أشاد الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، خلال ندوة «الفتوى والشأن العام»، التي نظمها جناح دار الإفتاء بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بمشاركة الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، والدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور مصطفى الفقي، المفكر السياسي، باختيار موضوع الندوة وأهميته.

الله يبعث على رأس كل مائة سنة علماء يجددون الدين

وأوضح أن الإسلام يمتلك آليات متعددة للتفاعل مع الزمن ومواكبة المستجدات، وهذا التفاعل يتجلى من خلال التجديد والفتوى، مشيرا إلى أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة علماء يجددون الدين بمعنى إزالة ما علق به من أفكار ضالة وتيارات منحرفة ليعود نقيًّا كما هو في جوهره، وذكر قول الشيخ محمد أبو زهرة الذي أوضح أنَّ التجديد يعني عودة الإسلام نقيًّا كما كان في أصله.

وتحدَّث الدكتور أسامة الأزهري، عن دور مصر في حركة التجديد الفقهي، مشيرًا إلى أن غالبية المجددين خرجوا من مصر، كما تناول أهمية الاجتهاد الفقهي الذي تقوم به المؤسسات الفقهية المتخصصة، ودور الفتوى التي يجب أن تصدر عن عالِم مدرك لطبيعة الأمور وأبعادها المختلفة بحيث تنزل الفتوى لتُضيءَ العقولَ وتجمع الشمل وتزيل الحيرة.

وأكَّد أن العالِم الحقيقيَّ هو مَن يتحدث في الشريعة وعينه تراقب أحوال جميع الناس، فلا تكون فتواه سببًا في تعطيل حياتهم أو تشتيتهم، وفي هذا السياق، شدَّد على أهمية أن تصدر الفتوى من المؤسسات المتخصصة في الشأن العام، مشيرًا إلى أنَّ الفتوى في الشؤون الخاصة مفتوحة لكلِّ من يمتلك المؤهلات العلمية اللازمة.

وشدد على ضرورة وجود تشريعات تحمي مجال الإفتاء في الشأن العام من اقتحام غير المؤهلين الذين قد لا يدركون طبيعةَ الأمور وتداعياتها المختلفة؛ ما قد يؤدي إلى فتاوى تضرُّ بالمجتمع بدلًا من إصلاحه.

قضية المصلحة محور مهم في الشريعة 

وأشار الأزهري إلى قضية المصلحة باعتبارها محورًا مهما في الشريعة الإسلامية، مستشهدًا بالقاعدة الفقهية «أينما وُجدت المصلحة فثَمَّ شرعُ الله»، هذه الجملة التي كُتبت حولها مؤلفات كثيرة وتناولها العلماء بالتأليف والتحليل والتحرير والتطوير.

وتطرق إلى ما أوضحه الإمام العز بن عبد السلام بشأن مقاصد الشريعة التي قد تجتمع أحيانًا على غير المألوف، إذ أكَّد أن الشريعة جاءت لتحفظ المصالح وتدعم الديمومة والاستمرار، مع التركيز على حماية الحياة قبل الموت، ويمكن تلخيص ذلك في القاعدة الفقهية الشهيرة «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».

وأشار إلى مفهوم الإحسان كما تناوله العز بن عبد السلام، وأوجز كل هذه المعاني في تلك الكلمة، موضحًا أنه يشمل الإحسان في التعامل مع الله، ومع النفس ومع الناس بل حتى مع الحيوانات، ومن محاسن الشريعة الإسلامية أنها تحثُّ الناسَ على الإحسان في جميع أمور حياتهم، مستشهدًا بقول الله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء».

واختتم الأزهري حديثه بتهنئة المصريين بقرب حلول شهر رمضان المبارك؛ داعيًا إلى استثمار أجوائه في تعزيز معاني الإحسان والتعايش والسلام.

وشهدت الندوة حضورًا كبيرًا وزخمًا من قِبل قيادات دار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف وروَّاد المعرض وعدد من الباحثين والإعلاميين؛ استمرارًا لدور دار الإفتاء في رعاية العلم والفتوى وبحث القضايا المجتمعية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: معرض القاهرة للكتاب معرض القاهرة الدولي للكتاب معرض الكتاب

إقرأ أيضاً:

واقعنا التربوي.. هل يُواكب بناء الدولة أم يُعوقه؟

يجب علينا أن نتوقف لنسأل: كيف لبلد مثل بلادنا، التي تميزت وتفوقت على كثير من دول الإقليم، والتي تتمتع بمجتمع بسيط وروابط اجتماعية وعلاقات متينة، وتمتلك إمكانات كبيرة مع تعداد سكاني بسيط، أن يتأخر ثقافيًا ويفقد القدرة على التطوير؟

هذا التساؤل العميق يدعونا إلى التوقف عند واقعنا التربوي، لنعرف مكامن الخلل ونبحث عن السبل التي تحول بلدنا إلى نموذج ناجح في التنمية والتقدم.

مقدمة

في زمن تتشابك فيه الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، نطرح سؤالاً جوهرياً: هل استثمرنا في بناء الإنسان كما ينبغي؟

الإنسان هو الأساس، واللبنة الأولى لأي بناء متين. فبدون تربية سليمة وقيم راسخة، لا يمكن للدولة أن تنهض، ولا للمجتمع أن يتقدم.

إن الأزمات التي نعانيها ليست معزولة عن تراكمات طويلة الأمد في منظومة التربية والسلوك، وهذا ما يجعل من دراسة هذا الجانب ضرورة ملحة للخروج من دوامة الفشل.

في كل دولة، تشكل منظومة التربية والتعليم حجر الزاوية في بناء الإنسان والمجتمع، وبالتبعية تأسيس الدولة الحديثة القادرة على تحقيق التنمية والازدهار. أما في ليبيا، فإن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: هل واقعنا التربوي يواكب هذا الطموح الكبير في بناء الدولة، أم أنه يشكل عائقًا يعرقل مسيرة التقدم؟

هذا السؤال ليس مجرّد تساؤل، بل هو ضرورة وطنية ملحة. فالتربية الأسرية والتعليم والثقافة والقانون كلها متداخلة في منظومة معقدة تؤثر بشكل مباشر على قدرات أبنائنا على المشاركة الفاعلة في بناء وطنهم. في هذا المقال، نستعرض واقع التربية في ليبيا، مع تحليل مكامن الخلل وأثرها على التنمية، لنفهم كيف يمكن أن تتحول التربية من عائق إلى رافد قوي نحو بناء الدولة المنشودة.

التربية والتعصب القبلي والمناطقي

أحد أخطر الانعكاسات السلبية لغياب التربية الوطنية الجامعة هو انتشار التعصب القبلي والمناطقي والجهوي. فبدل أن يكون الانتماء للوطن هو الرابط الأول، أصبح الانتماء للقبيلة أو المنطقة معيار الولاء والدفاع، مما غذّى الانقسام وأعاق قيام دولة المؤسسات.

هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات تربوية لم تتصد لها الأسرة ولا المدرسة كما يجب.

غياب مشروع صناعة المواطن الواعي

المواطن الواعي هو الذي يدرك حجم الإمكانات التي حبانا الله بها، ويعرف كيف يوظفها في البناء لا الهدم. غير أن غياب التربية التي تزرع قيم المسؤولية والعمل المشترك والنقد البنّاء، جعلنا نكرر الأخطاء نفسها، ونعيد إنتاج الأزمات حتى وصلنا إلى ما نحن عليه من انقسام سياسي وفوضى اجتماعية.

إرث الأخطاء والتخلف المجتمعي

ما نعيشه اليوم من سلبيات هو انعكاس مباشر لتراكمات الماضي، حيث لم نتعلم من أخطائنا، ولم نعترف بمسؤوليتنا عنها. هذا النمط من التفكير جعلنا نلقي اللوم على “الآخر” دون مراجعة الذات.

لا يخلو أي مجتمع من سلبيات وأخطاء، لكن ما نعانيه في بلادنا اليوم يتجاوز ذلك ليصل إلى ظواهر تتناقض مع ما ندعيه من قيم وعادات وأصالة وتدين. فبلد المليون حافظ للقرآن الكريم – مع كامل احترامنا وتقديرنا – يشهد تناقضًا صارخًا بين هذه القيم والممارسات التي ظهرت بعد أول اختبار حقيقي في 2011، وطوال هذه السنوات الأربعة عشر التي تلتها، والتي شهدت أزمات متكررة وظواهر غريبة تعكس ارتباكًا حتى في أعلى المستويات، خاصة بين النخبة وصانعي القرار.

لقد كان من الممكن أن تكون الثورة أو التغيير بداية لعصر جديد، لكن غياب الوعي المجتمعي والتهيئة التربوية جعلنا ندور في دائرة الأزمات نفسها.

الإتيكيت.. أساس لا ترف

جزء من الخلل التربوي يكمن في وجود آباء وأمهات كبروا وهم يحملون سلبيات وسلوكيات متناقضة مع روح العصر، ثم نقلوها إلى أبنائهم.

إننا هنا لا نقصد المظاهر الشكلية، بل الإتيكيت الذي يظنه البعض ترفًا اجتماعيًا، بينما هو في جوهره احترام ونظام ولباقة وانضباط، أي قيم تتفق تمامًا مع ديننا وعاداتنا الحسنة.

غياب هذا السلوك في التربية جعل الأجيال الجديدة تفتقد أبسط قواعد التعامل الحضاري، من احترام المواعيد، والاعتذار، واحترام النظام العام، وحسن الاستماع، وكلها أساسيات لأي مجتمع يريد التقدم دون أن يفقد هويته.

شباب بلا بوصلة

واقع شبابنا اليوم يعكس حجم الفجوة التربوية؛ فالكثير منهم يفتقدون الرؤية المستقبلية، وتنقصهم المهارات والقيم التي تمكّنهم من مواجهة التحديات.

ومع غياب دور الأسرة، وتراجع تأثير المؤسسات التعليمية والإعلامية والاجتماعية، برزت ظواهر مقلقة، من الانخراط في سلوكيات سلبية، إلى العزوف عن العمل والمشاركة في الشأن العام.

لماذا لا تصبح الإيجابية ظاهرة عامة؟

هناك أسر واعية تؤدي ما عليها وتغرس في أبنائها قيمًا إيجابية، لكن هذه النماذج لا تتحول إلى ظاهرة مجتمعية لغياب منظومة داعمة — من تعليم قوي، وإعلام هادف، وسياسات واضحة — تحوّل السلوك الجيد إلى ثقافة عامة، وتخلق “عدوى إيجابية” تنتشر في المجتمع.

التعليم والثقافة والقانون.. ثلاثية التخلف

لا يمكن الحديث عن بناء سلوك تربوي يواكب الدولة دون التوقف عند ثلاثية أساسية تمثل اليوم أحد أكبر أسباب التخلف: التعليم، الثقافة، والقانون.

فالتعليم المتخلف لا يخرج أجيالًا مؤهلة فكريًا ومهاريًا، بل يدفعهم إلى الحياة العامة وهم يفتقرون لأبسط أدوات الفهم والتحليل.

أما الثقافة الضعيفة أو المنحرفة، فتجعل المجتمع أسيرًا لعادات سلبية وخرافات، وتضعف وعيه النقدي وقدرته على مواكبة التطور.

ويأتي القانون، فإذا كان غائبًا أو مطبقًا بانتقائية، فإنه يفقد هيبته ويغذي الفوضى، فتتراجع قيم الانضباط والمساءلة.

هكذا تكتمل الحلقة المفرغة: تعليم ضعيف، ثقافة فقيرة، قانون بلا قوة… والنتيجة مجتمع عاجز عن النهوض، حتى وإن توفرت له الموارد والإمكانات.

الدولة والمجتمع.. مسؤوليتان متكاملتان

لا يمكن إلقاء اللوم على طرف واحد. المجتمع هو الذي ينتج الأفراد ويغرس فيهم القيم، والدولة هي التي تضع السياسات وتوفر البنية التحتية التعليمية والتربوية والقانونية.

كلاهما مسؤول، لكن بدرجات مختلفة. المجتمع ينتج الخلل عندما يفشل في التربية، والدولة تُعمّق المشكلة أو تُعالجها من خلال سياساتها وقدرتها على التنظيم والمحاسبة.

الإصلاح الحقيقي يحتاج تضافر الجهود بين الطرفين لبناء وطن مستقر وقوي.

دور علماء النفس والاجتماع في بناء المجتمع

لا يمكن الحديث عن إصلاح المنظومة التربوية والتنموية دون التأكيد على الدور الكبير لعلماء النفس والاجتماع، الذين يمثلون العمود الفقري لفهم طبيعة الإنسان والمجتمع. هؤلاء العلماء هم الذين يملكون الأدوات العلمية لتحليل السلوكيات الفردية والجماعية، ولفهم الديناميكيات الاجتماعية التي تؤثر على البناء المجتمعي.

مشاركتهم الفاعلة في الميدان من خلال الأبحاث والتدخلات الاجتماعية، وورش العمل التوعوية، تساعد في معالجة الخلل السلوكي والاجتماعي، وتقويم القيم، وتعزيز الوعي الجمعي. كذلك، دورهم في تقديم استشارات متخصصة للآباء، والمعلمين، وصانعي القرار، يسهم في توجيه الجهود التربوية والسياسات الاجتماعية نحو مسارات صحيحة ومدروسة.

لا غنى عن هذا الجانب العلمي في بناء الإنسان والمجتمع، خصوصًا في ظل التحديات التي تواجهها ليبيا اليوم، إذ يفتح المجال أمام حلول علمية مستندة إلى فهم عميق لطبيعة المجتمع الليبي وتاريخه الثقافي والاجتماعي.

البناء التربوي أولوية أساسية

ليس مستحيلاً أن نبدأ بالتركيز على البناء التربوي الذي يمثل أولوية أساسية لبناء جيل جديد يعي معنى الانتماء إلى الوطن. ويتم ذلك من خلال وضع أسس سليمة تعتمد على تخطيط واستراتيجيات واضحة تبني أطفالنا وشبابنا، وتغرس فيهم حب الوطن والانتماء له. ويشمل ذلك تصميم برامج تعليمية متميزة، ووسائل تربية حديثة، وأنشطة متكاملة في مؤسسات ترفد وتدعم الدور الأسري في غرس القيم الوطنية وتعزيز الهوية.

ولا نغفل كذلك الدور الحيوي لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والمؤسسات الاجتماعية والتربوية، التي يجب أن تكون منبرًا لتعزيز الوعي الوطني والانسجام المجتمعي، بدلًا من التركيز على خطابات التظليل والتفرقة التي تزيد من الانقسامات. إن استثمار هذه الوسائل بشكل إيجابي يسهم في خلق بيئة محفزة للإيجابية، ونشر قيم المواطنة والاحترام والتسامح.

فهذا البرنامج الشامل يعزز الوعي السياسي ويجنب شبابنا المخاطر التي تهددهم من الانحرافات السلوكية والظواهر الهدامة والفراغ.

خاتمة

إن استعادة بناء الوطن تبدأ بإصلاح الإنسان، وتأهيله تربوياً وأخلاقياً ليكون قادراً على حمل أمانة النهضة والتنمية.

التربية السلوكية ليست رفاهية بل ضرورة حتمية، فهي التي تمنحنا القدرة على مواجهة التحديات، وتحمي مجتمعنا من الانهيار.

إذا أردنا أن نعيد مجدنا ونحقق المستقبل الذي نحلم به، فلنبدأ أولاً من الإنسان، من قيمه، من وعيه، ومن تربيته التي تظل رافعة حضارتنا نحو الأفضل

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • كيف أستغفر الله من الغيبة والنميمة؟.. أمين الفتوى يجيب
  • وزير الاتصالات: الفتوى الرشيدة تحتاج إلى بصيرة شرعية ويقظة تكنولوجية
  • وزير الأوقاف: شعار الرُّشد قيمة أخلاقية وفِكرية كبرى للإبحار في عالم الذكاء الاصطناعي
  • هل يأثم الزوج إذا لم يأمر زوجته بلبس الحجاب؟.. أمين الفتوى يجيب
  • الإفتاء توضح ضوابط الكذب المباح في الشريعة الإسلامية
  • واقعنا التربوي.. هل يُواكب بناء الدولة أم يُعوقه؟
  • هل يجوز الزواج من تارك الصلاة؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل
  • أمين الفتوى يحذر التجار من هذه التصرفات في البيع والشراء
  • أمين الفتوى: الله قدّر أرزاق العباد قبل خلقهم فلا مبرر للجوء إلى الحرام
  • أمين الفتوى: الكلمة قد تكون كسب حلال أو حرام