عندما تحتفى الجمعية التاريخية بالقيمة
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
على الرغم من رحيله منذ نحو سبع سنوات، منحت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، برئاسة المؤرخ والعميد السابق لكلية آداب جامعة القاهرة الاستاذ الدكتور «أحمد الشربينى»، صلاح عيسى عمرا جديدا، وأحيت سيرته بعمل يليق بالجمعية، ذلك الصرح العظيم، الذى يكدح ويقاوم، للحفاظ على ذاكرة الأمة، من رياح التعرية العاصفة التى تعمل بكل أدواتها لمحوها، بعد تشويهها.
ولاستقبال الجمعية المصرية لمكتبة «صلاح عيسى» قصة تستحق أن تروى، لما تنطوى عليه من دلالات ودروس. قبل أكثر من عام قادتنى قدماى إلى سور الأزبكية والأماكن المحيطة به من باعة الكتب القديمة، كانت تلك عادة اكتسبتها من صلاح عيسى، أن أذهب إلى السور من حين لآخر لتفقد الجديد الذى يحويه. وجدت حجما هائلا من الكتب المرصوصة بحرص ونظام فى ركن قصى متسع تختلف من حيث ما يحويه من جدة وشكل، عن غيرها من الكتب، وحين سألت، قال لى البائع إنها مكتبة لأحد الأدباء الذين فارقوا الحياة قبل فترة وجيزة، فأصابنى ما قاله البائع بذعر وذهول.
ولحكمة قد لا نعرفها، تلعب الصدفة، التى هى خير من ألف ميعاد، فى بعض الأحيان، دورا لا يستهان به فى مصائر الناس، وهو ما حدث بالفعل. فقد عدت من تلك الجولة بهمٍّ عظيم. هل يمكن فى حالة عدم وجودى، أن يلقى مصير مكتبة صلاح عيسى التى تحوى أكثر من عشرة آلاف كتاب بعضها من الكتب النادرة، نفس مصير مكتبة الأديب الراحل، وترمى هكذا على الأرصفة؟ لم أكن قد فكرت بعد فى مصير تلك المكتبة، لكن تلك الصدفة التى قادتنى لسور الأزبكية، هى ما فرضت على بدء التفكير بعمق، فى البحث عن مكان آمن يتيح كتبها أمام من يحتاجها من القراء والدارسين والمؤرخين. وكانت النصيحة التى أسداها لى الصديق الدكتور «صابر عرب» المؤرخ ووزير الثقافة الأسبق هى الحل الأنسب والأوفق: إهداء المكتبة للجمعية المصرية للدراسات التاريخية.
وخلال أقل من عام، وبجهد مكثف من الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، ومن فريق العمل الشاب من الباحثين والمعيدين والمدرسين بكلية الآداب قسم تاريخ، تم نقل المكتبة إلى مقرها الجديد، فى الجمعية المصرية، بعد أن قام هذا الفريق خلال عشرة أيام فقط، بجهد علمى رائع فضلا عما اتسم به هذا الجهد من شغف ومحبة، لتنسيق الكتب وتصنيفها وتغليفها، لتنقل محتويات المكتبة بيسر وطرق آمنة، إلى الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بمدينة نصر.
وقبل يومين تم افتتاح المكتبة التى تحمل اسم «صلاح عيسى» بعد تصنيفها فى مقر الجمعية، على هامش الندوة التى أقيمت للاحتفاء بتلك المناسبة، وتضمنت بجانب ذلك توزيع كتيب أنيق، بديع الشكل والاخراج، ينطوى على مؤلفات صلاح عيسى، وموجز لسيرته الذاتية. وما كان لهذه الندوة أن تأتى بهذا القدر من الاتقان والنجاح، لولا الجهد المكثف على مدار أكثر من أسبوعين الذى قامت به الدكتورة «ناصرة عبدالمتجلى»، وفريق العاملين معها فى الجمعية، لتكشف الندوة عن جوانب أخرى من مواهبها الهائلة، غير كتابة التاريخ. فضلا عن جهدها الشاق طوال عام لنقل المكتبة، وتصويرها لفيلم قصير لكل الخطوات التى اتخذت، لكى ترسو المكتبة بين ضفاف الجمعية وفى ظل رعايتها.
وكانت الموافقة السريعة من قبل العالم الجليل الدكتور «أحمد الشربينى» على أن تستقبل الجمعية التاريخية المكتبة، ومن ثم الاحتفاء بها وبصاحبها، قد أعادت لى الثقة، بأن فى مصر عقولا ومؤسسات ما زال فى وسعها أن تعلى من قيم الناس والأشياء وتمنحهم ما يستحقونه من تقدير، ناهيك عن أن تواصل دورها فى مناخ غير مواتٍ فى الحفاظ على هوية مصر، وصونها من جحافل التفاهة والجهل، ومن أعاصير غامضة ترمى لتشويه التاريخ والجغرافيا وحتى اللغة، بترويج بضاعة فاسدة، بات كسادها حتميا بجهود مثل تلك العقول والمؤسسات، وفى ظل وجودها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مكتبة صلاح عيسى على فكرة أمينة النقاش المصریة للدراسات التاریخیة الجمعیة المصریة صلاح عیسى
إقرأ أيضاً:
عباس شومان يرد على «إبراهيم عيسى» بعد استنكاره صلاة العيد بالخلاء وطاعة الوالدين
أثار الإعلامي إبراهيم عيسى الجدل مرة أخرى في عيد الأضحى المبارك، بفيديو متداول له بعنوان: "خطبتي في عيد الأضحى.. أعاده الله عليكم بالعقل."
وقال إبراهيم عيسى في الفيديو: "منذ طفولتي وأنا أرى كل عام خطبة عيد الأضحى"، مستنكرًا اتباع المسلمين لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء صلاة العيد في الخلاء، مشيرًا إلى أن الجميع لا يعرفون العلة النبوية من الصلاة في الخلاء، والتي كانت بسبب تكدس المسلمين في المساجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
كما استنكر إبراهيم عيسى قصة سيدنا إبراهيم مع سيدنا إسماعيل، مشيرًا إلى أنه لم يجد تفسيرًا يُبيِّن أن هذه القصة تعبر عن طاعة الوالدين.
رد الدكتور عباس شومانورد الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، على الإعلامي إبراهيم عيسى، بمنشور على صفحته على "فيس بوك".
ونشر عباس شومان قوله تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
وعلّق عباس شومان قائلًا: "ماذا عن عقل يرى أنها لا علاقة لها بطاعة الوالدين؟!"
قصة سيدنا إبراهيم مع ولده إسماعيللما بلغ إسماعيل أشدَّه، إذا بابتلاء آخر ينتظره وينتظر أباه؛ إذ رأى إبراهيم في منامه أن الله تعالى يأمره بذبح ولده إسماعيل، قال تعالى:
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات: 102).
وهنا يتجلَّى الأدب الرفيع العالي: أدب إبراهيم مع ربه جل وعلا، وأدب إسماعيل مع أبيه عليهما السلام.
إبراهيم يريد أن ينفذ أمر الله بذبح ابنه الوحيد الذي جاءه بعد شوق طويل! وإسماعيل يضرب أروع الأمثلة في الصبر على البلاء وطاعة الآباء، والتأدب مع والده.
فقال: "يا أبتِ" — ولم يقل "يا أبي" — زيادة في الأدب والتبجيل والتعظيم له. لم يعترض، لم يهرب، لم يتلفظ بكلمة واحدة تُغضب ربه أو أباه، بل سلَّم الأمر كله لمولاه.
ويا ليتنا نتعلم هذه المعاني العظيمة من أخلاق الأنبياء، ومن كتاب الله الخالد الذي صوَّر هذا المشهد البالغ الدقة بقول الله تعالى:
(فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ • وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ • قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ • إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ • وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (الصافات: 103–107).
وهكذا، لما امتثل الولدُ والوالدُ لأمر الله؛ كان الجزاء هذا الفداء المهيب الذي لم يأتِ من الأرض، بل نزل من السماء.
ومن أجل ذلك شُرعت الأضحية في الإسلام، وجعل الله ثوابها عظيمًا ونفعها عميمًا.
وفي هذه الأيام، ونحن نتذكر هذه الذكريات، نتذكرها وقلوبنا مملوءة إعظامًا وإكبارًا لسيدنا إبراهيم، وسيدنا إسماعيل، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولرسل الله كافة عليهم السلام، لما بذلوه من جهد وعناء ومشقة وابتلاءات في سبيل الدعوة إلى الله.