سودانايل:
2025-08-03@05:16:58 GMT

تفشي وباء «جنون القتل» في السودان

تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT

تُعتبر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من أشد الجرائم التي يمكن أن ترتكب ضد البشرية، وهي تمثل انتهاكات جسيمة وخطيرة للقيم الإنسانية الأساسية وللقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وحسب اطلاعاتي البسيطة، هنالك فوارق بين جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فجرائم الحرب هي انتهاكات للقوانين والأعراف التي تحكم الحروب والنزاعات المسلحة بين الدول أو محليا داخل الدولة، وتطال الجنود أو المدنيين، مثل: قتل أو تعذيب الأسرى أو المدنيين، استخدام الأسلحة المحظورة (مثل الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية) الاعتداءات العشوائية التي تسبب خسائر في صفوف المدنيين، تجنيد الأطفال واستخدامهم في المعارك، تدمير الممتلكات والبنى التحتية والأعيان المدنية كالمستشفيات والمدارس ودور العبادة.


أما الجرائم ضد الإنسانية فهي أفعال مُنظمة وممنهجة وواسعة، تُرتكب ضد مجموعة من السكان المدنيين، سواء في وقت الحرب أو السلم، وغالباً ما ترتكب بدافع سياسي أو عرقي أو ديني، مثل: القتل العمد والإبادة الجماعية، التعذيب والاختفاء القسري، الاغتصاب والاستعباد الجنسي أو الاتجار بالبشر، الترحيل القسري أو النقل الجماعي للسكان، إلى غير ذلك من الأعمال والانتهاكات العنيفة التي تسبب معاناة شديدة. وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، تُعرِّفها وتنظمها عدة معاهدات وقوانين دولية، أبرزها اتفاقيات جنيف الأربع (1949) والبروتوكولات الإضافية، ونظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية في عام 1998. ولضمان العدالة ومنع تكرار هذه الجرائم في المستقبل، يشدد القانونيون الشرفاء وحماة العدالة ودعاة حقوق الإنسان وصناع المستقبل على وجوب محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وعدم السماح بإفلاتهم من العقاب، وذلك بتقديمهم للعدالة إما أمام المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الدولية الخاصة، كما حدث في محكمة نورمبرغ لجرائم الحرب العالمية الثانية والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا ويوغوسلافيا السابقة، أو أن تتم محاكمتهم أمام المحاكم الوطنية بموجب مبدأ «الولاية العالمية» متى ما توفر النظام العدلي والقضائي المستقل والنزيه.

ووفق تعريفنا هذا، المبسط وغير المتخصص، لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فإن الحرب المشتعلة اليوم في السودان، والتي تقترب من إكمال عامها الثاني، تتوفر فيها معظم، إن لم يكن، كل عناصر هذه الجرائم، حيث تؤكد الأدلة الموثقة استهداف المدنيين في الأحياء السكنية والأسواق والمستشفيات بالقصف المدفعي أو الطيران أو المسيرات، مما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، وخاصة النساء والأطفال، وكذلك إعلاء راية الانتقام وارتكاب المجازر وذبح الإنسان ذبح الشاة في الشوارع والمنازل والتمثيل بجثته وذلك بغرض الانتقام أو على أسس سياسية أو إثنية أو جهوية أو بغرض النهب والسلب، وحالات العنف الجنسي الجماعي كأداة حرب، والتهجير القسري نزوحا داخليا أو لجوءا مما خلق أزمة نازحين ولاجئين كبيرة داخل السودان وفي الدول المجاورة، وتدمير البنية التحتية كالطرق والكباري والمستشفيات والمدارس ومرافق المياه والكهرباء، مما حرم المدنيين من الخدمات الأساسية والضرورية للحياة. ورغم أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية كانت متوفرة، وبكثرة، إبان الحرب في جنوب السودان قبل انفصاله وخلال أحداث سنوات حرب دارفور الممتدة منذ عام 2003 والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها «أول إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين» لكن حرب السودان المندلعة منذ الخامس عشر من أبريل/نيسان 2023، شهدت في الآونة الأخيرة تصعيدا خطيرا تجاوز الحدود المتوقعة ودخل نطاق اللامعقول وغير المسبوق في تاريخنا الحديث من حيث ارتكاب أعمال عنف مروعة ومجازر وحشية ضد المدنيين، والتي غالبًا ما تكون بدوافع عرقية أو سياسية أو بسبب الانتقام، وساد ما يمكن أن نسميه تفشي وباء سفك الدماء أو مرض «جنون القتل». ومن الأعراض والعلامات الواضحة لهذا الوباء أو المرض، والتي نشهدها اليوم في السودان، استمرار دوران «دورة الانتقام» أي استمرار مسلسل العنف وسفك الدماء، وتصعيد التوترات وتفاقم الخوف والغضب، وتفشي حالة تطبيع العنف، أي جعل المجتمع يتقبله كوسيلة لحل النزاعات، وكل ذلك يضعف فرص الحلول السلمية عبر الحوار ويعمق الاستقطاب والانقسامات داخل المجتمع. إن «جنون القتل» وتفشي وباء العنف العشوائي في السودان، بالإضافة إلى أنه يُمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، فإنه يعمق من حالة الكراهية وحالة الحقد والعداء بين السودانيين ويجعلها مزمنة مما يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وصعوبة شفائه وتعافيه، ويلقي بظلال قاتمة على مستقبل البلاد ووحدتها، كما قد بجذب أطرافا خارجية مما يفاقم المأساة ويطيل عمر المعاناة.
إن تفشي وباء سفك الدماء ومرض «جنون القتل» في السودان لا يمكن تجاهله والصمت عنه، بل هو يستوجب أن نتحمل جميعا، في المقدمة الزعامات التقليدية والقيادات الأهلية ومشايخ الطرق الصوفية وقيادات المجتمع المدني، أن نتحمل المسؤولية الأخلاقية حيالها والعمل على كبحها. لكن العبء الأكبر في تحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية حيال مقاومة هذا الوباء، فيقع على عاتق قيادات الأطراف المتحاربة، بدءا بإلزام قواتها ومرؤوسيها بالانضباط والامتناع عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتشكيل لجان مستقلة للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت والتي لاتزال تُرتكب حتى اللحظة، ونشر نتائج هذه اللجان بشكل شفاف ومعلن، وتقديم الجناة وكل المتورطين إلى المحاسبة العاجلة والعادلة. وبالطبع، فإن تقاعس القيادات عن تنفيذ ذلك يضعها في خانة المتهمين والمتورطين. ومن جانب آخر، نكرر ما ذكرناه في مقال سابق حول ضرورة الإسراع في نشر أفراد الشرطة والأجهزة المدنية لإنفاذ القانون في كافة المناطق التي يستعيد الجيش سيطرته عليها، وضمان الفصل بين العناصر العسكرية النظامية ومجموعات المستنفرين وبين التعامل المباشر مع المواطنين، وأن يكون هذا التعامل وفق ما يضمن سيادة القانون وإنفاذه بفعالية وعدالة. وبخلاف ذلك، فلا مفر من تفعيل آليات المجتمع الدولي، وفق القانون الدولي، لوقف هذه المأساة وحماية المدنيين، على النحو الذي تناولناه في مقال سابق، فشعب السودان لا يستحق هذا الجنون.

نقلا عن القدس العربي

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانیة الجرائم ضد الإنسانیة فی السودان

إقرأ أيضاً:

معاريف: الأمراض النفسية للجنود وباء صامت يقوّض المجتمع الإسرائيلي

يلفت الكاتب والمحلل الإسرائيلي إفرايم غانور إلى أن الانفجارات وأصوات القصف التي اعتاد عليها الإسرائيليون منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة ليست سوى المقدمة لصدى آخر أشد وطأة، يتمثل في صرخات عشرات الآلاف من المصابين نفسيا من الجنود، والذين سيحملون آثار الحرب في ذاكرتهم وأجسادهم ما بقي لهم من عمر.

ويركز الكاتب، في مقال له بصحيفة معاريف، على ما يسمى بـ"اضطراب ما بعد الصدمة" كمرض نفسي متفاقم ينتشر بين الجنود الإسرائيليين بسبب خدمتهم العسكرية في غزة وارتكابهم للفظائع بحق المدنيين أو بسبب مواجهاتهم الصعبة مع مقاتلي المقاومة الفلسطينيين الذين يفاجئونهم من الأنفاق.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إعلام إسرائيلي: إسرائيل أصبحت دولة جرباء وهي تعيش انحطاطا غير مسبوقlist 2 of 2صحف عالمية: إسرائيل جوّعت سكان غزة عمدا وبموافقة الغربend of list

ويصف غانور هذا المرض بأنه "وباء صامت" يتسلل بهدوء إلى عمق المجتمع، وسيتجلى على نحو أكثر وضوحا وخطورة بعد توقف العمليات القتالية وهدوء أصوات المدافع.

ضغط نفسي غير مسبوق

ويشير الكاتب إلى أن كل حرب تخلف وراءها جنودا يعانون اضطرابات عقلية ونفسية متفاوتة، حتى بين المقاتلين الأكثر صلابة. في بعض الحالات، تلتئم الجروح النفسية بمرور الوقت، لكن في حالات أخرى تبقى ملازمة لصاحبها حتى وفاته. إلا أن ما يميز الحرب الجارية، كما يقول، أنها تشهد قتالا مستمرا منذ ما يقارب العامين في ظروف استثنائية.

ويقول غانور إن الجنود الإسرائيليين يخوضون في معظم الأحيان حرب عصابات ضد ما وصفه بعدو غير مرئي لا يعرفون من أين يخرج لهم ويهاجمهم، مضيفا أنه "في كثير من الحالات، يفعلون ذلك في قلب السكان المدنيين، بما في ذلك الأطفال والنساء وكبار السن، ويكون هؤلاء المقاتلون أكثر عرضة للصدمات ومشاكل الصحة العقلية من المقاتل الذي يحارب ضد جيش مفتوح ومنظم".

ويرى أن هذا النوع من القتال يختلف جذريا عن الحروب التقليدية التي خاضتها إسرائيل في الماضي ضد جيوش نظامية كالمصرية والسورية والأردنية، إذ  كانت نسبة الإصابات النفسية في تلك الحروب أقل بكثير مما هو عليه الحال اليوم في المواجهات مع حركات المقاومة، كحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة وحزب الله في لبنان.

إعلان

وبحسب المعطيات التي أوردها غانور، والتي سبق أن كشفت عنها وسائل إعلام إسرائيلية، فإن أكثر من 10 آلاف جندي لا يزالون يعالجون من ردود الفعل العقلية واضطراب ما بعد الصدمة، فيما تم الاعتراف فقط بـ3769 جنديا على أنهم يتأقلمون مع اضطراب ما بعد الصدمة، ويتلقون علاجا متخصصا.

كما أشار في تقريره إلى أن عدد الجنود الجرحى والمعاقين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الآن وصل إلى 18500 جندي من الجيش وقوات الأمن، منهم آلاف يعانون من أضرار نفسية حادة معظمهم من فئة الشباب، لا سيما من صفوف الاحتياط.

ويشير الكاتب إلى أن الأخطر أن 45 جنديا أقدموا على الانتحار منذ بدء الحرب، وهو رقم يثير قلقا بالغا داخل المؤسسة العسكرية والمجتمع الإسرائيلي على حد سواء.

ضعف الاستعداد المؤسسي

ويتساءل غانور بجدية: "هل أن الجيش الإسرائيلي، ودائرة إعادة التأهيل، مستعدون للتعامل مع هذه الأزمة الآخذة في التوسع؟"، فالتعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة يتطلب ميزانيات ضخمة، وأطباء ومعالجين متخصصين قادرين على الاستجابة السريعة والفعالة، لكنه يشكك في أن الدولة ستتعامل مع الظاهرة بالجدية المطلوبة، خاصة في ظل تاريخ من الإهمال أو التقليل من شأنها.

ويضرب مثالاً على ذلك بقضية 4 جنود من لواء ناحال أعلنوا مؤخرا رفضهم العودة إلى القتال في قطاع غزة، نتيجة التجارب النفسية القاسية التي مروا بها خلال خوضهم المعارك لفترات طويلة. هنا يطرح سؤالا حرجا: هل يتم التعامل مع هؤلاء الجنود كمصابين بحاجة إلى علاج ودعم، أم كفارين من القتال يستحقون العقوبة والسجن؟

ويروي الكاتب من تجربته الشخصية في الماضي كمجند، يتعامل القادة العسكريون مع الجنود الذين يبدون علامات الانهيار النفسي بأسلوب قاسٍ وساخر، ويقللون من شأن معاناتهم ويدفعونهم إلى العودة إلى المعركة فورا، لكن في الحروب الحديثة.

وحسب الكاتب، فإن هذه المعضلة تصبح أكثر إلحاحا في ظل حقيقة أن تجاهل أو إساءة التعامل مع الجنود المصابين بصدمة نفسية قد يؤدي إلى نهايات مأساوية، كما حدث بالفعل في حالات انتحار لجنود لم يجدوا من يفهم معاناتهم أو يقدم لهم المساعدة المناسبة.

وعلى الرغم من أن الجيش الإسرائيلي طوّر قدرات كبيرة في مجال إخلاء الجرحى من ساحات القتال وعلاج الإصابات الجسدية بسرعة وفاعلية، فإن الكاتب يرى أن الوضع مختلف تماما على صعيد الإصابات النفسية. فلا توجد آليات فعالة لتشخيص اضطراب ما بعد الصدمة مبكرا أو للتعامل معه بشكل شامل، ما يجعل الأزمة مفتوحة على احتمالات أكثر سوءا مع مرور الوقت.

ويخلص غانور إلى أن "الوباء الصامت" لاضطراب ما بعد الصدمة ليس مجرد قضية فردية تخص الجنود المصابين، بل هو تحدٍّ وطني يمس المجتمع الإسرائيلي بأسره، وسيترك بصماته العميقة على النسيج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لإسرائيل في السنوات المقبلة، إذا لم يتم التعامل معه كأولوية وطنية عاجلة.

مقالات مشابهة

  • (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!
  • وسط تفاقم الأزمة الإنسانية.. الاحتلال يتوعد بمواصلة الحرب في غزة
  • المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لإيقاف جرائم السعودية بحق المدنيين في المناطق الحدودية
  • الفاشر .. أيقونة الصمود في مواجهة جريمة تجويع المدنيين
  • عقاد بن كوني: نحيي قوات درع السودان التي واصلت التقدم بثبات حتى وصلت إلى إقليم كردفان
  • جمعية مساندة الكفاح الفلسطيني تشيد بالمبادرة الإنسانية للملك وترحب بتزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين
  • إعلام عبري: إسرائيل باتجاه انهيار دبلوماسي جراء تفشي المجاعة بغزة
  • غزة في قلب العاصفة.. اعتراف بدولة فلسطين يعرقل وقف الحرب ويزيد الانقسام الدولي
  • ارتفاع معدل جرائم القتل المروعة في صنعاء خلال يوليو الماضي
  • معاريف: الأمراض النفسية للجنود وباء صامت يقوّض المجتمع الإسرائيلي