عقد الجامع الأزهر اليوم الأحد، ملتقى التفسير ووجوه الإعجاز القرآني الأسبوعي تحت عنوان "مظاهر الإعجاز القرآني والنبوي حول التغير المناخي" بمشاركة الدكتور صالح أحمد عبد الوهاب، وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين، والدكتور مصطفى إبراهيم، الأستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر، وعضو لجنة الإعجاز العلمي بمجمع البحوث الإسلامية، وأدار اللقاء الدكتور مصطفى شيشي، مدير إدارة شئون الأروقة بالجامع الأزهر، وحضور عدد من الباحثين وجمهور الملتقى، من رواد الجامع الأزهر.

في بداية الملتقى قال الدكتور صالح أحمد عبد الوهاب: إن الكون كله مسخر بأمر الله سبحانه وتعالى لخدمة الإنسان، فما من شيء من مكونات هذا الكون إلا وهو مأمور بخدمة الإنسان، فالنظام الكوني بكل قوانينه التي وضعها الله سبحانه وتعالى، لتنظم حركة هذا الكون في تناسق بين مكوناته جاءت من أجل الإنسان ولتلبي متطلبات حياته، لأن الإنسان هو خليفة الله سبحانه وتعالى في الأرض، ولكن الإنسان مكلف أن يحافظ على هذا الكون بشكل يضمن عدم حدوث خلل في نظامه الذي حدده الحق سبحانه وتعالى، لذلك فإن  الممارسات التي يقوم بها البعض والتي من شأنها أن تحدث خللا في النظام البيئي، هي ممارسات فاسدة "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ".

وبين وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين، أن الماء رغم كونه ضرورة لحياة الإنسان، لكننا اليوم أمام كارثة حقيقية بسب الإسراف في استخدامه والتلوث الذي أصابه نتيجة النفايات التي يلقيها البعض في الماء، والتي تضررت منها الكائنات الحية أيضا، مبينا أن الإنسان أحدث التلوث الناتج عن النشاط البشري الذي أثر على الهواء أيضا، ولم تسلم الأرض أيضا من الأضرار البشرية بسبب قطع حرائق الغابات للبحث عن الوقود الأحفوري الذي تسبب في العديد من المشاكل البيئية، كالاحتباس الحراري وذوبان الجليد بسبب ارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي تسبب في التهديد البيئي بغرق بعض المدن.

وأضاف وكيل كلية العلوم الإسلامية للوافدين: إن القرآن الكريم صور لنا  المظاهر  السلبية في تعامل الإنسان مع البيئة في قول الحق سبحانه وتعالى "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" من خلال أربعة محاور، الأول: في قوله "ظهر" والظهور لا يكون إلا من خفاء، وهو دليل على أن هذه الآثار السلبية كانت موجود من قبل نزول الآية في إشارة إلا أن الإنسان منذ القدم وممارساته السلبية تؤثر على البيئة،  كما أن استخدام الفعل الماضي في ظهر دليل على تحقق هذا الفساد، سواء الفساد المعنوي والذي يظهر في فساد الأخلاق والعقيدة، والفساد المادي الذي يظهر  في الممارسات والسلوك.

 المحور الثاني: يبن أن سبب انتشار الفساد بما كسبت أيدي الناس وانتشار الفاحشة فيما بينهم، فالباء في "بما كسبت" للسببية، المحور الثالث: بينت الآية انعكاس الفساد على الإنسان ليذيقهم بعض الذي عملوا، فعندما نشاهد كل هذه المظاهر علينا أن نعود إلى الله سبحانه، المحور الرابع: وضح  لنا القرآن الكريم العلاج في قوله لعلهم"يرجعون"، أي لنتوقف عن الممارسات الضارة وأن نلتزم بمنهج الحق سبحانه وتعالى "وما كان ربك مهلك بظلم وأهلها مصلحلون".
 

من جانبه قال الدكتور مصطفى إبراهيم، عضو لجنة الإعجاز العلمي بمجمع البحوث الإسلامية: إن قول الحق سبحانه وتعالى "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" جاءت في سورة الروم،  كأن القرآن الكريم يخبرنا أن بداية ظهور الممارسات الضارة على هذا الكوكب والتي تؤثر على البيئة بأكملها ستظهر في الغرب، لأن الروم في الخطاب القرآني موجه للغرب، ويفسر هذه الحقيقة القرآنية التقارير العلمية التي أفادت أن الثورة الصناعية التي ظهرت في الغرب هي واحدة من أكبر التحديات التي تهدد النظام البيئي، والتي أخذت  في سبيل تحقيق النمو الاقتصادي، باجتياح الكثير من مظاهر الحياة،  كحريق الغابات لاستخدام الفحم وما تسبب عنه من تغيرات مناخية.

وأوضح عضو  لجنة الإعجاز العلمي بمجمع البحوث الإسلامية، أنه نتيجة لما يواجهه العالم من احتباس حراري بسبب زيادة حرارة الأرض إلى (1.5) درجة مئوية عن معدلها الطبيعي، بدأ العالم يدرك خطورة  الإسراف في استخدام الطاقة غير المتجددة كالوقود الأحفور وما ينتج عنه من غازات ومشاكل التصحر والاحتباس الحراري، وبخاصة أن التقارير البيئية تحذر من ارتفاع درجة حرارة عند ٣ درجات مئوية عن معدلها الطبيعي الأمر الذي يستحيل الحياة معها.

وبين عضو لجنة الإعجاز العلمي بمجمع البحوث الإسلامية، أنه بسبب اختلال النظام البيئي فإن الكثير من الكائنات الحية حاولت تغيير نمط حياتها بسبب فساد بيئتها الأصلية كالدب القطبي بعد أن وجد صعوبة في أن يجد غذاءه في البحار نتيجة التلوث الذي أصابها، بدأ يبحث عن بدائل أخرى في الحياة البرية مما شكل خطرا على الكائنات البرية، كما أن  الطيور المهاجرة، حدث اختلال في وجهتها بسبب تغير المناخ، نتيجة التصحر الذي أصابها.

أشار إلى وجود تقارير علمية بأن ذوبان الجليد يهدد بغرق العديد من المدن الساحلية، وانتشار العديد من الأمراض، الأمر الذي تسبب في تضاعف ميزانية الدول بنسبة 06.1% من إجمالي الناتج العالمي ، على المنظومة  الصحية لمجابهة أضرار التغيرات المناخية على الإنسان، التي تسببت  ظاهرة الهجرة لبعض الكائنات، كبعض الحشرات التي تنتقل من مكان إلى آخر بسبب ارتفاع درجة الحرارة، والذي يتسبب في انتقال بعض الأمراض إلى المكان الجديد التي هاجرت إليه.  

وذكر عضو لجنة الإعجاز العلمي أن أخطر أشكال الممارسات الضارة بالبيئة والتي تسببت في كوارث لا يمكن تجنبها ما تقوم به بعض الدول في استخدام الأسلحة النووية والبيولوجية من أجل حماية مصالحها الشخصية، ويظل تأثيرها ممتد لقرون، مضيفا أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دعا إلى حماية البيئة والحفاظ عليها من خلال قوله "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"  وهي دعوة إلى إعمار الأرض والحفاظ عليها حتى آخر ساعة، ودليل على أن الزراعة شيء مهم للأرض من خلال امتصاص النبات لغازي ثاني أكسيد الكربون الضار وإنتاج غاز الأكسجين المفيد، وهو ما عبر عنه القرآن بقوله “والصبح إذا تنفس”

أكد الدكتور مصطفى شيشي، مدير إدارة شئون الأروقة بالجامع الأزهر أن التحديات البيئية التي تعاني منها البشرية هذه الأيام، قد حذر القرآن الكريم منها قبل أن يتوصل العلم إلى مسبباتها، كما أن القرآن ذكر مؤشرات هذه التحديات من خلال قوله تعالى"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس"، والفساد المشار إليه في هذه الآية هو الفساد بشكل عام سواء في ذلك الفساد الأخلاقي والاقتصادي والبيئي وكل أشكال الفساد، كما أنه دليل عملي على أن القرآن الكريم لم يترك شيئا في هذا الكون إلا وذكر مسبباته كما حدد سبل الوقاية والعلاج منه.

يذكر أن ملتقى "التفسير ووجوه الإعجاز القرآني" يُعقد الأحد من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى إلى إبراز المعاني والأسرار العلمية الموجودة في القرآن الكريم، ويستضيف نخبة من العلماء والمتخصصين.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: البحوث الإسلامية التفسير التغير المناخي الإعجاز القرآني الإعجاز الجامع الأزهر المزيد الحق سبحانه وتعالى النظام البیئی القرآن الکریم الدکتور مصطفى الله سبحانه هذا الکون تسبب فی من خلال کما أن

إقرأ أيضاً:

أمين البحوث الإسلامية في جامعة بروناي: الإمام الشافعي جمع بين الأصالة والمعاصرة

ألقى د.  محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، اليوم، كلمةً خلال مشاركته في مؤتمر جامعة (السلطان الشريف علي الإسلامية) بسلطنة بروناي دار السلام، والذي جاء تحت عنوان: (المذهب الشافعي في العصر الرَّقْمي.. الأهميَّة والتحديات)، أكَّد فيها الأهميَّة البالغة لهذا المؤتمر؛ كونه يتناول سيرة الإمام الشافعي رحمه الله؛ بوصفه أحد أعلام الأمَّة الكبار، وواحدًا مِنَ الذين شرَّفهم المولى -سبحانه وتعالى- بالدِّفاع عن دِينه بمنهجيَّة عِلميَّة ضبطت مسار الفكر في تناول الأصول والنظر إلى الفروع، ناقلًا تحيات فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ودعواته لهذا المؤتمر بالتوفيق والسداد.

وأوضح د. الجندي في كلمته التي جاءت بعنوان: «الإمام الشافعي بين تفرد العلماء وتجرد الأولياء في مواجهة التحديات التقنية»، أنَّ مسيرة الإمام الشافعي شكَّلت نقطة تحوُّل مضيئة في مسيرة الفكر الإسلامي، لا سيَّما في الفقه وأصوله، إذْ إنَّه مجدِّد أرسى قواعد جديدة، وجمع بين المدارس الفقهية ليقدِّم للأمَّة الإسلاميَّة منهجًا متكاملًا بُنِيَ على رؤية مكتملة، راعى من خلالها الأصول والقواعد الفقهية، وأخذ بعين الاعتبار ما تقتضيه طبيعة الحياة من تجدُّد وتغيُّر، فجاءت فروعه ملائمة لظروف الواقع مع التزامها بالأصول.

أمين البحوث الإسلامية يتابع جهود وعَّاظ الأزهر وواعظاته في توعية الحُجَّاج بمطار القاهرةأمين البحوث الإسلامية: القرآن المصدر الأسمى لهداية البشرية وضبط مسارهاأمين «البحوث الإسلامية» يستقبل سفير سلطنة بروناي لبحث تعزيز التعاون العلمي والدعويمهمتنا تحصين الشباب..أمين البحوث الإسلامية يلتقي الأمناء المساعدين

وأشار الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية إلى أنَّ الإمام الشافعي -رحمه الله- كان نموذجًا فريدًا في جَمْعه بين الأصالة والمعاصرة؛ إذ درس علوم الشريعة على أكابر العلماء في الحجاز والعراق، وتمكَّن من المزاوجة بين فقه الأثر وفقه الرأي؛ وهو ما أتاح له تأسيس مذهب متكامل يُراعي النصوص والمقاصد معًا، لافتًا إلى أنَّ شخصيَّة الإمام الشافعي كانت متفرِّدة في تركيبتها العلمية؛ فقد كان واسع الأفق، حاضر الذهن، شديد الدقة في استنباط الأحكام، عميق الفهم للنصوص، مدركًا طبيعة الواقع الذي يعيش فيه؛ مما مكَّنه من تقديم اجتهادات مؤصلة ومنضبطة رسَّخت لأصول الاستدلال والاستنباط في الفقه الإسلامي.

وبيَّن فضيلته أنَّ رحلة الإمام الشافعي إلى مصر عام 199هـ شكَّلت محطة حاسمة في مسيرته العِلميَّة، وميلادًا لمذهبه الجديد؛ ففي مصر، وبين ذلك المجتمع بتنوُّعاته الثريَّة؛ اطَّلع على أعراف وحضارات وآثار جديدة؛ ممَّا دفعه إلى إعادة دراسة وتحليل آرائه الفقهية السابقة على ضوء هذه التجارِب الحياتيَّة التي عايشها في مصر، وكنتيجة لهذه التجرِبة الفريدة، أعاد كتابة رسالته في الأصول، وعدل عن بعض آرائه الفقهية الفرعية؛ ممَّا دلَّ على مرونته الفقهية وعمق فهمه لمقاصد الشريعة، وقدرته على التكيُّف مع تغيُّر الظروف والأحوال.

ولفت الدكتور محمد الجندي إلى أنَّ الإمام الشافعي أسهم بدَور بارز في ترسيخ المنهج الاستدلالي وضبط العَلاقة بين مصادر التشريع؛ ممَّا جعله علامة فارقة في تاريخ الفكر الإسلامي، وأثْرى به الاجتهاد الفقهي، مؤكدًا أنه لم يكُن عالِمًا منعزلًا عن قضايا عصره؛ بل كان فقيهًا معايشًا للواقع.

وذكر أنَّ منهج الإمام الشافعي في الفقه لم يكُن مجرَّد إطار فقهي فحسب؛ بل كان له بصمة عميقة في بناء الفكر الإسلامي، القائم على الاستدلال والترجيح بين الأدلة؛ ممَّا أتاح لعقلية المجتهد مرونة فريدة مضبوطة بمنهجيَّة تساعده على استنباط الأحكام، ومواجهة المستجدات بوعي وفهم عميق، وهو ما أسهم في استمرارية العطاء الفكري للأجيال المتعاقبة.

وتابع فضيلته أنَّ مِن أبرز الشواهد العِلميَّة على عظمة هذا المنهج؛ ما نراه جليًّا في المدرسة الأزهرية العريقة، التي يُعدُّ المنهج الفقهي للإمام الشافعي أحد أركانها التي استمدَّت منها العقلية الأزهرية التفكير الفقهي السليم، الذي يؤهِّل صاحبها للاجتهاد، إضافةً إلى كون الإمام الشافعي أول مَنْ وضع لبنات عِلم أصول الفقه في كتابه الخالد (الرسالة)؛ لهذا استحق عن جدارة أن يُوصَف بأنه «عقل فقهي ومنهجي عبقري»، وبأنه «مجدِّد القرن الثاني الهجري».

وثمَّن الدكتور محمد الجندي الدَّور الذي تقوم به المؤسسات العِلميَّة في تعزيز القِيَم الفكريَّة والتربويَّة، ونَشْر سِيَر أعلام الأمَّة، داعيًا طلاب العِلم إلى الاقتداء بسيرة الإمام الشافعي في التحصيل، والحرص على التكوين العِلمي المتكامل، والتخلُّق بأخلاقيَّات العلماء الربانيين.
 

وكرم رئيس جامعة السلطان الشريف علي الإسلامية داتوء سيري سيتا حاج د نور عرفان بن حاج زينال، وفضيلة رئيس المحاكم الشرعية فيهن اورانج كايا فادوكا سيري أوباما داتوء بازوكا سيري سيتا أستاذ حاج أوانج سالم بن حاج بسسار، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية على مشاركته الفاعلة في فعاليات الجلسة العلمية.

طباعة شارك أمين البحوث الإسلامية جامعة بروناي الإمام الشافعي جامعة السلطان الشريف علي

مقالات مشابهة

  • أمين البحوث الإسلامية في جامعة بروناي: الإمام الشافعي جمع بين الأصالة والمعاصرة
  • «الأوقاف» تطلق بالتعاون مع «المتحدة» أكبر مسابقة لتلاوة القرآن الكريم
  • مواطن تركي يشعل النار في القرآن الكريم أمام قنصلية لندن.. والأخيرة تردّ
  • تعاون بين الأوقاف "الشركة المتحدة "لإطلاق "برنامج لاكتشاف المواهب بتلاوة القرآن الكريم"
  • الأوقاف: تعاون مع المتحدة لاكتشاف أبرز المواهب في تلاوة القرآن الكريم
  • السيسي: ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط
  • الرئيس السيسي يشدد على أهمية خلو الشرق الأوسط من الأسلحة النووية
  • البحوث الإسلامية: الإسلام سبق إلى ترسيخ العلاقة الأخلاقية بين الإنسان والبيئة
  • البشير والنذير في القرآن الكريم
  • إنشا “متحف القراء” بإذاعة القرآن الكريم ليضم مقتنيات وتسجيلات ووثائق