذلك الآلية وحدها حتى وإن كانت لجنة الترشيحات التي شكلتها مستقلة حقا وتم تكوينها بكل شفافية، وهي فعلا كذلك، وتكفي هنا الإشارة إلى ما واجهته الآلية من رفض وتهديد عند محاولتها عقد المؤتمر في أركويت، كذلك المناقشة ضرورية لتناول موضوع المساءلة للمتسببين في الحرب والوضوح حول موقع القيادات العسسكرية الحالية من كل هذه العملية، وسنكمل بقية الحديث في مقالنا القادم.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: حکومة الطوارئ تشکیل حکومة الإعلان عن وقف الحرب
إقرأ أيضاً:
وزير المالية السوداني: وقف الحرب أولا وشعبنا سيحكم نفسه بنفسه
وفي حلقة جديدة من بودكاست "ذوو الشأن"، سلط الدكتور جبريل إبراهيم، الذي يترأس حركة العدل والمساواة، الضوء على مسيرته الحافلة بالتحولات، من قرية طينية نائية على الحدود التشادية إلى أروقة السياسة والاقتصاد في السودان، مرورا بتجربة دراسية وعملية غنية في اليابان والسعودية ولندن.
وتناول الوزير السوداني الأوضاع الاقتصادية الراهنة، معترفا بصعوبتها جراء الحرب، لكنه نفى وجود مجاعة شاملة، مشيرا إلى وفرة الإنتاج الزراعي ومشكلة رئيسية في إيصال الغذاء للمتضررين، كما تطرق إلى جذور الصراع في دارفور، وخلفيات تأسيس حركة العدل والمساواة، وموقفه من حمل السلاح.
بدأ الدكتور جبريل إبراهيم حديثه مستذكرا طفولته في قرية صغيرة قرب الطينة، المحاذية لتشاد، حيث الحياة القاسية وشظف العيش. وقال "الناس تتنقل نصف اليوم للوصول إلى مصادر المياه، وتعُود نصف اليوم الآخر"، واصفا كيف قاده إعجابه بمظهر أخيه الأكبر الأنيق إلى الالتحاق بالمدرسة.
وروى كيف تنقل بين المدارس الداخلية من الطينة إلى الفاشر، ثم إلى جامعة الخرطوم، مواصلا "انزياحا شرقا" أوصله إلى اليابان، التي يسميها البعض "بلاد الوقواق"، موضحا أن اسمها الحقيقي "واكوكو" يعني "بلاد السلام".
إعلانوأمضى إبراهيم 7 سنوات في اليابان، حيث درس الاقتصاد وأتقن اللغة اليابانية، التي بدأت تتآكل بمرور الزمن، على حد قوله. وعن تجربته هناك، ذكر كيف كان الأفارقة منظرا غريبا لليابانيين، خاصة في القرى، حيث كان الأطفال يتجمعون حولهم.
تكوين ورؤى اقتصاديةوبعد اليابان، انتقل وزير المالية للعمل في السعودية لمدة 4 سنوات، مدرسا للاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قبل أن يعود إلى السودان حيث كُلف بتأسيس شركة "عزة" للنقل الجوي، وهو الاسم المستعار الذي كان يُطلق على السودان إبان الاستعمار.
ثم غادر إلى تشاد ومنها إلى الإمارات، قبل أن يستقر في لندن لاجئا بعد أن طلبت الحكومة السودانية آنذاك تسليمه، وأوضح أن اتهامه بدعم الثورة في دارفور كان السبب وراء طلب تسليمه.
وعن الأوضاع الاقتصادية الحالية، أقر إبراهيم بصعوبتها، مشيرا إلى أن معظم النشاط الاقتصادي ومصادر إيرادات الدولة كانت متمركزة في العاصمة الخرطوم التي تضررت بشدة، وأكد أن الدولة لم تصل إلى الصفر في إيراداتها، وتعتمد حاليا على مواردها الذاتية من ضرائب وجمارك وعوائد الذهب.
ونفى الوزير وجود مجاعة شاملة، مؤكدا أن إنتاج السودان من الغلال يفوق الحاجة، وأن برنامج الغذاء العالمي يشتري الذرة من السودان لتصديرها، وأرجع شح الغذاء في بعض المناطق إلى ممارسات "المليشيا المتمردة" التي تمنع وصوله، فضلا عن فقدان القدرة الشرائية للمواطنين النازحين.
رؤية لإعادة البناءوطرح الدكتور جبريل إبراهيم رؤيته لإعادة بناء الاقتصاد السوداني، مرتكزة على محورين: الأول هو الاستثمار في "رأس المال البشري" عبر التعليم النوعي والخدمات الصحية، والثاني هو تطوير البنية التحتية المادية من طرق وجسور والسكك الحديدية وموانئ وشبكات خدمات.
وأشار إلى سعي وزارته قبل الحرب لرفع نصيب التعليم والصحة في الميزانية إلى 40%. ولتمويل البنية التحتية، دعا إلى شراكات إستراتيجية بنظام البناء والتشغيل ثم تحويل الملكية "بي أو تي" (BOT)، مؤكدا تهيئة البيئة التشريعية لذلك.
إعلانوفيما يتعلق بالمساعدات الخارجية، أوضح أن أموال الغرب "مُسيّسة"، وأن الدعم حاليا يأتي عبر طرف ثالث، غالبا وكالات الأمم المتحدة، بعد تصنيف التغيير في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 انقلابا، وأشاد بالدعم الإغاثي من الدول العربية والخليجية وإيران وتركيا.
الحرب والسياسة والمستقبلوتطرق وزير المالية إلى الحرب الدائرة مع قوات الدعم السريع، معتبرا إياها "مشروعا إقليميا ودوليا كبيرا" وأن الدعم السريع "مجرد أداة تستخدم مرحليا"، وربط الصراع بأطماع في سواحل البحر الأحمر وموارد السودان المائية والزراعية والمعدنية، وربما بمحاولة "تغليف المسألة بمحاربة الإسلام السياسي".
وبشأن الأوضاع في الفاشر، أكد صمود المدينة أمام هجمات الدعم السريع المتكررة، قائلا "لن تسقط بإذن الله"، مشيرا إلى رمزيتها التاريخية كعاصمة لإقليم دارفور.
وعن موقفه من الحكم العسكري، قال إبراهيم إنه مع الحكم المدني تماما، وإن الظرف الحالي فرض وجودا عسكريا في السلطة، مددت الحرب عمره.
وأعرب عن ثقته في قدرة الشعب السوداني على تغيير الأنظمة العسكرية عبر الثورات، متوقعا حوارا سودانيا-سودانيا شاملا بعد الحرب لرسم خارطة طريق نحو انتخابات حرة.
وردا على تصريحات الفريق البرهان حول أداء بعض الوزراء، نفى الدكتور جبريل أن يكون من المقصودين، مؤكدا أن التعيينات في الدولة تخضع لإجراءات وقوانين تحد من سلطة الوزير المطلقة، وأن صلاحياته في التعيين المباشر تقتصر على 3 أشخاص.
جذور الصراع في دارفوروعاد إبراهيم بالذاكرة إلى نشأة حركة العدل والمساواة، مؤكدا أنها حركة قومية وليست قبلية أو إقليمية، تهدف إلى تحقيق العدالة والتنمية المتوازنة في كل أقاليم السودان. وأوضح أن فكرة الحركة تبلورت منذ عام 1995 نتيجة شعور بالظلم والتهميش.
وكشف الوزير أنه كان "الوحيد الذي اعترض على حمل السلاح" في المؤتمر الذي تقرر فيه ذلك بألمانيا، مفضلا الحوار، لكن قناعة الأغلبية كانت أن الحكومة آنذاك "لا تسمع إلا أصوات المدافع". ورغم ذلك، أكد أنه ليس نادما على خيار التمرد المسلح الذي فرضته الظروف.
إعلانوأرجع أسباب الصراع في دارفور إلى الشعور بالظلم من قبل المركز في توزيع الفرص والمشروعات التنموية، وإلى دور الحكومة أحيانا في "اللعب على التناقضات القبلية وتفضيل مكونات على أخرى"، مما أدى إلى تطاحن كبير.
واختتم الدكتور جبريل إبراهيم حديثه بالتأكيد على أن وقف الحرب هو الأولوية، وأن الشعب السوداني بعد ذلك "سيحكم نفسه بنفسه"، معربا عن تفاؤله بمستقبل السودان رغم التحديات الجسيمة.
30/5/2025